الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يحدثُ هذا في أرذَلِ العُمر

عماد عبد اللطيف سالم

2022 / 3 / 28
حقوق الانسان


يحدثُ هذا في "أرذَلِ" العُمر .. في هذا الجزءِ من العالم .
(ملاحظة تمهيديّة هامّة : لم يُكتَبْ هذا النصّ لـ "الشيّابِ" و الـ "الشايبات"، المُتفائلينَ والمُكابرين، الذينَ يَدّعونَ "زوراً وبُهتاناً" أنّ الشبابَ هو شبابُ الروح، وأنّ التطلّعات المُريبة لـ "القلب الأخضرِ"، لا تقفُ عند عُمْرٍ معين . قد يكونُ هذا صحيحاً في أماكنَ أخرى من هذا الكون، ولكنّهُ هُنا، خطأٌ شنيع. لذا أنصَحُ هؤلاءِ "الفِتيةِ" الذين يؤمنون بقدراتهم الشبابية "الخارقة"، بمنع أرواحهم"الخضراء" من الاطّلاعِ عليه) .

(النصّ)
نزعتُ غطاءَ القلمِ "السوفت" بفمي، وأبقيتهُ مُعَلَّقاً هّناك، وبدأتُ الكتابة.
بعدما انتهيتُ من الكتابة ، بحثتُ لأكثرَ من نصفِ ساعةٍ عن غطاءِ القَلَمِ في "مساماتِ" البيتِ كافّة، فلم أعثر عليه.
وبينما كنتُ راكِعاً بخشوع ، لعلّي أجدُ الغطاء تحتَ "القَنَفَة"، جاء حفيدي الزاحِفِ تَوّاً، وبَحلَقَ في وجهي الأبله، وسحَبَ الغطاء من فمي باحدى يديه، مُتّكِئاً على الأخرى، ثُمّ استأنفَ زحفهُ العظيم ..عليهِ اللعنة .
*
هذه "حادثةً" واحدة. وبطبيعة الحال فإنّ هناكَ "حوادث" أخرى، كثيرةٍ ومؤسفة، تحدثُ لمن هُم في أرذل العُمْر، قد تكونُ أكثرُ أهميّةً وخطورةً وإحراجاً من هذه، لا استطيعُ البوحَ بها هنا، ويعرفها جيّداً، من يعيشونَ "أرذَلَ العُمْرِ" مثلي.
*
أن تموتَ بكرامة، ما أن تبلُغَ الستّينَ من العُمْر، هو شيءٌ أفضلُ بكثيرٍ من أنْ تعيشَ"مرذولاً" بعد الستّين.
ولأنّ هذا أمرٌ يخصُّ ربّ العالمين وحده، لذا فأنا أبتَهِلُ اليهِ، بخضوعٍ تامٍّ لمشيئته، أنْ يستعيدَ"أمانتهُ" التي أودعَها لدينا، قبلَ أنْ نعود الى الزمنِ الذي كُنّا نرتدي فيه "الحفّاظاتَ"، بكرامةٍ طفوليّةٍ كاملةٍ، وغير منقوصة.
*
إنّ مُجتمعاتنا، و "دُوَلنا"، و حكوماتنا، و"مؤسساتنا" التعليميّة، لا تحتفي بكبار السنِّ بما يليقُ بخبراتهم العلمية والمهنية، أو بما يحافظ على الحد الأدنى من كرامتهم الشخصية (كبشرٍ عاديّين)، ولم تضع إطاراً قانونياً، شاملاً وكافياً ومُتكاملاً، ينظّمُ كلّ ذلك.
و تاريخنا السياسي، و"الأكاديمي"، زاخرٌ بالعديدِ من القصص المؤسفة، عن النهاية الكارثيّة لعقولٍ جميلةٍ طواها الأهمالُ والتهميشُ والنسيان، وطالتها أدواتُ البطشِ والتنكيلِ للسلطات الحاكمةِ المُتعاقِبَةِ( في مختلف المراحل، وتحت مختلفِ التسميات).. والبعضُ من هذه العقول الجميلة ، والشخصيات الأكاديميّةِ المرموقة، ظلَّ هائماً في الشوارعِ، مُلَطّخاً بفضلاتهِ، ويضحكُ "العوامُ" عليهِ، ويسخرُ"الأنذال" من حاجته لصيانة كرامته الشخصيّةِ – الآدميّةِ.. إلى أنّ مات.
*
في هذا الجزء من العالم، لا تتمُّ العناية ُ بكبار السنّ (سواء كانوا من الناس العاديّين، أومن المُتمَرِّسينَ في مُختلف الاختصاصات) ، إلاّ اذا كانوا يَمُتّونَ بصلةٍ ما لسياسيّنَ "كبار"، أو مُقرَّبينَ من "سماسرةٍ" يُجيدونَ فنونَ"التخادُمِ"(الذي يُزاوِجُ ما بينَ السياسة والاقتصاد)، أو تابعينَ لشيوخ عشائر مُتنفِّذين، أو يعملونَ كأبواقٍ مأجورة لأربابِ السُلطة، وملوكِ الطوائفِ، وتُجّارِ الحروب.
*
في هذا الجزء من العالم، وفي أفضل الأحوال، سيتمُّ استدعاءُ كبار السِنّ من "المُختَصّينَ" ، واستخدامهم كـ "ديكورٍ"حكوميّ.. وبعدها سيقولُ هؤلاء ما يودّون قوله، للجهات التي قامت باستدعائهم .. وفي نهاية المطاف، لنْ يُنصِتَ لهم أحد.. وسيسمحُ "النظامُ" المؤسسيّ القائم لصغار الموظّفينَ لديه، بالضحكِ عليهم.
*
أحياناً .. تسمعُ بعضُ الجهات الحكوميّةِ بموتِ هؤلاء . عندها ستمُدُّ يدَ المساعدة في تسويق لافتات نعيهِم ، دونَ أن تُكَلّفَ نفسها عناء المشاركةِ في تشييعهم الى مثواهم الأخير ..
هذا اذا كان لمثل هؤلاء مثوى.. وكثيرون نعرفهم ، لم يكُنْ لهم مثوىً أخير، في هذا الجزء من العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل


.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير




.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية


.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ




.. سوريون يتظاهرون ضد تركيا في ريف إدلب