الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الإمبريالية في أوكرانيا

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لثلاثة عقود مضت، كان الفضاء الأوكراني مسرحًا جيوسياسيًا للعديد من الصراعات والمعارك المرئية وغير المرئية، العلنية والسرية، قامت بها الإمبريالية الأمريكية في محاولة للتحكم في المنطقة وذلك بالفصل بشكل قاطع بين الإمكانيات الإقتصادية الصناعية والبشرية الضخمة لأوروبا الغربية، وبين الفضاء الروسي ذا المساحات الشاسعة المليئة بالموارد والثروات المعدنية المتعددة والأراضي الزراعية الخصبة. سبب هذه المحاولات المتواصلة لفرض القطيعة والإنفصال بين أوروبا الغربية والشرقية هو الخوف من إمكانية التعاون والشراكة الإقتصادية بين الفضائين من بريست Brest إلى فلاديفوستوك Vladivostok، وهو الخوف الأساسي الذي كان يهيمن على السياسة الأمريكية ويقود مغامراتها ومؤامراتها السياسية والعسكرية. ولهذا خلقت منظمة حلف شمال الأطلسي North Atlantic Treaty Organization ويُعرف اختصاراً بالناتو، هي منظمة عسكرية دولية تأسست عام 1949م بناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في 4 ابريل سنة 1949. حيث يشكل حلف الناتو نظاما للدفاع الجماعي عن مصالح الدول الأعضاء وعلى الدفاع العسكري المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية. ثلاثة من أعضاء الناتو، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا والمملكة المتحدة هم أيضا أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، يتمتعون بـ "حق الفيتو" وهي دول حائزة للأسلحة النووية. ويقع المقر الرئيسي لحلف الناتو في هارين، بروكسل، بلجيكا، في حين أن مقر عمليات قيادة حلف الناتو يقع بالقرب من مونس، بلجيكا.
هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة كلفت مباشرة جان موني ١٨٨٨ ١٩٧٩ Jean Monnet، بعد نهاية الحرب لهندسة الاتحاد الأوروبي، وذلك لمنع إمكانية وجود محور استراتيجي وإقتصادي بين باريس وبرلين وموسكو، لأن مثل هذا المحور كان سيشكل بدون شك القوة العالمية الأولى، مما يتسبب في نهاية الهيمنة الشمولية والمطلقة للدولار على العالم وإنهيار الحلم الأمريكي في السيطرة على الكرة الأرضية. مشروع الإتحاد الأوروبي كان منذ البداية، وسيلة من وسائل الحلف الأطلسي للسيطرة والتحكم على القارة العجوز.
وبعد انهيار رأسمالية الدولة السوفيتية، لم يتوقف حلف الناتو عن التوسع في البلدان الشرقية من خلال حشد المزيد من الأسلحة والقوات والقواعد العسكرية على حواف روسيا وخاصة في دول البلطيق. تم تفكيك يوغوسلافيا إلى عدة دويلات متناحرة وتم إنشاء المافيا الأمريكية الإسلامية في كوسوفو Kosovo في قلب أوروبا، وذلك للتأكيد على أن أكاذيب وتلاعبات وول ستريت Wall Street ستكون منذ الآن القانون الأساسي والمقدس لدول الإتحاد الأوروبي، والذي تمكن منذ سنة ٢٠٠٤ من أستيعاب العديد من الدول التابعة سابقا للإتحاد السوفييتي.
لسنوات عديدة، حلف الناتو والعديد من زبانيته وأعوانه من التجار والعسكر والرأسماليين من كل نوع، بما في ذلك أوروبا بروكسل، وهم يطمحون إلى إدخال أوكرانيا إلى الحظيرة الأمريكية وزريبة أوروبا الأطلسية كما هو الحال مع المجر، بلغاريا، رومانيا وسلوفاكيا وغيرها. وهكذا ، فإن المخابرات الخاصة والـ C.I.A، الرأسمالية والبرجوازية الأوكرانية، والعديد من القوى اليمينية واليمينية المتطرفة وبعض الشراذم النازية والفاشية، كل هذا الخليط شارك على نطاق واسع في الإطاحة بالنظام الموالي لروسيا في عام 2014، عن طريق تنظيم ما سمى ثورة Maïdan ميدان التي ساندتها كل القوى"الديموقراطية" الغربية، كما ساندت قبل ذلك بعامين القوى الرجعية الإسلامية الليبية في الإنقلاب على نظام القذافي بواسطة أسلحة وخبراء الناتو وفرنسا. موسكو بطبيعة الحال ردت بوضوح عن هذا التدخل، بدعم السكان الناطقين بالروسية في دونباس - دونيتسك Donbass-Donetsk، وبضم القرم la Crimée، وهي أرض روسية تاريخية منذ القرن الثامن عشر. ثم تم انتهاك بروتوكول هدنة مينسك Minsk لعشرات المرات من قبل كييف Kiev، التي كانت تحت سيطرة البيت الأبيض مباشرة، لمضايقة إستفزازية منهجية منظمة، عسكريا واجتماعيا وثقافيا ضد سكان دونيتسك Donetsk , ولوهانسك Lougansk، كما أستمر تسليم الأسلحة وتسريبها من قبل الناتو إلى أوكرانيا لتحقيق الغرض المنشود وهو إنضمام أوكرانيا إلى التحالف الأمريكي. وفي نفس الوقت، تم رفض جميع الطلبات التي قدمتها روسيا لإجراء مفاوضات شاملة بشأن الأمن الأوروبي ولإعادة النظر في خارطة الحدود الأوروبية، رفض قاطع وماكر بشكل عدواني منهجي.
وهكذا فإن الحرب الحالية في أوكرانيا، ما هي إلا تعبير عن "الوقت الطويل" الذي يحتاجه المنطق التاريخي لتقوية الاصطفافات والتكتلات الإمبريالية الناتجة عن استمرار سياسة الهيمنة الإمبريالية الأمريكية، وسياسة الإنبطاح الأوروبية منذ نهاية الحرب سنة ١٩٤٥ .. . في هذه الأزمة المتسارعة، حيث من الضرورة أن تصبح المنافسة التجارية وحرية السوق حربًا عسكرية، يجب على المرء أن يبحث عن الحقيقة العميقة المدفونة تحت ركام النفايات التي تنتجها وسائل الإعلام المأجورة من قبل السلطات المالية والسياسية، هذه الحقيقة لا يجب أن تختفي وراء الدعاية الكاذبة من طرفي المعادلة.
في هذه الحرب الغبية، تعمل الولايات المتحدة هنا - من خلال استراتيجية مباشرة وغير مباشرة - لإجبار أوروبا للعمل ضد مصالحها الأساسية، وإجبارها على الإنبطاح والطاعة وإعلان الحرب الإقتصادية على روسيا لصالح الرأسمالية الأمريكية التي ستبيع الغاز والبترول لأوروبا. إعلان الشركة الألمانية بأنه لن يتم المصادقة على مشروع الغاز نورد ستريم Nord Stream 2 يشكل أول انتصار للإمبريالية الأمريكية لفرض رؤيتها وهيمنتها على الإقتصاد والطاقة في أوروبا، وتخلصت ممن سيكون خصمها الرئيسي الوحيد الممكن، أي أوروبا الأوروبية، المتحررة من قيود الإدارة الأمريكية. ولكن هذا يعني أيضا أن الإمبريالية الروسية لها حساباتها أيضا، وقد استغلت العدوانية الأمريكية والأوروبية لإظهار عضلاتها وقوتها العسكرية والنووية وكذلك عدم خوفها من الحرب.
وقد حذر المفكر الأمريكي ناعوم شومسكي Noam Chomsky منذ عام 2015 بأن "فكرة انضمام أوكرانيا إلى تحالف عسكري غربي ستكون غير مقبولة أبدا لأي زعيم روسي" وأن رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الناتو "لا تحمي أوكرانيا، ولكنها تهدد أوكرانيا بحرب كبرى ". كما حذر السير رودريك لين Sir Roderic Lyne، السفير البريطاني السابق لدى روسيا ، قبل عام من أن "دفع أوكرانيا للانضمام إلى الناتو [...] هو حماقة على كل المستويات." ويضيف "إذا كنت تريد أن تبدأ حربًا مع روسيا ، فهذه أفضل طريقة للقيام بذلك".
ولكن في زمن الصناعة والنقد والأزمات المالية واسعة النطاق، تحريض روسيا بشكل خبيث على غزو أوكرانيا كان نوعًا من الضرورة الحيوية بالنسبة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، ضرورة حيوية من أجل التمكن من إخضاع أوروبا العجوز نهائيا؛ لان أوروبا هي أقوى منافس محتمل - وذلك من خلال عزلها عن احتياطيات الطاقة الضخمة الموجودة في الفضاء الروسي، والتطورات والمستلزمات والمبادلات الصناعية والزراعية التي يسمح بها السوق، وبالتالي إخضاعها أكثر من أي وقت مضى لإملاءات سوق أمريكي نهم لا يرحم، وفي نفس الوقت المبادرة بتعزيز العلاقات العسكرية داخل التحالف الأطلسي. وحينما يذهب الرئيس الأمريكي جون بايدن على الحدود البولندية الروسية ويطالب برأس بوتين الدكتاتور، فإنه يقوم بذلك ليس من أجل عيون الأوكرانيين والأوكرانيات، ولكن لمصلحة البنوك الأمريكية وتجار البترول والغاز والسلاح. والنتائج الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لهذه الحرب ستقع حصرا على رؤوس الأوربيين، كما تقع القنابل الروسية على رؤوس الأوكرانيين حاليا وفي كل دقيقة. وأمريكا ستحصد الفوائد والأرباح كما هي العادة.
التدهور التاريخي للرأسمالية الخرفاء والمخدرة والذي ما زال مستمرا منذ عقود من المديونية العبثية، والتشبع المفرط للأسواق، والليبرالية المجنونة وإرهاب الدولة المحموم الذي لا هوادة فيه لتحطيم كل إنجازات الطبقة العاملة، التي تم دفع ثمنها مرات ومرات من دم وعرق العمال والعاملات منذ نهاية القرن التاسع عشر، والقوانين الإجرامية ضد المهاجرين والعمال وتفكيك الضمان الصحي وحقوق النساء وحقوق المواطن البسيط في السكن والتنقل والصحة والتعليم، كل ذلك يدخل في معادلة السياسة الأمريكية والأوروبية الرأسمالية في داخل أوروبا الأطلسية، والتي لا تهتم في نهاية الأمر إلا بالربح وفائض القيمة، حيث جميع الثروات العامة للبشرية، من الأرض والغابات والجبال والسواحل والشطوط، إلى البذور وانواع الإنتاج الزراعي، إلى الماء والهواء، كل ذلك أصبح ملكية خاصة للشركات الكبرى، تبيعه للمواطن بالأسعار التي تحددها هذه الشركات.
بطبيعة الحال لا يمكن علاج هذه الأزمة الكارثية من قبل الذين كانوا السبب المباشر في إنطلاقها. هذا هو السبب الذي يجعلنا نعتقد بأنه لا يمكن إنهاء الأزمة بدون ثورة إجتماعية شاملة. ولا يوجد إلا البروليتاريا العالمية كي تقوم بهذه الثورة، وتقترح بديل حقيقي عن المنظومة الرأسمالية المنفلتة، مجتمع بشري جديد يخلو من الفقر والإستغلال والتسلط، مجتمع بدون دولة وبدون استغلال وبدون مصارف، بدون أعلام وبدون أناشيد وطنية ركيكة، بدون ديكتاتورية تبادل القيمة، بدون حرب اقتصادية، بدون دين الديموقراطية البرلمانية الكاذبة وبدون حرب عسكرية، وأيضا بدون كنائس وبدون مساجد وبدون طبقة دينية ومؤسسات ظلامية تستغفل المواطنين وتدفعهم وقودا لمعارك عبثية لا مصلحة لهم فيها ( لا بقرة لهم فيها ولا خنزير كما يقول الأوربيون، أو لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما يقول بدو الصحراء). مجتمع بدون جيوش وبدون عسكر وبدون جنرالات وبدون أسلحة، بدون أعداء وبدون تحالفات إقليمية أو وطنية مبنية على الكذب والخداع والمصالح المتبادلة، مجتمع إنساني بكل بساطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر