الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما يمكن للقراءة أن تفعله : فريدريك دوغلاس نموذجا

حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)

2022 / 3 / 29
الادب والفن


القراء تلعب دور مهم، فهي تغير المرء، تفتح عيونه، تقلب منظوره للحياة، وتسمح له برؤية العالم " متحررا من خطاب الآخر، من الدوكسا، من الرأي " مثلما تقول الكاتبة المغربية ليلى السليماني في أحد حواراتها . علاوة على ذلك فهي تجعل المرء يدرك الوضع الذي يقبع فيه، وعندما يدرك المرء وضعه، فهو تلقائيا يعمل على تغييره و الخروج منه . انطلاقا من ذلك، فإني في هذا المقال، سأحاول أن أبين كيف تلعب القراءة هذا الدور وذلك من خلال نموذج يستحق الوقوف عنده ، وهو فريدريك دوغلاس الذي لعب دوراً ثوريا في تحرير السود من أهوال العبودية .
فريدريك دوغلاس : يكتشف القوة خلف الكلمات .
ولد ، الأفروامريكي ، فريدريك دوغلاس، في أوائل القرن التاسع عشر، في ظل نظام العبودية الذي كان سائد آنذاك في جنوب امريكا، حيث كانت العبودية ممارسة شائعة وقانونية، فقد كان السود، الذين نُقلوا من افريقيا الى أمريكا، يجردون من إنسانيتهم ويتم معاملتهم معاملة قاسية خالية من الإنسانية : يشترون ويباعون كممتلكات خاصة ويجبرون على العمل في المنازل او الحقول في ظروف قاسية وبدون أجر .
لم يكن يعرف والده، وقد كانت له شكوك في أنه من الممكن أن يكون والده أحد الأسياد ذوي البشرة البيضاء، وذلك لان لون بشرة دوغلاس لم يكن داكنا مثل لون بشرة اخوته . إضافة الى ذلك فقد كان من الشائع أن يمارس الأسياد البيض الجنس مع العبيد الذين في ملكيتهم – سواء بإرادتهم أو بغير ارادتهم - فالمالك، كانت له سلطة مطلقة يفعل في عبيده ما يحلو له متى شاء . وبالتالي فقد رجح فكرة أن يكون أحد الأسياد هو والده .
تم فصله في وقت مبكر عن والدته التي بالكاد يعرفها، إذ أنه تم تأجيرها إلى مزرعة أحد الأسياد، فقد كان من العادات الشائعة في ذلك الوقت فصل الأطفال عن أمهاتهم ووضع الأطفال تحت رعاية امرأة عجوز أكبر من أن تعمل في الحقل . وتلك المرأة العجوز التي وضع عندها دوغلاس لم تكن سوى جدته من أمه، هناك في منزل الجدة عاش طفولة سعيدة ، مفعمة بالحيوية وصاخبة .
بيد أنه عندما بلغ السادسة من عمره تغير عالمه وانفتحت أبواب الجحيم في وجهه، وذلك عندما تمت إعادته الى منزل سيده، حيث خدم هناك في ظروف سيئة وشاهد أمور مرعبة وعرف معنى أن يكون المرء عبد، فأن يكون المرء عبد معناه أنه محكوم عليه بالخنوع والخضوع، معناه أن لا يملك نفسه، معناه أنه أداة في يد السيد الذي يملك سلطة ليس فقط على جسده، بل على حياته وموته. معناه أنه خاضع بشكل تام لرغبات شخص آخر.
من حسن حظ دوغلاس – وهو ما يشكل لحظة فارقة في حياته - أنه بعد فترة وجيزة من إقامته في مزرعة السيد، تمت إعارته الى منزل أحد الأسياد ليعمل كخادم عندهم. كانت مهمته الاعتناء بطفل يبلغ من العمر سنتين، وقد عاملته زوجة سيد المنزل، صوفيا التي لم تكن لها نفس الآراء نحو السود، بلطف كما لو كان ابنها . وعلمته قراءة الحروف الأبجدية وساعدته على تهجئة الكلمات، وكانت سعيدة أيما سعادة باهتمامه بتعلم القراءة . لكن عندما علم زوجها بما تقوم به، غضب غضبا شديدا، وأخبرها بأن تعليم العبيد هو أمر مخالف للقانون - ففي الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالأخص في الجنوب كانت هناك قوانين تحظر تعليم العبيد القراءة والكتابة وذلك من أجل إبقاء العبيد في حالة جهل كي يسهل السيطرة عليهم ، فتعلم القراءة والكتابة كان بمثابة تهديد لنظام العبودية السائد آنذاك . لأنه إذا قرأ العبيد فإنهم سيقرؤون عن حركة إلغاء الرق التي تهدف إلى إلغاء العبودية نهائيا وسيعلمون أن هناك أماكن في الشمال يعيش فيها العبيد أحرار، وسيعلمون أنه ما بين 1803 و 1804 انتفض عبيد هايتي وطردوا أسيادهم وأسسوا جمهورية سوداء حرة، وسيقرؤون تلك الملصقات التي يبحث من خلال الأسياد عن العبيد الهاربين وسيدركون أن الهروب هو أمر ممكن .
وأضاف الزوج ما معناه بأن تعليم العبد سوف يفسده ، سيجعله غير صالح لعمله، أي طاعة سيده دون سؤال. سيصبح غير سعيد وأن يصبح المرء غير سعيد معناه أن يبحث عن سعادته في مكان آخر . بعد ذلك تغيرت الطريقة التي كانت تتعامل بها صوفيا مع الصبي دوغلاس . لم تعد تعلمه، وأضحت توبخه إذا شاهدته يمسك بكتاب ما يقرأه . وصارت قاسية القلب معه. تحولت من الطيبة الى القسوة، من الخير إلى الشر. ولا شيء ، مثلما يقول دوغلاس، يجعلها أكثر غضبا من رؤيته جالسا في الزاوية يقرأ كتاب أو صحيفة بهدوء.
لكن أن هذا لم يوقف دوغلاس . لقد أوقدت، الزوجة، شعلة يصعب اخمادها . لقد فهم جيدا ما يمكن أن تفعله القراءة . لقد فهم – من خلال استماعه لحديث الزوج – عن القوة التي خلف نشاط القراءة . واكتشف وسائل اخرى يمكن أن يتعلم بها . إذ كان يحتفظ بقطع من الخبز في جيبه وكان يقدمه لأقرانه البيض الفقراء، ليعلموه بعض الكلمات او ليتركوه يقرأ من الكتب المدرسية التي يحملونها. وشيئا فشيئا مع مواصلته القراءة بدأ يكتسب وعيا ذاتيا، بدأ يستفيق، بدأ يدرك ما لم يكن يدركه، فقوة الرجل الأبيض خلف استعباد الرجل الأسود تتجلى في جهل هذا الأخير.
هكذا بدأت القراءة تفتح عيونه وتجعله يدرك الوضع المأسوي الذي هو فيه . فبواسطة تعلم القراءة أدرك دوغلاس أن وضعه كعبد لم يعد ممكنا ولا مهرب من الحرية . لهذا حاول الفرار ، ورغم فشل محاولاته الأولى فإنه لم يستسلم، وبوصوله سن العشرين من عمره كان قد نجح في الهروب من الجنوب إلى الشمال .
وبالرغم من أنه تمكن من نيل حريته فإنه أدرك بأنه ليس حرا، حريته مهددة في أي لحظة، فلا زال في ملكية سيده قانونيا، وصائدي العبيد – الذي يقتفون آثار الهاربين - في كل مكان، وبالتالي لن يصبح حرا إلا إذا قام بإلغاء العبودية المنتشرة في الجنوب .
لهذا جند نفسه – بمساعدة البيض والسود الذين يطالبون بإلغاء العبودية – وانظم إلى شبكة سرية تساعد العبيد على الهروب الى الحرية، وبدأ من خلال كتبه وخطبه وجولاته ورحلاته يكشف عن أهوال العبودية، وعن ما تفعله ليس فقط في السود الذين تجردهم من إنسانيتهم وإنما أيضاً في البيض، أسياد العبيد، الذي تحولهم الى قساة، غلاظ القلب، بلا رحمة ولا شفقة .
فعل فريدريك دوغلاس كل ما في وسعه لإنهاء العبودية، وفي النهاية كُللت مجهوداته ومجهودات الآخرين بالنجاح، بيد أن نجاح السود آنذاك في التحرر من قيود العبودية لا يعني أنهم أصبحوا سواسية مع ذوي البشرة البيضاء، بل ظلوا يتعرضون للمضايقات ويتعرضون للتمييز والإقصاء والتهميش والدونية .
اليوم ، وإن كان السود في أمريكا في وضع جيد مقارنة مع ما كان عليه الأمر في الماضي فإن الفضل في ذلك يعود الى أشخاص كافحوا وناضلوا وخاطروا بأنفسهم من أجل أن ينال شعبهم حريته . أشخاص علموا أنفسهم بأنفسهم وأدركوا القوة التي تقبع خلف الكلمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??