الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأمين الغنيمة

خالد عبدالله

2003 / 5 / 21
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


كاتب عربي يقيم في وارسو

لقد كان استيلاء الإدارة الأمريكية على غنيمتها، العراق، صعبا. فقد خاضت الولايات المتحدة معارك على جبهات متنوعة حتى قبضت على غنيمتها. وبدأت معركتها داخل بلدها، حينما جندت  كل صناعة الإفك، وكل ابتكارات الإرهاب الهوليودي حتى تقود شعبها إلى تأييد حربها. ولم يقبل راضيا بضرورات الحرب فحسب بل قبل خانعا بضرورات سلبه الكثير من حرياته. وهو الآن بدأ يستفيق على أحواله، اقتصاد مهزوم، وحقوق مسلوبة، وحرب كاذبة. وأصبح لا شغل للأقلام الأمريكية إلا البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي ليس لها وجود، وأضحى لا وظيفة للرئيس الأمريكي إلا أخذ الصور الدعائية على ظهر حاملة الطائرات. حتى التقاط الصور أصبح جزءا من صناعة الكذب، فقد أداروا له حاملة الطائرات على نحو حتى يبدو موقعها في عرض المحيط وليس عند الشواطئ الأمريكية.

ثم كانت المعركة مع الأمم المتحدة لوي أيادي، وملء جيوب، وفيض أكاذيب. وبدت الدبلوماسية الأمريكية عمل صبيان مراهقين لا يحسنون فن الكذب. ثم أخفقت مع كل طيشها أن تحمل البلدان على مركبها، ونجحت في إقناع العالم أنها الخطر الوحيد الذي يهدده. وكانت معركتها مع حلفائها تأكيد على طيشها وعلى خطرها، فقسمت معسكر الحلفاء، ثم دربتهم على مناهج تحديها لرعونة أساليبها وخفة سياساتها. وكانت معركتها مع الرأي العام العالمي محسومة منذ بدايتها، فهي لم تجرأ حتى على إطلاق كلمة فيها. ثم كانت معركتها مع النظام في العراق مفشية لحالة هي الملهاة المأساة بعينها. فقد قاتلها الناس الذين زعمت أنها أتت لتحررهم، وسلمها بغداد أركان النظام الذي جاءت لتقاتله. وخرجت الملايين تنادي برحيلها ولما تهدأ بعد أصوات محركات دباباتها. ثم أعلنت بأفعالها لم قدمت إلى العراق. فقد توزعت قواتها بين آبار النفط لتحافظ على مكنونها حتى لا تأكله النار، ووزارة النفط حتى لا يعبث أحد بمستنداتها. فلم يبق لديها أحد ليحافظ على متحف، أو ليمنع السرقة، أو ليخمد النار. وربما كانت هذه لتلهي عما تفعل. ثم جاء المستشارون لا ليعيدوا المياه النقية التي خربتها إلى حنفيات البيوت، أو الكهرباء التي دمرتها  لمساكن الناس التي لبت نداء تحريرهم، فقد تركت هذه لعلماء الدين وشيوخ العشائر، بل جاءوا ليوزعوا عقود الإعمار على الشركات المتبرعة لحملات الانتخابات. إنه لمنظر في الفساد قل نظيره في جمهوريات الموز الأمريكية.

لقد كان ثمن وضع اليد على الغنيمة باهظا، فإذا لم تحافظ  أمريكا على الغنيمة فسيذهب كل ذلك سدى. ومع ذلك فأمريكا في مأزق خطير. ولقد أدركته منذ اليوم الأول لغزوها ثم أصبح بمرور الأيام يقينا لديها. فالغنيمة يمكن أن تذهب من بين يديها، بل قد تتحول إلى نقمة بعد أن تصورتها نعمة. فهي الآن مطالبة بالرحيل، وسيتحول الهتاف إلى رصاص. وحينما يتحول سيكون خطرا حتى في الأجل القصير. فالانتخابات الرئاسية قد بدأت، فإذا جمعنا عدد الذين تقتلهم الشركات بالبطالة إلى عدد الذين ستقتلهم بالرصاص المقاومة فهو وصفة بالهزيمة الساحقة لبوش. ولذلك بدأ التحرك لتأمين الغنيمة.

وكان الميدان الأول العراق نفسه. فالفوضى ليست عفو الخاطر إلا عند السذج، واستمرارها دليل على فوائدها للمحتل. ثم إن أسلوب تقسيم العراق إلى مناطق وبدء اللعب على الأوتار القديمة الطائفية والقومية واستخدام أجهزة النظام السابق والتقييد المنظم لبعض الأحزاب الرئيسية هو جزء من إشغال الناس ببعضهم.

أما الميدان الآخر فهو تحصين العراق من دول الجوار، وليس هناك إلا بلدان تخشى تدخلهما، إيران وسورية. فأمريكا صاحبة تجربة مريرة في فيتنام. وهي تتصور أن إخفاقها في فيتنام مرده وجود بلد حاضن للمقاومة. فهذا الأمر يؤرقها، ولذلك بدأت بالتهديدات ضد سورية، وكان مقصود بها سورية، وهي أيضا همس لإيران حتى تفهم. وليس لخريطة الطريق أية علاقة بها، فأمريكا نفسها تعرف أنها لن تنفذ وهي قد قبلت بعرضها على هزالها كورقة توت لتابعها بلير. فالمسألة كلها قطع أية علاقة بين دمشق وبغداد. صحيح أن إسرائيل تهيج، لكن لأمريكا مصلحة خاصة بها. فلو خرجت كل المكاتب الفلسطينية من دمشق، فماذا سيغير ذلك في وضع الانتفاضة؟ لا شيء على الإطلاق. الذي سيؤثر على الانتفاضة هو عمل السلطة الفلسطينية. فهي إن استجابت وبدأت بالسجن والتعذيب والمطاردة لأفراد المقاومة فستحد كثيرا من فعاليتها. ومع ذلك فهذا ليس أكيدا. فقد كان نجاح السلطة في السابق نابعا من زخم الآمال التي بشرت بها القيادة الفلسطينية، ومن بعض المصداقية التي كانت لديها، أما الآن فليس لدى الناس إلا تفاؤل أصدقاء شارون في السلطة. فالمطالب الأمريكية على كثرتها ليس فيها إلا مطلبا واحدا أساسيا، وإن كانت أمريكا تحبذ الاستجابة لها كلها. وهذا المطلب هو نسيان بغداد.

ويبدو أن إيران لم تفهم الرسالة، أو أن أمريكا تريد من طهران أكثر من عدم التدخل، أي إقناع من لها تأثير عليهم من الأحزاب العراقية بضرورة اللعب حسب قواعد اللعبة الأمريكية. وحتى تصل الرسالة بقوة بدأت المناورات الأمريكية على صعيدين. الذهاب إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاعتبار إيران منتهكة لاتفاقية حظر أسلحة الدمار الشامل. حيث أثارت موضوع المرفق النووي الذي صار له سنتان، وزاره قبل أشهر مدير الوكالة. فإيران قد وقعت على اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهي تقبل بالتفتيش المنظم. وقد كانت أمريكا تثير هذه المشكلة باستمرار للضغط على إيران، غير أنها صعدت هذه المرة من ضغطها وليس هناك من تفسير جديد إلا موضوع العراق. ومن الطريف أن هذا الضغط يأتي في وقت أعلنت كوريا الشمالية أنها تملك أسلحة نووية ولمحت لها أنها قد تبيعها لمن يريد شرائها. ومع ذلك قبلت أمريكا أن تجلس معها على مائدة المفاوضات. فلو كانت المسألة هي الأسلحة فالأولوية لكوريا الشمالية، لكنها لا تقع على حدود العراق. ومع ذلك فالحديث عن كل ذلك لا معنى له. فكلنا يعرف حجة الحرب الأمريكية على العراق. وحينما انتهت الحرب أصبحت أمريكا تكره كل من يتكلم عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. ثم أفصح دبلوماسي أمريكي حديثا أن من يبحث عن أسلحة الدمار الشامل فلن يجدها لأنها ليست هناك! فلم الحرب إذن؟ فأجاب لأن لدى العراق ألف عالم نووي تخشى أمريكا أن يستفيد منهم صدام في بناء السلاح النووي! هل هناك وقاحة أكثر. لكن الوقاحة أعظم حينما يكرر علينا بعد هذا الإفشاء بوش وباول أنهم لا ريب سيجدون أسلحة الدمار الشامل في العراق. أما الصعيد الآخر، فهي الحملة التي يقودها منظرو الإدارة  في الصحافة ومراكز البحث ضد إيران. فقد قال أحدهم كريستول أن الولايات المتحدة في " صراع موت " مع إيران، ثم دعا إلى القيام بالأعمال التخريبية ضد إيران. ويخطئ من يظن أن هؤلاء يقترحون فحسب، لأنهم كثيرا ما يروجون لسياسة موضوعة. وهذا الحديث ليس كلاما نظريا لأننا نجد آثاره في أرض الواقع. فقد عقدت الولايات المتحدة هدنة مع مجاهدي خلق وأبقت لهم دباباتهم وأسلحتهم. وهذه المنظمة هي على لائحة الإرهاب الأمريكية مما يعطينا الدليل على اهتمام أمريكا بالإرهاب كما أعطتنا الدليل أيضا على اهتمامها بأسلحة الدمار الشامل!  فلمن تعد منظمة مجاهدي خلق يا ترى؟ ولكن المعضلة تبقى لسوريا وإيران، وهي أن عراقا مستقرا تحت نفوذ أمريكي أخطر عليهما من عراق مقاوم للاحتلال الأمريكي.

كما تقاوم أمريكا خطف الغنيمة من بين يديها وذلك برفض إعطاء دور أساسي حقيقي للأمم المتحدة. وهي هنا في معضلة أخرى. فهي إن لم تحصل على قرار من الأمم المتحدة برفع قرار العقوبات، فلن تستطيع قطف ثمار نتائج الحرب. أما إذا مضت بقطفها كما بدأت الآن بمخالفة قرارات الأمم المتحدة من خلال تعليق بعض هذه العقوبات في بلدها، فإنها تكون قد شقت طريقا لا يعرف أحد مداه في انتهاك القانون الدولي. وإذا كان هذا الانتهاك في مصلحتها في هذه المسألة فقد يصبح كابوسا لها في المدى الطويل، كما قد يصبح موضوع انتشار الأسلحة الذرية. ولذلك فهي تغري روسيا، وتهدد فرنسا حتى يقبلا بفتات تعرضه عليهما، لأنه من الصعب عليها تقديم تنازلات حقيقية لهما في العراق. فإن فعلت ذلك فإن خوضها الحرب من أجل أن تجعل إخضاع الشرق الأوسط مفتاح هيمنتها على العالم سيكون إخفاقا كاملا.

فأمريكا تبالغ في تصنع العجرفة، وتبالغ في توجيه التهديدات ليس لأنها كما قد يظن البعض أن نجاحها قد أسكرها. فعن أي نجاح نتكلم، هل هو الانتصار على جيش مخفي، أم على شعب يرفض وجودهم، أم عن خدمات لا تستطيع تقديمها فما بالك بإعمار شامل، أم عن عدم قدرتها على تجنيد حلفائها لتقديم جنودهم بأحجام مناسبة لمساعدتها في ضبط الأمن في العراق؟ نعم هي تبالغ في كل ذلك لأنها تخشى أن يستغل العالم ورطتها. وكلما زادت ورطتها سلم العالم من شرها وكلما مكنها العالم من غنيمتها كلما زاد خطرها عليه. فعلى العالم أن يختار.  

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا