الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول سبب مسؤولية الغرب بشكل أساسي عن الأزمة الأوكرانية

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


جون ميرشايمر
ترجمة: محمود الصباغ
يمكن القول، باطمئنان، أن الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا هي أخطر صراع دولي منذ أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962. ويعد ضرورياً فهم أسبابها الجذرية إذا ما أردنا الوقوف في وجهها ومنه تدهورها تحو الأسوء، والسعي لإيجاد طريقة لإنهائها.
لا شك في أن [الرئيس الروسي] فلاديمير بوتين هو من بدأ الحرب، وهو، بالتالي، المسؤول عن مفاعيلها وعن الكيفية التي اندلعت فيها. لكن أن يكون هو من بدأ الحرب فهذا أمر يختلف بكل تأكيد عن السبب الذي دفعه لشنها. ووجهة النظر السائدة عنه في الغرب أنه شخص معتدي، لاعقلاني، متعجرف يطمح لبناء روسيا عظيمة على غرار الاتحاد السوفيتي السابق. وبالتالي، فهو وحده يتحمل المسؤولية الكاملة عن أزمة أوكرانيا. بيد أن هذه الرواية غير صحيحة. فالغرب، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، مسؤول بشكل أساسي عن الأزمة التي بدأت في شباط- فبراير 2014 والتي تحولت الآن إلى حرب لا تهدد بتدمير أوكرانيا فقط، بل ثمة إمكانية، في حال تصعيدها، أن تتحول إلى حرب نووية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
لقد بدأت المشاكل المتعلقة بأوكرانيا بالفعل في قمة "الناتو: في بوخارست في نيسان- أبريل 2008، عندما دفعت إدارة جورج دبليو بوش الحلف إلى إعلان أن أوكرانيا وجورجيا "سوف تصبحان عضوين في الحلف"، وهو ما استدعى رداً سريعاً وغاضباً من جانب القادة الروس، الذين وصفوا مثل هذا القرار بأنه تهديد وجودي لروسيا وتعهدوا بإحباطه. ووفقا لصحفي روسي محترم، انتابت السيد بوتين "موجة من الغضب الشديد" وحذّر من أنه "إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو، فلن تقوم بذلك وبحوزتها شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية. وهو ما يجعلها، ببساطة، عرضة للانهيار". لكن أمريكا تجاهلت خط موسكو الأحمر هذا، وبدلاً من التهدئة، اندفعت إلى الأمام أكثر في محاولة لجعل أوكرانيا حصناً غربياً على حدود روسيا. وتضمنت تلك الاستراتيجية عنصرين آخرين: تقريب أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي وجعلها ديمقراطية موالية لأمريكا. وأدت هذه الجهود، في النهاية، إلى اندلاع الأعمال العدائية في شباط- فبراير 2014، بعد انتفاضة (كانت مدعومة من أمريكا) تسببت في فرار فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، من البلاد. ورداً على ذلك، استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وساعدت في تأجيج الحرب الأهلية التي اندلعت في منطقة دونباس بشرق البلاد.
وأتت المواجهة الرئيسية التالية في كانون الأول- ديسمبر 2021 والتي أدت، مباشرة/ إلى الحرب الحالية. حيث كان السبب الرئيسي لها أن أوكرانيا باتت، بحكم الأمر الواقع، عضواً في الناتو، وهي العملية التي ابتدأت في كانون الأول- ديسمبر 2017، عندما قررت إدارة ترامب بيع كييف "أسلحة دفاعية". غير ما هو "دفاعياً" في هذا الشأن يبدو غير واضح تماماً، الأمر الذي بدى كأن هذه الأسلحة سوف يكون لها وقع سيء على موسكو، وحلفائها في دونباس، في حال وصلت إلى أوكرانيا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل انخرطت دول أخرى في الناتو في الأمر، حيث قامت بشحن الأسلحة إلى أوكرانيا، وتدريب القوات المسلحة الأوكرانية، والسماح لها بالمشاركة في التدريبات الجوية والبحرية المشتركة. وفي تموز- يوليو 2021 ، استضافت أوكرانيا برعاية أمريكا تدريبات بحرية كبيرة في منطقة البحر الأسود شاركت فيها قوات بحرية من 32 دولة. وكادت هذه العملية التي أطلق عليها اسم "عملية نسيم البحر" أن تستفز روسيا بإطلاق النار على مدمرة تابعة للبحرية البريطانية دخلت عمداً ما تعتبره روسيا مياهها الإقليمية. واستمرت الروابط بين أوكرانيا وأمريكا في النمو في ظل إدارة بايدن. وينعكس هذا في وثيقة هامة -تعرف بـ "ميثاق الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن الشراكة الاستراتيجية"- التي وقعها الطرفان في تشرين الثاني (نوفمبر) بحضور أنطوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا. كان الهدف من هذه الوثيقة "التأكيد على.. التزام أوكرانيا بتنفيذ الإصلاحات العميقة والشاملة اللازمة للاندماج الكامل في المؤسسات الأوروبية والأوروبية الأطلسية". وتعتمد الوثيقة صراحة على "الالتزامات التي تم التعهد بها من قبل أوكرانيا والولايات المتحدة لتعزيز الشراكة بين الرئيسين زيلينسكي وبايدن"، وتؤكد أيضاً أن البلدين سوف يسترشدان بـ" إعلان قمة بوخارست للعام 2008 ". ومن غير المستغرب أن تجد موسكو في كل هذا وضعاً متدهوراً يستدعي منها حشد قواتها العسكرية على حدود أوكرانيا في الربيع الماضي للإشارة إلى واشنطن بالحل الروسي المحتمل عند أي تطورات لاحقة. لكن ذلك لم يكن له تأثير يذكر على عزام إدارة بايدن مواصلة سياسة التقارب من أوكرانيا. وهو ما أدى إلى إسراع روسيا للقيام بمواجهة دبلوماسية كاملة في كانون الأول- ديسمبر، عبّر عن ذلك سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي بقوله: "لقد وصلنا إلى درجة الغليان". وطالبت روسيا بضمانة خطية بأن لا تكون أوكرانيا جزءً من الناتو قطعاً، وأن يقوم الحلف بإزالة أصوله العسكرية التي كان قد نشرها في أوروبا الشرقية منذ العام 1997. غير أن المفاوضات سرعان ما تعرضت للفشل، كما أوضح السيد بلينكين: "لا يوجد تغيير. لن يكون هناك ثمة تغيير". وبعد شهر من تصريح بلينكين، شن بوتين غزواً عسكرياً على أوكرانيا للقضاء على التهديد الذي رآه من الناتو.
يتعارض هذا التفسير للأحداث مع الشعارات السائدة التي تتردد بكثرة في الغرب، والتي تصور عدم وجود علاقة بين توسع الناتو شرقاً وبين الأزمة الأوكرانية الحالية، ويلقى باللوم على أهداف بوتين التوسعية. فوفقاً لوثيقة الناتو الأخيرة التي أرسلت إلى القادة الروس، يتم تعريف الحلف بأنه "تحالف دفاعي، ولا يشكل أي تهديد لروسيا". غير أن الأدلة التي بين أيدينا لا تتفق مع مثل هذه المزاعم. وحتى بالنسبة للمبتدئين في العمل السياسي، لا تتعلق القضية المطروحة بما يقوله القادة الغربيون عن أهداف الناتو أو نواياه؛ هذه هي الطريقة التي ترى بها موسكو تصرفات الناتو. ومن المؤكد أن بوتين على يقين بأن تكاليف اقتحام مساحات شاسعة من الأراضي في أوروبا الشرقية واحتلالها سوف تكون باهظة بالنسبة لروسيا. وقد قال ذات مرة "على حد تعبيره ذات مرة، "من لا يفتقد الاتحاد السوفيتي ليس له قلب. ومن يسعى لإعادته ليس لديه عقل". وبغض النظر عن معتقداته بشأن الروابط الوثيقة بين روسيا وأوكرانيا، فإن محاولة استعادة كل أوكرانيا ستكون بمثابة محاولة ابتلاع نيص. علاوة على ذلك، لم يقل صانعو السياسة الروس - بمن فيهم بوتين- أي شيء تقريباً عن احتلال أراضٍ جديدة لإعادة الاتحاد السوفيتي أو بناء روسيا أكبر. بل قالوا وكرروا، بدلاً من ذلك ومنذ قمة بوخارست 2008، إنهم ينظرون إلى انضمام أوكرانيا إلى الناتو باعتباره تهديداً وجودياً يجب العمل على منع حدوثه. كما أشار لافروف في كانون الثاني (يناير)، "مفتاح كل شيء هو ضمان عدم توسع الناتو شرقاً". ومن الإنصاف القول هنا، أيضاً، أن القادة الغربيين نادراً ما وصفوا روسيا، قبل العام 2014، بأنها تشكل تهديداً عسكرياً لدولهم. وكما أشار مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق لدى موسكو، بأن استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم لم يكن مخططاً له منذ فترة طويلة؛ بل كان خطوة متهورة رداً على الانقلاب الذي أطاح بالزعيم الأوكراني الموالي لروسيا. في الواقع، وحتى ذلك الحين، كان توسع الناتو يهدف إلى تحويل كل أوروبا إلى منطقة سلام عملاقة، لا تحتوي على روسيا خطرة. لكن بمجرد أن بدأت الأزمة، لم يستطع صانعو السياسة الأمريكيون والأوروبيون الاعتراف باستفزازهم لها من خلال محاولة دمج أوكرانيا في الغرب. وأعلنوا أن المصدر الحقيقي للمشكلة هو نزعة روسيا الانتقامية ورغبتها في الهيمنة، إن لم يكن، أصلاً، غزو أوكرانيا.
لا ينبغي أن تكون حكايتي عن أسباب الصراع مثيرة للجدل، بالنظر إلى أن العديد من خبراء السياسة الخارجية الأمريكيين البارزين حذروا من توسع الناتو منذ أواخر التسعينيات. لقد أدرك روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي أثناء انعقاد قمة بوخارست، أن "محاولة ضم جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو كانت محاولة تحمل في طياتها الكثر من المبالغة الحقيقية". وقد عارض هذه المحاولة، لاسيما انضمام أوكرانيا، في تلك القمة، في الواقع، كل من أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لأنهما كانا يخشيان أن يثير ذلك غضب روسيا. وما أستطيع تلخصيه من تفسيري الشخصي لفهم ما يجري على الأرض هو أننا في وضع خطير للغاية، وسوف تؤدي السياسة الغربية يشكلها الحالي الراهن إلى تفاقم هذه المخاطر. أنا بالنسبة لقادة روسيا، فإن ما يحدث في أوكرانيا لا علاقة له بإحباط طموحاتهم الإمبريالية؛ بل يتعلق الأمر بالتعامل مع ما يعتبرونه تهديداً مباشراً لمستقبل بلدهم. ربما أساء السيد بوتين تقدير القدرات العسكرية الروسية، وفعالية المقاومة الأوكرانية، ونطاق وسرعة الرد الغربيين، لكن لا ينبغي لأحد أن يقلل من قسوة القوى العظمى عندما تعتقد أنها في حالة صعبة للغاية/ محالة روسيا الآن. ورغم كل هذا، مازالت أمريكا وحلفاءها يضاعفون من حجم قوتهم، على أمل إلحاق هزيمة مذلة ببوتين وربما يجدونها فرصة سانحة لهم للتخلص منه، وها نحن نراهم يزيدون من تقديم المساعدة لأوكرانيا، في الوقت الذي يستخدمون العقوبات الاقتصادية لفرض عقوبات شديدة على روسيا، وهي خطوة يراها بوتين الآن على أنها "شبيهة بإعلان الحرب". قد تكون أمريكا وحلفاؤها قادرين على منع انتصار روسي في أوكرانيا، لكن البلاد ستتضرر بشدة، إن لم يتم تقطيع أوصالها. علاوة عن مخاطر التصعيد خارج أوكرانيا، ناهيك عن خطر الحرب النووية. فإذا لم يكتف الغرب بإفشال تحركات موسكو في ساحات المعركة في أوكرانيا، بل سيتسببون، أيضاً، بأضرار فادحة ودائمة باقتصاد روسيا، فإن واقع الحال سوف يدفع بقوة عظمى إلى حافة الهاوية. وعندها قد يتجه بوتين إلى الأسلحة النووية. وفي هذه المرحلة من المستحيل معرفة الشروط التي سيتم على أساسها تسوية هذا الصراع. لكن إذا لم نفهم سببها العميق، فلن نتمكن من إنهائها قبل أن تنهار أوكرانيا وينتهي الأمر بحلف شمال الأطلسي في حرب مع روسيا.
المصدر: https://www.economist.com/by-invitation/2022/03/11/john-mearsheimer-on-why-the-west-is-principally-responsible-for-the-ukrainian-crisis?utm_medium=social-media.content.np&utm_source=facebook&utm_campaign=editorial-social&utm_content=discovery.content&utm_campaign=a.io_fy2223_q1_conversion-cb-dr_abo-allaudiences_global-global_auction_na&utm_medium=social-media.content.pd&utm_source=facebook&utm_content=conversion.content-retargeting.non-subscriber.content_staticlinkad_np-10160189883389060-n-mar_na-na_article_na_na_na_na&utm_term=sa.rt-web-1v90d-engagers-followers&utm_id=23849809762470064&fbclid=IwAR1ikgGpjaMG9jv4_RdoRuRBNAw8bQ6Zg9daqrDm9rTEp88Hzg_lOWP_yIM








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس