الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (1)

بندر نوري
كاتب وباحث من السودان

(Bandar Noory)

2022 / 3 / 27
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الغرض من التناول النقدي للميثاق الثوري لسلطة الشعب هو الإسهام في تطوير الميثاق لتجاوز أوجه القصور التي يمكن إكتشافها فيه حتي يكون معبرا عن التحويل الثوري للواقع القديم وجهاز الدولة القديم وبناء جهاز دولة وواقع إجتماعي جديد يعبر عن مصالح القوي الإجتماعية التي إنخرطت في الحراك الثوري. سأنشر الورقة النقدية علي حلقات وسأقوم في نهاية الحلقات بنشر الورقة كاملة.
تم التوافق علي هذا الميثاق من قبل إثنان وعشرون من الأجسام الثورية والتي تشمل سبعة تنسيقيات، ثلاث عشر لجنة مقاومة، واللجنة الميدانية المشتركة لإسترداد و حماية الثورة بولاية شمال كردفان، وتحالف مزارعي النيل الأزرق المروية وهيئة السوكي الزراعية، وتتوزع هذه الأجسام الثورية علي مدار إحدي عشر ولاية من ولايات السوداني الثماني عشر.
ويتكون الميثاق الثوري من:
أولا: المقدمة: والتي تتكفل بمناقشة الرؤية المفاهيمية العامة والإطار النظري الذي يتم به تحليل جذور المشكلة السودانية ووضع الحلول لها، وتحدد أن المشكلة السودانية تتمثل في الدولة السودانية الحديثة، لذا تقدم تحليل تاريخي لإشكالات الدولة السودانية الحديثة وعلاقتها بالمشكلة السودانية.
وتشمل أيضا تعريف ببنود الإعلان السياسي: والتي تشمل تعريف الفترة الإنتقالية، الأهداف العامة للفترة الإنتقالية، المشروعية الدستورية وشكل الحكم في الفترة الإنتقالية، الإقتصاد، العدالة الإجتماعية، والعدالة الجنائية.
ثانيا: الرؤية السياسية والمفاهيمية لقضايا الفترة الإنتقالية: والغرض منها توضيح وتفصيل المفاهيم الواردة في الميثاق وضبطها، بإستخدام منهج تحليل تاريخي إجتماعي (سياسي، وإقتصادي) لتحليل تاريخ الدولة السودانية الحديثة والتي حددت كإطار عام للمشكلة السودانية.
من الإيجابيات الكبيرة في هذا الميثاق إستناده علي تحليل تاريخي لطبيعة الدولة السودانية الحديثة والتي أسست هيكلها بواسطة الإستعمار التركي المصري والبريطاني المصرى، كما حدد الميثاق الإطار العام للمفاهيم الواردة فيه ومن ثم ضبط المفاهيم عبر تحليل تاريخي للدولة السودانية الحديثة. وبالتالي اصبح واضحا الإطار النظري والمفاهيمي الذي يعتمد عليه الميثاق في تحليل إشكالات الدولة السودانية وإستشراف أفاق الحل لهذه الإشكالات.
سوف إعتمد في تحليل بنود الميثاق الثوري لسلطة الشعب علي تحديد ما اذا كان يؤدي تنفيذ بنود الميثاق إلي تحقيق التغيير الثوري في المستويات الثلاثة للبنية الإجتماعية ويطرح مقترح تنظيم بديل لجهاز الدولة أم لا.
يفتقر الإطار النظري للتحليل التاريخي الملموس لفترات الحكم التركي المصري والبريطاني المصري لتوضيح طبيعة الهياكل السياسية وعمليات التراكم البدائي التي ترافقت مع التحول للنظام الراسمالي المميز والطبيعة الخاصة للبنية الإجتماعية التابعة علي كل المستويات:
• الحقل الإقتصادي: يتميز المستوي الإقتصادي التابع بتجاورعلاقات الإنتاج ما قبل راسمالية وراسمالية في نفس الوقت جنبا إلي جنب بسبب التدخل الإستعماري الذي حد من التطور الداخلي للبنية الإجتماعية، كما أن التدخلات الإستعمارية عبر إعادة توزيع الأراضي وتغيير ملكيتها (إدخال الملكية الخاصة)، وتوزيع المشاريع الزراعية والتسهيلات المختلفة لزعماء الطرق الصوفية والإدارات الأهلية ساهمت في خلق برجوازية تجارية وزراعية تابعة مرتبطة بنيويا بالإمبريالية العالمية. تتم إعادة إنتاج التبعية والتخلف عبر إنتزاع الفوائض الإقتصادية التي يتم تصديرها للخارج عبر أليات ومكانيزمات متعددة تشمل تنظيم العمل وأليات التوزيع والتجارة الخارجية مثل التبادل غير المتكافئ...الخ.
• الحقل السياسي والأيدولوجي: تتميز الهياكل التابعة لجهاز الدولة بإعتمادها علي الايدولوجية الدينية لإعادة إنتاجها ولا يحتاج لكثير توضيح أرتباط الأيدولوجية الدينية بنمط الإنتاج ما قبل الراسمالي، بالإضافة إلي الإعتماد علي أجهزة الدولة القمعية واللجوء للعنف في إعادة الإنتاج مما يؤدي إلي تضخم هذه الأجهزة هيكليا.
يستخلص من هذا العرض أن القطاع التقليدي يستند علي اساس مادي يمثل نمط الإنتاج ما قبل الراسمالي وما يتوافق معه من هياكل فوقية لجهاز الدولة والتقسيمات الإجتماعية المختلفة (القبيلة، العشيرة، الإدارة الأهلية، رغم أن هنالك دراسات وشواهد كثيرة تذهب في إتجاه أن الإدارات الاهلية صنيعة إستعمارية بحتة ولم يعتمد الإستعمار علي تطوير صيغة محلية للإدارة الأهلية). وقطاع حديث نشا في إطار التحديث البرجوازي الذي تم بواسطة الإستعمار لربط البلاد بالسوق العالمية، كما أن التفاوت المادي بين الريف والمدينة هو الاساس الموضوعي لإستمرار التبعية البنيوية.
كما أن هنالك إشارة سريعة لدور الإستعمار الحديث في إستدامة التبعية البنيوية دون توضيح الأليات والميكنيزمات التي تمت بها أو ماهية التحولات التي تمت علي المستوي المؤسسي، علي مستوي تنظيم جهاز الدولة وتشكل الدولة النيوليبرالية أو غير المسئولة كتعبير عن التحولات التي حدثت في البنية التحتية علي مستوي تنظيم العمل والتوزيع وتنامي علاقات وقيم السوق والتسليع لتشمل جميع مفاصل الحياة. بالإضافة الى التحولات المؤسساتية والتي سميت بالإصلاح المؤسسي (إصلاح من وجهة نظر البرجوازية التابعة) وقصدت هذه الإصلاحات إعادة تاسيس مؤسسات الدولة علي اساس علاقات السوق بتحويلها إلي مؤسسات ربحية عبر تطبيق ما يسمي بسياسات إستعادة التكلفة (Cost recovery scheme).
في الفقرة الخاصة ببنود الإعلان السياسي وتحديدا نظام الحكم يحدد الميثاق نظام الحكم بأنه نظام لامركزي يؤسس للحكم المحلي، مع أن المقدمة المفاهيمية لم تتناول بالنقد تجارب السودان فى تنفيذ نظام الحكم اللامركزي حتي يتم إستخلاص الدروس وتفادي سلبيات التجارب السابقة. أن أول تجربة لتحويل النظام السياسي في السودان لنظام لامركزي كان في عهد الإستعمار التركي المصري حسب (القدال، 2018) رغم أنه إعتمد علي الإدارة الأهلية وزعماء القبائل كتنظيمات إجتماعية وهياكل سياسية قاعدية. في عام 1960 وبعد إنقلاب عبود تمت صياغة قانون الحكم المحلي كصيغة من صيغ الحكم اللامركزي والذي إستمر حتي ثورة أكتوبر ولم يحدث تغيير جوهري حتي بعد الثورة في طبيعة هياكل الحكم المحلي (Elabbasi,2003). تم تنفيذ الايلولة (Devolution) كنوع من أنواع الحكم اللامركزي إبتداء من عام 1980 بعد إقرار قانون الحكم الإقليمي في عهد الديكتاتور جعفر نميري وكإحدي إستحقاقات برنامج التكيف الهيكلي (Elabbasi, 2003).
نفس هياكل الحكم المحلي الموروثة منذ عهد نظام مايو أستمرت بعد ثورة مارس أبريل 1985 فقط تم تبديل ممثلي نظام مايو في أجهزة الحكم المحلي بممثلي الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة الإنتقالية. بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية عام 1989 إستبدل ممثلي الأحزاب السياسية بممثلين من الجيش، وتم تكوين اللجان الشعبية علي مستوي الأحياء والقري. في عام 1991 تم تطبيق نظام الحكم الفيدرالي كشكل من أشكال الحكم اللامركزي (Federal decentralization) بموجب قرار دستوري ووفقا لذلك تم تقسيم البلاد إلي 26 ولاية بعد أن كانت مقسمة إلي تسعة إقاليم، بعد إنفصال الجنوب أصبح عدد الولايات 18 ولاية (Fadalla, 1996). أيضا كان تطبيق النظام الفيدرالي من مطلوبات تطبيق برنامج التكيف الهيكلي حيث أن إضعاف القبضة المركزية للدولة القومية يساهم في حرية حركة رؤوس الأموال والحركة العكسية للفوائض الإقتصادية.
توجد أربعة أنواع من اللامركزية حسب درجة نقل المسئوليات من المستوي المركزي إلي المستويات الأخري وهي:
• اللامركزية الإدارية (De-concentration)
• التفويض (Delegation)
• الأيلولة (Devolution)
• الخصخصة (Privatization) عندما يتم نقل المسئوليات خارج إطار هياكل جهاز الدولة للقطاع الخاص.
فأي درجة من هذه الدرجات من نقل المسئوليات يستهدف الميثاق الثوري للسلطة الشعب عندما يتبني الحكم اللامركزي؟
من الخلاصات التي تم التوصل إليها أن الحكم اللامركزي قد فاقم من التفاوت الإقليمي/الجغرافي وبالتالي التنمية غير المتوازنة خاصة في ظل سيادة نمط الإنتاج الراسمالي، حيث أن إنسحاب المستوي المركزي من دعم التنمية وتقديم الخدمات ونقل هذه المسئوليات للولايات/الأقاليم يعني أن الولايات أو الأقاليم أو الوحدات الإدارية التي تمتلك موارد تستطيع تمويل ميزانية الخدمات والتنمية أما الولايات أو الأقاليم الفقيرة ستعاني في سبيل توفير الميزانيات اللازمة. بالإضافة إلي ذلك فمن خلال متابعة تاريخ النظام اللامركزي في السودان وأدبيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فإن نظام الحكم اللامركزي من مطلوبات حزمة سياسات التكيف الهيكلي لأنها تعتبر من الإصلاحات (حسب رؤية البرجوازية) الضرورية في النظام السياسي من أجل خلق البيئة المؤاتية لتنفيذ سياسات التكيف الهيكلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي