الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر قصائد وتعليق

عبدالكريم كاصد

2006 / 9 / 10
الادب والفن



أبواب


كنتُ على مبعدةٍ أرتقبُ الأسوار
وآمل أن تفتحَ لي أبوابك
لكنّي لم أبصرْ سوراً
أو باباً
أو أثراً
غيرَ خلاءٍ يمتدّ
فمنْ أينَ سأدخلُ؟
من أين؟
وأنتَ بلا أثرٍ
في أيّ بقاعٍ كنتَ؟
وأيّ بقاعٍ ستكون؟
ولو جئتَ
وأعليتَ قلاعَكَ ثانيةً
ونصبتَ الأسدين
على الأبواب
وصحتَ بحرّاسك أن يمتشقوا الأسياف
ويبتدئوا القتل
فماذا أفعل؟
هل أدخل؟
مندفعاً وسط الناس
ألوّح بالأعلام
وأنعب؟
أم أذهب
مبتعداً
أرتقبُ الأسوار
وأمل أن تَفتحَ لي أبوابك
آمل أن تُفتحَ لي الأبواب؟
2003


أسد بابل

على بعد أمتارٍ من النهر
يجلسُ أسدُ بابل
لا مصاطبَ تحيط به ولا أطفال
لا جنائنَ ولا أبراج
وحين يمرّ به الناس
ولا يلتفتون
يهزّ رأسَهُ أسفاً
مردّداً جملةً واحدةً
لا يسمعها أحدٌ
وإن سمعها لا يعيرها انتباهاً:
"أنا أسدُ بابل
أنا أسدُ بابل"


2003
الفاتحون



أشرعي الأبواب
جاء الفاتحون
واستدارتْ تذرعُ الأفقَ طوابيرُك
من موتىً
وأحياءَ
وساحاتُك
لايعبرُها الآن سوى الأشباح
والنيرانُ
هل أبقتْ لك النيرانُ من شئٍ ؟
دعي الراياتِ
يلتفّ بها في البرد أطفالك
جاء الفاتحون
دون أن يقتحموا باباً
ولا سوراً
ولا ما يدرأ الحربةَ عن وجهكِ
جاء الفاتحون
من سراديبك
من صحرائك المكذوبة الأنساب
من ليل الكوابيس
ومن منفاك
جاء الفاتحون


آذار 2003





لعنة




في أقاصي النخيل
في دروبٍ تنامُ هناك
من ألوفِ السنين
يسيل
دمٌ


في انطفاء الغروب
في تسلّلِ ليلٍ يؤوب
وفي صرخةٍ
أو عويل
يسيل
دمٌ


يسيل دمٌ
فوق آنية البيت
تحت السرير
على أكرة الباب
بين الملاءات
عبر الثقوب
يسيل
يسيل
دمٌ



2004




تحذير


إن كانتْ أرضُك مقبرةً
وسماؤك لا يحرسُها الربّ
فسأعفيك من الذنبْ
وسأحملُ موتاك إلى منفاي
أوسّدهم حجراً
وأقول: سلاما للحجرِ
وأقول سلاماً موتاي
أتوّجكم بالأزهار
وأحرسكم بالشجرِ


إن كانت أبراجك مطفأةً
ونجومك تلمعُ كالنصل
فسأعفيك من القتل
وسأطلق كلّ خفافيشك في الشمس
وأصرخ: " من أنت ؟
الأسد الكاسر ذو الجنحين
أم الديناصور
العائدُ بعد الموت؟ "


إن كنتَ المسحور
تماثيلُك مطرقةٌ
ودروبُك صامتةٌ كالقبرْ
فسأعفيك من السحرْ
سأنصّب نفسي ملكاً
وأجمّع حولي الأطفالْ
وأغنّي للنجم:
"تعال!
تعالْ "
سأرقّص حتّى العميانْ
وليقبلْ بعدي الطوفانْ



إن كانت حربُك لي قدراً
وخرابُك بيتي
فسألعنُ ما فرّقهُ عمْرو
وسألعنُ ما جمّعهُ زيد
وسأوكلُ أمري
للنجم الطالعِ من سوق التجّار
براياتٍ حمرْ
وصحائفَ عشرِ
وسأبرأ من كتب الأحبار



2003

















مرثيّة سوق في بابل





في هذا الأفقِ الممتدّ إلى اللهِ شواهدَ من حجرٍ
وملائكة يبكون
تُرى ؟
ماذا ينتظرُ الناس ؟
سفينتَهم ؟!
مقبلةً
يحملها الطوفان



في سوقٍ يدخلها الآن صيارفةٌ
بلحىً
وسراويل
تُرى ؟
مَنْ يجمعُ أشلاءَ مبعثرةً ؟
ويُعيد الكفّ إلى الطفل
وذاك الثديَ إلى الأمّ
ويفتح أبوابَ الطرقات
لآلهةٍ قادمةٍ
من بابلَ
بشعورٍ بيضٍ
هائجةٍ
وعيونٍ غائرةٍ
وصدورٍ حمراءَ
تُرى
مَنْ ؟


……………….
……………….


في اليوم الأول من آذار
في العام الخامس بعد الألفين
أو العام الخامس قبل الألفين
ببابلَ
حدثت مجزرةٌ



2005









لغز


لتكن من تشاء
عدوّاً
أم غيرَ عدوّ
يمجّده الأحياء
ويلعنه الأحياء
فما أنت سوى ظلّ
يتأرجح بين الأبديّة ،
والصحراء
حيث الأحجار
كانت بشراً
والنجوم دليلاً إلى القتل
ولا شئ خلفك غير صدى الانهيار
يتردّد في الصمت ...
من هناك
سيقبل طائر
طائرٌ وحيد
أسودُ
أو أبيضُ
لا ينطقُ أبداً
لا يقولُ : " لا "
لا يقولُ : " نعم "
سيهبط يوماً
يحدّق فينا
ويرحل
لعلّه أنت
لعلّه أنت
لعلّه أنت



2002




أودسيوس


لأودسيوس العائدِ من طروادةَ
رذائلُ شتّى :
حبّه للنهب وللقتل
حصانُهُ ذاك الخشبيّ الأعمى
الذاهبُ عبر الأنقاض إلى المرعى
حكمتُهُ المقرونةُ بالشرّ
فصاحتهُ الفارغةُ من المعنى
طعنُهُ بالحربة أشباحَ الموتى
أتبُاعه تلك الأرواح الشرّيرةُ فوق سفائنه السوداء
غضبته المسعورةُ بين زهور النسيان
أذناه المغلقتان
أبداً
أبداً
عند سماع غناء الحوريّات
ورذائل أخرى
لا أذكرها
أوردَها هوميروس وشكسبير
لكنّ له مأثرةً واحدةً
مأثرةً أوقفت النجم
وأرجعت البحر إلى الساحل
مأثرةً لا تنسى :
فقؤه عينَ السايكلوب

2002




الثور السماويّ






ثور سماويّ
أغار على حقولك
فالتجأت إلى المعابد
ضارعاً
حتّى إذا طال الخوار
خرجتَ من تلك الضراعة
ساحباً
ناساً وأطفالاً وراءك
إنّه الثور السماويّ
احترس
أظلافهُ حجرٌ
قرونه غابةٌ
وخطاه رعدٌ
ما الذي أبقى
وماذا أنت قد أبقيتَ
ثور هائجٌ
يمشي على قتلاك
ثمّ يطير
صوب سمائه
ثورٌ
سألتك أنتَ
أيّةُ حكمةٍ أبقى
وأيّةُ حكمةٍ أبقيتْ
ثورٌ هل ذبحتَهُ ؟




2004


صندوق باندورا (1)




كم حذّرتك
ألاّ تفتح هذا الصندوق
وحين فتحتَهُ
وانطلقتْ كلُّ شرورِ العالم منه،
فما عاد هناك سوى ناس يذوون
وريحٍ هوجاء
وشمسٍ لاهبةٍ
ومياهٍ تسودّ
ومخلوقات شائهةٍ كالنحل بأجنحةٍ
وشرورٍ صاخبةٍ
كم حذّرتك
ألاّ تفتح هذا الصندوق
وكم حذرتك
ألاّ تغلق هذا الصندوق
وقد ظلّ هنالك في قاعهِ
ما ينقذنا :
مخلوقٌ
أقوى من كلّ شرور الأرض
ألا أبصرتهُ
أصغر مخلوقات الأرض
وأجمل مخلوقات الأرض
جناحان
رقيقان
وعينان
ساحرتان
لو أبصرتهُ
لو تفتح هذا الصندوق
ألا تفتحهُ ؟

2004




(1) هو الصندوق الذي حوى كلّ شرور العالم . فتحته باندورا خطأً وحين سارعت إلى غلقه كان ثمة مخلوق مجنح صغير هو الأمل ناشدها أن تطلقه ليبطل مفعول الشرور التي انطلقت من الصندوق على شكل مخلوقات كالنحل .



دون كيشوت في عراقيا (1)


حين رأى دون كيشوت
زوبعتين
قادمتين
أثارهما في السهل
قطيعان من الضأن
قال:
- ما أعظم هذين الجيشين !
ألا تبصر يا سانشو
ذاك الفارس ذا الفرس البيضاء
والترس البيضاويّ
وذاك الفارس
ذا السيفين المعقوفين
القادم باللحية والقنزعة الخضراء
ألا تبصريا سانشو
ذاك الفارس
ذا العينين الجاحظتين
والوجه القمريّ؟
إنّه ...
- أشباح ما تبصر يا مولاي
أشباح ... أشباح
قال :
ألا تسمع نفخ الأبواق وقرع طبول الحرب؟
- لا أسمع غير ثغاء خرافٍ يا مولاي
قال له :
تبّاً للخوف
واندفع يقاتل

* من مجموعة قصائد بعنوان ( حكايات من عراقيا )


التعليق :


ما الذي يجمع هذه القصائد أو يفرّقها ؟ ما الصلة بين حادثة مجزرة ، وتمثال أسدٍ ، وهذا الثور الذي يخور في اوروك ، أو ذلك الصندوق.. صندوق باندورا ؟ هل أنا أمام عالم لا يمكن الإمساك به على صلابته ؟ هل أنا أمام واقع لا أستطيع تحديده أبداً وإن اقتربت من تفصيلاته ؟ ما الواقع إذن إن كان يقودني إلى أسطورته وأوهامه ؟ وما الأسطورة إن كانت تقودني إلى ذلك الواقع ؟ بل أين أنا من الأسطورة والواقع إن كان لأوهامي واقعها المتخيل أو أسطورتها ؟
في مجزرة السوق ثمة واقع وأسطورة ايضاً ؟ من منهما القصيدة ؟ من أين جاءت الأسطورة إلى قصيدتي وهي التي لم تكن يوماً في توجهي أو همومي ؟ أنا الشاعر المعنيّ بالواقع وتفصيلاته حدّ التدقيق . هل مبعثها لفظة بابل وحدها ؟ ولكن لماذا هؤلاء الناس الذي ينتظرون سفينتهم يحملها الطوفان وهؤلاء الصيارفة ، صيارفة الإنجيل ، بلحاهم وسراويلهم يدخلون السوق حيث حدثت المجزرة؟ هل يحيل الواقع نفسه إلى ما هو غير واقع؟ .. آلهة يأتون بشعور بيض هائجة وعيون غائرة وصدور حمراء... ولكن لماذا تتبعني الأسطورة حتى نهاية القصيدة ليغدو المكان ذاته زمناً أسطورياً ( في العام الخامس قبل الألفين )؟
لماذا تطالعني الأسطورة في الواقع ؟
ولماذا تتقدم الأسطورة بقناعها التاريخي صارخة على مسرح الحاضر : أنا الواقع ... الثور السماوي الذي يمشي على القتلى ويطير إلى السماء ، صندوق باندورا الذي اغلقناه لنتجنب الشرور دون أن ندري أننا أغلقناه أيضاً على الأمل ... ذلك المخلوق الصغير ذي الجنحين الرقيقين ، أودسيوس الذي لم يكن له سوى مأثرة واحدة. أتمسح مأثرة واحدة – مهما بلغت – شروره الكثيرة ؟ ولكن أين أضع أوهامي ؟ في أية خانة : الواقع أم الأسطورة ؟


كنتُ على مبعدةٍ أرتقبُ الأسوار
وآمل أن تفتحَ لي أبوابك
لكنّي لم أبصرْ سوراً
أو باباً
أو أثراً
غيرَ خلاءٍ يمتدّ
فمن أينَ سأدخل؟

أهي أوهامي ثانيةً أم الواقع الذي استحال وهماً ؟ لأنه لم يعد واقعاً نتلمسه حاضراً أو نستشفه مستقبلاً ، بل تراكم ماضٍ ثقيل ثقيل يتجاوز أحاسيسنا الآنية إلى تاريخٍ هو كابوس لا وقائع ، لعنة لا مصادفات بشرٍ :

في اقاصي النخيل
في دروبٍ تنام هناك
من ألوف السنين
يسيل
دمٌ

أيفيد تحذير في هذا الكابوس أو إدانة ؟

إن كانت أرضك مقبرةً
وسماؤك لا يحرسها الربّ
فسأعفيك من الذنب

أثمة حل في واقعٍ أو أسطورةٍ ؟ أم أن اللعبة - لعبة البهاليل - هي الكفيلة بإخراجنا من هذا المأزق – التاريخ ، أو هذا التاريخ – المأزق :

سأنصّب نفسي ملكاً
وأجمّع حولي الأطفالْ
وأغنّي للنجم :
"تعال!
تعالْ "
سأرقّص حتّى العميانْ
وليقبلْ بعدي الطوفانْ

حيث لا أسطورة ولاواقع ، بل حاضر لن يكون تاريخاً ، وتاريخٌ لن يكون حاضراً ، وتكرارٌ عقيمٌ لا يفضي إلاّ إلى نفسه ... أهذا هو الواقع إذن :

جاء الفاتحون
دون أن يقتحموا باباً
ولا سوراً
ولا ما يدرأ الحربةَ عن وجهكِ
جاء الفاتحون
من سراديبك
من صحرائك المكذوبة الأنساب
من ليل الكوابيس
ومن منفاك
جاء الفاتحون


ما الذي يمسك بالشاعر ؟
وما الذي يطلق الشاعر؟
وعمّ يتحدّث الشعرفي صحراء :

حيث الأحجار
كانت بشراً
والنجوم
دليلاً إلى القتل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في