الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنظيم النقابي والتحول الديمقراطي

سلامه ابو زعيتر

2022 / 3 / 25
الحركة العمالية والنقابية



يشكل التنظيم النقابي منذ بداياته أحد أهم الأدوات للتحول الديمقراطي برغم ما واجهه من صعوبات وتحديات دفع ثمنها من دماء المناضلين وأصحاب القضايا العادلة، إلا أنه جسَد مدخلاً للمشاركة الاجتماعية بما يحمل من قيم ومبادئ تعزز العمل الاجتماعي والوطني والنضالي، لصالح الفئات الاجتماعية بتنوعها، وخاصة الحركة النقابية والعمالية، والتي لعبت دوراً فعالاً ما بعد الثورة الصناعية، وامتدت لكل أنحاء المعمورة لتنظيم الجسم النقابي المطلبي والنضالي للعمال الذي يناضلون من أجل تحقيق العدالة والحماية الاجتماعية، والدفاع عن مصالحهم وتحسين واقعهم للأفضل، وتزامن ذلك مع تطور التشريعات والقوانين الدولية والمحلية حول الحق في التنظيم النقابي وحريته، وخاصة اتفاقيتي العمل الدولية 87 و98، الأمر الذي انعكس على القوانين والتشريعات المحلية لكل دولة، وذلك عزز شرعية التنظيم النقابي ودوره وظيفته النضالية والمطلبية لخدمة الأعضاء وتحسين واقعهم.
على الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه التنظيمات النقابية في مسيرة التطور الاجتماعي، وما تمتاز من طابع تاريخي واقتصادي واجتماعي وحقوقي وثقافي، إلا أن هناك شح وندرة في تناول ودراسة التنظيمات النقابية، ويعود ذلك لأسباب خارجية تتعلق بالخطاب السياسي وبتوجيهات الباحثين ومراكز الدراسات، وآخري لأسباب داخلية خوفا من كشف نقاط ضعف النقابات وتهديد توازنها، مما انعكس على البحوث كماً ونوعاً، وما دفعنا لكتابة هذا المقال هو محاولة لتقديم بعض الأفكار للمساهمة في تطوير التنظيم النقابي ارتباطاً بالمتغيرات والمستجدات الاقتصادية والاجتماعـية التي طرأت على المجتمع، وهو يؤثر ويتأثر بالمتغيرات التي حدثت سواءً في خطط عملة وبرامجه، وبنيته التنظيمية والهيكلية والادارية، ودوره في التحول الديمقراطي وتعزيز الحريات في المجتمع.
سنحاول في هذا المقال التعرف على العوامل والمعايير والشروط الداخلية والخارجية لتعزيز الديمقراطية في التنظيم النقابية، وتحليل الواقع في المنظمات النقابية والكشف عن آليات العمل، وأشكال اتخاذ القرار، وطبيعة العلاقات بين مستويات التنظيم النقابي، وعلاقاتها بالمؤسسات الاجتماعية وأبرز التحديات والمعوقات وتقديم رؤية لتطوير العمل.
إن التنظيم النقابي وإن كانت له مرجعيات قانونية ولوائح تنظم عمله، ومبررات موضوعية وحاجة لوجوده في خدمة الأعضاء إلا أنه لا يعيش بمعزل عن محيطه الاجتماعي بما يواجه من تحديات وصعوبات واشكاليات، وهذا انعكس على دوره ووظيفته النقابية والنضالية، وبتحليل الواقع النقابي الداخلي نجد أن:
- أن التنظيم النقابي يدار بشكل مركزي في اتخاذ القرارات، وفي التــنــسيق بين الهيئات والبنى النقابية وعمليات الاتصال والتواصل وإدارة البرامج والأنشطة والخطط والفعاليات.
- هناك ضعف في التنسيق التواصل وغياب للانسجام بين الهياكل والهيئات في المنظمات النقابية، وذلك لأسباب منها: التجاذبات السياسية، والصراعات الداخلية في التنظيم النقابي، والتوترات الناتجة عن اخـتــلاف الرؤى والمصالح، وتطلعات كل فئة وجماعة وعلاقاتها مع الهيئات خارج التنظيم النقابي، مما يؤثر سلباً على احترام القواعد واللوائح النظم، وفكرة التكامل والتجانس والانسجام في الاتصال والتواصل النقابي.
- هناك فجوة بين القيادة في التنظيم النقابي والقواعد ويظهر ذلك بضعف وصول القرارات والمعلومات بين الهيئات والمستويات النقابية، والفئات العمالية لا تعرف إلا القليل عن قرارات وواقع النقابات، كما أن المستويات الدنيا لا تعرف الكثير من التفاصيل، والذي يجعلها هياكل وأجسام بدون روح فاعلة.
- القرارات المصيرية التي تخص الحركة العمالية يتم اتخاذها في أعلى المستويات النقابية دون مشاركة للمستويات الدنيا، وهذه يعزز الخلافات والصراعات بين الهيئات والمستويات في التنظيم، والذي ينعكس سلباً على إمكانية تحقيق الأهداف النقابية وانسجامها مع الاستراتيجية النقابية الموحدة.
- ضعف الاتصال وغياب الإعلام النقابي المتخصص والذي يتسبب في محدودية نقل الاخبار عن الواقع النقابي والصورة الحقيقية عن الإشكاليات والمشاكل وقضايا العمالية وتأثير الأوضاع والمستجدات والمتغيرات عليهم.
- قلة الإمكانيات والموارد، وضعف القدرات والمهارات النقابية المتطورة بين المستويات النقابية الدنيا، والذي انعكس على فعالية التنظيم ودوره وتواصله مع القواعد وتأثيره فيها ولصالح قضاياها.
- تجسد الحالة من البيروقراطية في قيادة المؤسسات النقابية، وشبه ثبات القيادات في الصفوف الاولي وغياب التداول على المناصب والمواقع القيادية للتنظيم النقابي في المستويات العليا.
- تهميش القيادات النقابية في المستويات الوسطى والدنيا، والذي ساهم في وجود فجوة بين المنظمات النقابية والقواعد على الأرض، وأضعف الاتصال في إدارة العمل الميداني، ويعود ذلك لطبيعة توزيع الأدوار وتقسيم مهام العمل بين هيئات وقيادات العمل من جميع النواحي والصلاحيات.
هذا باختصار بخصوص تحليل واقع المنظمات النقابية الداخلي، وهناك عوامل خارجية لها انعكاساتها وتأثيرها على التنظيم النقابي بشكل مباشر وغير مباشر منها التالي:
- التجاذبات السياسية ومحاولة الهيمنة على التنظيم النقابي وفرض الوصاية الفئوية عليه، ومحاولات تجيير دوره ووظيفته لمصالح حزبية وفئوية ضيقة.
- غياب القوانين الموحدة لتنظيم العمل النقابي والحفاظ على حريته واستقلاليته وديمقراطيته، وفق المعايير الدولية والعربية.
- ضعف التمويل للبرامج والأنشطة النقابية، وقلة الاهتمام بدعم التنظيمات النقابية، ومساندتها في تحقيق نضالها المطلبي لصالح الأعضاء.
- عزوف الشباب والنساء عن المشاركة في التنظيم النقابي، وقلة فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر وغياب مؤسسات الحماية الاجتماعية، والمحاكم المتخصصة.
- ضعف الدور الرسمي، وغياب الحوار الاجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين، وخاصة في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، وضعف الدور الحكومي في محافظات غزة.
لا اريد الإطالة ولكن الموضوع يحتاج لبحث بعمق أكبر لذا اعتقد أن التنظيم النقابي يواجه تحديات وصعوبات في غاية الصعوبة، ويحتاج لخطط وسياسات تساهم في تعزيز دوره ووظيفته ومكانته في المجتمع بما يحقق أهدافه المرجوة وتعزيز قيم ومبادئ الديمقراطية في كل المستويات وصولاً للتحول الديمقراطي في المجتمع ككل، وهذا يمكن تطبيقه بتطوير الاستراتيجية النقابية ووضع خطة عمل للتدخل في معالجة الواقع وتطوير الخدمات النقابية والبرامج النضالية وفق التصور التالي:
- تطوير أشكال الاتصال والتشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، وفتح قنوات للتعاون والتشاركية، وتعزيز الاعلام النقابي المتخصص لزيادة الوعي والتواصل مع القواعد العريضة.
- وضع آليات لزيادة المشاركة الفاعلة في كل المستويات والهيئات النقابية والقواعد بما يعزز الانسجام والتجانس بالعمل والتكامل وردم الفجوة بين القواعد والقيادات النقابية، وتفويض الصلاحيات وتوسيع المهام والادوار الوظيفية وتقسيم العمل لمشاركة أكبر للأعضاء.
- العمل على زيادة الانتشار النقابي والتوسع بالعمل بما يحقق الأهداف والاستقرار، ويزيد من حجم العضوية والانخراط بالعمل النقابي، والاستفادة من المتغيرات والمستجدات بتبني قضايا نقابية تهم القواعد العريضة.
- الاستثمار الأمثل لرأس المال الاجتماعي، والاستفادة من التطور التقني والتكنولوجي، والعالم الرقمي والفضاء الأزرق، لتسليط الضوء على القضايا النقابية وايصال الصوت، وتحقيق المطالب النضالية والمطلبية للتنظيم، والتدريب والتمهير أون لاين، وإدارة الحملات والاعلام الالكترونية ..الخ.
أخيرا هناك مسئوليات على التنظيم النقابي وقيادته لتعزيز الديمقراطية والنضال المطلبي لحماية حقوق الأعضاء بما ينسجم مع تطور المجتمع وتحضره ورقيه، كما أن على راسمي السياسات دور مهم في تعزيز العمل النقابي وحريته ودوره من خلال التوجه لإصدار تشريعات وقوانين عادلة، وبناء مؤسسات متكاملة الأدوار للنهوض بالواقع النقابي والاجتماعي وحماية مصالح الفئات المهمشة والضعيفة والتي تعصف بها المستجدات والمتغيرات، وذلك يؤسس للعدالة الاجتماعية ويساهم في تكريس الديمقراطية وخطوة نحو التحول الديمقراطي.
• باحث في القضايا النقابية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام - محمد عبد القادر: 90% من العاملين في هيئ


.. أول ظهور لصاحب محل كابر صبحي الجديد: محدش مشي من العمال وكان




.. مصطفى حسني يحدثنا عن العامل المشترك بين الصحابة رضي الله عنه


.. آلاف العمال الأجانب في لبنان بلا مأوى مع ضعف الإمكانيات




.. الصحة العالمية: مقتل 28 من العاملين في مجال الصحة في لبنان خ