الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات اقتصادية… أزمة الدولة أو الدولة في أزمة…

عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)

2022 / 3 / 30
الادارة و الاقتصاد


تحول في دور الدولة…
لقد بات من المؤكد أن التحالفات والتكتلات الاقتصادية قد استولت على أهم جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث أصبح من الصعب الخروج من دائرة ما تطمح له اللوبيات الاقتصادية والمالية. وذلك لسبب بسيط، وهو أن كل شيء يُحسب حسب المعادلة الرابح والخاسر، أي الزيادة في الربح بأقل الخسائر أو الكلفة.

بعد الأزمة الأخيرة، أصبحت معظم الدول في حيرة من أمرها نظرا للضعف|الهشاشة التي وجدت نفسها حينما كان عليها مواجهة خطر يهدد وجودها وكيانها. ولما لا وهو خطر يهدد مواطنيها وهم سبب وجودها. يمكن أن نحدد الدولة على أنها حدود جغرافية ومجموعة من المواطنين/ات ومجموعة من القوانين المنظمة للعلاقات. لذا عندما حلت أزمة كوفيد19، سارعت بكل الوسائل وبشتى الطرق أن تقف موقفا حازما ضد الوباء من أجل إنقاذ أرواح الناس. لقد كانت لحظة ضحت فيها بالاقتصاد من أجل المواطن(ة)؛ لحظة تاريخية أظهرت فيها الدولة أنها ملتزمة بالعقد الاجتماعي الذي يربطها مع الشعب!

تعتبر الدولة أن السلم والأمن هما عنصران مهمان في بنائها واستمرار وجودها. لكن تخليها عن مهامها طيلة عقود من الزمن، وتحويل دورها من مؤسسة عمومية إلى شركة كبرى، أصبح يهدد الاستقرار والأمان. كيف يمكن للدولة أن تستمر دون أن تحافظ عن سيادتها؟

لقد اعتقدت الدولة أن المصالح الشخصية يمكن لها أن تلتقي بالمصالح العامة. فانخدعت بشعارات الحكامة والفعالية والجودة والمحاسبة وغيرها؛ وأيضا حينما كان عليها في كل أزمة أن تسارع لتنقذ اللوبيات الاقتصادية والمالية. فهو عند فترة الرفاه يشتكي من قلة الأرباح حتى وإن عظمت، وعند فترة الانكماش يبكي من الخسائر؛ لتسارع الدولة بذلك تارة إلى تسهيل ودعم استثماراته، وتارة إلى تعويض خسارته. وفي جميع الأحوال، لا يستطيع أن يحل محل الدولة التي توهمت أنه قادر أن يكون بديلا لها. فكان الإفلاس في مجموعة من القطاعات. وربما بداية انهيار الدولة. من سيقوى الدولة إذا هي تخلت عن سيادتها في تسيير مجموعة من القطاعات الاستراتيجية؟ من سيعوض الدولة عند الأزمات والإفلاس؟

من المؤكد أن وجود الدولة لا يمكن أن يلتقي مع وجود أو استراتيجيات وأهداف اللوبيات المتحكمة بالاقتصاد. في الوقت الراهن، نجد الدولة تحاول تدبير كل الأزمات المتراكمة والغير المرتقبة التي تعترضها. لكنها لم تعد قادرة على الاستمرار وتنفس الصعداء ولما لا وهي منذ تقريبا أزمة 2008، أصبح وجودها على المحك، لقد فقدت الأسس المهيكلة والمؤسسة لها. وإذا ما استمر الوضع على ما عليه فإنها لن تستطيع أن تستمر في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين/ات. لقد بات جليا بأن الحروب والأزمات تدار خارج رغبات الدول وأهدافها حيث أصبح الاقتصاد يتحكم في السياسة؛ وأصبح بذلك هو الموجه للثقافة و الانتماءات العقائدية وغيرها. أصبحت رغبات الأوليغارشية تهيمن على المصلحة العامة، وما المؤسسات المنتخبة إلا مجلس إدارة "للشركة الكبرى". لقد حولت المصلحة العمومية إلى مرفق عمومي والمواطن إلى زبون. فانتقلت الدولة إلى فاعل اقتصادي يدير ويخطط وفق معادلة الرابح والخاسر، لذا تجد أن قضايا اجتماعية وبيئية كثيرة لا يتم حلها لأن معايير اختيار الأهداف والأولويات قد تغيرت عند الدولة.

إننا نعيش في مرحلة جد حرجة لسببين رئيسين، أولها التوغل الوحشي والهمجي لللوبيات الاقتصادية والمالية في تسيير وتدبير الشؤون السياسية للبلدان والمنظمات العالمية والهيئات (الحكومية والغير الحكومية)، وثانيا تحكم هذه اللوبيات في القطاعات الاستراتيجية والسيادية للدول. وهذين السببين يؤديان حتما إلى تغيير الاستراتيجيات و تكيفها لتصبح تخدم مصالح وأهداف اللوبيات الاقتصادية والمالية المنتشرة عبر مختلف الدول، مستفيدة من التطور والتقدم التكنولوجي الذي يسمح لها بالتواصل وتسيير شؤونها دون المرور بالقنوات الرسمية.

التخلي عن الأهداف الاستراتيجية…
على الرغم ما قد يظهر للعيان من جهود في البحث عن بدائل للطاقة والغاز فإن الشركات الكبرى أو تمويلات البحث العلمي والمجتمع المدني لا تذهب إلا في اتجاه حيث هناك مزيد من الأرباح. لا يتم الاستثمار إلا في المشاريع التي ستزيد من الربح لفئة معينة. بينما المشاكل التي أنتجها الاقتصاد العالمي طيلة هذه العقود فإنه لا يتم التفكير فيها بكل الجدية المطلوبة والالتزام الدولي. هكذا نجد أن الدول النامية والمتخلفة لا زالت تتخبط في مشاكلها التقليدية من جهل وفقر وهشاشة وغياب البنيات التحتية الأساسية وغيرها. انها بعيدة عن تحقيق الأمن والسلم الداخلي، إنها لا تستطع أن تؤمن لمواطنيها الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية ومن الطاقة وغيرها، أي توفير ضروريات الرفاه الفردي والجمعي. إنها دول لا زالت حبيسة إرادة الدولة الكبرى، أو لربما أصبح الكل ـ في الآونة الأخيرة ـ خاضع لتوجهات الاحتكارات الاقتصادية والمالية العالمية.

أبانت الحرب الروسية-الأوكرانية على أهمية امتلاك الطاقة والغاز والمواد الأساسية، حيث لا زالت تتحكم في الخريطة السياسية للعالم. كما تجلى بأن ليست الرفاه البشري والوجود الحيواني والنباتي والديمقراطية والعدالة (الخ) هم الغاية من كل المفاوضات والاتفاقيات المعروضة على طاولة الدول، بل هي مصالح اقتصادية يتم الدفاع عنها بدماء الأبرياء ودموع الأطفال والأمهات. المتحكم في كل هذه الصراعات هو المصلحة الاقتصادية وزيادة الأرصدة البنكية. لقد أصبح المواطن/ الزبون رهين للشركات العالمية والأبناك، وبالمثل الدولة .

لقد بات جليا بأن كل الدول تعاني زواج السلطة بالمال. كما أن بنية بعض الأنظمة السياسية يسائلنا هل نحن في اتجاه الأنظمة الشمولية والديكتاتورية؟ هل هناك اخفاق للأنظمة الديمقراطية؟ هل هناك اخفاق في نشر السلم ومبادئ حقوق الإنسان في العالم؟ هل فعلا أمريكا وحلفاؤها يدافعون عن القيم الإنسانية والعدالة والمساواة؟ هل فعلا يستهدفون حماية أمن واستقرار الدول؟

تناقضات المصالح…
صحيح أن النظام الاقتصادي العالمي عاش فترات تصدع كبيرة، خرج منها منتصرا ومستفيد من أخطائه، ومن انتقادات التي كانت تتوجه إليه. أزيد من 100 سنة حاول خلالها أن يظل قويا ويحقق نموا اقتصاديا متزايدا وسريعا. فهو يؤمن بأنه قادر على تحقيق التوازن بين السوق والإنسان والطبيعة ما دامت معادلات السوق تشتغل دون مراقب ووفق منطق الطلب والعرض. بيد أنه من داخل كل نظام يوجد من يُقوّد بنيانه، لأنه يحمل نقط قوة ونقط ضعف. لقد مكنته نقط قوة من تعزيز مكانته، وفي نفس الوقت من إضعاف وتقويض أسسه البنيوية. عملية ترميم التصدعات تقوم بإنتاج تناقضات ستؤدي حتما إلى نظام اقتصادي بديل، ليس بالضرورة أفضل من النظام الحالي. الرغبة في السيطرة والتوسع، أنتج أجيال من اللامبالين، ودولة فارغة من أسسها، مما جعل الدولة في أزمة دائمة، لن تمكنها من لعب أدوارها الرئيسية. لقد تحولت تناقضات النظام الاقتصادي إلى تناقضات تهدد وجود الدولة. فانتقلت الأزمة من أزمة اقتصادية وبنكية إلى أزمة استمرارية وجود الدولة.

الحرب الحالية ما هي إلا حرب عالمية ثالثة بتقنيات و آليات وميكانيزمات جديدة تبين بأن الدول الكبرى استفادت من أخطاء الماضي، وهي الآن في محاولة لتحقيق تحالفات جديدة حتى وإن كانت على أرضية ساخنة. هذه الحرب سيؤدي ثمنها مواطني العالم. هل سنحسن الاختيار بين أنظمة لا خير فيها، إن كان لا بد من الاختيار؟

التسونامي…
يبدو أن جميع الأوراق قد اختلطت، مما ينبأ بأن القادم أسوأ. ليس تشاؤما مني، لكن الكارثة قادمة هي لا محالة ستكون مثل كارثة تسونامي، ولما لا والدولة منهارة وغير قادرة على الحماية. أصبح المواطن أو الزبون في معادلة الأسواق العالمية ورهين لدى الاحتكارات الرأسمالية الكبرى. ربما إنها مرحلة لا بد من المرور منها، فإما أن تقام دول سيادية أو يتم استبدالها باحتكارات عالمية تؤسس فيما بينها قواعد جديدة للتعاملات، أي إلى صياغة "عقد اقتصادي ومالي" جديد يقسم العالم إلى تحالفات وتكتلات. هل تستطيع الدولة أن تحافظ على وجودها، وبالتالي تحافظ على أمن وسلامة المواطنين/ات؟ وهل الشعب قادر على أن يكون طرف مهم في الصراع لحماية وجوده، ولا يسمح بأن يكون مجرد رقم في المعاملات التجارية والمالية؟

خلاصة لا بد منها…
ما أود قوله هنا على الدولة أن تستعيد قوتها وتتحكم في كل شرايين الاقتصاد لأن هدفها هو الديمومة، أي الحفاظ على وجودها وكينونتها، بينما اللوبيات الاقتصادية والمالية - مهما كانت قوتها وإرادتها- فإنها لا تفكر سوى في وجودها الذي يتناقض في بنيته لوجود الدولة. انها اختيار لابد من القيام به الآن. وأظن أن المصلحة العامة تقتضي تلك خاصة لدولة نامية لا تملك الصلابة اللازمة للتصدي للوبيات الاقتصاد والمال. الاحتكارات العالمية لا يهمها إن كانت الجغرافيا في سلم أو حرب ما دام لكل ظرفية سياسية نشاطها الاقتصادي والمالي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن .. سعر الذهب اليوم الأحد 2 يونيو


.. كلمة أخيرة - وزير التموين: سنكون سعداء لو طبقنا الدعم النقدي




.. كلمة أخيرة - وزير التموين: صندوق النقد لم يطلب خفض الدعم.. و


.. منصة لتجارة الذهب إلكترونياً بالحلال




.. البنك المركزي اليمني يوقف التعامل مع 6 بنوك لم تلتزم بقرار ن