الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البنى الآثارية للاستيطان الإسرءيلي في فلسطين (3)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 3 / 31
القضية الفلسطينية


ترجمة: محمود الصباغ
الفصل الثالث: المسح الجهوي للبيانات الأثرية
يتكون الجزء المتبقي من الجزء الأول من استعراض البيانات الأثرية، التي تراكمت على مدار حوالي ستين عاماً من البحث، ذات الصلة الوثيقة بالمواقع التي ظهرت خلال فترة الاستيطان. لن نناقش، هنا، الأدلة غير المباشرة، كطبقات دمار المواقع الكنعانية التي نُسبت في الماضي إلى القبائل الإسرءيلية الوافدة؛ فهذه أدلة عولجت بشكل شامل في الأدبيات الآثارية (انظر على سبيل المثال، P. Lapp 1967) بحيث لا يوجد ما يمكن إضافته تقريباً في هذا الصدد (علماً أننا سوف نتطرق إلى هذا الموضوع في الفصل الثامن في سياق مناقشتنا لمدرسة أولبرايت الفكرية). أما هنا فسوف نتعامل فقط مع الأدلة المباشرة: أي الأماكن التي أظهرت وجود بقايا مستوطنات إسرءيلية مبكرة (الشكل 2)، بالإضافة إلى نتائج المسوحات المكانية في مناطق مختلفة من البلاد.
( يتضمن هذا الفصل العديد من الخرائط واللوحات والصور، ونظراً لعدم توفر خاصية عرضها هنا على منصة الحوار المتمدن، بمكن لمن يرغب في الاطلاع عليها زيارة موقع الجرمق للدراسات وفق الرابط التالي https://www.aljarmaqcenter.com/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%8a%d8%b7%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a1%d9%8a%d9%84%d9%8a-%d9%81-3/
)

شكل (2) الحفريات في مواقع الاستيطان الرئيسية
تحدد الإرشادات التالية محتويات وترتيب هذا الفصل:
- وُصفت الاكتشافات حسب المنطقة، من الشمال إلى الجنوب. ونبدأ، لكل منطقة، بنتائج الحفريات ثم نناقش المواد المتحصل عليها من المسوحات المكانية. وسوف نستخدم الأسماء القديمة للمواقع التي حُدّدت بشكل إيجابي؛ وسوف نشير إلى المواقع الأخرى بالأسماء العربية أو العبرية التي يشيع استخدامها بين الباحثين.
- سوف نشير، باختصار، إلى التوطن في الوديان الشمالية فقط، بالنسبة للأراضي الواقعة خارج حدود الاستيطان الإسرءيلي التي كان يسكنها الكنعانيون الفلستيون في منطقة العصر الحديدي الأول (السهل الساحلي والشفيلة والوديان الشمالية)، وسوف نقوم بذلك فقط بسبب النقاشات السابقة حول بداية النشاط الإسرءيلي في هذه المناطق. كما سوف نناقش في هذا الفصل المناطق والمواقع الإشكالية، أي الأماكن التي كانت على هامش الاستيطان الإسرائيلي، بسبب من هوية سكانها غير المؤكدة.
- سوف نحاول في بعض الحالات، عند مناقشة الحفريات والمسوحات المكانية، أن نضع في اعتبارنا، وإن بإيجاز، الوضع قبل، وبعد العصر الحديدي الأول. ومن الطبيعي أن تعدّ بيانات الوضع قبل وبعد العصر الحديدي الأول على درجة عالية من الأهمية لفهم عملية الاستيطان. وفي الوقت الذي سوف نستشهد فقط باكتشافات ولقى العصر البرونزي المتأخر (وأحيانًا البرونزي الأوسط) والحديدي الثاني، فهذا لا يعني أنه لم يعثر على لقى وبقايا من فترات أخرى في هذه المواقع.
- نتج عن المسوحات المكانية الأثرية المكثفة الجارية في أجزاء كثيرة من البلاد، أثناء إعداد وكتابة هذا الكتاب، العديد من الاكتشافات واللقى المهمة لصورة توطن مواقع العصر الحديدي الأول. على الرغم من عدم نشر تقارير مؤقتة عن بعض هذه المسوحات، إلا أن زملائنا تكرموا علينا بتقديم المعلومات الأولية (تم تحديثها حتى العام 1985-1986).
- امتنعنا، بشكل عام، عن استخدام البيانات التي جُمعت في ضوء الرحلات الميدانية القديمة. والسبب في ذلك يعود إلى أن أساليب وتقنيات المسح وجمع اللقى وتأريخها، كانت، حتى السنوات الأخيرة، في مهدها. وسوف يكون من غير المفيد، بالأحرى ضاراً، استخدام بيانات غير دقيقة أو غير واضحة أكثر مما يمكن أن تعود فيه هذه البيانات بالنفع. بيد أنه سوف نقدم وصفاً لنتائج المسوحات القديمة، عندما نتأكد من أن تصنيفاتها موثوقة أو، على نحو أفضل Jaute de mieux ، عند عدم توفر البيانات الأخرى.
نحن، في الحقيقة، لا نمتلك معرفة موحّدة عن المناطق المختلفة قيد الدراسة, ورغم شمولية البحث، في معظم المناطق، إلا أنه لا تتوفر معلومات مزيدة عن مناطق قليلة بعينها. ويجب أن يؤخذ هذا التناقض في الاعتبار عند أي محاولة لتلخيص البيانات الميدانية المتعلقة بفترة العصر الحديدي الأول (انظر الرسم البياني في الفصل العاشر). وفي حين سوف يضيف، بلا شك، النشر الكامل للمسوحات، في المستقبل، أبعاداً جديدة إلى فهمنا لعملية الاستيطان، غير أن البيانات التي تحت تصرفنا في الوقت الحالي تبدو أنها كافية لتقدير نمط استيطان العصر الحديدي الأول الإجمالي.
- سنحاول قدر الإمكان تسليط الضوء على نمط توطن المواقع الثانوية للمناطق المختلفة. ولهذا الأمر أهمية كبيرة في فهم العملية التاريخية للاستيطان وهو ما سوف يتناوله الفصل الرابع بالتفصيل.
- لقد كان من المستحيل، عملياً، إجراء فروقات زمنية دقيقة، بمعنى التحقيب الزمني، للقى الفخارية التي عثر عليها في مواقع الاستيطان. وستظهر هذه المشكلة، طبيعياً، في نقاط مختلفة من هذا العمل، لضرورتها في فهم عمليات توطن تلك المواقع وتطوير الثقافة المادية في مواقع الاستيطان الإسرءيلي المبكر. ومن غير المرغوب مناقشة المواقع التي تعود لبداية القرن الثاني عشر ق.م في نفس سياق، إذا جاز لنا القول، مناقشة المواقع التي تعود للعام 1000 ق.م (والقطع التي تم جمعها من كل منها سوف تصنف بشكل عام على أنها مواقع تعود "للعصر الحديدي الأول"). بكلام آخر، سوف يكون من المفيد للغاية امتلاك القدرة على التمييز بين الوضع في بداية فترة العصر الحديدي الأول والأوضاع السائدة في مرحلة لاحقة. كما أننا سوف نحاول، في بعض الحالات، التمييز بين الفخار الذي يعود للفترات المبكرة والمتأخرة من العصر الحديدي الأول، وعلى الرغم من جملة المخاطر الكامنة في تبني مثل هذه المحاولة؛ فمن الواضح أن الامتناع عن القيام بذلك سوف يعوق محاولاتنا للمضي قدماً في تحليل عملية الاستيطان.
- سوف نتناول نتائج الدراسة الجهوية الجغرافية التي أجريناها في إقليم إفرايم خلال السنوات السبع الماضية في فصل منفصل. ويشمل عملنا في تلك المنطقة، الواقعة في قلب منطقة الاستيطان الإسرءيلي، أعمال التنقيب في شيلو ومسح مكاني مكثف في أراضي إقليم أفرايم. وسوف يمثل توفر النتائج المؤقتة لهذه الأعمال قاعدة أساسية للمقارنة مع مناطق الاستيطان الأخرى.
وادي بئر السبع
شهدت السنوات العشرون الماضية تسارعاً في نشاط البحوث الآثارية في وادي بئر السبع، حيث نُقبت سبعة مواقع رئيسية هناك. وقد مكّن الكم الهائل من المعلومات التي تراكمت منذ عدة سنوات يوحنان أهاروني، الذي كان على صلة بمعظم هذه المشاريع، من محاولة تلخيص تاريخ توطن هذه المنطقة. ويصف أهاروني الاستيطان الإسرءيلي في وادي بئر السبع على أنه "موجة مكثفة من الاستيطان تجلت في جميع المواقع المبكرة، وفي الأماكن التي لم تكن مأهولة.. حيث تظهر الآن سلسلة من المستوطنات القائمة التي افتتحت عصراً من التوطن .. "( 1979:211. a). أما بالنسبة لتاريخ الاستيطان الإسرءيلي، فقد لاحظ أنه "في كل مكان في النقب أجريت فيه حفريات أثرية، تم تحديد بداية الاحتلال الإسرءيلي في نهاية القرن الثالث عشر ق.م، أو خلال القرن الثاني عشر ق.م" ( 1982: 202، انظر أيضاً، 1976a:74 ، Aharoni, Fritz and Kempinski 1975:118). ويبدو أن تقدير أهاروني لكثافة الاستيطان الإسرءيلي في الوادي قد تأثر بالانطباع الغامر الناتج عن العثور على المستوطنة الكبيرة والمتطورة في تل ماسوس [خربة المشاش]. وقد استند تحديده الزمني على المادة الفخارية المبكرة نسبياً الموجودة هناك في السوية الثالثة (الشكل 5)، وخاصة على الجعران (الشكل 104) الذي أُرجع تاريخه لأول مرة إلى زمن سيتي الثاني (Giveon 1974). لا شك أن تفسير أهاروني قد تأثر أيضاً بفهمه العام لطبيعة وتاريخ الاستيطان الإسرءيلي.

شكل (5) تل ماسوس [خربة المشاش] اللقى الفخارية من السوية الثالثة (Kempinski et al. 1981: Fig. 9)

شكل (104) جعران تل ماسوس (Giveon 1974: Pl. 5)
لقد حان الوقت الآن لإعادة تقويم الاستيطان الإسرءيلي في وادي بئر السبع، لاسيما ما يتعلق بكثافته وتاريخه. وتعتبر مراجعة الوضع في هذه المنطقة (انظر أيضاً ملخص هيرتسوغ 1984: 70-75 ) ذات أهمية خاصة، لأن نتائج الحفريات، هنا، ظهرت، بالنسبة للكثيرين، كنموذج لفهم عملية الاستيطان. وينبع نهجنا الجديد، في المقام الأول، من تفسير مختلف للقى تل ماسوس، باعتباره أكبر وأهم موقع يعود للعصر الحديدي الأول في الوادي. وكما أشرنا في الفصل الثاني، فإن وادي بئر السبع هو أحد تلك المناطق التي يصعب تحديد هوية سكان بعض المواقع فيها. وسوف نقوم أولاً بفحص أربعة مواقع عثر فيها على لقى تعود لتلك الفترة(4) ثم نحاول توضيح انتمائهم الإثني.
التنقيب
تل إسدار
يقع الموقع على تل معتدل على الحافة الجنوبية لوادي بئر السبع بجوار طريق بئر السبع - ديمونة (انظر الخارطة أول الفصل). قام كوخافي بأعمال التنقيب في الموقع عامي 1963-1964 برعاية دائرة الآثار والمتاحف (Kochavi 1969a). ويعود تاريخ السوية الثالثة في التل (وهي السوية الهامة لغرض بحثنا هنا) إلى القرن الحادي عشر ق.م. وشكّلت الوحدات الثمانية التي حُفرت في التل ( بالإضافة إلى حلقتين يمكن تمييزهما على السطح) نوعاً من شريط بيضاوي حول فناء كبير مفتوح (انظر الشكل 3)

شكل (3) مخطط السوية الثالثة في موقع تل إسدار (Aharoni 1982: 172)
خلقت الوحدات الثمانية المحفورة (بالإضافة إلى حفرتين يمكن تمييزهما على السطح) نوعاً من شريط بيضاوي يحيط بفناء كبير ومفتوح (الشكل 3).
أعاد أهاروني بناء ما مجموعه 20 وحدة من هذا القبيل (1976 a: 69). يغطي الموقع حوالي 3.75 دونم (حوالي 85 × 55 م). كانت المنازل قريبة من بعضها البعض لغرض الحماية، لكن لا يوجد دليل على أنه هذه المنازل شكلت خط دفاع دائم من الجهة الخارجية. ونظراً لأن الجوانب الطويلة للمنازل كانت على خط المحيط بينما كانت المداخل من جهة الفناء، فيمكن تصنيف هذه المباني على أنها غرف واسعة تميزت بأعمدة وأرضيات مبطنة. افترض كوخافي أن تخطيط الموقع يعكس "محاولة من قبيلة بدوية أو شبه بدوية للاستقرار واعتماد أسلوب حياة لا يعتمد على الترحال" (1969 a: 45)، وربطها بالاستيطان الإسرءيلي في الجنوب. ويعتقد أن الموقع تعرض للضرر على يد العمالقة ثم أعيد سكنه في القرن العاشر كمستوطنة زراعية صغيرة (السوية الثانية). ويمكن الآن تضييق تاريخ السوية الثالثة إلى النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م. غير أنه من الصعوبة بمكان تحديد ما إذا كان الموقع جزءً من الإطار الإسرءيلي في وادي بئر السبع أم أنه ينتمي إلى شبكة المواقع التي أنشأها سكان الصحراء في مرتفعات النقب في ذلك الوقت. ويبدو أن موقعه على الجانب الجنوبي من الوادي، وتاريخه، والعناصر المختلفة من مخططه (الذي يشبه إلى حد بعيد مواقع مرتفعات النقب؛ الفصل السادس) تميل إلى الاحتمال الثاني. من ناحية أخرى، من المغري اتباع اقتراح بيران وكوهين (1981 n: 273 65) بضرورة تحديد الموقع على أنه موقع عروير* الذي يعود لعصر داود.
تل عراد
بوشر التنقيب في موقع عراد، الذي يعود للعصر الحديدي، بين الأعوام 1962-1967 من قبل أهاروني برعاية دائرة الآثار والجامعة العبرية وجمعية الاستكشاف الإسرائيلية. أظهر الموقع فجوة طويلة في التوطن في الفترة بين التخلي عن مدينة العصر البرونزي المبكر II ومدينة العصر الحديدي الأول، وبهذا فهو يعدّ أحد الأماكن المذكورة في سردية الغزو، حيث لم يعثر في الموقع على بقايا من العصر البرونزي المتأخر. كان أول مستوى للعصر الحديدي هو السوية 12، حيث عثر على لقى وبقايا من المباني القليلة بسبب تشييد حصن فوقها يعود لفترة المملكة المتحدة. تتألف السوية12 من عدة أطوار: يرجع تاريخ الطورين 12A و 12B إلى القرن الحادي عشر ق.م، بينما ينتمي الطور الأعلى من هذه السوية إلى النصف الأول من القرن العاشر ق.م (ميريام. أهاروني 1981، ولكن انظر حديثاً Zimhoni 1985: 87 الذي يؤرخ السويتين 11 و12 إلى القرنين 10-9 على التوالي). وتجعل الأدلة التي تراكمت، في السنوات الأخيرة مرة أخرى، إمكانية قصر تاريخ المستوطنة المبكرة، التي كانت صغيرة الحجم، على النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م، أو بداية القرن العاشر ق.م. ولا توجد مشكلة في تحديد هذا الموقع على أنه إسرءيلي لسببين: استمرارية التوطن للسوية 11 ، مع وجود حصنها الإسرءيلي الذي يعود لفترة المملكة المتحدة؛ وإمكانية ربط الموقع الصغير غير المحصن بالتقليد التوراتي بأن أحفاد القينيين، أصهار موسى، قد صعدوا "من مدينة النخل إلى برية يهوذا، التي تقع في النقب بالقرب من عراد (سفر القضاة 1) [16 وَبَنُو الْقَيْنِيِّ حَمِي مُوسَى صَعِدُوا مِنْ مَدِينَةِ النَّخْلِ مَعَ بَنِي يَهُوذَا إِلَى بَرِّيَّةِ يَهُوذَا الَّتِي فِي جَنُوبِيِّ عَرَادَ، وَذَهَبُوا وَسَكَنُوا مَعَ الشَّعْبِ].
بئر السبع
أجريت ثمانية مواسم من الحفريات في تل بئر السبع في الفترة 1969-1976 بواسطة بعثة من معهد الآثار في جامعة تل أبيب تحت إشراف يوحنان أهاروني. وكشف الموقع عن ثلاث سويات تعود للعصر الحديدي الأول (Herzog 1984) حفظت بقاياها، بشكل أساسي، في المنحدر الجنوبي للتل، نظراً لحجم الضرر الذي تعرض له هذا المستوى من جهة القمة أثناء إعداد أساسات المدينة المحصنة الأولى. امتدت السوية التاسعة IX من منتصف القرن الثاني عشر ق.م إلى منتصف القرن الحادي عشر ق.م. كما عثر في الموقع على سبع حفر كبيرة، قطرها حوالي 7-8 متر. استخدمت منها الحفر الأعمق لتخزين الحبوب، بينما استخدمت لأقل عمقاً (وفقاً لـ هرتسوغ) كمساكن مسقوفة بأغصان. أعاد هرتسوغ بناء ما مجموعه 20 حفرة و10 صوامع في مساحة تزيد قليلاً عن دونمين، واعتبر هرتسوغ الموقع كمقر إقامة شتوية لساكنيه الذين كانوا يمضون شمالًا نحو منطقة الهضاب الوسطى صيفاً.
سرعان ما هجر السكان هذه السوية "التاسعة"، وأعيد استخدام الحفر التي تعود للسوية الثامنة VIII،والتي يرجع تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م. حيث بدء في هذا الوقت، تشييد المباني الأولى على التل، ولكن لم يكتشف سوى القليل منها. غير أن مستوطنة هذه السوية "الثامنة" هجرت أيضاً وتخلى عنها سكانها، لتنشأ، بعد ذلك السوية الاستيطانية السابعةVII في نهاية القرن الحادي عشر ق.م، كأول مستوطنة محمية. ويمكننا أن نلحظ هنا آثار التوطن في المكان أثناء عملية التحضير للبناء، حيث تظهر آثار ردم وسد الحفر السابقة. كما عثر، على المنحدر الجنوبي الشرقي، على بقايا لخمسة منازل متجاورة مؤلفة من أربع غرف. شكّلت الغرف الخلفية العريضة لهذه المنازل ما يشبه الحزام. ونظراً لعدم اكتشاف أي لقى من هذه الطبقة في سبر واحد أجري في منتصف الموقع، فقد أعاد هرتسوغ بناء مخطط الموقع كحزام بيضاوي مكون من 18 مبنى تحيط بفناء مركزي مفتوح ( انظر الشكلين 4، و79).
ويتم الدخول إلى الموقع نفسه عبر بوابة محاطة من كل جانب بغرفة على هيئة برج، كما عثر على عدد قليل من المباني الأخرى التي تنتمي إلى السوية السابعة VII خارج الحزام المحيطي، بالقرب من البئر على المنحدر. ونظراً لأن عملية التنقيب حصلت في جزء من هذه السوية وكانت اللقى قليلة نسبياً - فإن إعادة بناء السوية هي عملية افتراضية. ولكن ما هو مؤكد وجود سلسلة من الغرف الواسعة الشبيهة بالبيت على طول الحافة الجنوبية للموقع، وبعض هذه الغرف كانت، على الأقل، بمثابة غرف خلفية للمنازل. لم تكن الجدران الخارجية لهذه الغرف العريضة تشكل خطاً مستقيماً ولكنها تتكئ على بعضها البعض. وإذا كانت إعادة إعمار هرتسوغ دقيقة، فإن حجم الموقع في هذه الفترة كان يزيد قليلاً عن 3 دونمات. لا توجد مشكلة في تحديد سكان بئر السبع على أنهم إسرءيليون، في المقام الأول، على أساس الاستمرارية من الطبقات الأولى حتى موقع الحصن المحمي في فترة النظام الملكي.
تل ماسوس
يعتبر موقع تل ماسوس، كما ذكرنا سابقاً، أهم موقع يعود للعصر الحديدي الأول في المنطقة. وجرت أربع مواسم حفر في الموقع، في الفترة من 1972 إلى 1979، برعاية معهد الآثار في جامعة تل أبيب بالتعاون مع المؤسسات الألمانية. وأدار هذه المواسم الحملات يوحنان أهاروني، أ. كيمبينسكي وف. فريتز(Fritz and Kempinski 1983:7-113, 227-234). تنتشر بقايا المستوطنة القديمة على جانبي وادي "ناحال" بئر السبع، بجوار تركيز الآبار: أنشئ سور محصن على الجانب الجنوبي من الوادي، على امتداد حوالي 17 دونماً في سويات العصر البرونزي المتوسط الثاني MB IIB ، ولم يعثر على أي بقايا تعود للعصر البرونزي المتأخر، لا هنا ولا في أي من المواقع الأخرى في الوادي. يتألف موقع توطن العصر الحديدي الأول الذي عثر عليه في الجهة الشمالية للوادي، في الجزء الرئيسي من الموقع، من ثلاثة سويات. وتتميز المرحلة المبكرة من السوية الثالثةIII ( (IIIBبحفر الرماد، ووجود عدد قليل من الصوامع، والأفران، والأرضيات المصفحة "المرصوصة" التي ربما كانت تشكل أرضيات الخيام أو الأكواخ.

شكل (4) مخطط مستوطنة السوية السابعة (Herzog 1984: 79)

شكل (79) السوية السابعة في موقع بئر السبع، إعادة بناء متساوي القياس (Herzog 1984: 80)
كانت هذه الطبقة، وفقاً لبعثة التنقيب، بمنزلة المرحلة الأولى من التوطين على يد مجموعة من شبه البدو. كان الفخار، الذي عثر عليه هناك، (انظر الشكل 5) مرتبطاً بتقليد الخزف الكنعاني في الجنوب؛ مع غياب تام لأنواع الفخار الفلستية. وبنيت خلال المرحلة التالية من السوية الثالثة IIIA العديد من المباني، بما في ذلك النموذج الأولي للمنزل المكون من أربع غرف مع الأعمدة. ويرى بعض المنقبين أن هذه السوية شهدت إنشاء هيكل معماري حكومي في الجزء الجنوبي من الموقع، تؤرخ السوية الثالثة عادةً من نهاية القرن الثالث عشر ق.م إلى منتصف القرن الثاني عشر ق.م.
مثلت السوية الثانية II الفترة التي بلغ فيها موقع تل ماسوس أكبر حجم له وحقق أعلى قدر من الازدهار والنمو. ويخلو الموقع، وفقاً للمنقبين، من أية فجوة ثقافية أو إثنية بين السويتين الثالثة والثانية بسبب من استمرارية العمارة والفخار. تؤرخ السوية الثانية، التي تتكون من مرحلتين، من منتصف القرن الثاني عشر ق.م إلى منتصف القرن الحادي عشر ق.م(5). وتعرضت للدمار إثر هجوم معادي أو بسبب زلزال أصابها. وظهرت لأول مرة، في الموقع، المباني العامة والمنازل المكونة من أربع غرف. ويرى المنقبون أن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها التصميم هي إحاطة المركز عن طريق حزام من المنازل على طول الحافة الخارجية للموقع. وشكّلت هذه المباني المحيطية، المرتبطة ببعضها البعض والمتداخلة والنافرة بالتناوب، نوعاً من آلية دفاعية (الشكل 6). ولم يعثر سوى على عدد قليل من المباني وسط الموقع، ويبدو أن ثمة مبان كانت تقع خارج خط الدفاع، ويبدو واضحاً تأثير العمارة المصرية والكنعانية في السهل الساحلي الجنوبي.

شكل (6) إعادة بناء مستوطنة السوية الثانية في موقع تل ماسوس (Kempinski et al. 1981: 177)
اقترح كيمبينسكي أن بعض المباني ارتبطت بالسيطرة المصرية (ربما، فعلاً، في وقت مبكر مثل السوية الثالثة)، ثم بالسيطرة الفلستية جنوباً؛ لقد عملوا على السيطرة على الطريق التجاري المهم الذي يعبر وادي بئر السبع. تضمنت الاكتشافات الغنية والمتنوعة للسوية الثانيةII، في جملة أمور، على لقى فخارية مديانية وفلستية، وأوان من الأنواع الساحلية (الشكل 7)، ورأس أسد عاجي معمول وفقاً للتقاليد الكنعانية، ودليل على أعمال تعدين نحاسية محلية. وتشهد هذه اللقى على الأنشطة التجارية النشطة والصلات القوية مع جنوب [وادي] عربة والسهل الساحلي.

شكل (7) لقى فخارية من السوية الثانيةII (Kempinski et al. 1981: Fig. 10)
يتغير مخطط الموقع مع وصولنا إلى طبقة السوية الأولى I، المؤرخة بنهاية القرن الحادي عشر ق.م وبداية القرن العاشر ق.م. فأقيم في مكان واحد، بالقرب من الآبار، ما يشبه قلعة أو حصن. وليس ثمة ما يدل على وجود حزام محيطي من المباني كما في السوية السابقة. ونلحظ هنا استبدال بعض مباني السوية السابقة بالصوامع والأرصفة الحجرية، كما استمر العديد منها في الوجود في السوية الأولىI مع بعض التغييرات الطفيفة فقط. تحدد الطبقة التالية للسوية الأولى فجوة سكنية تمتد حتى نهاية العصر الحديدي الثاني في الموقع. ويرى المنقبون أن تل ماسوس موقع استيطاني إسرءيلي وطابقوه مع حرمة التوراتية، إحدى أهم المدن في الجنوب (Kempinski et al. 1981: 155 ؛ Fritz and Kempinski 1983: 234-238 ؛ للحصول على رأي آخر ، انظر Na aman 1980). [حرمة المذكورة في سفر العدد 14 [45 فَنَزَلَ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي ذلِكَ الْجَبَلِ وَضَرَبُوهُمْ وَكَسَّرُوهُمْ إِلَى حُرْمَةَ. -المترجم]. وتعد النتائج المتحصل عليها من هذا الموقع بمثابة الأساس لآرائهم حول عملية الاستيطان برمتها.
أكد أهاروني على حدوث اختراق [سكاني] لمنطقة لم تكن مأهولة في الفترة السابقة (العصر البرونزي المتأخرLB) ووصف، كما هو ملاحظ، موجة كبيرة ومبكرة من الاستيطان في وادي بئر السبع. كما لاحظ فريتز (1981) الروابط بالثقافة المادية للعصر البرونزي المتأخر، وطوّر نظرية حول العلاقة التكافلية بين الإسرءيليين والكنعانيين في المراحل الأولى من الاستيطان. ويشرح كيمبينسكي وصول المستوطنين الإسرءيليين إلى وادي بئر السبع نتيجة الاكتظاظ السكاني في هضاب حبرون [الخليل]، مما تسبب في تحرك العشائر الشمعونية جنوباً إلى واد كان مناخه، في رأيه، أقل جفافاً مما هو عليه اليوم. وبينما يقر كيمبينسكي بأن التجمع من تل ماسوس لم يكن نموذجياً لمواقع الاستيطان الإسرءيلية الأخرى (1981: 176)، إلا أنه ظل متمسكاً برأيه بأن الموقع كان إسرءيلياً، مما أوقعه هذا في تناقض، فهو يزعم أثناء وصفه للمباني العامة في السوية الثانية أنها "تبدو في غير مكانها كمثيلاتها من المستوطنات الريفية" (1978: 36). وحاول كيمبينسكي تفسير هذا التناقض بافتراضه أن الموقع يضم عناصر من الثقافة الكنعانية الحضرية والمجتمع القبلي الإسرءيلي (Kempinski et.al. 1981:176). وكان كوخافي (1982: 5) أول من اعترض على تصنيف تل ماسوس كموقع استيطاني إسرءيلي، وعرفه، بالمقابل، بأنه "مدينة عماليق" المذكورة في سفر صموئيل الأول 15 [5 ثُمَّ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى مَدِينَةِ عَمَالِيقَ وَكَمَنَ فِي الْوَادِي]. واقترح بنيامين مزار، في الآونة الأخيرة [أواسط ثمانينيات القرن الماضي، فترة ظهور هذا الكتاب- المترجم]، ربط ظاهرة تل ماسوس بازدهار الساحل الفلستي (محاضرة في المؤتمر الآثاري العاشر، القدس، 1983). وفي رأينا، تدعم مكتشفات تل ماسوس ونمط الاستيطان في وادي بئر السبع ومناطق الهضاب الجنوبية، عدم قبوله كموقع استيطاني إسرءيلي. وذلك لعدة أسباب، كما يلي: (انظر، Herzog 1984: 72 Ahlstrom 1984a )
أ) حجم الموقع. غطى المنطقة المأهولة سكانياً في السوية الثانية مساحة لا تقل عن 30 دونماً، وهي أكبر بثلاث مرات من أكبر موقع استيطاني إسرءيلي في منطقة الهضاب الوسطى، وأكثر من عشرة أضعاف المواقع الأخرى في وادي بئر السبع. ولو كانت هذه هي المشكلة الوحيدة في تفسير المنقيين، فربما فسر الحجم بأنه يعكس النجاح الاقتصادي للطرق الصحراوية؛ ومع ذلك، لم تكن مساحة الموقع سوى واحدة من الصعوبات.
ب) نمط الاستيطان. بادئ ذي بدء، تم الاعتراف بتل ماسوس على أنه موقع استثنائي في وادي بئر السبع، على عكس المواقع الصغيرة القليلة التي تأسست هناك في نهاية القرن الحادي عشر ق.م. غير أن الموقع كان في واقع الأمر المستوطنة الدائمة الوحيدة في المنطقة في القرن الثاني عشر ق.م. لذلك من الضروري رفض وجهة نظر أهاروني القائلة بنموذجية موقع "تل ماسوس للمنطقة بأكملها، رغم كونه من أكبر مدن النقب في تلك الفترة" (1976b: 13). ثانياً، وكما سوف نرى، بالكاد حصل استقرار سكاني في تلال يهوذا في العصر الحديدي الأول، وإن حصل فهو لا شك ضئيل نسبياً ، لذلك لا توجد أسباب لقبول النظرية القائلة بأن الزيادة السكانية في الهضاب أدت إلى الاستيطان في الوادي.
ج) استمرارية التوطن السكاني. اختلف تل ماسوس، بطريقة أخرى، عن موقعي الاستيطان الإسرءيليين في الوادي -عراد وبئر السبع-، ففي الوقت الذي أنبأ فيه توطن موقعي عراد وبئر السبع بتحولهما، في القرن الحادي عشر ق.م، إلى مراكز إسرءيلية مزدهرة في فترة الحكم الملكي، هجر موقع تل ماسوس في هذا الوقت بالضبط ولم يعاد التوطن فيه لعدة قرون.
د) الثقافة المادية. المباني العامة الكبيرة، والتأثيرات المصرية الكنعانية في عمارة الموقع، فضلاً عن اللقى الفخارية المتنوعة، تعد من بين الأشياء الغريبة على مواقع الاستيطان الإسرءيلي، ولم تكن معروفة تماماً، في الواقع، في عراد وبئر السبع في هذه الفترة. الميزة "الإسرءيلية" الوحيدة في تل ماسوس كانت، بطبيعة الحال، وجود المنازل المكونة من أربع غرف. ومع ذلك، ظهرت مثل هذه المباني أيضاً في مواقع العصر الحديد الأول في مناطق أخرى على هامش مواقع التوطن الإسرءيلية (الفصل 6).
تقف كل سمة من سمات تل ماسوس، من الناحية العملية، في تناقض تام مع خصائص مواقع الاستيطان الإسرءيلي في منطقة الهضاب الوسطى، حيث نشأ سكان تل ماسوس، كما يعتقد كيمبينسكي. كان الموقع مختلفاً أيضاً، بصورة تامة، عن المستوطنات الإسرءيلية في الوادي نفسه. كان نمو تل ماسوس في قلب وادي بئر السبع في القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م ظاهرة فريدة لا يمكن فرضها في إطار الاستيطان الإسرءيلي (انظر المزيد في، Finkelstein, forthcoming a ). كما لا يمكن، من ناحية أخرى، الاستبعاد التام لاحتمال أن يكون السكان المختلطون في الموقع قد شملوا عدداً قليلاً من العائلات "الإسرءيلية".
المسح المكاني
لم يعثر على موقع إضافي يعود للعصر الحديدي الأول في الرحلات الميدانية والمسوحات المحلية المصاحبة لأعمال التنقيب في الوادي، وكذلك في المسح الأحدث الذي أجراه في المنطقة بيت أرييه وإيتام وليدرمان (Eitam 1980b:5 7).
**********
تقدم البيانات التي تراكمت من أعمال الحفريات والمسوح في وادي بئر السبع صورة تختلف عما سبق من توصيفات. كانت المنطقة غير مأهولة فعلاً، في العصر البرونزي المتأخر، ولكن توطن المنطقة كان، حتى في العصر الحديدي الأول، متناثراً بطريقة تدعو للدهشة. ولم يكن هناك، في القرن الثاني عشر ق.م، سوى موقع تل ماسوس الكبير، وربما ظهر نشاط بسيط في تل بئر السبع أيضاً. ولم تحدث أي تغييرات مهمة حتى القرن الحادي عشر ق.م، في الحقيقة حتى نهايته، حيث بدأت ملامح التوطن تتضاءل في موقع تل ماسوس بينما تكثفت أكثر في موقع بئر السبع، وظهرت مواقع إسدار وعراد لأول مرة.
يُظهر تحليل اللقى التي عثر عليها في مواقع من الوادي، على خلفية ما نعرفه عن أنماط الاستيطان وبقايا المواد في المناطق المجاورة إلى الشمال والجنوب، أن موقعي بئر السبع وعراد هما ما يمكن وصفهما فقط، على وجه اليقين، كمواقع إسرءيلية. (من المثير للاهتمام أن مواقع وادي بئر السبع لم تسفر عن العثور على أي من أواني التخزين ذات الأطواق التي تعتبر نموذجية لمواقع الاستيطان الإسرءيلي في الهضاب الوسطى؛ انظر نقاش هذه المسألة في الفصل السابع) لم يكن موقع تل ماسوس ينتمي إلى ظاهرة الاستيطان الإسرءيلي ( ربما باستثناء السوية الأولىI)، وربما كان تل إسدار موقعاً لسكان الصحراء، مثل أولئك المعروفين من مرتفعات النقب.
باختصار، إذن، بدأ الاستيطان الإسرءيلي المتناثر بشدة في وادي بئر السبع فقط في القرن الحادي عشر ق.م، بظهور موقعين صغيرين. ولم تأت نقطة التحول حتى القرن العاشر ق.م، عندما بدء تشييد التحصينات الكبيرة في عراد وبئر السبع وتل ملحاتا [تل الملح]، وأصبح وادي بئر السبع يشكل الحدود الجنوبية المحصنة للنظام الملكي ومركزاً للأنشطة في المناطق الصحراوية إلى جنوب.
تلال يهوذا
تنبع أهمية تلال يهودا لفهم عملية الاستيطان الإسرءيلي من اعتبارات جغرافية وتاريخية. فهي، أولاً، باعتبارها كتلة جبلية منعزلة تحدها مناطق قاحلة من جانبين، كانت مناسبة بشكل فريد للسكن والتوطن. وثانياً، ترتبط معظم التقاليد الكتابية التي تصف غزوات المدن الكنعانية التي لم تكن جزءً من سرد الفتح الموحد بهذه المنطقة، مما يشير إلى أهميتها لفهم بعض قضايا الاستيطان في أرض إسرءيل برمتها. وبالكاد تشير الأدبيات الكتابية التاريخية إلى تلال يهودا قبل إنشاء النظام الملكي، لكنها أصبحت بعد ذلك واحدة من أهم المناطق في المملكة. وسلطت نتائج البحث الأثري الضوء على عمليات الاستيطان التي حدثت ليس فقط في المنطقة بحد ذاتها، ولكن أيضاً في المناطق المجاورة إلى الجنوب والغرب، منذ نهاية العصر البرونزي المتأخر حتى بداية العصر الحديدي الثاني.
حفريات خربة رابود (دبير)
تقع خربة رابود بين الظاهرية والسموع (انظر الخارطة في بداية الفصل)، وهي تتطابق مع مدينة دبير التوراتية. قام كوخافي بحملتين قصيرتين للتنقيب في الموقع عامي 1968 و 1969 بإشراف معهد الآثار في جامعة تل أبيب ومؤسسات أخرى (Kochavi 1974). كان الموقع مأهولاً في أواخر العصر البرونزي، في القرنين الرابع عشر ق.م والثالث عشر ق.م. وكشفت الحفريات عن أربع طبقات مأهولة وسور للمدينة، بالإضافة إلى مقبرة تعود لتلك الفترة، وتضمنت اللقى الغنية، التي عثر عليها هناك، على العديد من الأواني المستوردة. وتغطي سوية العصر الحديدي الأول بقايا طبقة العصر البرونزي المتأخر. تمنع المنطقة المحدودة المحفورة من استخلاص النتائج حول طبيعة الموقع في تلك الفترة، لكن الدلائل التي استخلصت من الموقع تشير إلى أن موقع رابود كان بلدة محصنة خلال العصر الحديدي الثاني.
حبرون [الخليل]
تقع مدينة حبرون التوراتية في جبل الرميدة جنوب مركز المدينة الحالية. أجرى هاموند حفرياته على مدار ثلاثة مواسم (1964-1966) برعاية جامعة فيرمونت وجامعة جنوب كاليفورنيا ومدرسة برينستون. وتجددت الحفريات مؤخراً ( منتصف ثمانينيات القرن الماضي- المترجم) من قبل معهد الآثار بجامعة تل أبيب تحت إشراف أ. عوفر. كان الاكتشاف الرئيسي للفريق الأمريكي عبارة عن جدار تحصين ضخم يعود للعصر البرونزي الوسيط الثاني IIC. وعثر على بعض اللقى التي تعود للعصر البرونزي المتأخر (المدافن فقط) ولفترات العصر الحديد الأول، لكن تخللتها أنشطة العصر الحديدي الثاني والسكان اللاحقين (Hammond 1965؛ للحصول على المعلومات الأولية للحفريات الأخيرة، انظر، Had. Arch. 85, 1984:43-44 88, 1986: 28).
بيت صور [خربة الطبقية]
جرى التنقيب في موقع بيت صور مرتين عامي 1931 و1957 بإشراف المدرسة اللاهوتية المشيخية (ما كورميك) في شيكاغو والمعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية، وكان الباحث سيلرز O.R. Sellers هو مدير العمل في كلتا البعثتين (Sellers 1933 Sellers et al. 1968)، تقع بيت صور في خربة الطبقية شمال مدينة الخليل (انظر الخارطة) ، وكانت موقعاً محصناً متوسط الحجم في فترة العصر البرونزي الثاني IIC. وزعم فونك، الذي درس الفخار الذي عثر عليه أثناء أعمال الحفر والتنقيب، عن وجود نوع من النشاط في الموقع في بداية العصر البرونزي المتأخر (Sellers et al. 1968:1,3 7). ونُشر، في التقرير الأول، في الواقع، عدد قليل من شقف أوعية الحليب القبرصية، ومقبض إناء ذو قاعدة دائرية وجعران من الأسرة التاسعة عشر (Sellers 1933:Figs. 26 and 50:6). كما تشتمل اللوحات الفخارية المنشورة على اكتشافات أخرى قد تعود إلى العصر البرونزي المتأخر، مثل العديد من أواني الطهي وقواعد الجرار "الكنعانية" ((Sellers 1933: Pl. VIII Sellers et al. 1968: Figs. 4,10)). وبرغم صحة القول بإمكانية العثور على هذه الجرار في القرن الثاني عشر ق.م أيضاً، إلا أنه نادراً ما عثر عليها في تلك الأزمنة المتأخرة في الهضاب الوسطى. باختصار، من المحتمل أن يكون هناك نوع من النشاط في الموقع خلال العصر البرونزي المتأخر.
كانت بيت صور مأهولة في العصر الحديدي الأول، لكن المناطق التي عثر فيها على المواد المبكرة كانت محدودة الحجم لدرجة أنه لا يمكن استخلاص استنتاجات حول طبيعة الموقع. حدد فونك هذا التوطن، الذي دمرته النيران على ما يبدو، بالقرن الحادي عشر ق.م ("مع بعض التداخل في القرنين الثاني عشر والعاشر"، Sellers et al. 1968:44 وانظر أيضاُ المصدر نفسه6،7) وهو تحديد متأخر عن التأريخ الأصلي الذي عينه سيلرز وأولبرايت (1931: 7). ويشير فحص الفخار المنشور إلى أن الموقع كان مأهولًا بالفعل في القرن الثاني عشر ق.م (انظر أيضاً T. Dothan 1982: 48). وعرف الموقع ازدهاراً بطيئاً في العصر الحديدي الثاني وصل إلى ذروته في نهاية العصر فقط.
جيلو
اكتشف موقع جيلو (جنوب غرب القدس، انظر الخارطة) في مسح العام 1968، تلاه ثلاثة مواسم حفريات في الفترة 1978-1979 من قبل عميحاي مزار برعاية دائرة الآثار والمتاحف ومعهد علم الآثار في الجامعة العبرية في القدس (A. Mazar 1980a 1981a). وتقع جيلو على قمة سلسلة من التلال، وتتمتع بإطلالة بانورامية. وثمة إمكانية واضحة للقيام بأعمال حفر واسعة في الموقع، نظراً لأنه كان مأهولاً خلال فترة واحدة فقط (باستثناء برج العصر الحديدي الثاني المشيد شمال الموقع). وأشار مزار إلى أن المستوطنة تقع في مكان يصعب السكن فيه، وهو عبارة عن منطقة صخرية تفتقر إلى التربة الصالحة للزراعة، ومعرضة للرياح وبعيدة عن أي مصدر دائم للمياه وعن المسار الرئيسي لسلسة التلال الوسطى. وتتكون اللقى الرئيسية، التي تم عثر عليها في الطرف الجنوبي للموقع (الشكل 8)، من منزل على الجانب الشمالي يتكون من فناء كبير بجدران طويلة مبنية من حجارة حقل كبيرة، وقد يكون هذا المبنى حظيرة. لم يكن تصميم المنزل مختلفاً عن نوع المنزل المكون من أربع غرف، استخدمت فيه الأعمدة الحجرية، المبنى عموماً رديء الصنعة وخام وتتكون أرضيته من أرض ممهدة. ونظراً لعدم وجود دليل على إعادة رصف وتبطين الأرضية أو أي تغييرات أو إصلاحات داخلية أخرى، خلص مزار إلى أن المنزل قد هُجِر بعد وقت قصير من بنائه.

شكل (8) جيلو، مخطط عام للموقع (A. Mazar 1981a: Fig. 2)
وفُسرت اللقى التي عثر عليها في موقعي التنقيب عند أطراف الموقع على أنها جزء من نظام دفاعي. كما اكتشف في المنطقة (E) في الشمال الشرقي، جدارين متوازيين مبنيين بشكل جيد، يفصل بينهما 2.5 متر. بلغ سمك السطح الخارجي متراً واحداً، بينما كان سمك الجزء الداخلي 1.8 م. ومن الممكن تتبع مسارهما في المسح السطحي (الشكل 8). وكشفت المنطقة " F" إلى جهة الشرق، عن قسم آخر من "التحصين"، حيث عثر هناك على جدار واحد بعرض 1.5 متر. ويقع، بالتوازي معه ومن جهة الداخل، الجدار الخارجي للمنزل. وبسبب الاختلافات في طبيعة بناء الجدار الدفاعي في أجزاء مختلفة من الموقع، خلصت البعثة إلى أن الموقع بني في أقسام من قبل مجموعات مختلفة من السكان. ويبدو أن الجدران الضخمة الطويلة قسّمت الجزء الداخلي للمستوطنة إلى عدد من الوحدات الكبيرة؛ يبدو أنه كان لكل عائلة منطقتها الخاصة بها المكونة من منزل وفناء لقطعان الماشية. وصنّف مزار الموقع على أنه "قرية رعاة محصنة" لعدم وجود تربة صالحة للزراعة في المنطقة المجاورة، ويظهر مخطط الموقع إلى احتمال أن يكون مخصصاً لتربية المواشي.
كانت اللقى الفخارية ضئيلة ومتناثرة (الشكل 9)، ولكن نظراً لفحص الكسر من المبنى الجنوبي إحصائياً، فهي على درجة من الأهمية عند مقارنتها مع المواقع الإسرءيلية المبكرة الأخرى. شكلت أواني الطهي 27٪ من المجموعة، وأواني التخزين ذات الإطار المطوق 34٪، والجرار الأخرى 17٪. وشكلت الأواني و البواطي kraters والأباريق والكيزان 21٪ من المجموعة. وثمة من بين أواني الطبخ والجرار، هناك أنواع تنتمي إلى تقليد الفخار الكنعاني لفترة العصر البرونزي المتأخر. وهذا ما قاد مزار إلى تأريخ الموقع إلى مرحلة مبكرة من العصر الحديدي الأول، واعتبر أن الموقع تأسس بالفعل حوالي 1200 ق.م وهُجر خلال ذلك القرن.
رأى مزار في جيلوه مثالاً لتوطن مجموعة قبلية بدوية تحولت لأن تصبح جماعة مستقرة. وتشير الاكتشافات المادية الضئيلة إلى افتقار السكان إلى تقليد الخزف ويبدو أنهم حصلوا على حاجاتهم من الأواني الفخارية من أحد المراكز الحضرية المتبقية في منطقة الهضاب الوسطى والشفيلة. ويرى مزار أن المستوطنة أقيمت في ضواحي القدس اليبوسية (حيث لم يعثر على لقى تعود للعصر الحديدي سوى مؤخراً فقط: Had. Arch. 82, 1983:47) ؛ أو تأسست (إذا تم قبول تقليد غزو واحتلال القدس في وقت مبكر من فترة الاستيطان الإسراءيلي كما يصفها سفر القضاة 1) [8 وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا أُورُشَلِيمَ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَشْعَلُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ] ، في أعقاب هذا الحدث وهجرت عندما استعادت مدينة اليبوسيين قوتها. وفي كلتا الحالتين، ربط جدار التحصين بقرب الجيب الأجنبي الذي ظل في القدس حتى عهد داود، وهو أمر شاذ بين مواقع الاستيطان الإسرءيلي في منطقة الهضاب.
منح مزار جيلوه مكانة ذات أهمية خاصة في النقاش حول طبيعة عملية الاستيطان الإسرءيلي ( 1980a:38 1981a:33-36 see also Kempinski 1981 and A. Mazar 1981c) ؛وسنعود إلى هذا الأمر فيما بعد. زعم أهلستروم (Ahlstrom 1984b) أن سكان جيلوه كانوا من الكنعانيين، وربما حتى من اليبوسيين الذين حاولوا الدفاع عن المنطقة الواقعة جنوب مدينتهم؛ ومع ذلك، ووفقاً لتعريفنا لـ "من هو الإسرءيلي" في العصر الحديدي الأول، فإن رأيه هذا سيبقى موضع جدل ونقاش (الفصول 6-8).

شكل (9), اللقى الفخارية من موقع جيلو (A. Mazar 1981a)
المسوحات المكانية
أظهر مسح العام 1968 (مجموعة كوخافي) أن ثلاثة من المواقع التي كانت مأهولة في العصر الحديدي الأول لم تعد مسكونة في العصر الحديدي الثاني. وكانت مساحة كل موقع من هذه المواقع بين 6 و 8 دونمات. بالإضافة إلى ذلك، نسب 22 موقعاً إلى "الفترة الإسرءيلية"، ولكن لم يذكر ما إذا كانت قد أنتجت فخاراً يشير تحديداً إلى العصر الحديدي الأول (Kochavi 1972b:20-21, 83). كما لاحظ عميحاي مزار، الذي شارك في الاستطلاع، أن الشقف الفخارية جمعت بكميات قليلة من هذه المواقع (1980:34). ولم تكشف المسوحات الأخيرة للمنطقة التي أجراها مزار وعوفر عن أي مواقع جديدة للفترة المعنية (اتصال شفوي مع الباحثين). كما لم يعثر على موقع واحد يعود لبدايات العصر الحديدي في تلال القدس إلى الغرب من المدينة. وقدّر عوفر عدد مواقع العصر الحديدي الأول في تلال يهودا بحوالي 10 إلى 12 مركزاً يقع معظمها شمال الخليل (محاضرة، جامعة تل أبيب، كانون الأول 1985). إن توزيع هذه المواقع في المنطقة جدير بالملاحظة (الشكل 10): 10 من أصل 25 تم تعيينها في مسح العام 1968، 40 ٪ منها تقع على الحواف الشرقية والجنوبية لمنطقة الهضاب الوسطى على تخوم الهضبة الجبلية، وأربعة فقط تقع على المنحدرات الغربية للتلال و11 على سلسة التلال حيث الموقع. (وكما لوحظ، لم يعثر على لقى محددة للفترة على الإطلاق).
**********
كتلخيص لبيانات تلال يهوذا، يجب أن نعيد التأكيد على معرفتنا بموقعين فقط يعودان للعصر البرونزي المتأخر، هما القدس وخربة رابود، ومستوطنة واحدة مشكوك فيها (بيت صور) وثلاثة مقابر بدون توطن مماثل (خربة جدور والخليل وخربة عناب الكبير، والمعلومات عن هذه الأخيرة مستقاة من حديث مباشر مع عوفر). الصورة العامة للعصر الحديدي الأول التي تبدو لنا استناداً للحفريات والمسوحات في هذه المنطقة الشاسعة (حوالي 900 كم2) تظهر مواقع قليلة نسبياَ. وهذا أمر مثير للدهشة بالتأكيد، لا سيما أنه يتناقض مع ما نعرفه الآن عن مواقع الهضاب الوسطى إلى الشمال من القدس. ونلاحظ، فيما يتعلق بالتحقيب الزمني، أن فخار جيلو وبيت صور (Sellers 1933:Pl. VIII A. Mazar 1981a:22) يبدو أنه ينتمي، جزئياً على الأقل، إلى المرحلة المبكرة من العصر الحديدي الأول. في حين أن المنطقة تكون قد امتلأت، في سياق العصر الحديدي الثاني بعشرات وعشرات المواقع من كل حجم.

شكل (10) مواقع العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي الأول في تلال يهوذا
صحراء يهوذا
في مسح العام 1968، تم تعيين 20 موقعاً من مواقع العصر الحديدي الأول، وهي في معظمها مبانٍ معزولة ومرفقات دائرية أو بيضاوية الشكل (Bar Adon 1972). ولم يسفر فحص المحتوى الفخاري الذي جمع من أكثر من نصف هذه المواقع عن كسرة واحدة تشير إلى انتمائها إلى العصر الحديدي الأول. ويبدو أن التحديد التحقيبي الزمني كان يعتمد بشكل صارم على الكتلة الكلية لذلك المحتوى. كما لم تكشف المسوحات الأحدث في صحراء يهوذا الشمالية، التي أجراها هيرشفيلد وباتريش، عن أي مواقع حديدية (المصدر، حديث مباشر مع الباحثين). ويبدو أن الصورة العامة تشير إلى عدم وجود مواقع تقريباً تتمتع بأماكن سكن دائم في هذه المنطقة تعود للعصر الحديدي الأول.
شفيلة
يبدو أن التوطن الكنعاني الكثيف لشيفلة خلال العصر البرونزي المتأخر استمر حتى القرن الثاني عشر ق.م في عدد لا بأس به من المواقع (بخصوص تاريخ تدمير آخر مدينة كنعانية في لخيش، السوية السادسة، انظر Ussishkin 1983: 168-170) . وبدأ الفلستيون، خلال الربع الثاني من القرن الثاني عشر ق.م، يسكنون المنطقة. لذلك من الصعب أن نتخيل أن الإسرءيليين استقروا في شفيلة، وبالفعل، لا يوجد ما يشير إلى وجودهم في السجل الآثاري. غير أن الاكتشافات من موقعين فقط، على الحافة الشرقية لشفيلة، عند السفوح الجبلية، أظهرت مؤشرات توطن محتمل قصير الأمد من قبل الإسرءيليين بعد تدمير المدن الكنعانية، ولكن هذا حصل قبل مجيء الفلستيين.
الحفريات
تل بيت مرسم
يقع الموقع في وادي طولي عند قاعدة منحدر تلال يهودا. قام أولبرايت بين عامي 1926 و 1932، بالعمل هناك على مدار أربعة مواسم، برعاية مدرسة زينيا اللاهوتية في بيتسبرغ والمعهد الأمريكي للبحوث الشرقية في القدس. حدد أولبرايت الموقع، بشكل غير صحيح، على أنه موقع دبير التوراتي (انظر Kochavi 1974). وتظهر الحفريات عن دمار في السوية C، وهي آخر مدينة كنعانية في الموقع، ويعود سبب هذا الدمار حريق هائل أصاب المدينة ويرجع إلى الريع الثالث من القرن الثالث عشر ق.م. قام أولبرايت بتقسيم السوية B إلى ثلاث أطوار فرعية (1932:53ff 1943:4,37) . ولم يتم يحفر سوى الصوامع فقط من طور السويةB1، وشملت اللقى على محتوى فخاري وصف بالهزيل للغاية، وهي أنواع تعود إلى العصر البرونزي المتأخر إلى جانب أشكال فخارية أخرى تشير إلى العصر الحديدي الأولI، ولم يعثر في طبقات هذا الطور على مادة فلستية. أما في طور السويةB2، نلاحظ وجود بعض الهياكل واللقى الفخارية الفلستية، وطبقة هذا الطور دمرت بفعل النيران. ويعود تأريخ مستوطنة طور السويةB3، إلى القرن العاشر ق.م، كانت محاطة بجدار استحكامات casemate. وتقطع الصوامع المنسوبة إلى الطورB1 حطام تدمير السوية C التي تقطع بدورها بواسطة صوامع الطورين B2 و B3 أو تم إزالتها بواسطة جدران هذه الأطوار اللاحقة التي مرت فوقها. وينسب أولبرايت الطورB1، الذي يفتقر إلى الفخار الفلستي، إلى الفترة التي أعقبت مرنبتاح مباشرة، وقبل ظهور الفلستيين، أي إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م وبداية القرن الثاني عشر ق.م. أما المرحلة B2، بدورها، أرجعت إلى الوقت الذي كانت فيه الثقافة المادية الفلستية موجودة بالفعل في شفيلة.
قدم غرينبيرغ مؤخراً (1987) مواداً غير منشورة عن صوامع العصر الحديدي الأول I كجزء من إعادة تقويمه لاكتشافات السويةC، والطورينB1 و B2. ويشير إلى أن سمات الاستمرارية بين السويتين C و B ، تتجلى بشكل خاص في تخطيط الموقع وفي مجموعات الفخار الخاصة بهما، ويخلص إلى أن الثقافة المادية للسوية B تختلف عن الثقافة المادية في مواقع الاستيطان الفلستية والإسرءيلية. ويجادل غرينبيرغ بأن السوية B تمثل استمراراً للتوطن الكنعاني (كما هو الحال في جازر)، ويقترح، على أساس التشابه الفخاري، أن السكان جاءوا من لخيش القريبة، بعد تدمير السوية السادسة VI.
ونظراً لأنه تم إيلاء أهمية كبيرة للقى تل بيت مرسم من أجل فهم الاستيطان الإسرءيلي في منطقة الهضاب الوسطى وما جاورها، فيجب فحص الأدلة بعناية شديدة.
لقد جعلتنا تجربتنا [الميدانية] في عزبة صرطة ندرك الصعوبات في ربط الصوامع على المستوى الطبقي [الستراتيغرافي] وتحديد تاريخ اللقى الموجودة فيها. إذ لا ينبغي أن يعكس الفخار الموجود في الصومعة وقت استخدامه، ما لم يتم العثور على أوعية كاملة. كما أنه ليس من السهل تحديد العلاقة بين الصوامع. ومن الممكن تماماً أنه عندما يُقال أن الصومعة تقطع الأخرى (على سبيل المثال، الصوامع 21 و 24 في تل بيت مرسم)، فإن الصومعة تتكئ على الأخرى. أخيراً، حيث يبدو أن جداراً يقطع صومعة، ولم يتبق منه سوى نصفه (على سبيل المثال، الصومعة 21 في تل بيت مرسم)، فمن الممكن أيضاً تفسيره بافتراض أنها كانت، في الأصل، صومعة نصف دائرية ومبنية على قاعدة الجدار. كان هذا، على أي حال، هو الوضع في عزبة صرطة. نستنتج من كل هذا، صعوبة تحديد ما إذا كان موقع تل بيت مرسم قد شهد، أم لم يشهد، مرحلة ما من مراحل إنشاء الصوامع سبقت إنشاء المباني وتتقاطع مع الفخار الفلستي. أما بالنسبة إلى سوية الطور B2، فمن الصعب تحديد الانتماء الإثني للسكان، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تقرير التنقيب لا يوفر بيانات حول كمية الفخار الفلستي عند هذا المستوى. وفيما يتعلق بالبيانات الجديدة، يجب أن يكون الفخار الذي نشره غرينبيرغ مؤرخاً في نهاية القرن الثالث عشر ق.م أو بداية القرن الثاني عشر ق.م، ومن المسلم به أنه لايزال من الصعب تعيين أصل سكان السويتين B 1-2 مع التقليد الكنعاني في العصر البرونزي المتأخر.
بيت شيمش
قام بأعمال التنقيب في موقع بيت شيمش فريق عمل من كلية هافرفورد في الفترة من 1928 إلى 1931 بإشراف غرانت، حيث لوحظ وضع مشابه لتوصيفات تل بيت مرسم: وعثر على الصوامع 515 و 530 تحت جدران السوية الثالثة III، عبرت عن المستوى الفلستي في الموقع. نُسبت الصوامع، في تقرير الحفريات إلى نهاية السوية الرابعة IVb، وهي آخر مدينة كنعانية، والتي تعرضت للدمار بسبب الحرائق (Grant and Wright 1939:10, 41 ). لكن رايت -الذي أعد نشر نتائج الحفريات- لاحظ، في مكان آخر، أن الصوامع كانت متأخرة عن السوية الرابعة IVb (Wright 1975: 251). ويشبه الفخار الموجود فيها صوامع السوية B1 في تل بيت مرسم. ويبدو هذا، للوهلة الأولى، دليلاً على توطن إسرءيلي ما قبل فلستي في بيت شيمش؛ ومع ذلك تبدو الاكتشافات قليلة وغير حاسمة للغاية للسماح بحل هذه القضية الحساسة والهامة.
المسح المكاني
لم يكتشف موقع يعود للعصر الحديدي الأول يحتوي على دليل واضح على الاستيطان الإسرءيلي، أثناء المسح الذي أجراه داغان في شيفلة خلال السنوات القليلة الماضية، (المصدر تواصل شفوي مباشر مع داغان).
**********
على الرغم من أن نمط الاستيطان الإثني والديموغرافي لشيفلة في العصر الحديدي الأول لم يتضح بعد بشكل كاف، فمن المؤكد بالفعل أن نمط الاستيطان الإسرءيلي لم يكن ممكناً ببساطة في معظم المنطقة. اقترح كيمبينسكي عزو تل سيبور في شفيلة إلى موجة الاستيطان الإسرءيلي في نهاية القرن الثالث عشر ق.م (198,1:64 also Kempinski and Fritz 1977:144 n.7, 147)، لكن هذا الاقتراح الغريب لا يمكن قبوله، فمكان الموقع في الجزء الغربي من شفيلة حيث لا توجد مواقع استيطانية إسرءيلية في المنطقة المجاورة، ولا تقدم المكتشفات أدنى إشارة إلى توطن إسرءيلي في المنطقة.
ولا يوجد أي دليل كتابي تاريخي على نشاط الإسرءيليين في شفيلة قبل زمن داود. فقط في شرق شفيلة، بالقرب من التلال، كان من الممكن تصور حدوث توطن إسرءيلي قصير ومحدود قبل الفلستيين؛ ومع ذلك، فإن الأدلة الأثرية الحالية غامضة للغاية بحيث لا تسمح بتحديد حاسم.
بنيامين
تعد هضبة بنيامين التي تحدها القدس من الجنوب وبيت إيل من الشمال، واحدة من أشهر المناطق في البلاد فيما يتعلق بحفريات مواقع العصر الحديدي الأول، لاسيما تل الفول وتل النصبة وخربة الدورة وجبعون، كما مسحت مواقع أخرى عديدة. وثمة هناك، إلى جانب الأدلة الأثرية، قدر كبير من البيانات التاريخية المهمة التي تعبر عن أحداث وقعت معظمها في زمن صموئيل وشاول في هذه المنطقة، وهي موصوفة بصورة مفصلة نسبياً في الكتاب المقدس. كانت المراكز السكانية لمنطقة الهضاب في ذلك الوقت هي بيت إيل والمصفاة [تل النصبة] وجبعة [تل الفول] وجلجال [جلجولية؟] -وكلها في بنيامين- ومواقع أخرى في المنطقة، مثل جبعون [الجب] ورامة [الرام] وجبع [جبع] ومخماش [مخماس]، كانت أيضاً مهمة جداً في تلك الأيام. إن تحديد كل هذه الأماكن مؤكد تماماً. ويذكر الكتاب المقدس أنه في الأجزاء الوسطى والغربية من تلال بنيامين، كانت هناك أربع مدن جبعونية، بينما في الجنوب، ظلت أورشليم [القدس] مدينة يبوسية حتى زمن داود. الأسئلة الرئيسية هي ما إذا كان من الممكن التمييز الأثري بين العناصر غير الإسرءيلية في المنطقة، وإلى أي مدى أثرت المدن الجبعونية وأورشليم اليبوسية على نمط الاستيطان الإقليمي في بداية فترة الاستيطان الإسرءيلي.
الحفريات
تل الفول
أجريت ثلاث مواسم من الحفريات، في الأعوام 1922،1933،1964، في موقع تل الفول، الذي حُدّد، عموماً، على أنه جبعة التوراتية (تعرف أحياناً باسم جبعة شاول وجبعة بنيامين؛ حول مشاكل تحديد الهوية، انظر Demsky 1973 ، Miller 1975). أول موسمين بإدارة أولبرايت برعاية المعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية، بينما ترأس لاب الحملة الأخيرة برعاية معهد بيتسبرغ اللاهوتي وكذلك المعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية (Albright 1924 ؛ Sinclair 1960 ؛ N. Lapp 1978). فسّر أولبرايت وسنكلير (اللذان أعدا المادة للنشر) نتائج الموسمين الأولين على النحو التالي: عُثر على بعض النشاط في العصر البرونزي الوسيط، على الرغم من عدم العثور على بقايا معمارية. وهجر الموقع خلال العصر البرونزي المتأخر. قُسمت لقى العصر الحديدي إلى ثلاث "فترات". وفي العام 1939، نُسبت اللقى المعمارية الضئيلة التي تعود إلى الفترة الأولى، التي سبقت تشييد القلعة إلى العام 1100 ق.م التي دمرتها النيران (كشفت آثارها تحت أساسات القلعة)، والتي ارتبطت بتدمير جبعة الموصوفة في سفر القضاة 20 [37 فَأَسْرَعَ الْكَمِينُ وَاقْتَحَمُوا جِبْعَةَ، وَزَحَفَ الْكَمِينُ وَضَرَبَ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا بِحَدِّ السَّيْفِ.38 وَكَانَ الْمِيعَادُ بَيْنَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْنَ الْكَمِينِ، إِصْعَادَهُمْ بِكَثْرَةٍ، عَلاَمَةَ الدُّخَانِ مِنَ الْمَدِينَةِ.]. وقسمت الفترة الثانية إلى مرحلتين فرعيتين، القلعة الأولى والقلعة الثانية. يعود تاريخ القلعة الأولى إلى نهاية القرن الحادي عشر ق.م ونُسبت إلى شاول. كان الحريق الذي دمرها مرتبطاً بتوسع الفلستيين في أعقاب انتصارهم في معركة جلبوع (صموئيل الأول 31). [1 وَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ إِسْرَائِيلَ، فَهَرَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَسَقَطُوا قَتْلَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ. وبقية الإصحاح]. يعود تاريخ الحصن الثاني، الذي كان نسخة مرممة عن الأول، إلى بداية القرن العاشر ق.م. ثم هجُر بطريقة منظمة، لأنه لم يكن هناك دليل على الدمار. وقُسّمت الفترة الثالثة أيضاً إلى قسمين:
يعود تاريخ القلعة IIIA إلى القرن الثامن ق.م، بينما تم تعيين القلعة IIIB إلى القرنين السابع والسادس ق.م، في نهاية مملكة يهوذا. وقامت بعثات التنقيب في حفر من زاوية من جدار الاستحكامات ذات برج مستطيل كبير بارز تعود للحصن الأول، اعتبره أولبرايت الركن الجنوبي الغربي لقلعة ذات أربعة أبراج قُدرت أبعادها الإجمالية بحوالي 35-52 × 62-65 م (الشكل 11).

شكل (11) فخار من تل الفول من العصر الحديدي الأول (Sinclair 1960: Pis. 20-21)
ويُعتقد أن هذه هي أقدم الاستحكامات التي اكتشفت على الإطلاق في [أرض إسرائيل]. كما افترض أن القلعة الثانية كانت ترميماً للأولى على نفس المخطط. ووصفت القلعة الثالثة بأنها برج مراقبة محصن، مع دعامات حجرية مائلة، والتي أقيمت أعلى الركن الجنوبي الغربي من القلعة السابقة. وبعد هذين الموسمين الأولين -وخاصة في أعقاب نشر جدار الاستحكامات- تعرّض تأويل المكتشفات إلى انتقادات مختلفة، كان أبرزها موجهاً إلى تفسير إعادة بناء القلعة الأولى كحصن مستطيل كبير، حيث تم الكشف عن زاوية واحدة فقط (على سبيل المثال، Franken 1961a: 472). واقترح آخرون تفسيراً تاريخياً مختلفاً إلى حد ما للاكتشافات. على سبيل المثال، ربط آلت وبنيامين مزار القلعة الأولى بالفلستيين ونسبا القلعة الثانية فقط إلى عصر شاؤول (B. Mazar 1954: 415 ؛ Alt 1964: 30-31). وكان موسم 1964 يهدف إلى توضيح النقاط الغامضة في تاريخ الموقع ونتائج الحفريات السابقة. حيث تم التوصل إلى التصحيحات الستراتيغرافية [الطبقية] والتسلسل الزمني على النحو التالي (N Lapp 1978: xvii): الفترة الأولى، التي تسبق القلعة الأولى، تعود الآن إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر ق.م. أما الفترة الثانية، مع القلعتين الأولى والثانية، فتؤرخان بين 1025-950 ق.م (القلعة الأولى كانت مرتبطة مرة أخرى بشاؤول). وقسمت الفترة الثالثة إلى مرحلتين. وعزلت الفترة الأولى إلى مرحلتين، تعود الأولى IIIA إلى حوالي 700 ق.م، والثانية IIIB إلى حوالي 650-587 ق.م. قام لاب بتغيير إعادة بناء القلعة الأولى، واقترح، بدلاً من ذلك، أن تكون مربعة وذات جدار متين بدلاً من بناء الاستحكامات. وعثر على جانبي التل، على وحدات تشبه الاستحكامات نسبت إلى الفترة الثالثة.
على الرغم من حقيقة أن هذا الموقع الصغير نسبياً فحص بشكل مكثف على مدار سنوات، إلا أنه من المستحيل، عملياً، وضع البقايا المعمارية في إطار تاريخي وتسلسل زمني واضح. كل ما يمكننا فعله هو دراسة المكتشفات الفخارية لمعرفة الفترات التي كان الموقع فيها مأهولاً. وهذا النهج البسيط له سببان: دمرت البنى المعمارية الضخمة للفترات اللاحقة المباني الأولى، وأجريت الحفريات ونشرت بطريقة تقوض محاولات فهم النتائج. ويكشف الفحص الدقيق لنتائج الموسمين الأولين عدم العثور على مجاميع فخارية في أي من الحصون؛ وفي الواقع، ولجميع المقاصد والأغراض، لم يعثر على طوابق فيها أيضاً، ويبدو أن التقسيمات الستراتيغرافية أجريت على أساس الفروق المعمارية، حيث قسمت اللقى فيما بعد بين الطبقات المختلفة! ولم تكن الفواصل بواسطة أساليب البناء والوصلات بين الجدران، خاصة بين الحصنين الأول والثاني، مقنعة بما فيه الكفاية، ومن الممكن أن تمثل هذه الفروق مراحل إنشائية وليست مراحل زمنية.
كذلك، نشرت النتائج بطريقة ناقصة -غياب الارتفاعات والمساقط. وجاءت المواد الفخارية المعروضة في التقرير إلى حد كبير من التراكمات التي عثر عليها خارج القلعة ومن المباني الواقعة إلى شرق القمة وهو ما جعلها تختلط ببعضها البعض. وفيما يتعلق بنشر سنكلير للفخار (الشكل 11)، سوف نعلق على مسألة واحدة فقط. لا تصمد الفروقات التي رسمها بين أوعية التخزين ذات الأطواق (Sinclair 1960: 16-17، 26) أمام الفحص النقدي (انظر أيضاً R. Amiran 1962: 263) ؛ يُظهر الاطلاع على اللوحات المنشورة أنها مجرد متغيرات من نفس الوعاء، خالية من أي أهمية كرونولوجية.
لم تفشل الحفريات عام 1964 في تسليط الضوء على المشاكل التي نشأت عن الموسمين الأولين فحسب، بل أثارت صعوبات جديدة. ليس هذا هو المكان المناسب للخوض في جميع القضايا الأثرية التي تطرق إليها التقرير الأثري الأخير المنشور، ولكن هناك حاجة إلى بعض التعليقات.
- مرة أخرى، لم يعثر، فعلياً، على أي مجاميع في الطوابق، ولم يكتشف أي دليل جديد لتحديد تاريخ أقدم قلعة. كما لم يُسهم القسم الغربي من زاوية القلعة بشكل حقيقي في حل هذه المشكلة.
- إعادة البناء الجديدة للقلعة المبكرة أقل إقناعاً من الاقتراح الأصلي. ومن المستبعد جداً اعتبار جدار لاب استمراراً غربياً للتحصين ينتمي إلى القلعة. إن إعادة بناء الاستحكامات أمر غريب، لأن الجدران الداخلية لأقسام هذه الاستحكامات التي كشف عنها أولبرايت تُركت على المخطط كجذوع!
- لا يمكن تجاوز "الاستحكامات" من الفترة الثالثة بدون تعليق. فهي بالتأكيد سيئة بالمقارنة مع ما هو معروف من المواقع الأخرى. وبشكل عام، كان الجدار الخارجي لهذه الاستحكامات بعرض 1.6 متر والجدار الداخلي حوالي 1.1 متر (انظر على سبيل المثال ، Aharoni 1982: 198). لكن في تل الفول، كان عرض الجدران الخارجية والداخلية للاستحكامات الغربية 0.8 و 0.5 متر فقط، على التوالي. كما يظهر مخطط الموقع أنها كانت مختلفة تماماً في العرض في الجهة الشرقية؛ كانت سماكة جدارها الداخلي حوالي ضعف سمك الجدار الخارجي لما هو حال الاستحكامات الغربية. وأخيراً، ليس ثمة وضوح على الإطلاق في العلاقة بين الاستحكامات الغربية و "برج المراقبة" الذي أقيم فوق زاوية القلعة المبكرة، ولم تُبذل أي محاولة جادة لتوضيح العلاقة بين هذين النوعين من الاستحكامات والقلعة المبكرة. – نكرر، مرة أخرى، على غموض النتائج المنشورة، فالمخططات غير مفصلة بشكل كافٍ، ولا توجد أرقام واضحة للمواقع، ولا توجد قائمة بالجدران. إن قيمة القسم الشمالي الجنوبي المنشور محدودة، ولا يوجد قسم شرق-غرب جيد من خلال الاستحكامات. و مع كل هذا، هل ثمة ما يمكن الحديث عنه بشأن تاريخ الموقع؟ يبدو أن تضييق تاريخ الفترة الأولى إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر ق.م (في التقرير الأخير) يعكس غياب المواد الفلستية في الموقع. ومع ذلك، فإن حقيقة أن المجاميع الثرية والمؤرخة جيداً في شيلو (الذي تعرض للدمار في منتصف القرن الحادي عشر ق.م) لم يتضمن أيضاً لقى فخارية فلستية تشير إلى أن الفخار الفلستي وصل إلى منطقة الهضاب الوسطى في النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م فقط، مع التغلغل العسكري للفلستيين في المنطقة. وبالتالي لا يوجد أي عائق أمام تأريخ الفترة الأولى إلى القرن الثاني عشر والنصف الأول من القرن الحادي عشر ق.م.
يثير غياب المواد الفلستية التساؤل عما إذا كان الموقع مأهولاً في النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م (انظر الفصل 9). ربما كانت الحامية الفلستية (سفر صموئيل الأول 13) موجودة في جبع (قرية جباع العربية)، شمال غرب تل الفول. (هذه في الواقع هي القراءة المباشرة للنص: هزم يوناثان الحامية الفلسطينية في جبع، ثم أعد نفسه هناك للمعركة [3 وَضَرَبَ يُونَاثَانُ نَصَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الَّذِي فِي جِبْعَ، فَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ. وَضَرَبَ شَاوُلُ بِالْبُوقِ فِي جَمِيعِ الأَرْضِ قَائِلًا: «لِيَسْمَعِ الْعِبْرَانِيُّونَ».] ). تصبح حامية هم أكثر وضوحاً في ضوء ما نعرفه الآن عن نمط الاستيطان في أراضي بنيامين: كانت معظم المواقع الإسرءيلية في فترة الاستيطان والقضاة تقع في حافة الصحراء، شرق مستجمعات المياه (انظر أدناه).
أما بالنسبة للقلعة الكبيرة، فليس هناك، في الواقع، أي يقين بشأن تاريخها، حيث يبدو أن الكسر القليلة الموجودة فيها قد أتت من الردم. ومن المشكوك فيه ما إذا كان من الممكن إعادة بناء قلعة كبيرة -مربعة أو مستطيلة- في الموقع، لأن جميع الحفريات عبر القمة فشلت في تقديم أي دليل على وجودها. وإذا ما كان هناك بالفعل قلعة هنا، فربما كانت تنتمي -على أساس المقارنات مع الحصون في جنوب البلاد، مثل قادش برنيع وغراد وخربة عوزة [خربة غزة؟]- إلى مرحلة لاحقة من العصر الحديدي. لاتزال الأسئلة المثيرة للتاريخ والجغرافيا التاريخية المرتبطة بهذا الموقع، والتي لها تداعيات على دراسة المنطقة بأكملها، دون إجابة.
جبعون
أحربت، خلال الأعوام 1956-1962، خمسة مواسم من الحفريات في جبعون، بدعم من متحف جامعة بنسلفانيا، تحت إشراف بريتشارد. إن طبقات التل مشوشة لدرجة يستحيل معها، عملياً، تحديد تاريخ التحصينات والمنازل والمنشآت المحفورة بالصخور -أو أي ميزة أخرى موجودة هناك (للحصول على نقد لاذع لتقرير التنقيب، انظر P. Lapp 1968). ومع ذلك، فإن المجموعة الخزفية من التل (حتى لو لم تكن من مستويات نظيفة) والأدلة من المقبرة المكتشفة في الموقع تجعل من الممكن تحديد تاريخ جبعون. كان الموقع مأهولًا بالسكان خلال العصور البرونزي الوسيط الثاني(6) والبرونزي المتأخر، (نظراً لأن الاكتشافات جاءت حصرياً من المقبرة، فمن المشكوك فيه ما إذا كان هناك سكن دائم على التل)، والحديدي الأول والحديدي الثاني. أرّخ بريتشارد "الجدار الأقدم"، الذي كان عرضه 1.6-1.8 متراً، إلى العصر الحديدي الأول. وبالفعل، عثر أيضاً على أدلة على هذه الفترة داخل هذا الجدار، وفقاً للقسم المنشور (بريتشارد 1964: 34-39)، لكن المنطقة التي حفرت كانت صغيرة جداً بحيث لا يمكن استخلاص أي استنتاجات مؤكدة. وبما أن جبعون هي المدينة الوحيدة التي نقب فيها عن جبعون، فمن المحزن، على الخصوص وعلى عكس التوقعات، أن العمل هناك لم يساهم في توضيح الخلفية التاريخية والأثرية للسكان الحويين الذين، وفقاً للكتاب المقدس. (مجمل الإصحاح 9 من سفر يشوع)، عاشوا في تلال بنيامين في ذلك الوقت.
تل النصبه (المصفاة)
تم التنقيب في موقع تل النصبه، الواقع جنوب رام الله، خلال خمسة مواسم بين 1926-1935 بواسطة بادي برعاية مدرسة باسيفيك الدينية (McCown 1947a؛ Wampler 1947). لم يعثر في الموقع أي توطن يعود للعصر البرونزي الوسيط أو المتأخر (لاحظ ماكوون 1947a:180 ووامبلير أنه عثر، في مكان واحد في الموقع، على أجزاء من وعاء بمقبض عظم الترقوة والعديد من البلابل bilbils، ولكن من الصعب معرفة ما كان يقصده بهذه الكلمة؛ على أي حال، فإن هذه العناصر - كما هو مفهوم اليوم- لا تظهر على لوحات الفخار في تقرير التنقيب). واستناداً إلى أساس عدد قليل من الأواني حيث يمكن إدراك تقليد الخزف الكنعاني، استطاع أهاروني أن يقدر أن الاستيطان الإسرءيلي في الموقع قد بدأ بالفعل في القرن الثالث عشر أو حتى القرن الرابع عشر (!) ق.م(1982:174 Aharoni, Fritz and Kempinski 1975:121) . ومع ذلك، يمكن أن تظهر هذه الأواني بسهولة في القرن الثاني عشر، خاصة في بدايته (الفصل 9).
كشف الموقع عن مدينة العصر الحديدي بأكملها تقريباً -تحصيناتها ومنازلها وشوارعها؛ مع تآكل الجزء الأعلى فقط وصولاً إلى حجر الأساس (الشكل 12). واجه المنقبون صعوبة في التمييز بين مراحل البناء المختلفة، وبالتالي قسّموا البقايا إلى طبقتين فقط. وصف المنقبون مستوطنة العصر الحديدي الأول بأنها قرية أو بلدة إقليمية فقيرة صغيرة. وخصوا، لهذه المرحلة التي يرجع تاريخها إلى القرن الحادي عشر ق.م، "الجدار الداخلي"، وبرجين، وعدة منازل. كان عرض الجدار الداخلي، الذي تم تمييزه بشكل أساسي على الجانبين الجنوبي والشمالي الغربي من التل، متراً وأحيانًا أكثر من ذلك بقليل. تردد المنقبون في التساؤل حول ما إذا كان الجدار جزءً من جدار استحكامات أم لا، خاصة أنه كان من الصعب تمييز الجدار عن المباني المجاورة له.
ولاحظوا بناء جدار صلب ضخم، يعود للعصر الحديدي الثاني (كان مرتبطًا بـ آسا، استناداً إلى سفر الملوك الأول 15 [22 فَاسْتَدْعَى الْمَلِكُ آسَا كُلَّ يَهُوذَا. لَمْ يَكُنْ بَرِيءٌ. فَحَمَلُوا كُلَّ حِجَارَةِ الرَّامَةِ وَأَخْشَابِهَا الَّتِي بَنَاهَا بَعْشَا، وَبَنَى بِهَا الْمَلِكُ آسَا جَبْعَ بَنْيَامِينَ وَالْمِصْفَاةَ.]) . وثلاثة من المباني المنسوبة إلى هذه المرحلة كانت استثنائية. وكانت عبارة عن منازل كبيرة تتكون من أربع غرف مجاورة لجدار التحصين، وربما كان لها وظيفة عامة من نوع ما (Branigan 1966). نصب واحد منها على الأقل فوق المباني السابقة. (لمحاولة جديدة لتحليل معماري-طبقي للمباني في الموقع، انظر McClellan 1984.) للمستوطنة المكتشفة في تل النصبة ميزتان بارزتان -منازل ذات أعمدة وصوامع مبطنة بالحجارة. عثر على معظم هذه الأخيرة في المنطقة الواقعة بين الصف الخارجي للمنازل وجدار التحصين الكبير (الخارجي). وتضمن المخطط المنشور في تقرير التنقيب جميع البقايا المعمارية التي عثر عليها في الموقع، والتي تمتد من العصر الحديدي الأول إلى الفترات الفارسية. وبالنظر إلى هذا، فمن المدهش أن يبدو المخطط موحداً للغاية، مع القليل من التعديلات. والتفسير الذي لا مفر منه تقريباً هو أن هذه المباني، مع تغييرات طفيفة فقط، ظلت قيد الاستخدام منذ تأسيسها حتى هجرة الموقع. مع أخذ ذلك في الاعتبار، وفي ضوء التشابه المذهل، في كثير من التفاصيل، بين تخطيط تل النصبة وتخطيط قرية العصر الحديدي الأول التي كشفت في موقع عاي (الفصل 6)، يمكننا أن نقترح أن تل النصبة كان بالفعل قرية تأسست في العصر الحديدي الأول ولم تخضع لأي تعديلات لاحقة تقريباً.

شكل (12) تل النصبة، مخطط عام (McCown 1947a)
كل ما تمت إضافته إلى قلب المستوطنة العصر الحديدي الثاني هو جدار التحصين الكبير والمنازل الثلاثة المكونة من أربع غرف المذكورة أعلاه. (تدعم الأدلة التاريخية المتوفرة أيضاً هذا الاقتراح: لا يشير الكتاب، ولو تلميحاً، عن أي تدمير حصل لموقع تل النصبة- المصفاة، لا في الحروب بين إسرءيل ويهوذا بعد انقسام المملكة ولا، على ما يبدو، أثناء حملة سنحاريب - الموقع غير مذكور في المشهور. خط سير الرحلة الشهيرة لإشعيا10) [28 قَدْ جَاءَ إِلَى عَيَّاثَ. عَبَرَ بِمِجْرُونَ. وَضَعَ فِي مِخْمَاشَ أَمْتِعَتَهُ.29 عَبَرُوا الْمَعْبَرَ. بَاتُوا فِي جَبَعَ. ارْتَعَدَتِ الرَّامَةُ. هَرَبَتْ جِبْعَةُ شَاوُلَ.30 اِصْهِلِي بِصَوْتِكِ يَا بِنْتَ جَلِّيمَ. اسْمَعِي يَا لَيْشَةُ. مِسْكِينَةٌ هِيَ عَنَاثُوثُ.31 هَرَبَتْ مَدْمِينَةُ. احْتَمَى سُكَّانُ جِيبِيمَ. 32 الْيَوْمَ يَقِفُ فِي نُوبَ. يَهُزُّ يَدَهُ عَلَى جَبَلِ بِنْتِ صِهْيَوْنَ، أَكَمَةِ أُورُشَلِيمَ.]. فإذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فإن تل النصبة يقدم مثالاً فريداً لمخطط قرية إسرءيلية كبيرة من عصر القضاة. مخطط بيضاوي الشكل ويغطي مساحة تزيد عن 15 دونماً، كان الموقع ملائماً جيداً لطبيعة التضاريس. كانت المنازل على طول الحافة الخارجية للقرية، والتي كان بعضها عبارة عن مبانٍ ذات أعمدة من ثلاث وأربع غرف، متجاورة وتستند إلى جدار سميك لتشكيل خط دفاع باتجاه المنحدر. في بعض الأماكن، شكلت سلسلة من غرفهم الخلفية الواسعة ما يشبه الاستحكامات. لقد تعرض الجزء العلوي من الموقع للأسف للتآكل، لذا لا توجد طريقة لمعرفة شكله بالكامل. كما عثر في حزام محيط القرية على معظم صوامع الحبوب، والتي تعتبر من خصائص العصر الحديدي الأول أكثر منها من خصائص العصر الحديدي الثاني (كما هو مذكور في الفصل 2)؛ قد تكون هناك أمثلة على هذه الظاهرة من مواقع أخرى أيضاً (الفصل 6). أخذ بناة الجدار الضخم هذا الحزام من الصوامع في الاعتبار، كما يتضح من المساحة غير العادية التي تفصل المنازل عن جدار التحصين. هذا الجدار، الذي ربما شيّده آسا، "غلف" القرية القائمة من المنازل والصوامع. تم تشييد المنازل الثلاثة الكبيرة في وقت لاحق، على ما يبدو لأغراض إدارية. (تم نصب اثنان منهم في منطقة فارغة نسبياً بين الجدران). ومن الصعب تحديد متى تم إنشاء المستوطنة -ربما تطورت ببطء خلال القرنين الأول والعاشر ق.م حتى وصلت إلى شكلها النهائي. ومع ذلك، لا يوجد شيء في المواد المنشورة يمنع تأريخ بداية النشاط إلى القرن الثاني عشر ق.م (انظر بالفعل Albright 1948: 204).
خربة الدورة
تقع على الحافة الصحراوية المجاورة لقرية مخماس (انظر الخارطة). أجرى المؤلف موسمين من الحفريات هناك في عامي 1985-1986، برعاية قسم دراسات الأراضي الإسرائيلية في جامعة بار إيلان. تبلغ مساحة الموقع حوالي 5 دونمات، ومخططه دائري (ومن هنا جاء الاسم العربي الذي يعني "دائري"). حتى قبل بدء أعمال التنقيب، كان هناك جدار جانبي منهار وصفوف من الأعمدة المتجانسة (الشكل 13) ظاهرة على السطح.

شكل (13) خربة الدورة، صورة جوية قبل عمليات التنقيب
تبين أن خربة الدورة كانت موقعاً من فترة واحدة، تأسست في النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م وهجرت في نهاية القرن العاشر ق.م. تنتمي جميع اللقى التي عثر عليها إلى مرحلة معمارية واحدة. كانت المستوطنة محاطة بسور صلب عرضه 2-3 م مبني من حجارة حقل كبير. كشفنا داخل الحصن، على الجانب الغربي من الموقع، عن ثلاثة منازل من أربع غرف استخدمت فيها أعمدة متجانسة. اثنان منها، أي المنازل، متعامدين على الجدار الخارجي، بينما كان الثالث (الذي كان بينهما) موازياً للجدار (الشكل 86). شكلت الغرف العريضة للبيتين المتعامدين والوحدة الموازية للممرات الجانبية للمنزل الأوسط سلسلة من "الاستحكامات" المجاورة للجدار الخارجي. تم اكتشاف منزل آخر من أربع غرف، متعامد مع الجدار، على الجانب الشمالي الشرقي من الموقع. نظراً لأن الطبقة السفلى من حجارة البناء كشف عنها بالفعل في وسط الموقع بأكمله، فلا يمكننا تحديد مخطط بنية المستوطنة.

شكل (86) خربة الدورة شكل تخطيطي للبقايا بعد الموسم الأول من الحفريات
المسح المكاني
تم اكتشاف ثمانية مواقع من العصر الحديدي الأول في أراضي بنيامين خلال مسح العام 1968 لتكمل المواقع المحفورة (Kallai 1972). توزيع هذه المواقع هو الأكثر إثارة للاهتمام. سبعة منها (87.5٪) في الجزء الشرقي من المنطقة، في الحافة الصحراوية، يمثلون 28٪ من جميع المواقع من جميع الفترات التي تم التحقيق فيها. يشكل موقع العصر الحديدي الأول الوحيد الموجود أعلى التلال -خربة البرج وهو موقع بيروث الكتابية (Yeivin 1971 b: 140-144) - نحو 3٪ فقط من جميع المواقع التي فخصت في تلك الوحدة الطبوغرافية. تغير ميزان الاستيطان في العصر الحديدي الثاني، وشكلت المواقع الهامشية الصحراوية بعد ذلك 53٪ فقط من جميع المواقع في بنيامين في تلك الفترة. على الرغم من أن المسح كان غير مكتمل (بالكاد جرى مسح للمنحدرات الغربية لبنيامين)، إلا أن النسب المئوية المذكورة أعلاه تكفي لإظهار اتجاه نحو تركيز المواقع في الجزء الشرقي من إقليم بنيامين - حتى مع مراعاة المواقع المحفورة، والتي تقع جميعها في التلال الوسطى. أما على صعيد الجانب التحقيبي الزمني، فتشهد المكتشفات من تل الفول وتل النصبة على أن الاستيطان الإسرءيلي في بنيامين بدأ في وقت مبكر من العصر الحديدي الأول.
************
تشير البيانات الأثرية المتراكمة من بنيامين، إلى جانب الأوصاف الكتابية لأيام صموئيل وشاؤول، إلى أن النشاط الإسرءيلي الرئيسي في بنيامين في العصر الحديدي الأول كان مركّزاً في الجزء الشرقي من التلال وفي تخوم الصحراء (الشكل 14). ويحتمل أن السبب في ذلك يعود لوجود مدن الجبعونيين في الجزء الغربي من التلال (جبعون وبيروث) والمنحدرات (كريات يعاريم بالقرب من أبو غوش وحفيراه بالقرب من قرية قطنة الصغيرة شمال [كيبوتز] معاليه هحميشا).

شكل (14) مواقع العصر الحديدي الأول في إقليم بنيامين
بالمناسبة، لم يكن للمدن الجبعونية ولا لأورشليم اليبوسية أي قرى تابعة. وهكذا تم تقسيم أراضي بنيامين على أسس إثنية: استقر الحويون في الغرب والإسرءيليون في الشرق. ولكننا، على أي حال، غير قادرين على تمييز الاختلافات في الثقافة المادية بين هذين الكيانين الإثنيين الذين يعيشان في أراضي بنيامين في بداية العصر الحديدي الأول. ولا نعرف حالياً متى جاء الحووين إلى المنطقة أو كيف كانت مدنهم، برئاسة جبعون، أصبحت فيما بعد مستوطنات إسرءيلية (انظر Yeivin 1971b ؛ حول احتمال أن عائلة شاؤول جاءت في الأصل من جبعون، انظر Demsky 1973).
إفرايم
قمنا، في هذه المنطقة المهمة في قلب الاستيطان الإسرءيلي، بتنفيذ مشروع إقليمي مكثف واضعين في اعتبارنا فترة العصر الحديدي الأول كمحور مركزي. وسوف توصف، بعمق، النتائج المؤقتة لأعمال التنقيب في شيلوه و عمليات المسح التي قمنا بها في إفرايم في الفصلين الرابع والخامس، حيث سوف نناقش أيضاً الاستنتاجات الناتجة عن دراستنا لنمط الاستيطان في أفرايم خلال فترة الاستيطان الإسرءيلي. أما هنا فسوف نقتصر على تلخيص نتائج أربع حفريات على أطراف هذه المنطقة، وهي: خربة الردانا وعاي وبيت إيل في الجنوب و عزبة صرطة غرباً.
الحفريات
خربة الردانا
أجريت أربع حملات حفريات إنقاذ في هذا الموقع على الحافة الغربية لمدينة البيرة (انظر الخارطة) بواسطة كالاوي وكولي (1971 ؛ Cooley 1975). وتقع خربة الردانا على امتداد سلسلة من التلال محاطة من ثلاث جهات بأودية عميقة ذات ينابيع. على الرغم من وجود بعض النشاط هنا في الفترتين البيزنطية والعصر البرونزي المبكر الأول EB I، إلا أن هذا الموقع يوصف عادة على أنه موقع من فترة واحدة لجميع المقاصد والأغراض. غطت مستوطنة العصر الحديدي الأول -وفقاً للمنقبين- مساحة 8-10 دونمات (ربما تكون أصغر) وتتألف من خمس أو ست مجموعات من المباني، كل منها يضم منزلين أو ثلاثة أعمدة حول فناء مركزي. أشارت التعديلات في المباني إلى مرحلتين. يرجع تاريخ أقدمها إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م، والأخيرة تعود إلى الفترة الممتدة من 1125 إلى 1050 ق.م. ودمرت النيران خربة الردانا. (اقترح يوحنان أهاروني Y. Aharoni 1971a: 133-135 مطابقة المكان مع موقع عطاروت التوراتي). عثر في الموقع على عدد كبير نسبياً من الأدوات المعدنية (Waldbaum 1978: 25). على الرغم من أن معظمها كان مصنوعاً من البرونز، إلا أن ثلاثة منها كانت من الحديد (أحدها طرف سكة محراث). تضمنت الاكتشافات الإضافية ثلاث قواعد للمباخر وختم مخروطي الشكل من الحجر الأسود. هناك نوعان من القطع الأثرية الخزفية الأخرى ذات أهمية خاصة: مقبض جرة منقوش بثلاثة أحرف بالخط الكنعاني الأولي (Y. Aharoni 1971a: Cross and Freedman 1971؛ Cross 1979؛ الشكل 103)

شكل (103) نقش خربة الردانا Cross and Freedman 1971: 19
وقدر krater متعدد الأيدي مع ما يشبه الأنبوب يحيط تقريباً بالمحيط الداخلي الموجود أسفل الحافة مباشرة والذي يفتح للداخل بواسطة رأسين من الثيران (الشكل 15).
رأى أهاروني أن نقش رادانا يدعم تصوره عن بداية الاستيطان الإسرائيلي في القرن الرابع عشر ق.م، بينما أرّخها كروس وفريدمان إلى نهاية القرن الثالث عشر أو حوالي 1200 ق.م (الفصل 9).
ربما كان القدر يستخدم في الإراقة، حيث له أوجه تشابه مع فترة المملكة الحثية القديمة. ونظر كيمبينسكي (1973: 39،43) إلى هذا كدليل على التأثير الحثي في [أرض إسرائيل] وربط ذلك بوجهة نظر بنيامين مزار (1981: 76-79) حول نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الثاني عشر ق.م، عندما دمرت الإمبراطورية الحيثية، وهاجرت بعض الجماعات من الأناضول إلى [أرض إسرائيل].
تعتبر قرية خربة الردانا ذات أهمية قصوى لدراسة الاستيطان الإسرءيلي في منطقة الهضاب لأنها موقع محفوظ جيداً لفترة واحدة وبسبب ثقافتها المادية المتطورة نسبياً. وسوف يثري نشر تقرير التنقيب النهائي معرفتنا بثقافة سكان الهضاب في العصر الحديدي الأول. ولكن حتى الآن، يجدر التعليق على مسألة التسلسل الزمني (وهذه الملاحظات تنطبق أيضاً على التواريخ المحددة في الماضي لمواقع أخرى في منطقة الهضاب). لم يحدد المنقبون، في تقاريرهم الأولية، في خربة ردانا الأسباب الكامنة وراء تواريخهم لبداية ونهاية النشاط في الموقع، لكن يبدو أن بعض الاعتبارات على الأقل لم تكن أثرية (لا يزال علم الآثار غير قادر على تقديم تواريخ دقيقة تماماً في العصر الحديدي)، ولكن بالأحرى اعتبارات تاريخية عامة لا تنطبق بالضرورة على كل موقع في منطقة الهضاب (الفصل 9). ومن الواضح أن تاريخهم الأولي كان مبنياً على ذكر إسرءيل في شاهدة مرنبتاح. ويبدو أن تاريخهم الأقرب مستمد من إشارة الكتاب إلى تدمير الفلستيين لشيلو في منتصف القرن الحادي عشر ق.م، (إرميا 7 وغيرها.. [12 لكِنِ اذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِي الَّذِي فِي شِيلُوهَ الَّذِي أَسْكَنْتُ فِيهِ اسْمِي أَوَّلًا، وَانْظُرُوا مَا صَنَعْتُ بِهِ مِنْ أَجْلِ شَرِّ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ.])، في أعقاب هزيمتهم لإسرءيل في معركة ابن عزر (صموئيل الأول 4 [1 وَكَانَ كَلاَمُ صَمُوئِيلَ إِلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ إِسْرَائِيلُ لِلِقَاءِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِلْحَرْبِ، وَنَزَلُوا عِنْدَ حَجَرِ الْمَعُونَةِ، وَأَمَّا الْفِلِسْطِينِيُّونَ فَنَزَلُوا فِي أَفِيقَ. 2 وَاصْطَفَّ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ، وَاشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ فَانْكَسَرَ إِسْرَائِيلُ أَمَامَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَضَرَبُوا مِنَ الصَّفِّ فِي الْحَقْلِ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفِ رَجُل. 3 فَجَاءَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَحَلَّةِ. وَقَالَ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ: «لِمَاذَا كَسَّرَنَا الْيَوْمَ الرَّبُّ أَمَامَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟ لِنَأْخُذْ لأَنْفُسِنَا مِنْ شِيلُوهَ تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ فَيَدْخُلَ فِي وَسَطِنَا وَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا». 4 فَأَرْسَلَ الشَّعْبُ إِلَى شِيلُوهَ وَحَمَلُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ عَهْدِ رَبِّ الْجُنُودِ الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمِ. وَكَانَ هُنَاكَ ابْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ مَعَ تَابُوتِ عَهْدِ اللهِ. 5 وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلَى الْمَحَلَّةِ أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ هَتَفُوا هُتَافًا عَظِيمًا حَتَّى ارْتَجَّتِ الأَرْضُ. 6 فَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ صَوْتَ الْهُتَافِ فَقَالُوا: «مَا هُوَ صَوْتُ هذَا الْهُتَافِ الْعَظِيمِ فِي مَحَلَّةِ الْعِبْرَانِيِّينَ؟» وَعَلِمُوا أَنَّ تَابُوتَ الرَّبِّ جَاءَ إِلَى الْمَحَلَّةِ. 7 فَخَافَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لأَنَّهُمْ قَالُوا: «قَدْ جَاءَ اللهُ إِلَى الْمَحَلَّةِ». وَقَالُوا: «وَيْلٌ لَنَا لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هذَا مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ مَا قَبْلَهُ! 8 وَيْلٌ لَنَا! مَنْ يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ هؤُلاَءِ الآلِهَةِ الْقَادِرِينَ؟ هؤُلاَءِ هُمُ الآلِهَةُ الَّذِينَ ضَرَبُوا مِصْرَ بِجَمِيعِ الضَّرَبَاتِ فِي الْبَرِّيَّةِ. 9 تَشَدَّدُوا وَكُونُوا رِجَالًا أَيُّهَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِئَلاَّ تُسْتَعْبَدُوا لِلْعِبْرَانِيِّينَ كَمَا اسْتُعْبِدُوا هُمْ لَكُمْ. فَكُونُوا رِجَالًا وَحَارِبُوا». 10 فَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ، وَانْكَسَرَ إِسْرَائِيلُ وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَكَانَتِ الضَّرْبَةُ عَظِيمَةً جِدًّا، وَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ ثَلاَثُونَ أَلْفَ رَاجِل. 11 وَأُخِذَ تَابُوتُ اللهِ، وَمَاتَ ابْنَا عَالِي حُفْنِي وَفِينَحَاسُ. 12 فَرَكَضَ رَجُلٌ مِنْ بَنْيَامِينَ مِنَ الصَّفِّ وَجَاءَ إِلَى شِيلُوهَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ وَتُرَابٌ عَلَى رَأْسِهِ. 13 وَلَمَّا جَاءَ، فَإِذَا عَالِي جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بِجَانِبِ الطَّرِيقِ يُرَاقِبُ، لأَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُضْطَرِبًا لأَجْلِ تَابُوتِ اللهِ. وَلَمَّا جَاءَ الرَّجُلُ لِيُخْبِرَ فِي الْمَدِينَةِ صَرَخَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا. 14 فَسَمِعَ عَالِي صَوْتَ الصُّرَاخِ فَقَالَ: «مَا هُوَ صَوْتُ الضَّجِيجِ هذَا؟» فَأَسْرَعَ الرَّجُلُ وَأَخْبَرَ عَالِيَ. 15 وَكَانَ عَالِي ابْنَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَامَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُبْصِرَ. 16 فَقَالَ الرَّجُلُ لِعَالِي: «أَنَا جِئْتُ مِنَ الصَّفِّ، وَأَنَا هَرَبْتُ الْيَوْمَ مِنَ الصَّفِّ». فَقَالَ: «كَيْفَ كَانَ الأَمْرُ يَا ابْنِي؟» 17 فَأَجَابَ الْمُخَبِّرُ وَقَالَ: «هَرَبَ إِسْرَائِيلُ أَمَامَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَكَانَتْ أَيْضًا كَسْرَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الشَّعْبِ، وَمَاتَ أَيْضًا ابْنَاكَ حُفْنِي وَفِينَحَاسُ، وَأُخِذَ تَابُوتُ اللهِ». 18 وَكَانَ لَمَّا ذَكَرَ تَابُوتَ اللهِ، أَنَّهُ سَقَطَ عَنِ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْوَرَاءِ إِلَى جَانِبِ الْبَابِ، فَانْكَسَرَتْ رَقَبَتُهُ وَمَاتَ، لأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا شَيْخًا وَثَقِيلًا. وَقَدْ قَضَى لإِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 19 وَكَنَّتُهُ امْرَأَةُ فِينَحَاسَ كَانَتْ حُبْلَى تَكَادُ تَلِدُ. فَلَمَّا سَمِعَتْ خَبَرَ أَخْذِ تَابُوتِ اللهِ وَمَوْتَ حَمِيهَا وَرَجُلِهَا، رَكَعَتْ وَوَلَدَتْ، لأَنَّ مَخَاضَهَا انْقَلَبَ عَلَيْهَا. 20 وَعِنْدَ احْتِضَارِهَا قَالَتْ لَهَا الْوَاقِفَاتُ عِنْدَهَا: «لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ قَدْ وَلَدْتِ ابْنًا». فَلَمْ تُجِبْ وَلَمْ يُبَالِ قَلْبُهَا. 21 فَدَعَتِ الصَّبِيَّ «إِيخَابُودَ» قَائِلَةً: «قَدْ زَالَ الْمَجْدُ مِنْ إِسْرَائِيلَ». لأَنَّ تَابُوتَ اللهِ قَدْ أُخِذَ وَلأَجْلِ حَمِيهَا وَرَجُلِهَا. 22 فَقَالَتْ: «زَالَ الْمَجْدُ مِنْ إِسْرَائِيلَ لأَنَّ تَابُوتَ اللهِ قَدْ أُخِذَ». ]). ولا تقدم تقارير التنقيب الأولية أي دليل قاطع على رفع تاريخ تأسيس خربة ردانا إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م -باستثناء النقش، الذي يستند تاريخه إلى حد كبير إلى تكرار بلا معنى حقيقي لتاريخ الموقع، بل على العكس تماماً، تشير المباني ذات الأعمدة المتطورة التي اكتشفت هناك إلى أن هذا الموقع الذي يعود لفترة واحدة لم يتأسس في الفترات المبكرة جداً من العصر الحديدي الأول. وربما يكون منتصف القرن الثاني عشر -أو حتى بعد ذلك بقليل- يناسب بشكل أفضل الأدلة المتحصل عليها من الموقع، ونظراً لأن التقارير الأولية لم تذكر العثور على أي لقى حمراء اللون أو مصقولة أو أي مادة فلستية، فإن تأريخ المنقبين لتدمير الموقع حتى منتصف القرن الحادي عشر ق.م يبدو معقولاً.


شكل (15) خربة الردانا، قدر متعدد الأيدي مزين برؤوس ثيران Callaway and Cooley 1971: 17
عاي
عملت بعثتان في عاي (خربة التل شرق رام الله). من عام 1933 إلى عام 1935، أجرى جيه ماركيه-كراوس ثلاثة مواسم من الحفريات بدعم من بعثة روتشيلد. وأدار كالواي، خلال الأعوام 1964-1972، سبع حملات برعاية المعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية ومؤسسات أمريكية أخرى. كانت عاي غير مأهولة من نهاية العصر البرونزي المتأخر الثالث EB III (حوالي 2400 ق.م) حتى بداية العصر الحديدي، ومن الطبيعي أن يكون لهذه الحقائق آثار بعيدة المدى في تقويم تقاليد نصوص الغزو الكتابية (حول مشاكل تحديد واحتلال عاي، انظر Yeivin 1971 c: 179-181 ؛ وحديثاً، Zevit 1983؛ والفصل 8 أدناه). تعتبر بقايا قرية العصر الحديدي المبكر مهمة جداً لدراسة العمارة الإسرءيلية المبكرة لأنه، كما في حالة خربة ردانا المجاورة، مكّن غياب التوطن اللاحق من الكشف عن جزء كبير من المستوطنة. وكشف ماركيه-كراوس عن مجموعة من المباني على طول الحافة الشمالية لهذه القرية (1949: 22-24 ؛ الأشكال 16، 85).

شكل(16) موقع عاي، بقايا العصر الحديدي الأول حفريات ماركيه-كراوس (المصدر: دائرة الآثار)

شكل (85) عاي، قرية العصر الحديدي الأول . حفريات ماركيه كراوس (idem. 1949: Pl. XCVII)
كانت مبانٍ نموذجية ذات أعمدة من ثلاث وأربع غرف، متجاورة مع بعضها البعض بحيث أنشأت الغرف الخلفية العريضة نوعاً من جدار الاستحكامات الذي كان بمثابة خط دفاع. كان الوصول إلى المباني، بالطبع، من داخل المستوطنة. لم تنشئ الغرف الخلفية العريضة خطاً مستقيماً ولكن تم تعويضها وإدراجها بالتناوب. هذه الطريقة الخاصة للبناء، والتي كانت على ما يبدو موازية لمواقع الحديد الأول الأخرى في الهضاب، إرهاصات مبشرة لما سيعرف بتقنيات البناء في الفترة الملكية (Shiloh 1978: 45-46 ؛ الفصل 6 أدناه).
واصل كالاواي الكشف عن قرية العصر الحديدي المبكرة (1965: 22-27 ؛ 1969 أ ؛ 1975: 49-52 ؛ 1976: 29-30) ، التي غطت مساحة 10-12 دونماً (على عكس 110 مساحة دونمات التي غطتها مدينة العصر البرونزي المبكر) وتضم وفقاً لكالاواي، حوالي 20 مجموعة من المباني ذات الأعمدة. يعود تاريخ هذه المستوطنة أيضاً إلى الفترة الممتدة من 1220 إلى 1050 ق.م، مع تمييز مرحلتين. الأولى احتوت على شوارع معبدة، وصفت بأنها قرية ريفية غير محصنة وتاريخ 1220-1125 ق.م. وفي المرحلة الثانية، بتاريخ 1125-1050 ق.م، كان عدد السكان -حسب كالاواي- أكبر، وخضعت المنازل لترميمات طفيفة، وحفرت الصوامع بجوار المنازل، كما سدت بعض الأزقة. هجر الموقع في منتصف القرن الحادي عشر ق.م لأنه لم يعثر على أوانٍ مصقولة.
وزعم كالاواي أن الأدلة الأثرية توحي بأن سكان المرحلة الأولى جاءوا من خلفية قروية، بينما جلب شاغلو المرحلة الثانية، معهم، تقاليد جديدة تشي بخلفية بدوية. واستند، كالاواي، في حجته إلى أن التقاليد البدوية التي تفتقر إلى إرث مستقر، على حقيقة أنهم سدوا الممرات بين المباني بالصوامع. وبهذه الطريقة، حل كالاواي (1968 ؛ 1969 a) مشكلة التناقض بين الرواية التوراتية (غزو عاي) والأدلة الأثرية (غياب البقايا البرونزية المتأخرة): لم يكن سكان المرحلة الأولى من بني إسرءيل، ولكن ربما كان حويين، ومثّل "غزو واحتلال" عاي، ببساطة، استيلاء الإسرءيليين على هذه القرية الذين أصبحوا بعد ذلك شاغلي الموقع في المرحلة الثانية. وحاول كالاواي أيضاً أن يضع تمايزاً زمنياً بين الجرار ذات الحواف ذات الأطواق من التنقيب: فكانت الجرار الخاصة بالمرحلة الأولى ذات أطواق طويلة وحواف عالية، بينما كانت جرار المرحلة الثانية ذات أطواق قصيرة وحواف مطوية (1969a: 8-9 ؛ الشكل 92). على الرغم من أنه في حالة عاي أيضاً، لم ينشر تقرير التنقيب النهائي بعد. ولذلك يجب أن نتعامل مع عدة نقاط مهمة. أولاً، من المشكوك، بصورة كبيرة للغاية، وجود بيانات أثرية كافية لبناء نظرية بعيدة المدى حول غزو عاي بالطريقة التي تعتنقها نظرية كالاواي. ومن الواضح أنه توصل إلى هذا الحل الغريب في محاولة يائسة لإيجاد طريقة ما لمواءمة الرواية الكتابية مع الأدلة الأثرية. وحتى لو كان هناك مرحلتان من العصر الحديدي الأول في عاي، فمن غير المرجح أن يُعزى الاختلاف بينهما إلى السكان القادمين من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة. إذ ليس ثمة دليل على هذه الظاهرة في مواقع أخرى في منطقة الهضاب؛ بل، على العكس من ذلك، ظهرت جميع ميزات عاي، بما في ذلك سمات المرحلة الأولى، في مواقع إسرءيلية أخرى في المنطقة في جميع فترات العصر الحديدي الأولI.

شكل (92) أنواع الجرار ذات الحواف في موقع عاي وفقاً لكالاواي (1969a: 8. Scale 1 :3)
من الواضح أن تأكيد كالاواي للعام 1220 ق.م، باعتباره تاريخ تأسيس المستوطنة، مشتق من مفهوم تاريخي لا داعم أثري له (الفصل 9). وليس ثمة سبب، بقدر ما يمكن تحديده من التقارير الأولية، -من الناحية الفخارية- يظهر لماذا لا يمكن تأريخ إنشاء المستوطنة إلى العام 1150 ق.م، على سبيل المثال، وهو التاريخ الذي يناسب الأدلة المعمارية للأعمدة المتطورة نسبياً للمباني الموجودة في الموقع. أخيراً، تم الطعن في الفكرة القائلة بإمكانية استخلاص الفروق الزمنية بين أنواع الجرار ذات الأطواق من خلال البيانات المأخوذة من الحفريات الأخرى في منطقة الهضاب الوسطى (الفصل 7).
بيتيل
تم التنقيب في تل بيتيل، وهو أحد أهم المواقع في الهضاب الوسطى، في الأعوام 1934 و1954 و1957 و1960 من قبل المعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية ومدرسة بيتسبرغ اللاهوتية. أشرف أولبرايت على الموسم الأول أولبرايت في حين أديرت المواسم الأخرى من قبل كيلسو بمساعدة أولبرايت (Kelso 1968:32-35, 63-66). كانت بيتيل مدينة محصنة في العصر البرونزي الوسيط. وخلال العصر البرونزي المتأخر الأول LB I، ربما كانت هناك فجوة في الاستيطان. ثم عاد الموقع سريعاً، لكن مدينة العصر البرونزي المتأخر الثاني LB II المزدهرة دمرت، في نهاية المطاف، في حريق هائل تم تعيينه حوالي 1240-1235 ق.م. كان موقع توطن العصر الحديدي الأول في الموقع فقيراً ومختلفاً تماماً في الثقافة المادية عن سابقيه. وميزت أربع مراحل توطنية، على أساس العمارة والفخار, تعرضت المرحلتين الأولى والثانية للدمار بالنار، على ما يبدو،. وتتحدد نهاية المرحلة الأولى في وقت لا يتعدى بداية القرن الثاني عشر ق.م؛ بينما استمرت المرحلة الثانية في معظم القرن الثاني عشر ق.م. ويميز المرحلة الثالثة، ظهور الفخار المصقول يدوياً لأول مرة، ويرجع تاريخها إلى النصف الأول من القرن الحادي عشر أو حتى العام 1025 ق.م أو ما بعده. وقسمت المرحلة الرابعة إلى مرحلتين فرعيتين، تؤرخ الأولى بنهاية القرن الحادي عشر وبداية القرن العاشر ق.م والثانية بأواخر القرن العاشر. جرت مقارنة للقى الفخارية الضئيلة التي تشمل المراحل الثلاثة الأولى مع مادة الطبقة B 1 في تل بيت مرسم، وقورنت مجاميع المرحلة الرابعة مع طبقات B2 و B3 في نفس الموقع. كانت السمة التي ميزت هندسة المباني الحديدية الأولى هي استخدام صفوف الأعمدة. وكان الوضع الستراتيغرافي في بيت إيل كلاسيكياً، من حيث تناسبه ،على ما يبدو، مع الوصف التوراتي لغزو المدن الكنعانية بشكل عام، ولوز على وجه الخصوص، حيث أضرمت النيران في المدينة الكنعانية المزدهرة من العصر البرونزي المتأخر واستبدل سكانها بالإسرءيليين الذين كانت ثقافتهم المادية شديدة التبعثر. ومع ذلك، تبين أن بيتيل هي الموقع الوحيد في كل [أرض إسرائيل] الذي اتبع هذا النمط (الفصل 8). وهنا أيضاً، تم تحديد تاريخ تدمير المدينة البرونزية المتأخرة بوضوح من خلال اللجوء إلى الاعتبارات التاريخية غير الأثرية. رغم أن اللقى هناك لا تمنع من وضع تأريخ لاحقً (الفصل 9). ومخطط مستوطنة العصر الحديدي الأول غير واضح بما فيه الكفاية لأن قرية بيتين الواقعة في التل منعت من القيام بأعمال حفر لمساحات واسعة. والبيانات الواردة في تقرير التنقيب غير كافية لتحديد أهمية المراحل الأربع، لذلك من الصعب تحديد ما إذا كانت تمثل مراحل توطن حقيقية، أم هي مجرد تغييرات طفيفة في المباني على مدار الوقت. علماُ أن بيت إيل أصبحت مدينة مهمة خلال فترة الحكم الملكي.
عزبة صرطة
يقع الموقع على تل منخفض (انظر الخارطة) شمال شرق روش هاعين [ موقع قرية مجدل يابا] وجنوب غرب كفر قاسم، بالقرب من المكان المعروف بعزبة صرطة. ينبع الاسم من حقيقة أنه في الأجيال الأخيرة، قام سكان قرية صرطة، التي تبعد حوالي 12 كم إلى الشرق، بزراعة المنطقة موسمياً (تعني عزبة مزرعة موسمية أو مستوطنة ريفية باللغة العربية المصرية). والتل الذي يقع عليه الموقع يطل على مساحة واسعة من السهل الساحلي. ويقع تل أفيق على الجانب الآخر من ممر أفيق، على بعد حوالي 3 كم إلى الغرب، عند منابع نهر اليركون [العوجا] (انظر الشكل 1). اكتشف الموقع في العام 1973 من قبل فريق المسح الأثري بجامعة تل أبيب. اقترح كوخافي، الذي ترأس عمليات المسح، تحديد الموقع على أنه موقع ابن عزر الكتابي (على سبيل المثال، 1977: 3 ، 12)، وهو المكان الذي خيم فيه الإسرائيليون قبل معركتهم مع الفلستيين (صموئيل الأول 4 [1 وَكَانَ كَلاَمُ صَمُوئِيلَ إِلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ إِسْرَائِيلُ لِلِقَاءِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِلْحَرْبِ، وَنَزَلُوا عِنْدَ حَجَرِ الْمَعُونَةِ، وَأَمَّا الْفِلِسْطِينِيُّونَ فَنَزَلُوا فِي أَفِيقَ.]). ومع ذلك، فمن غير المؤكد ما إذا كان هذا هو اسم مستوطنة وليس معلماً طوبوغرافياً (Garsiel and Finkelstein 1978؛ بشأن تحديد الموقع، انظر أيضاً Miller 1983: 125-128).
أجريت، بين الأعوام 1976-1978، أجريت أربع حملات تنقيب قصيرة في عزبة صرطة تحت رعاية مشتركة من معهد الآثار في جامعة تل أبيب وقسم دراسات أرض إسرائيل في جامعة بار إيلان. ترأس البعثة كوخافي، وكان مؤلف هذا الكتاب مديراً ميدانياً (Finkelstein 1986). كشف هناك عن ثلاث طبقات. يرجع تاريخ أقدمها (السوية الثالثة III) إلى الفترة الممتدة بين نهاية القرن الثالث عشر ق.م أو بداية القرن الثاني عشر ق.م وبداية القرن الحادي عشر ق.م. كان عمر السوية الثانية أقصر وتعود إلى نهاية القرن الحادي عشر ق.م، بينما يرجع تاريخ السوية الأولى، وهي أيضاً قصيرة العمر، إلى بداية القرن الأول ق.م.

شكل (76) شكل تخطيطي للسوية الثالثة في موقع عزبة صرطة
اكتشف المسح، في محيط الموقع، وفي موقع طوبوغرافي مماثل على حدود الهضاب والسهل الساحلي، ستة مواقع إضافية من هذه الفترة على امتداد 8 كيلومترات بين جلجولية شمالاً وروش عاهين جنوباً. أدت الاعتبارات، التي تم وصفها بالكامل في الفصل الثاني هنا، إلى استنتاج مفاده أن هذه المواقع تمثل تدفقاً لسكان الهضاب الوسطى. والموقع ذو أهمية كبيرة لدراسة فترة الاستيطان الإسرءيلي لثلاثة أسباب. أولاً، مكّن عدم وجود توطن لاحق في الموقع من كشف مساحة كبيرة بسهولة نسبية، ويمكن استعادة مخطط الموقع لكل طبقة. وبالتالي فإن نتائج الحفريات لها آثار مباشرة على فهم تطور العمارة الإسرءيلية في العصر الحديدي الأول (الفصل 6). ثانياً، قرب الموقع من أفيق، الذي تعرض لأعمال الحفر والتنقيب بشكل مكثف، يجعل من الممكن، لأول مرة، فحص العلاقة بين مدينة كنعانية أصبحت فيما بعد مركزاً فلستياً مهماً وموقع استيطان إسرءيلي صغير قريب. أخيراً، موقع عزبة صرطة على الحدود الجغرافية بين التلال والسهل الساحلي -الذي كان، في ذلك الوقت، أيضاً الحد الإثني بين الإسرءيليين في الهضاب والكنعانيين و(لاحقاً) الفلستيين في السهل الساحلي -يعني أن الأحداث التي تقع في الجوار المباشر وفي المناطق البعيدة تم الشعور بها في وقت واحد. كان تاريخ عزبة صرطة يمثّل، بالتالي، انعكاساً للتطور التاريخي والديموغرافي في هذه المنطقة الحساسة والمثيرة للاهتمام. وكانت السوية الثالثة ذات شكل بيضاوي الشكل وتغطي مساحة 2.2 دونم (الشكل 76). وكان الوصول إلى الموقع على الجانب الشمالي الشرقي من خلال فتحة ضيقة بين عضدين مترابطين، مما أدى إلى دهليز مرصوف بألواح حجرية.
كان الفناء المركزي الواسع محاطاً بجدار مكون من حجارة كبيرة. ونتجت، من هذا الجدار، جدران أخرى نحو الخارج بزوايا قائمة لفصل الغرف المجاورة عن بعضها البعض. لم يكن الجدار الخارجي لهذه الغرف -على عكس الجدار الداخلي- خطاً أملساً؛ بمعنى آخر، كان عرض الغرف متنوعاً. عملت الطبقة السفلى Bedrock بشكل عام كأرضيات. انفتحت الغرف على الفناء، لكن لم تكن هناك أبواب بينها. كان هناك عدد من الصوامع المبطنة بالحجارة في الفناء. تم حفر جزأين من الجدار الداخلي (حول الفناء) والغرف المجاورة بطول إجمالي 55 م (الشكل 18). وعثر على مادة طينية خفيفة من السوية الثالثة بين سطح الصخور وأرضيات الطبقة التالية؛ تم تسويتها لتكون بمثابة بنية مباني السوية الثانية.

شكل (18) منظر جوى لعزبة صرطة، لاحظ الجدار المحيطي للسوية الثالثة إلى اليسار واليمين ومنزل السوية الثانية المكون من أربع غرف في المركز

هجرت السوية الثالثة III بطريقة منظمة، لذلك عثر على عدد قليل من الجرار الكاملة. وهي تشمل ثلاث أواني تخزين ذات حواف مطوقة (الشكل 19). ولأن هذه كانت أول توطن في الموقع، فإن البقايا الفخارية تعكس التراكم طوال فترة وجود تلك الطبقة. ومن بين أقدم الاكتشافات، جزء صغير من وعاء "برطمان ركاب سرج" مستورد، يبدو أنه تم تنفيذه بأسلوب بسيط من العصر الميسيني المتأخر IIIB ( انظر الشكل 105 ؛ الفصل 9)؛ كما عثر على جزء كبير من قدر krater كبير مزخرف بشجرة نخيل ووعل؛ وجزء من هذا القدر مزين بزخرفة تشكيلية لرأس الوعل (الشكل 102)؛ قواعد الجرار "الكنعانية"؛ وحواف الأواني وأواني الطبخ المصنوعة تنتمي لتقاليد فخار العصر البرونزي المتأخر (الشكل 20).

شكل(19). عزبة صرطة، جرار تخزين من السوية الثالثة
يربط هذا الفخار بداية النشاط في الموقع بنهاية القرن الثالث عشر ق.م أو بداية القرن الثاني عشر ق.م. كما جاءت من هذه الطبقة حافات قليلة من الأوعية الدائرية المنزلقة باللون الأحمر وشظايا من الجرار ذات الحواف المستقيمة غير المكسوة، مما يشير إلى أنها استمرت حتى النصف الأول من القرن الحادي عشر ق.م. وتظهر المجموعة الخزفية بأكملها، والتي تضمنت بضعة شقف تعود للتقاليد الفلستية، أن السكان كانوا على اتصال بالسهل الساحلي القريب. تجدد النشاط في الموقع، بعد فجوة قصيرة. وظهرت السوية الثانية II مختلفة تماماً في المخطط عن السوية الثالثةIII، وقدمت دليلاً على قدر معين من التخطيط (الشكل 21). وأقيم في وسط الموقع، الذي يغطي الآن مساحة تبلغ حوالي 4 دونمات، منزل كبير من أربع غرف. كانت محاطة بعشرات الصوامع (الشكل 22)، المكتظة ببعضها البعض، والتي حفرت في البنية القرميدية وبقايا مبنى السوية الثالثة. حدد محيط المستوطنة بسلسلة من المنازل الصغيرة. يمكن إعادة بناء مخططات اثنين منهم، وهما أيضاً ينتميان إلى نوعية المنزل المكون من أربع غرف. لم تكن هذه المنازل متجاورة، لذلك، وعلى عكس مستوطنة السوية الثالثة، لم يكن ثمة خط دفاع يواجه المنحدر. كانت أبعاد المنزل المركزي حوالي 12 × 16 م، وتم الحفاظ عليه بارتفاع مدماكين إلى ثلاثة، ويصل سمك جدرانه الخارجية إلى 1.4 م. وشيد كلا الوجهين من حجارة حقل كبير. تعرضت أجزاء من هذه الجدران الخارجية للسرقة في وقت لاحق وأعيد استخدامها في بناء شرفة زراعية. ويقسم صفان من الأعمدة الحجرية المنزل إلى ثلاث غرف طويلة. كانت الغرف الجانبية مرصوفة بألواح حجرية، بينما استخدمت بقية المنطقة حجر الأساس الأصلي والأرضية المطروقة كأرضية.



شكل (105) عزبة صرطة، فخار السوية الثالثة , سقف فخارية مسينية

شكل(102) عزبة صرطة، فخار من السوية الثالثة. جزء من قدر مزين بنقش بارز يصور رأس حيوان بقرون

شكل (20) عزبة صرطة، فخار من السوية الثالثة

شكل (21)، مخطط السوية الأولى في موقع عزية صرطة

شكل (22) عزبة صرطة - منزل من أربع غرف بعد إعادة التركيب. على اليسار، صوامع السوية الثانية
كان يقع مدخل المبنى في نهاية الجدار الغربي ويؤدي إلى غرفة جانبية. تم إلحاق غرفة صغيرة بالجانب الشمالي من المبنى. وكشف عن 43 صومعة حول المبنى المركزي (الشكل 89). كانت جوانبها مبطنة بالحجر وتتكون أرضياتها إما من حجر الأساس أو رصيف من الحجارة الصغيرة. اتكأ عدد قليل من الصوامع على جدران المبنى؛ وكانت، في بعض أجزاء الموقع، متجاورة. كما عثر، في عدة أماكن، على سطح صلب من الأرض المرصوفة بين الصوامع.
كان أحد أهم الاكتشافات هو كسرة خزفية عليها نقوش كنعانية بدائية اكتُشفت في الصومعة605 (لكنها لا تنتمي بالضرورة إلى السوية الثانية). تم تسجيل حوالي 80 حرفاً في خمسة صفوف. ويبدو أن الصفوف الأربعة العلوية هي نوع من تمرين للطلاب، بينما تظهر الأبجدية بأكملها في الصف الخامس، مكتوبة من اليسار إلى اليمين (Kochavi 1977 ؛ Demsky 1977 ؛ انظر أيضاً Naveh 1978 ؛ Cross 1980: 8-15 ؛ Dotan 1981) . يقدم هذا الاكتشاف دليلاً هاماً على معرفة القراءة والكتابة بين سكان الهضاب الوسطى خلال فترة الاستيطان الإسرائيلي وعصر القضاة.

شكل (89) عزبة صرطة، صوامع السوية الثانية
كان للسوية الثانية وجوداً قصيراً في نهاية القرن الحادي عشر ق.م ثم هجرت بعد ذلك أيضاً بطريقة منظمة. عاد الموقع إلى الحياة مرة أخرى، بعد وقت قصير، لمدة عقد أو عقدين في بداية القرن الأول ق.م. بل إن مستوطنة السوية الأولى كانت أصغر. تم ترميم المنزل المركزي المكون من أربع غرف مع العديد من التغييرات: وبنيت حواجز منخفضة بين الأعمدة في كل صف؛ وأضيفت غرفتين على الجانب الشمالي؛ وبنيت عدة منشآت داخل المبنى. كما حفر عدد قليل من الصوامع الجديدة لتحل محل تلك التي لم تعد صالحة للاستخدام. تضررت مباني السوية الثانية الموجودة على حافة الموقع، أثناء قطع هذه الصوامع، التي يبلغ عددها الآن حوالي 10. كانت أنواع الخزف الموجودة في مجموعة السوية الأولى متطابقة، تقريباً، مع الأنواع الخزفية التي تعود للسوية الثانية؛ ومع ذلك، كشف التحليل الإحصائي عن اختلافات في الكميات النسبية للأنواع المختلفة من سوية إلى أخرى. ويعكس تاريخ التوطن، في عزبة صرطة، بأمانة، التطور التاريخي للاستيطان في المنطقة الحدودية بين السهل الساحلي وسفوح التلال خلال العصر الحديدي الأول، وهو الوقت الذي وصل فيه الإسرءيليون إلى تخوم السهل الساحلي؛ في أوقات أخرى، تم دفع السكان مرة أخرى إلى قلب الهضاب الوسطى.
يوجد بديلان لتأريخ التوطن الأول في عزبة صرطة: التأريخ الأول يعود إلى ما قبل وقت قصير من تدمير أفيق المصرية الكنعانية القريبة أو، أي البديل الثاني، خلال فترة وجيزة بعد تدميرها، ولكن قبل أن يستقر الفلستيون هناك (بخصوص تأريخ أفيق في هذه الفترة، انظرKochavi 1981: 80-82). ومن الممكن أن تكون بعض المواقع الأخرى التي عثر عليها أثناء المسح، على طول حافة التلال، قد استوطنت لأول مرة في هذا الوقت. ويتطلب تركيز هذه المواقع مقابل أفيق تفسيراً-حيث لم يعثر عملياً، في ذات الوقت وفي بيئة جغرافية مماثلة، على أي مواقع لهذه الفترة في الجنوب. وهذا ما سوف نناقشه في الفصل 11.
ويبدو أن هجران السوية الثالثة مرتبط بالتوترات المتصاعدة بين إسرءيل والفلستيين، في هذه المنطقة، في بداية القرن الحادي عشر ق.م، وسوف تبلغ ذروتها، في نهاية المطاف، في المعركة الحاسمة في ابن عزر. لم يكن من الممكن إعادة توطين عزبة صرطة، في أعقاب هزيمة الإسرءيليين، حتى زمن شاؤول، في نهاية القرن الحادي عشر ق.م (السوية الثانية). وقد استعاد الفلستيون، بعد فترة، السيطرة وصدوا، مرة أخرى، الإسرءيليين باتجاه الشرق. ويجب أن يرتبط مثل هذا التوسع، المتجدد، باتجاه الغرب في بداية القرن الأول (السوية الأولى) في عهد داود. وبعد فترة وجيزة، عندما أصبح السهل الخصب لحوض اليركون متاحاً للمستوطنين الإسرءيليين، هجرت عزبة صرطة إلى الأبد. في هذا الوقت بالتحديد نجد الدليل الأول على التوطن الإسرءيلي في أفيق المجاورة (Kochavi 1981: 82).
منسّى
يختلف الجزء الشمالي من منطقة الهضاب الوسطى، إقليم منسّى، تماماً عن المناطق الواقعة إلى الجنوب من الناحية الجغرافية. تنتشر في منسّى، الوديان الواسعة والمساحات الشاسعة المكونة من الحجر الجيري الناعم لتنتج مشهداً طبيعياً معتدلاً نسبياً. ويوجد على جانبي حوض شكيم صفان من الينابيع الكبيرة نسبياً. ولهذه الأسباب، كان استيطان منسّى أسهل من استيطان المناطق الجبلية في الجنوب. بعض المناطق، مثل وادي دوثان [سهل عرّابة]، تشبه، في الواقع، الوديان الشمالية أكثر من التلال الوسطى في ملاءمتها للاستقرار. نتيجة لذلك، عثر على تلال المدن الكبيرة -شكيم وترصة والسامرة ودوثان- في هذه المنطقة، بالإضافة إلى مجموعة المستوطنات الأكثر كثافة من أي من المناطق الجبلية في [أرض إسرائيل]. وتتضح أهمية أراضي منسّى خلال فترة الاستيطان الإسرءيلي في كل من الكتاب وعلم الآثار. يعطي الكتاب مكانة بارزة لتقاليد قدسيّة شكيم وجبل عيبال، بينما كشفت المسوحات الأثرية عن كثافة في الموقع لا مثيل لها تقريباً. ومع ذلك، لم يكن سكان المنطقة خلال العصر الحديدي الأول متجانسين، وهذا يعقد الجهود لفهم العمليات التاريخية والديموغرافية التي تفاعلت في هذا الجزء من البلاد.
التنقيبات
شكيم
"ملكة فلسطين غير المتوّجة"، كما وصفها رايت (1965: 9). كانت شكيم، التي ورد ذكرها كثيراً في المصادر التاريخية، أهم مدينة في الجزء الشمالي من الهضاب الوسطى خلال الفترة من العصر البرونزي الأوسط إلى العصر الحديدي الأول. وكانت شكيم، مكاناً مهماً للعبادة طوال هذه الفترة الزمنية. ومن الصعب فهم طبيعة وتاريخ عملية تسلل الإسرءيليين إلى شكيم من النصوص الكتابية. كان سكان العصر الحديدي الأول هناك على ما يبدو مختلطون، أي يتكونون من عناصر عرقية مختلفة (انظر الفصل الخامس). إن وفرة المعلومات التاريخية تجعل شكيم أحد أكثر المواقع إثارة للإعجاب في البلاد. في الواقع، تم التنقيب عن تل بلاطة، تل شكيم التوراتي، من قبل بعثات مختلفة منذ بداية القرن [الماضي]. حفر سيلين هنا في وقت مبكر في الأعوام 1913-1914، ثم عاد لأربع حملات أخرى في عامي 1926 و 1927. وقامت بعثة استكشافية، برعاية جامعة درو ومدرسة ماكورميك اللاهوتية والمعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية، تحت إشراف رايت، بثماني حملات في شكيم 1956-1969 (رايت 1965؛ للموسمين الأخيرين، انظر Dever 1974).
وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته البعثة الأمريكية في التنقيب في الموقع، إلا أن تقاريرهم النهائية لم تنشر بعد، ويصعب فهم شخصية شكيم في فترتنا من التقارير الأولية. حاول تومبس Toombs، أحد المنقبين في الموقع، مؤخراً (1979) تلخيص تاريخ الموقع خلال العصرين البرونزي المتأخر والحديدي الأول. تم تدمير المدينة البرونزية المزدهرة حتى قبل نهاية تلك الفترة، في وقت ما في نهاية القرن الرابع عشر ق.م، أو بداية القرن الثالث عشر ق.م. ثم ابتدأ انتعاش الموقع على الفور، دون وجود فجوة في التوطن. أصبحت شكيم، الآن، أقل كثافة سكانية ونوعية البناء رديئة. وقد وجد المنقبون استمرارية كبيرة بين مستوطنات العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديد الأول، أي أنه لم يكن هناك تدمير أو ثورة ثقافية أثناء الانتقال بين هاتين الفترتين (للحصول على أدلة فخارية، انظر Boraas 1986). واستنتج المنقبون أن هذا الوضع يتوافق بصورة جيدة مع عدم وجود أي تقليد حول غزو شكيم في النصوص الكتابية، وبالتالي خلصوا إلى أن السكان الإسرءيليين قد تسللوا إلى المدينة بطريقة سلمية. تم تدمير مستوطنة العصر الحديدي الأولI في حريق هائل نُسب إلى أبيمالك (سفر القضاة 9 [45 وَحَارَبَ أَبِيمَالِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ وَقَتَلَ الشَّعْبَ الَّذِي بِهَا، وَهَدَمَ الْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحًا.] )؛(بخصوص العصر الحديدي الأول في شكيم وروايات أبيمالك، انظر Na aman 1986). ومن الصعب في الوقت الحاضر تقويم مساهمة تنقيبات شكيم في دراسة عملية الاستيطان الإسرءيلي. لجميع الأغراض العملية، فالمواد المنشورة، حتى الآن، لا تساعد في التعرف على الثقافة المادية للموقع في فترة العصر الحديدي الأول، في الواقع، ومن المشكوك فيه أن تكون نتائج الحفريات قد ساعدت في توضيح تاريخ شكيم خلال الفترة قيد المناقشة.
موقع جبل عيبال
يُعرف الموقع باللغة العربية باسم خربة برناط [يقع شرق عصيرة الشمالية]، ويغطي 4 دونمات على امتداد المنحدر الشمالي الشرقي لجبل عيبال. أجرى زرطال، الذي اكتشفه خلال مسح العام 1980، حتى الآن خمس حملات تنقيب تحت رعاية قسم الآثار في جامعة حيفا (Zertal 1985c؛ 1986a؛ Had. Arch. 85، 1984: 24-26 وخاصة 1986b: 225-275). وتم تمييز مرحلتين، كلتاهما تنتميان إلى العصر الحديدي الأول. كان جدار المعبد، خلال المرحلة الأولى، يحيط بساحة مركزية كبيرة، يقع في وسطها منشأة دائرية مبنية من الأنقاض، يبلغ قطرها حوالي مترين. كانت المرحلة اللاحقة هي المرحلة الرئيسية (الشكل 24). بني جدار جديد، داخل جدار السياج، أضيق قليلاً من جدار المعبد. وكان له مدخل بعرض 8 أمتار يقع بين جدارين متوازيين. كما ضم المدخل ثلاث درجات عريضة، مرصوفة بألواح حجرية.

شكل (24) موقع جبل. عيبال- مخطط عام ( في الأعلى) ومخطط المبنى المركزي (في الأسفل) . (Had. Arch. 85,1984: 24-25)
أنشأ، في وسط الموقع، هيكل، مستطيل كامل بلا مدخل، مبني من حجارة حقل كبيرة توضعت فوق التثبيت السابق، أبعاده حوالي 7 × 9 م؛ تم الحفاظ على الجدران التي يبلغ سمكها 1.5 م إلى ارتفاع حوالي متر. كانت زوايا الهيكل موجهة بدقة إلى النقاط الأربع للبوصلة. امتلأت المساحة الداخلية للهيكل، مع "دعامتين"، بأربع طبقات من الرماد والتراب والحجارة. لم يكن هناك أرضية. تم خلط عظام حيوانات عديدة بالرماد. وعثر على مبنى يشبه المقعد بعرض 60 سم، حول ومقابل ثلاثة جوانب من الهيكل؛ ارتفاعه أقل من قمم جدران الهيكل المركزي بحوالي متر. وبجوار المبنى على الجانب الجنوبي الغربي كان هناك فناءان مرصوفان بالحجارة بنيت فيهما منشآت مختلفة. احتوت هذه التركيبات إما على رماد وعظام حيوانات أو قطع فخارية مكسورة. يفصل بين الفناء جدار طوله 7 أمتار وعرضه 1.2 متر. كما عثر على العديد من التركيبات بين المجمع المركزي وجدار المعبد. هجر الموقع ولم يعثر على طبقة دمار. واكتشفت مستوطنة تعود للعصر الحديدي الأول مؤخراً شرق " المعبد temenos "، لكن لم يتم التنقيب فيها بعد. وخلص زرطال إلى أن هذا كان موقع عبادة محاطاً بجدار معبد. وكانت اعتباراته الرئيسية هي مخطط الموقع -سور بداخله مبنى منعزل في وسطه- واللقى التي عثر عليها هناك، وهي في مجملها منشآت بها رماد وكميات كبيرة من العظام والفخار، والتي بدت أنها بقايا القرابين والقرابين التي أحضرت إلى الموقع. فسّر زرطال الهيكل المركزي على أنه مذبح قرباني (الشكل 25)، وهو بناء أعلى بحوالي 3 أمتار من محيطه، وكان مليئاً بما اعتبره حطام النشاط الطقسي السابق في الموقع. وكان الجدار الفاصل بين الفناءين، في رأيه، بمثابة منحدر يؤدي إلى المذبح، ويمثل المقعد حول الهيكل المركزي ممراً للكهنة.

شكل (25) إعادة تركيب موقع جبل، ويظهر مثل سور طقوسي يتوسطه مذبح (Zertal 1985b)
وجد زرطال دعماً لفرضيته في المصادر الأدبية القديمة -وصف المذبح في سفر حزقيال [ربما يقصد فنكلشتين هنا ما ورد في الإصحاح 41 من سفر حزقيال- المترجم] وفي المشنا Mishnah Middot - وكذلك في البقايا الحيوانية- وجميعها حيوانات سليمة كما تصفها الطقوس، كما أن معظمها ذكور و صغيرة في العمر [فتيّة]، تظهر مقطعة من ناحية المفاصل و مشوية في نار مكشوفة، كما تأمر الأوامر الكتابية التي تحكم الذبائح.
أرّخ زرطال المرحلة الأولى من الموقع إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر ق.م، على أساس جعرانيْن مصريين عثر عليهما في الموقع، أحدهما من الأسرة التاسعة عشرة، أو أوائل الأسرة العشرين، زمن رعمسيس الثاني أو رعمسيس الثالث، والآخر من عهد رعمسيس الثاني. وكان الموقع، في اعتقاد زرطال، في المرحلة الأولى موقعاً ثقافياً صغيراً ينتمي إلى عائلة واحدة، أو ربما لسكان المنطقة المجاورة. أرّخ زرطال المرحلة الرئيسية للموقع، مع مذبح القرابين، إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر ق.م، ورأى فيه موقع عبادة مركزي قبلي، وربما حتى قومي، لكامل الاتحاد القبلي، وربطه بالتقليد التوراتي لإقامة مذبح على جبل عيبال (سفر يشوع8 [30 حِينَئِذٍ بَنَى يَشُوعُ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ عِيبَالَ، 31 كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ تَوْرَاةِ مُوسَى. مَذْبَحَ حِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ عَلَيْهَا حَدِيدًا، وَأَصْعَدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ.]). وفي رأيه، كان الموقع أقرب وأكمل موقع عبادة لبني إسرءيل، وبمنزلة النموذج الأولي للمراكز المقدسة التي بنيت لاحقاً. وربط التخلي عن الموقع مع إنشاء مركز طقوسي فوق قبلي في شيلوه. في الواقع، يبدو أن بعض حجج زرطال تشير إلى وجود موقع عبادة يعود للعصر الحديدي الأول على جبل عيبال (انظر Na aman 1986، الذي يطابقه مع مجدال شكيم وبيت [بعل] بيريث. سفر القضاة 9 [45 وَحَارَبَ أَبِيمَالِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ وَقَتَلَ الشَّعْبَ الَّذِي بِهَا، وَهَدَمَ الْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحًا. 46 وَسَمِعَ كُلُّ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ فَدَخَلُوا إِلَى صَرْحِ بَيْتِ إِيلِ بَرِيثَ.]). ومع ذلك، هناك عدد كبير من المشاكل في تحديد الهيكل المركزي على أنه مذبح (وصفه كيمبينسكي 1986 بأنه برج مراقبة). أثار زرطال بعض هذه الصعوبات بنفسه، لا سيما في درجة اختلاف الهيكل عن مذابح بني إسرءيل الأخرى (1985c: 39-40)، لكنه اقترح أن هذه الاختلافات كانت مرتبطة بالتمييز بين مذبح معزول ومذبح مرتبط بمعبد. وثمة، هناك، مشاكل إضافية في إعادة تركيب زرطال للموقع. فمن الناحية الأثرية، تشير حجارة الطحن الأربعة والثلاثين التي عثر عليها هناك إلى حدوث نوع من النشاط الزراعي (ولكن قد يكون هذا مرتبطاً بالمستوطنة المجاورة). ومن الناحية الزمنية التحقيبية، يجب فهم مجموعة الفخار على أنها تعكس المواد المتراكمة طوال فترة النشاط بأكملها في كل مستوى. وفقاً للمادة المقدمة حتى الآن (Zertal 1986b الأشكال 9-17)، قد يرجع تاريخ نهاية السوية الثانية II إلى منتصف أو حتى النصف الثاني من القرن الثاني عشر ق.م (لاحظ الجرة في الشكل 12: 1 فقط. المتوازيات تأتي من سوية تل قسيلة العاشرة X (!) وشيلوه من النصف الأول من القرن الحادي عشر ق.م)، والسوية الأولى I بعد فترة وجيزة. أنا من وجهة النظر الكتابية، من الواضح أن وصف المذبح على جبل عيبال الذي أقامه يشوع يعكس في الواقع حقيقة فترة لاحقة (Anbar 1985b). ومن الناحية التاريخية، من الصعب تصور مركز عبادة فوق قبلي إسرءيلي في وقت مبكر كما يقترح زرطال، ولم تشر أي من الاكتشافات إلى أن هذا الموقع كان مركزاً لكل إسرءيل, وعلى كل حال، من الصعب اتخاذ موقف بخصوص هذا الموقع الهام قبل الانتهاء من أعمال التنقيب ونشر النتائج بالكامل.
ترصة (تل الفارعة الشمالي)
يعد تل الفارعة أحد المواقع الرئيسية في الهضاب الوسطى، ويتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من مفترق طرق مهم ويقبع فوق مصدر مياه دائم على رأس وادي الفارعة الخصب. أدار دو فو، خلال الأعوام 1946-1960، تسعة مواسم من الحفريات في الموقع برعاية المدرسة التوراتية Ecole Biblique. غير أن التقرير النهائي الأول الذي يتناول العصر الحديدي لم ينشر إلا قبل فترة وجيزة (Chambon 1984). نُسبت العديد من المنازل ذات الأعمدة إلى السوية الثامنة الأولى VIIa (وفقاُ للترقيم الستراتيغرافي الجديد)، والتي يرجع تاريخها إلى القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م. تُظهِر اللوحات الفخارية المنشورة أشكالاً من سمات العصر الحديدي الأولى، وخاصة المقابض ذات الثقوب والمقابض ذات الزخارف المحفورة التي تشبه الوجه البشري (Chambon 1984: Pl.79: 1-11 ؛ انظر الفصل 7). ومما هو مثير للدهشة، لم تكن هناك أنماط جرار تخزين ذات الحواف، والتي كانت منتشرة على نطاق واسع في الهضاب الوسطى في ذلك الوقت.
"موقع الثور" [الظهرة الطويلة]
ويقع شرق قباطية على قمة تل ضمن سلسلة من التلال ( انظر الخارطة). وبعد العثور فيه، عن طريق الصدفة، على تمثال صغير من البرونز لثور، أجرى عميحاي مزار حفريات قصيرة في عامي 1978 و 1981 (A. Mazar 1982b). وعثر على قمة التل على موقع عبادة لفترة واحدة. بقي القليل من الهيكل الذي كان قائماً ذات يوم، وهو عبارة عن جدار من أحجار كبيرة تحيط به منطقة بيضاوية الشكل (21 × 23 م). ويظهر، حسب وصف مزار في الجزء الشرقي من الموقع، حجر كبير منتصب وأمامه رصيف وضعت عليه القرابين. أثار مزار احتمال وجود شجرة مقدسة في وسط السياج. كانت الكمية الصغيرة من الفخار التي عثر عليها في الموقع تعود للعصر الحديدي الأول. على أساس حواف أواني الطهي، التي تشبه تلك الموجودة في التقاليد البرونزية المتأخرة، أرّخ مزار الموقع إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر ق.م، على الرغم من العثور أيضاً على بعض الشقف الفخارية المتأخرة قليلاً. كان الاكتشاف الأكثر أهمية بالطبع هو التمثال البرونزي النادر لثور (الشكل 26) الذي ألهم أعمال التنقيب في الموقع. يبلغ طول التمثال 17.5 سم وارتفاعه الأقصى 12.4 سم، وهو الأكبر من نوعه الذي عثر عليه في بلاد الشام، هو وفريد من نوعه من حيث أسلوب التنفيذ، وقد يكون مادةً لطقوس معينة، أو، ربما، جُلب إلى الموقع كقربان. افترض مزار أن التمثال الصغير جاء من أحد المراكز الكنعانية التي بقيت حتى العصر الحديدي الأول. لقد رأى المكان على أنه موقع عبادة في الهواء الطلق -من النوع المذكور في النصوص الكتابية- أقامه أفراد من سبط منسى الذين استقروا في المنطقة، لكنه امتنع، بحكمة، عن الإشارة إلى ماهية الإله موضوع العبادة.

شكل (26) تمثال من "موقع الثور" في السامرة (A. Mazar 1982 ب: 31)
دوثان [تل الحفيرة]
تم التنقيب في الموقع بين الأعوام 1953-1960 تحت إشراف فري وايتون كوليج Free of Wheaton College. ويبدو أنه من الصعوبة بمكان، وفقاً للتقارير الأولية التي نشرت (لخصها Ussishkin 1975)، إعادة بناء، بأي دقة، سواء تاريخ الموقع أو طبيعته. وعلى أي حال، كان الموقع مأهولًا خلال فترات العصر البرونزي الوسيط، والعصر البرونزي المتأخر، وكذلك العصرين الحديدي الأول والثاني. كان الاكتشاف الأكثر أهمية، الذي لم يُنشر بعد، هو المقبرة التي استخدمت خلال العصرين البرونزي المتأخر والحديدي الأول، التي عثر فيها على نحو 1000 قطعة متنوعة، معظمها أواني خزفية ذات بيانات ستراتغرافية جيدة. ولكن الاكتشاف الأكثر غرابة في التل كان عبارة عن قدر krater مزين بأربعة عشر مقبض، أربعة منها تنتهي برؤوس حيوانات منمنمة (الشكل 27).

شكل(27) موقع دوثان, قدر متعدد المقابض مزين برؤوس حيوانات ( Ussishkin 1975,339)
تعنّك
تم حفر تل تعنّك، لأول مرة، في الأعوام 1902-1904 من قبل سيلين من جامعة فيينا. وأشرف لاب P. Lapp، في الأعوام 1963 و 1966 و 1968، على ثلاثة مواسم طويلة من الحفريات برعاية المعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية ومدرسة كونكورديا سانت لويس. يبدو أن سوية العصر البرونزي المتأخر الأول LB I تعرضت للدمار بالنار تنسب إلى أحد حملات تحوتمس الثالث. وفي حين أن الموقع تميز ببعض الأنشطة حتى منتصف القرن الرابع عشر ق.م، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى أي لقى على الإطلاق منذ ذلك الحين حتى نهاية القرن الثالث عشر ق.م. وهكذا انضمت تعنك إلى قائمة المدن المذكورة في سردية الغزو الكتابية حيث لم يعثر على بقايا لمدينة كنعانية من الفترة الموصوفة. ويتميز الموقع بوجود مرحلتين رئيسيتين من التوطن خلال العصر الحديدي الأول، تقع بينهما فجوة، وفقاً للمنقبين. فسمت كل مرحلة رئيسية إلى مرحلتين فرعيتين (Rast 1978). المرحلة الفرعية الأولى IA تعود للنصف الأول من القرن الثاني عشر ق.م، حيث لا يزال الفخار يعكس التقاليد البرونزية المتأخرة، ويظهر أن مستوطنة هذه السوية تعرضت لدمار جزئي. أما خلال المرحلة الفرعية الأولىIB، فتعود إلى الفترة 1150-1125 ق.م، حيث أعيد استخدام مباني المرحلة السابقة التي مازالت قائمة، مع توسع واضح للمستوطنة واستمرارية معمارية بين هاتين المرحلتين. لاحظ المنقبون وجود فجوة توطنية بعد تدمير المرحلة الفرعية الأولىIB، استمرت في معظم القرن الحادي عشر ق.م. وتميزت المرحلة الفرعية الثانية IIA بتجدد النشاط في الموقع في الفترة 1020-960 ق.م. ولم يعثر إلا على أعداد قليلة من اللقى تعود لهذه الفترة، والتي سبقت الإحياء الشامل للموقع، في المرحلة الفرعية الثانية IIB في القرن العاشر ق.م. اعتقد المنقبون أن سكان فترتي المرحلة الفرعية الأولى كانوا من الكنعانيين وأن تدمير الفترة الأولى كان مرتبطاً بمعركة جبل تابور الموصوفة في سفر القضاة 4-5. [14 فَقَالَتْ دَبُورَةُ لِبَارَاقَ: «قُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَفَعَ فِيهِ الرَّبُّ سِيسَرَا لِيَدِكَ. أَلَمْ يَخْرُجِ الرَّبُّ قُدَّامَكَ؟» فَنَزَلَ بَارَاقُ مِنْ جَبَلِ تَابُورَ وَوَرَاءَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ رَجُل. وبقية وصف المعركة في الإصحاح الخامس]. ويرى المنقبون أن الاستيطان الإسرءيلي بدأ في تعنّك في الفترة الفرعية الثانية IIA فقط، في زمن داود. فلم تعد الجرار ذات الإطارات المطوقة موجودة في هذه المرحلة، بينما ظهرت الجرار ذات اليد الحمراء المصقولة hand-burnished red slip على عدد محدود من الأوعية. رفض المنقبون فرضية أولبرايت (1971: 117-118) بأن تعنّك ومجدّو كانتا مسكونتان بالتناوب خلال العصر الحديد الأول، وأشاروا، بدلاً من ذلك، إلى التشابه في تاريخ الموقعين خلال هذه الفترة. ومن الواضح أن التواريخ الدقيقة التي حددها المنقبون استندت إلى تفسيرهم للحلقة الغامضة جداً في النص الكتابي عن معركة جبل تابور. ولا يمكن قبول هذه التواريخ في ظاهرها هكذا. وكل ما يمكن تحديده هو أن المرحلة الفرعية الأولى IA مؤرخة من الفترة الانتقالية بين القرنين الثالث عشر ق.م والثاني عشر ق.م وأن المرحلة الفرعية الأولى IB تعود إلى القرن الثاني عشر ق.م أو أقل. قد يشير غياب الجرار الفخارية ذات اليد الحمراء المصقولة في المرحلة IB ووجوده في المرحلة IIA إلى وجود فجوة في التوطن في نهاية القرن الثاني عشر ق.م أو في القرن الحادي عشر ق.م. ونظراً لأنه لم يكن هناك سوى القليل من هذه الجرار في المرحلة IIA، فيجب تعيين هذا المستوى إلى منتصف القرن الحادي عشر ق.م أو ما بعده، لأنه في نهاية هذا القرن، زادت كمية هذا النوع من الجرار الفخارية.
لا يبدو أن هناك بيانات كافية لتحديد الهوية الإثنية للسكان بشكل واضح خلال الفترتين الرئيسيتين. من ناحية أخرى، هناك فرضية المنقبين -التي تستند، من بين أمور أخرى، على ذكر تعنّك كواحدة من المدن التي لم يرثها سبط منسّى( قضاة 1: [27 وَلَمْ يَطْرُدْ مَنَسَّى أَهْلَ بَيْتِ شَانَ وَقُرَاهَا، وَلاَ أَهْلَ تَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ دُورَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ يِبْلَعَامَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ مَجِدُّو وَقُرَاهَا. فَعَزَمَ الْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى السَّكَنِ فِي تِلْكَ الأَرْضِ.]) - أن الاستيطان الإسرءيلي في تعنّك لم يبدأ من قبل منتصف القرن الحادي عشر ق.م. من ناحية أخرى، أثار عميحاي مزار (1981b) احتمال أن سكان الفترة الأولى كانوا إسرءيليين بالفعل، لأن مخزون الفخار كان محدوداً نسبياً وهزيلاً مقارنةً بمجدّو المجاورة ولأن المباني ذات الأعمدة كانت موجودة بالفعل في تعنك في هذا الوقت. وقبل الانتقال إلى المسوحات المكانية، تجدر الإشارة إلى أنه عثر في الموقع، أيضاً، على لقى تعود للعصر الحديد الأول في حفريات محدودة في تل جنين (Had. Arch. 65-66,1978:26).
المسوحات المكانية
ينظر إلى المسح الذب أجراه زرطال لمرتفعات منسّى على أنه أحد أهم المسوحات التي تم إجراؤها على الإطلاق في [أرض إسرائيل] (Zertal1986b). وتشير النتائج إلى أنه خلال العصر الحديدي الأول، استقرت هذه المنطقة بقوة أكثر من أي جزء آخر من منطقة الهضاب الوسطى. تم تمشيط حوالي 1000 كيلومتر مربع بدقة، وهو ما يمثل حوالي ثلثي المساحة الكلية المراد دراستها. وجمع فخار العصر الحديدي من 96 موقعاً: 22 موقعاً وأطلالًا كبيرة، و 59 أطلالاً متوسطة الحجم (5-15 دونماً) موصوفة بالقرى؛ 13 موقعاً كانت عبارة عن "مزارع" صغيرة (1-2 دونم)، واثنان تم تحديدهما كمواقع عبادة. تقع معظم المواقع على أطراف الوديان الكبيرة في المنطقة؛ على سبيل المثال، عثر على 12 موقعاً من مواقع العصر الحديدي الأول في وادي دوثان وحده (Zertal 1984: 49). كان للمناطق الصحراوية القاحلة في الشرق مواقع قليلة، باستثناء الوديان الخصبة التي تسقيها المياه بشكل جيد في وادي الفارعة ووادي المالح.. ولكن في الأطراف الصحراوية، كان تركيز المواقع كبيراً جداً. ومما لا شك فيه أن سبب كثافة المواقع في إقليم منسى وحجمها المثير للإعجاب يرجع إلى الظروف الجغرافية الملائمة السائدة في المنطقة.
أرّخ زرتال بداية عملية الاستيطان في منسى إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر ق.م. وحسب تصوره، يبدو أن مجموعات جديدة توغلت في ذلك الوقت في منطقة الهضاب الشمالية من جهة الشرق، عبر أودية وادي الفارعة ووادي المالح. استقر الوافدون الجدد، في المرحلة الأولى، في الجزء الشرقي من إقليم منسي، حيث انتشر عدد قليل من المستوطنات الكنعانية الموجودة من قبل والذين كانوا يعتمدون على نمط الحياة الرعوية. ويعتقد أن هؤلاء الوافدون الجدد انتقلوا، في المرحلة الثانية من العملية في القرن الثاني عشر، إلى الوديان الداخلية في الجزء الأوسط من المنطقة. حيث عاشوا هناك إلى جانب السكان الكنعانيين، ومارسوا الرعي بالإضافة إلى زراعة الحبوب في تلك الأجزاء من الوديان الخصبة، التي لم يستخدمها السكان الأصليون. ولم تتكثف عملية الاستيطان، كما يرى زرطال، سوى في المرحلة الثالثة فقط، وما بعدها، حيث انتقلت المجموعات الجديدة إلى المناطق الجبلية في منسى أيضاً، وبشكل رئيسي في الجزء الغربي من المنطقة، وتحولت إلى الاقتصاد القائم على البستنة.
تتشابه الأنماط العامة للاستيطان، التي كشف في مسح إقليم منسى، مع نتائج مشروع أرض أفرايم بصورة تامة، لا سيما في الحركة البطيئة للسكان من الشرق إلى الغرب، والتي صاحبها تغيير في اقتصاد الكفاف. ومع ذلك، نجد صعوبة في قبول بعض النقاط الحاسمة في تفسير زرطال: فأولاً، لا يوجد دليل واضح في مسح تاريخ القرن الثالث عشر ق.م لبدء عملية الاستيطان في منسى. وحقيقة أن الفخار في تقليد العصر البرونزي المتأخر قد جمع في مواقع قليلة لا يعد دليلاً قاطعاً، لأن هذه الأشكال تظهر أيضاً في المراحل المبكرة من القرن الثاني عشر ق.م. (وبالتالي، لا يوجد سبب لإدراج "موقع الثور" في خارطة العصر البرونزي المتأخر - Zertal 1986b: map 5). كما ليس ثمة من دليل أثري، على الإطلاق، يدعم رأيه بأن المستوطنين الجدد اخترقوا البلاد من خارج السهوب، ولا تشير كثافة الاستيطان في الوديان الشرقية، المليئة بالمياه، إلى أنها كانت الطرق التي انتقلت من خلالها المجموعات الجديدة إلى الهضاب الوسطى. وكما سوف نبين لاحقاً، يمكن تفسير هذا النمط من الاستيطان بطريقة مختلفة تماماً. أخيراً، لا يتعامل زرطال مع الوضع الديموغرافي المعقد في منسى في العصر الحديدي الأول بشكل كافٍ لا سيما دور السكان الأصليين المستقرين الذين استمروا في العيش في التلال الرئيسية في العصر البرونزي. ونظراً لأن المنطقة خصبة جداً ومناسبة للسكن، فقد كانت أيضاً أكثر المناطق الجبلية كثافة في الاستقرار والتوطن بالفعل في أواخر العصر البرونزي الثاني: حيث عثر على حوالي 22 موقعاً معروفاً في منسى، مقابل 5 فقط في إفرايم وعدد أقل في يهوذا. كما يشهد النص الكتابي على قوة العنصر الكنعاني في منسى في الفترة الإسرءيلية المبكرة، على سبيل المثال، في شرح العلاقة بين شكيم ومنسى، وبإدراج شكيم وترصة وحافر، أي جميع المدن الكنعانية الكبيرة، في قوائم أنساب لمنسى. (راجع سفري العدد 26: 30-33 ؛ ويشوع 17: 2-3 ؛ وانظر كذلك، على سبيل المثال ، Alt 1932: 28-29 ؛ Noth 1958: 145 ، 152-153 ؛ Y. Aharoni 1979b: 246 ، 1982: 64-65 ؛ Weippert 1971: 20) ، وبالتالي، كان هناك استمرارية معينة للاحتلال في المنطقة من العصر البرونزي المتأخر إلى العصر الحديدي.
كان السكان خلال العصر الحديدي الأول يتألفون من عنصر مستقر على نحو كبير استقرت إلى جانبه مجموعات جديدة. كانت بعض مواقع العصر الحديدي الأول في منسى، الواقعة في المقابر الرئيسية، أكبر بكثير من مواقع الاستيطان الإسرءيلي المعروفة من أجزاء أخرى من البلاد. مع الأخذ في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه، نصل إلى استنتاج مفاده أن هذه المواقع، أو بعضها على الأقل (التي كان فيها استمرارية للتوطن من العصر البرونزي المتأخر)، كانت مأهولة بالسكان الكنعانيين المستقرين، بينما كان يستقر بالقرب منها، في المواقع الصغيرة -وربما في المواقع الكبيرة، عناصر أخرى أيضاً. ومن أجل التعامل مع هذه المسألة بدقة، من الواضح أنه يجب علينا انتظار النشر القادم لعمل زرطال المهم. حيث سوف يلقي، بلا شك، ضوءً جديداً على العديد من الموضوعات الحاسمة لدراسة الاستيطان الإسرءيلي.
شارون
الحفريات
تل زيرور [ تل الضهور]
جرت أربع حملات تنقيب في الموقع (1964-1966 ، 197 4) بواسطة بعثة من الجمعية اليابانية لأبحاث الشرق الأدنى. كانت المواسم الثلاثة الأولى بإشراف أوهاتا، بالتعاون مع كوخافي كمدير ميداني؛ أما الموسم الرابع فكان بإشراف غوتو (Kochavi 1978:1224-1225). توصلت البعثات إلى أن الموقع هجر في وقت ما من العصر البرونزي المتأخر، ليس بالضرورة نهاية العصر. تميزت المرحلة التالية بحفر دائرية، تبدو كأنها صوامع تخزين، تم قطعها بالقرب من بعضها البعض في طبقات الطبقة السابقة. وعلى الرغم من أن فخار هذه الحفر كان ضئيلاً نسبياً، إلا أن تقاليد الخزف البرونزي المتأخرة كانت ملحوظة. تتألف هذه المستوطنة، في رأي المنقبين، والتي تعود للقرن الثاني عشر ق.م من أكواخ وخيام إلى حد كبير، تعرضت للتدمير والحرق. تم بناء قلعة بجدار الاستحكامات في تل زيرور في القرن الحادي عشر ق.م. كما اكتشف في المقبرة، قبور مبنية بالحجارة ومغطاة بألواح حجرية كذلك. وشملت اللقى غنى الموقع بالفخار الفلستي. ربط المنقبون مستوى التوطن الضئيل بالاستيطان الإسرائيلي واقترح كوخافي ربط القلعة والمقبرة بالتجكر Tjeker، وهم من شعوب البحر الذين كانوا متمركزين في دور المجاورة.
تل بورغاتا [خربة العطعوط أو البرج الأحمر]
تقع على بعد 5 كم غرب مدينة طولكرم. أجرى ر. غوفنا في العام 1966 حفريات إنقاذ قصيرة في الموقع (Gophna and Kochavi 1966)، وتم التعرف على حفر عقب سوية العصر البرونزي المتأخر في القرن الثاني عشر، ونُسبت إلى المستوطنين الإسرءيليين. وجمع فخار العصر الحديدي الأول من سبعة مواقع (بما في ذلك تل زيرور وتل بورغاتا) إلى الغرب من سهل الطمي الشرقي خلال المسح الأولي الموجز الذي قام به غوفنا وكوخافي (1966) في شارون (Gophna and Kochavi 1966)، انظر أيضاً (Porath, Dar and Applebaum 1985:55).
*************
شارون هي واحدة من تلك المناطق الإشكالية لجهة التعريف الإثني لمستوطني العصر الحديدي. فإلى الشرق، في تلال منسّى، كان هناك استيطان إسرءيلي مكثف في ذلك الوقت، بينما تشير المصادر التاريخية إلى استقرار أحد شعوب البحر (تجكر) في السهل الساحلي نفسه. وعزا كوخافي وغوفنا مراكز التوطن الواقعة إلى الغرب من السهل الغريني الشرقي للاستيطان الإسرءيلي. واعتبروا أن فصر مدة تواجدهم تعود بالدرجة الأولى إلى ظهور شعوب البحر في المنطقة في القرن الثاني عشر ق.م. كانت الصورة العامة إذن محاولة استيطان قصيرة (أو توطن موسمي؟) في شرق شارون من قبل الإسرءيليين، وهي محاولة توقفت بسبب تأسيس شعوب البحر موقع دور وما حولها. وقد يكون نمط التوطن، في هذا الصدد، مشابهاً لما لاحظناه في شيفلة الشرقية.
وادي يزرعيل [مرج ابن عامر]
تُعرف العشرات من مواقع العصر الحديدي الأول في وديان يزرعيل وبيت شان [بيسان] ، وقد تم مسح زوري عدد كبير منها ونشرها (Zori 1962, 1977)، كما نقب عدد قليل منها. وتشمل عمليات التنقيب كلا من المواقع الصغيرة في تل قديش [قَدَس]، العفولة، تل قيري [قيرة]، تل قيشون [تل القسيس] وتل مينورا [تل أبو فرج] (Stern and Beit-Arieh 1979 M. Dothan 1955 Ben-Tor 1979 Arnon and Amiran 1981:206-208 Gal 1979) -والمراكز الكبيرة في مجدّو وبيت شان وتعنّك. إن تحديد تاريخ بداية تغلغل الإسرءيليين في الأودية له عواقب مهمة على دراسة عملية الاستيطان الإسرءيلي. لذلك، على الرغم من أنه في رأينا لم يكن هناك استيطان إسرءيلي في وادي يزرعيل قبل بداية القرن الأول ق.م، إلا أننا نعتقد أنه من المفيد تلخيص البيانات الأثرية من المنطقة بإيجاز.
مجدّو هي الموقع الرئيسي لدراسة تاريخ وادي يزرعيل. والسؤال الذي حير العلماء: متى أصبحت مجدّو إسرءيلية؟
يدور الجدل حول هوية سكان السوية السادسة. فبعد تدمير مدينة السوية السابعة VIIA الكنعانية، نشأت مستوطنة فقيرة نسبياً في السوية السادسة VIB. واستبدلت بمدينة السوية السادسة VIA المتطورة جيداً، التي دمرت في حريق هائل في نهاية القرن الحادي عشر ق.م. تضمنت التركيبات الفخارية الغنية والمتنوعة عدداً محدوداً من الكسر الفلستية وأواني التخزين ذات الأطواق (انظر الفصل 7). وأكد معظم العلماء -على سبيل المثال، أولبرايت، آلت، بنيامين مزار، يادين- على المستوى العالي نسبياً للثقافة المادية لسكان السوية السادسة VIA في مجدّو، وبالتالي صنفوها على أنها مدينة كنعانية-فلستية، أو حتى كمركز فلستي في وادي يزرعيل (Engberg 1940 Albright 1940 Alt 1953 Yadin 1970:55 B. Mazar 1974:174 T. Dothan 1982:79-80). ويُعزى تدمير هذه الطبقة إلى احتلال داود. وقد أعاد يوحنان أهاروني بناء تاريخ مجدو بشكل مختلف. ففي رأيه، كان هناك تغيير كامل في مخطط المدينة في السوية السادسة VI، حيث ظهر توقف أنشطة طقوس العبادة في القطاع الشرقي من الموقع (الذي كان منطقة مقدسة لما يقرب من ألفي عام). ونسب السوية السادسة إلى الإسرءيليين، ووفقاً لذلك ادعى أن مركز وادي يزرعيل بأكمله أصبح إسرءيلياً قبل نهاية القرن الثاني عشر ق.م. وشرح تنوع مجموعة السوية السادسةVI الفخارية بسبب قربها من الساحل، وليس بوصفها انعكاساً للهوية الإثنية للسكان. من ناحية أخرى، استندت وجهات نظره الخاصة إلى وجود أواني تخزين ذات حواف مطوقة، وهي نموذجية جداً لمواقع الاستيطان الإسرءيلي في الهضاب الوسطى (Y. Aharoni 1970: 263-265) ، على الرغم من أن الجرار القليلة من هذا النوع يمكنها بسهولة تامة الوصول إلى الموقع من خلال التجارة. وتشير مراجعة جميع لقى العصر الحديدي التي عثر عليها في وادي يزرعيل (Gal 1982a: 80-83) إلى عدم الكشف عن أي تغيير كبير في مجموعة المستوطنات أو الثقافة المادية في بداية الفترة. بل على العكس من ذلك، كانت هناك، ثمة، درجة ملحوظة من الاستمرارية الثقافية حتى منتصف القرن الحادي عشر ق.م على الأقل. أما بالنسبة لمجدو، فيقود رأي أغلبية الدارسين للموقع إلى القول بأنه تحول لأن يكون مركزاً إسرءيلياً في بداية القرن الأول الميلادي فقط، وهذا أفضل طرح يناسب الأدلة. ونظراُ لعدم وجود أسس لافتراض وجود استيطان إسرءيلي في وادي يزرعيل قبل القرن العاشر ق.م، فسوف يترتب على ذلك التأكيد بأن السكان المحليين استمروا في الإقامة في هذه المنطقة في القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م. وفي هذا الصدد، نتفق مع تعليق السيد دوثان، الذي قام بالتنقيب في العفولة، حين استنتج بأن المنطقة "يبدو أنها كانت مأهولة بالسكان الأصليين" الكنعانيين"، ولا يوجد سبب لافتراض أن الإسرءيليين احتلوا هذه المنطقة من وادي يزرعيل قبل فتح مجدّو وبيت شان "(1955: 51). ويتفق هذا الرأي مع الأدلة الكتابية التي ترى بأن الأسباط الإسرءيلية لم تكن قادرة على الاستيلاء على المدن الكنعانية في وادي يزرعيل (انظر سفر القضاة1[27 وَلَمْ يَطْرُدْ مَنَسَّى أَهْلَ بَيْتِ شَانَ وَقُرَاهَا، وَلاَ أَهْلَ تَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ دُورَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ يِبْلَعَامَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ مَجِدُّو وَقُرَاهَا. فَعَزَمَ الْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى السَّكَنِ فِي تِلْكَ الأَرْضِ.]؛ وسفر يشوع 17 [11 وَكَانَ لِمَنَسَّى فِي يَسَّاكَرَ وَفِي أَشِيرَ بَيْتُ شَانَ وَقُرَاهَا، وَيَبْلَعَامُ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ دُوَرٍ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ عَيْنِ دُوَرٍ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ تَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ مَجِدُّو وَقُرَاهَا الْمُرْتَفَعَاتُ الثَّلاَثُ. 12 وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو مَنَسَّى أَنْ يَمْلِكُوا هذِهِ الْمُدُنَ، فَعَزَمَ الْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى السَّكَنِ فِي تِلْكَ الأَرْضِ.]). وعلى هذا لم يسبق التوطن الإسرءيلي نهاية القرن الحادي عشر ق.م، ولم يحدث الاستيطان الجماعي، على أي حال، إلا بعد احتلال داود لمدينة السوية السادسة في موقع مجدّو.
الجليل الأسفل
تأتي البيانات المتعلقة بنمط الاستيطان في الجليل الأسفل في العصر الحديدي الأول من المسوحات التي أجراها غال مؤخراً (1980 1982b) حيث قسّم المنطقة إلى ثلاث وحدات استيطان جغرافية (1982b:38-41) كما يلي:
1. الناصرة- شفاعمرو- نتوفا، ومكّنت الإمكانات الزراعية ومصادر المياه المتاحة في تلال شفاعمرو الطباشيرية المغطاة بالبلوط والوديان الخصبة، في بيت نتوفا [سهل البطوف] وطرعان، من سهولة فرص توطن هذه المنطقة.
2. سخنين - وحدة بيت هكيريم [الشاغور]، ومعظمها جبلية وصخرية وغير صالحة للتوطن تقريباً.
3. موقع حديقة نجمة وادي الأردن Kokhav ha-Yarden -Huquq Unit وتقع في الجليل الأسفل الشرقي، وتتكون أساساً من هضاب بازلتية. لم
تكن هذه المرتفعات صالحة للسكن في معظم الأحيان، لذلك تركز معظم النشاط في العصور القديمة على طول الوديان التي تعبر المنطقة.
باشر غال أعماله الأولى في هضبة يسّاكر، وهي جزء من الوحدة الجغرافية الثالثة. وتبين له وجود العديد من المواقع التي تعود للفترة البرونزية المتأخرة، ؛ وقدم أرقاماً مختلفة عنها في تقاريره، ويبدو أنها تختلف باختلاف تفسيرات الاكتشافات الفخارية. وعلى أي حال، كانت هذه الوحدة الفرعية هي المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الجليل السفلي في ذلك الوقت. أما في العصر الحديدي الأول، عثر على عدد من المواقع المعزولة في المنطقة. ولم يبدأ الاستيطان المكثف إلا في أواخر القرن الحادي عشر ق.م أو أوائل القرن العاشر ق.م، بإجمالي 18 موقعاً معروفاً (وهذه مؤرخة أيضاً في الأصل إلى العصر الحديدي الأول؛ Gal 1980:104). ربط غال مواقع العصر الحديدي الأول القليلة بالسكان الكنعانيين الذين استمروا في الوجود في الوديان في ذلك الوقت، وشهدوا موجة التوطن في القرن العاشر كاستيطان لقبيلة يسّاكر. ويرى غال أن سبط يسّاكر نشأ في السامرة، حيث استقر في البداية مع سبط منسى. وبدأت قبيلة يسّاكر في التحرك نحو الهضاب البازلتية في شرق الجليل الأسفل في نهاية القرن الحادي عشر ق.م فقط وذلك بسبب تضاؤل قوة الفلستيين في الوديان، حيث كانت في السابق تحت سيطرة المدن الكنعانية المجاورة (Gal1980:90-94 1982a:82-83). كانت هناك أربعة مواقع من العصر البرونزي المتأخر في وحدة الناصرة- شفاعمرو- نتوفا (ذكر غال ثلاثة فقط، لأنه نظر إلى رأس علي كموقع استيطان إسرءيلي؛ انظر أدناه). حدث تغيير كبير في الاحتلال في منطقة العصر الحديدي الأول، حيث تم إحصاء 15 موقعاً في المنطقة (الشكل 28). أما في وحدة سخنين - بيت هكيريم، فلم يعثر على مواقع برونزية متأخرة، ولكن اكتشفت خمسة مواقع استيطان إسرءيلي. وكانت المواقع في كلتا الوحدتين (الأولى والثانية لتقسيم غال)، محدودة المساحة، وتحتوي، عموماً، عدد قليل من المنازل في كل منهما. وتقع معظم المواقع في وحدة الناصرة- شفاعمرو- نتوفا بالقرب من الينابيع الصغيرة المتناثرة في المنطقة.
وكما هو الحال في مواقع الهضاب الوسطى، كان مخزون الفخار في منطقة الناصرة -شفاعمرو -نتوفا ضئيلًا ويتألف، أساساً، من جرار تخزين ضخمة pithoi وأواني طبخ. ومن المثير للاهتمام، أنه في هذه الوحدة الجنوبية (رقم 1)، عثر على نوعين من جرار التخزين جنباً إلى جنب -ذات الحواف المطوّقة والنوع الجليلي ( انظر الفصل السابع)- بينما عثر في الوحدة الشمالية (= 11 = 2)، على جرار التخزين الجليلية فقط. وهكذا كان الجليل الأسفل هو الحد الشمالي لتوزيع الجرار ذات الإطارات المطوقة والحد الجنوبي لتوزيع الجرار الجليلية (Gal 1982b:84).
يؤرخ غال بداية الاستيطان الإسرءيلي في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ق.م، بناءً على اكتشاف الفخار النموذجي لمواقع الاستيطان بجانب فخار العصر البرونزي المتأخر، بما في ذلك شقف الأواني القبرصية المستوردة، في اثنين من المواقع الممسوحة (Gal1982b: 86). وأرجع مواقع وحدة الناصرة- شفاعمرو- نتوفا إلى قبيلة زبولون وربط مواقع وحدة سخنين- بيت هكيريم بشبكة المستوطنات التي اكتشفها أهاروني في الجليل الأعلى (انظر أدناه). وتسلط نتائج استطلاعات غال الضوء على حادثة الاستيطان الإسرءيلي في الجليل الأسفل، وبالتالي تملأ فجوة في معرفتنا بالمنطقة الواقعة بين الهضاب الوسطى والجليل الأعلى. لكن فيما يتعلق بالموضوع المهم المتمثل في تاريخ بدء الاستيطان الإسرءيلي في المنطقة، نجد أنفسنا في خلاف مع غال. فاستنتاجاته تستند إلى حجتين. أولاً، كان يُعتقد، في السنوات الأخيرة، أن البيانات الأثرية من منطقة الهضاب الوسطى تشير إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م كبداية للاستيطان الإسرءيلي. ثانياً، عثر على لقى فخارية تعود للعصر البرونزي المميز أثناء المسح في عدد قليل من مواقع الاستيطان في الجليل السفلي. بالنسبة للنقطة الأولى، اعتمد غال بشكل كبير على اللقى التي عثر عليها في عزبة صرطة وشيلو، ولكن من المفهوم أن تلك اللقى لم تكن أحدث ما عثر عليه في هذين الموقعين ( انظر الفصل 9). أما بالنسبة للنقطة الثانية، فقد ارتكب غال خطأً منهجياً في تفسير نتائج المسح. فإذا كان الإلان عن العثور على مجموعة فخار تعتبر تمثل بصورة نموذجية العصر الحديدي بجانب فخار القرن الثالث عشر ق.م المميز للعصر البرونزي في التنقيب، فإن هذا يمكن اعتباره دليلاً على تاريخ مبكر لبداية الاستيطان الإسرءيلي؛ حتى الآن، لم يتم ملاحظة مثل هذا التعايش الواضح (مع استثناء محتمل لموقع جبل عيبال وموقع عزبة صرطة). ولكن عندما يجمع فخار العصرين البرونزي المتأخر والحديدي الأول معاً في مسح واحد، فهذا يعني ببساطة أن الموقع كان مأهولاً خلال هاتين الفترتين، لاسيما وأن المكانين اللذين حددهما غال كانا مواقع متعددة الفترات. والاستنتاج الحتمي هو عدم وجود دليل ثابت غير قابل للجدل، في الجليل السفلي، كما في أي مكان آخر، على تأريخ بداية الاستيطان الإسرءيلي إلى القرن الثالث عشر ق.م.

شكل (28) المواقع العصرين البرونزي المتأخر والحديدي الأول في الجليل (باستثناء آشر ويسّاكر)
يجب تخصيص المواقع التي مسحها بواسطة غال في الجليل الأسفل الأوسط والغربي إلى القرن الثاني عشر ق.م، ولا تمثل مواده الفخارية الضئيلة أي عائق أمام تأريخ هذه المواقع حتى أواخر القرن الثاني عشر ق.م أو بداية القرن الحادي عشر ق.م. (في عدة مواقع، جمعت بقايا أواني طهي تنتمي إلى إرث العصر البرونزي المتأخر، لكن هذه الأواني استمرت في الظهور في القرن الثاني عشر ق.م، وربما حتى أوائل القرن الحادي عشر ق.م. كما عثر على قدر الطبخ هذا، على سبيل المثال، في طبقة دمار شيلوه، والتي يمكن تأريخها على أسس تاريخية إلى منتصف القرن الحادي عشر ق.م). أما بالنسبة للقطاع الشرقي من الجليل الأسفل، فإن رأي غال بأن تدفق الإسرءيليين جاء فقط في بداية القرن العاشر ق.م يبدو صحيحاً، لأنه يستند إلى عدم وجود أوعية تخزين ذات حواف مطوقة في المواقع الموجودة في المنطقة. يبدو أن هذه المنطقة كانت مأهولة في وقت ما قبل تدمير أو هجر المواقع الكنعانية في وادي يزرعيل القريب، وإلا فإنه من الصعب تخيل سبب تحول قبيلة يساكر إلى المنطقة الهامشية للهضاب البازلتية في الجليل الأسفل الشرقي بدلاً من الاستقرار في الوادي الخصب.
الجليل الغربي
كان السهل الساحلي للجليل الغربي، بالطبع، خارج حدود الاستيطان الإسرءيلي. وهذا واضح من شهادة الكتاب المقدس (سفر القضاة1 [31 وَلَمْ يَطْرُدْ أَشِيرُ سُكَّانَ عَكُّو، وَلاَ سُكَّانَ صَيْدُونَ وَأَحْلَبَ وَأَكْزِيبَ وَحَلْبَةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ. 32 فَسَكَنَ الأَشِيرِيُّونَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانِ الأَرْضِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ.]) ومن نتائج الحفريات (لا سيما تل كيسان). تم الحصول على المعلومات حول الجزء الجبلي من الجليل الغربي من المسح الذي أجراه فرانكل هناك منذ عدة سنوات حتى الآن. شارك فرانكل بسخاء البيانات التالية معنا: تم فحص أكثر من 200 كيلومتر مربع بدقة (من خط الطول 174 غرباً)، والتي تضم معظم هذه الوحدة الطبوغرافية. وجمع فخار العصر الحديد الأول في 18 موقعاً لفترة واحدة وفي 15 موقعاً متعدد الفترات. حوالي ربع المواقع المتعددة الفترات كانت موجودة في السهل الساحلي، حيث لا يمكن أن يكون السكان إسرءيليين. من بين المواقع التي كانت موجودة في فترة واحدة، ثمة سبعة مواقع لا تعدو أن تكون أكثر من أكوام حجرية أو هياكل معزولة. كان متوسط حجم مواقع الفترة الواحدة 4-5 دونمات، واثنان منها فقط أكبر من ذلك. كانت المواقع مبعثرة في قلب تلال الجليل الغربي، على مسافة عدة كيلومترات من السهل الساحلي، وهو وضع يختلف بشكل كبير عن الوضع في الجزء الغربي من منطقة الهضاب الوسطى، حيث عثر أيضاً على مواقع استيطان إسرءيلي على أطراف السهل الساحلي. ويبدو أن الفخار الذي جمع من المواقع في الجليل الغربي كان معاصراً إلى حد ما مع مواد عثر عليها في الجليل الأعلى (انظر أدناه)، أي أنه لم يؤرخ منذ بداية العصر الحديدي الأول، بل من القرن الحادي عشر ق.م أو نهاية القرن الثاني عشر ق.م على أقرب تقدير. ربما كان المستوطنون القادمون هنا ينتمون إلى قبيلة آشر، كما اقترح فرانكل (سنعود إلى هذه النقطة لاحقاً).
الجليل الأعلى ووادي الحولة
ركز العلماء الذين تناولوا فترة الاستيطان الإسرءيلي اهتمامهم على الجليل خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وأسفر مسح أهاروني في الجليل الأعلى والحفريات في حاصور عن اكتشافات مهمة جعلت من الممكن للمرة الأولى تقديم عرض جغرافي شامل لهذه الفترة. ومع ذلك، تختلف الآراء حول تفسير تاريخ الاستيطان الإسرءيلي الذي خرج من هذه المشاريع، لا سيما لأن المعلومات التوراتية حول الأحداث التي وقعت في هذه المنطقة النائية في العصر الحديدي الأول غامضة للغاية. من الصعب استخدام حادثة المعركة ضد ملوك الشمال كوثيقة تاريخية موثوقة (يشوع 11[1 فَلَمَّا سَمِعَ يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ، أَرْسَلَ إِلَى يُوبَابَ مَلِكِ مَادُونَ، وَإِلَى مَلِكِ شِمْرُونَ، وَإِلَى مَلِكِ أَكْشَافَ،2 وَإِلَى الْمُلُوكِ الَّذِينَ إِلَى الشِّمَالِ فِي الْجَبَلِ، وَفِي الْعَرَبَةِ جَنُوبِيَّ كِنَّرُوتَ، وَفِي السَّهْلِ، وَفِي مُرْتَفَعَاتِ دُورَ غَرْبًا،3 الْكَنْعَانِيِّينَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَالأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ فِي الْجَبَلِ، وَالْحِوِّيِّينَ تَحْتَ حَرْمُونَ فِي أَرْضِ الْمِصْفَاةِ. 4 فَخَرَجُوا هُمْ وَكُلُّ جُيُوشِهِمْ مَعَهُمْ، شَعْبًا غَفِيرًا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ، بِخَيْل وَمَرْكَبَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. 5 فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ بِمِيعَادٍ وَجَاءُوا وَنَزَلُوا مَعًا عَلَى مِيَاهِ مَيْرُومَ لِكَيْ يُحَارِبُوا إِسْرَائِيلَ. 6 فَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «لاَ تَخَفْهُمْ، لأَنِّي غَدًا فِي مِثْلِ هذَا الْوَقْتِ أَدْفَعُهُمْ جَمِيعًا قَتْلَى أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، فَتُعَرْقِبُ خَيْلَهُمْ، وَتُحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ بِالنَّارِ».7 فَجَاءَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ رِجَالِ الْحَرْبِ مَعَهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مِيَاهِ مَيْرُومَ بَغْتَةً وَسَقَطُوا عَلَيْهِمْ.]). ومن المعروف أن قوائم المدن والبلدات في سفر يشوع تعكس حقيقة لاحقة. أما بالنسبة للثقافة المادية، ففي الذي تظهر فيه مكتشفات الجليل متشابهة، ربما، مع مكتشفات الهضاب الوسطى بشكل عام، إلا أنها تختلف في كثير من التفاصيل. وسوف نقدم، في هذا القسم، الأدلة الأثرية المتراكمة، ونحاول إعادة تقويمها في ضوء البيانات الأثرية الحديثة، مع ترك جوانب الشهادة الكتابية التي أعاقت البحث حتى الآن جانباً.
الحفريات
حاصور
تعد حاصور، موقع رئيسي لدراسة الاستيطان الإسرءيلي، وهي أيضاً واحدة من أهم القصص في [أرض إسرائيل]. عملت في الموقع بعثة جيمس دي روتشيلد، بقيادة يغال يادين، لصالح الجامعة العبرية في القدس، بين 1955 إلى 1958 وفي العام 1968. ومن نتائج العمل هناك يظهر أن التوطن الكنعاني الأخير، الذي امتد على مساحة كبيرة من المدينة السفلى أيضاً، تعرض للتدمير بالنيران "خلال القرن الثالث عشر ق.م وفي موعد لا يتجاوز 1230 ق.م ..." (Yadin 1972: 108؛ السوية الثالثة عشر XIII في الجزء العلوي من المدينة و السوية الأولى Ia من المدينة السفلى). وتم اشتقاق التاريخ الأدنى من التسلسل الزمني للفخار الميسيني IIIB، الذي عثر عليه في هذا المستوى. واقترح يادين، في محاولة أكثر دقة، أن يكون الثلث الثاني من القرن الثالث عشر ق.م هو الوقت الأنسب لتأريخ تدمير آخر مدينة في الموقع، والتي كانت أقل تطوراً قليلاً من سابقتها التي تعود للقرن الرابع عشر ق.م. أرجع يادين الدمار الذي لحق بالمدينة الكنعانية إلى قبائل بني إسرءيل. انتهت المدينة السفلى تماماً في أعقاب الحريق، واقتصر التوطن اللاحق على المدينة العليا. وتمثل الطبقة الثانية عشرة، أول مستوى من مستويات العصر الحديدي، وهو المستوى الذي ينظر له على أنه أفقر توطن في تاريخ حاصور (Yadin 1972: 129-130). حيث تفتقر هذه السوية إلى وجود تحصينات أو مبانٍ عامة -في الواقع، لم يعثر على مبانٍ حقيقية على الإطلاق، بل كل ما هنالك عبارة عن أسس أكواخ أو خيام ومنشآت وحفر تخزين، وهذه الأخيرة كانت السمة المميزة لهذه السوية. حيث عثر في المنطقة B وحدها، على 22 حفرة من هذه الحفر؛ بدت معظمها غير مبطنة، ولكن عثر على الحجارة المنهارة من بطاناتها الأصلية في داخلها. احتوت العديد من هذه الحفر على كميات كبيرة من الفخار. سيطرت الجرار "الجليلية" على المجموعة الفخارية التي تعود للسوية الثانية عشر. ورأى يادين بقايا الطبقة الثانية عشرة كدليل على أنشطة السكان شبه الرحل وتاريخ هذه السوية إلى القرن الثاني عشر ق.م. (انظر Geva 1984 لإعادة البناء المقترحة للطابع الاجتماعي والاقتصادي لهذه الطبقة). كشفت السوية الحادية عشر XI في المنطقة B (Yadin 1972:132-134) تحت أرضية مبنى ذو طابع طقوسي، وعثر على جرة مدفونة تحتوي على مواضيع ومواد نذرية برونزية؛ ربما كانت ترسباً أساسياً. تضمنت المحتويات تمثالاً صغيراً لإله ذكر جالس يرتدي خوذة (الشكل 29) وعدد من الأسلحة. كما عثر على قواعد لأجنحة الطقوس بالقرب من هذا المبنى. ويعود تاريخ السوية الحادية عشر إلى القرن الحادي عشر ق.م، وعلى الأرجح إلى النصف الثاني منه. ويمكّننا العدد المتزايد للتجمعات الخزفية المماثلة التي تم التنقيب عنها في مواقع مختلفة في الدولة الآن من تحديد وجود فجوة كبيرة في التوطن في حاصور بين السويتين الثالثة عشر XIII والثانية عشر XII. يلقي عدم وجود أنواع معينة من الفخار -مثل الأوعية المسطحة على هيئة الصنجcyma والأوعية النصف كروية- من السوية الثالثة عشر بظلال من الشك على توطن الموقع في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ق.م (Tufnell1961:157 Kochavi 1985 Beck and Kochavi 1985:38 بخلاف Fritz 1973 ، الذي أرجع تدمير حاصور إلى شعوب البحر). لا يمكن تفسير ذلك على أنه نزوة إقليمية كانت منتشرة على نطاق واسع لهذه الجرار في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، يبدو أن فخار السوية الثانية عشر(الشكل 30) لا ينتمي إلى المرحلة الأولى من العصر الحديدي (A. Mazar 1977: 337 ، 1981a: 35 ؛ Miller 1977: 262). على سبيل المثال، عدم وجود أواني الطهي في الإرث البرونزي المتأخر، والتي كانت موجودة بشكل عام في أقدم مواقع العصر الحديدي الأول. من ناحية أخرى، كانت أواني الطهي في السوية الثانية عشر من نوع لاحق، ذات حافة طويلة مثلثة (انظر أدناه)، وكانت مصحوبة بأوعية منزلقة ومصقولة وأواني نموذجية لمرحلة لاحقة من الفترة. لذلك يجب أن يرجع تاريخ سوية حاصور الثانية عشر إلى حوالي 1100 ق.م أو حتى القرن الحادي عشر. تشير هذه البيانات إلى أن فجوة التوطن في حاصور استمرت بين 150 إلى 200 سنة.


شكل(29) حاصور، تمثال برونزي لإله من السوية الحادية عشر XI (Yadin et al. 1961: Pl. CCCXLVI)

شكل(30-1) حاصور، فخار من السوية الثانية عشر

شكل(30-2) حاصور، فخار من السوية الثانية عشر. على اليمين جرة "جليلية" (Yadin et al. 1961: various plates)
دان [تل القاضي]
الحفريات الرئيسية جارية في تل دان منذ العام 1966، في البداية تحت رعاية دائرة الآثار والمتاحف وبعد ذلك برعاية هيبرو يونيون كوليج Hebrew -union- College. كان بيران المدير طوال الوقت (للحصول على ملخص، انظر Biran 1980). كانت دان، خلال العصر البرونزي الوسيط الثاني، مدينة محصنة مهمة. وكان الاكتشاف الوحيد من العصر البرونزي المتأخر هو "القبر الميسيني"، الذي سمي بهذا الاسم بسبب العديد من الأواني الميسينية الموجودة فيه. دفعت ثروة قرابين القبور المنقبة إلى افتراض وجود مستوطنة كبيرة ومزدهرة في دان خلال هذه الفترة، ربما تقع في الجزء الغربي من التل، وهي منطقة لا تزال بعيدة عن أعمال التنقيب. تتميز الطبقة السادسة، وهي أولى سويات العصر الحديدي، بحفر وصوامع، بعضها مبطن بالحجارة. عثر في المنطقة B (في الجنوب) وحدها على حوالي 25 حفرة تخزين. وعثر على حفرة كبيرة ومثيرة للاهتمام بشكل خاص في المنطقة Y (في الشرق)؛ احتوت على 29 وعاء كامل، بما في ذلك جرار pithoi وقدور kraters مع العديد من المقابض (الشكل 31) اعتقد بيران أن السكان عاشوا في أكواخ أو خيام، لأنه لم تظهر أي بقايا معمارية تقريباً.

شكل (31) موقع دان. مجموعة من الجرار من صومعة السوية السادسة في الخلفية جرار pithoi "تيرانية" (Biran 1980: 176)
كان ينظر إلى هذه الطبقة على أنها أول مستوطنة لقبيلة دان على التل وأرجعها إلى القرن الثاني عشر ق.م. تشبه السوية الخامسة السوية السادسة في طابعها، ويتمثل الاختلاف بينهما بظهور المباني. بالإضافة إلى ذلك، ثمة دليل على عمليات التعدين في هذه السوية التي انتهت بحريق هائل، يرجع تاريخه إلى النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م. وتحدد النشاط في الموقع بعد فترة وجيزة (السوية الرابعة). تشبه جرار السويتين الرابعة والخامسة، في الشكل، أواني التخزين ذات الحواف الجرار التي عثر عليها في الهضاب الوسطى.
تل هراشم
تم فحص تل هراشم (خربة التليل، انظر الخارطة) في إطار مسح أهاروني للجليل الأعلى في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. ثم قام أهاروني بالتنقيب في الموقع برعاية دائرة الآثار والمتاحف (Aharoni 1957: 18-24). وغطى الموقع ما بين 5 و 6 دونمات على تل جنوب بقعين [بقيعة]. يبدو أن أحد الهياكل الذي يعود لسوية العصر الحديدي الأول، كان بمثابة ورشة لأعمال التعدين، حيث اكتشفت بقايا بوتقة وخبث برونزي فيه. ومن بين الأواني الخزفية القليلة التي عثر عليها، يجدر ذكر الجرار pithoi "الجليلية" والقدورkrater المزينة بشقوق حول الحافة (الشكل 32).

شكل (32) فخار من تل هراشيم (Aharoni 1957: 22-23).
أرّخ أهاروني هذه الطبقة إلى القرنين الثالث عشر والثاني عشر ق.م، حيث قام بتأريخ مواقع مماثلة في الجليل قام بمسحها. ربما كانت الجدران المتوازية الموجودة في سوية العصر الحديدي الثاني تنتمي إلى تحصينات الاستحكامات.
سعسع
تم العثور على لقى تعود للعصر الحديدي الأول أثناء عمليات التنقيب التي قام بها غوز ويوغيف أعوام 1975 و 1980 برعاية دائرة الآثار والمتاحف (Had. Arch. 54-55, 1975:4-5 76, 1981:9). وعثر هناك على حفرة محفورة في الصخر مليئة بجرار من كلا النوعين الشماليين (انظر أدناه)؛ مزينة بالطلاء والنقوش. كما عثر، على أرضية مبنى من هذه الفترة، على صينية فخارية جميلة مقرنة بأوعية علوية kernos، وهي عبارة عن إناء خمر مزود بحلقة خزفية مجوفة، قطره حوالي 30 سم، يعلو الإناء ست أوانٍ أصغر حجما [من هنا أتت مقارنتها بنمط الفخار kernos- المترجم]؛ حُفِظَت فيها أشكال حبة الرمان (عدد 2) وعصفور وبوق، كلها مزخرفة بالطلاء الأسود والأحمر (الشكل 33).

شكل(33) صينية مقرنة بأوعية علوية (الصورة من دائرة الآثار)
هار أدير [جبل عداثر]
أجرى فيتو وديفز عامي 1975/76، عمليتي تنقيب إنقاذيتين على قمة هار أدير (انظر الخارطة) برعاية دائرة الآثار والمتاحف (Had. Arch. 59-60, 1976:9-10). تم تمييز ثلاث طبقات. اكتشف، منذ وقت قريب، جدار تحصين قلعة مدعومة بمنحدر طفيف. أسفر الردم الموجود أسفل أرضية إحدى الاستحكامات عن اكتشاف نادر وفريد من نوعه: معول سليم من البرونز (الشكل 34) (Muhly 1982: 45). ويظهر أن الموقع أحريت فيه لاحقاُ بعض التغييرات، وتم تفكيك الجدار الداخلي لتحصين الاستحكامات. يرجع تاريخ الموقع إلى الفترة الممتدة من نهاية القرن الحادي عشر إلى القرن التاسع ق.م.

شكل (34) فأس مصنوع من الحديد عثر عليه في هار أدير ( الصورة من دائرة الآثار)
هورفات عافوت [خربة سميك]
أجرى براون عام 1980، حفريات إنقاذ في الموقع (انظر الخارطة) لصالح دائرة الآثار والمتاحف (Had. Arch. 74-75, 1980:4 ؛ تم توفير التفاصيل التالية بسخاء من قبل المنقب، لذا توجب شكره). كسف عمل براون عن سويتين تعودان للعصر الحديدي الأول. ويظهر، عند الحافة الخارجية للموقع، عدة غرف عريضة مستطيلة غير متجاورة، أبعادها 3-4 × 7-10 م. ويمكن لنا أن نتصور، من القطاع الذي تم التنقيب فيه، أن محيط مستوطنة العصر الحديدي الأول كان دائرياً أو بيضاوياً بقطر حوالي 75 متراً. لم يتم التنقيب في وسط الموقع، لذا لا يزال غير معروف ما إذا كان فناءً مفتوحاً أم منطقة مبنية. عثر هناك على كلا النوعين من الجرار pithoi الشمالية.
المسوحات المكانية
كان مسح أهاروني في الجليل الأعلى في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي علامة بارزة في تطوير منهجية المسح ودراسة الاستيطان الإسرءيلي.
وجرت، لأول مرة، محاولة فهم تاريخ التوطن في منطقة تاريخية وجغرافية محددة في ضوء مسح أثري حديث. وخلال هذا المسح، تم تأريخ 17 موقعاً صغيراً (أكبرها تل هراشيم في 5-6 دونمات) إلى القرنين الثالث عشر والثاني عشر ق.م، كما عثر على فخار هذه الفترة في تلين اثنين بالمنطقة (Y. Aharoni 1957:8-34 our Fig. 28 ؛ انظر هنا الشكل 28). تقع هذه المواقع في الكتلة الجبلية للجليل الأعلى، ويقع 15 منها في أكثر التضاريس وعورة وعزلة وصعوبة، أي جنوب ناحال قيزيف [وادي القرن]. ولتوضيح مدى النشاط في هذه المنطقة في منطقة العصر الحديد الأول، أشار أهاروني إلى أنه خلال العصر الروماني البيزنطي، وهو وقت معروف بالعديد من المستوطنات الريفية في جميع أنحاء البلاد، لم يكن هناك سوى 9 مواقع جنوب الوادي. وباعتباره أحد أتباع نظرية آلت حول "التسلل السلمي"، زعم أهاروني بتركز التوطن في الجليل الأعلى في المنطقة المسطحة والمنخفضة والأقل وعورة شمال ناحال قيزيف خلال العصر البرونزي المتأخر،. عندما استقر أفراد قبيلة نفتالي -الذين نسب إليهم أهاروني المواقع التي عثر عليها أثناء المسح- في الأرض التي ورثوها، كانوا يفتقرون إلى القوة الكافية لإشراك السكان الكنعانيين في مواجهة مباشرة للسيطرة على المنطقة، وبالتالي تم صدهم إلى المنطقة الوعرة في جنوب الجليل الأعلى، حيث كرسوا معظم جهودهم للتغلب على العوائق الطبيعية. وفقط عندما أصبحوا أقوياء بما فيه الكفاية يمكن للمستوطنين الجدد التوسع في الشمال. هذا، بالطبع، جعلهم في صراع حتمي مع المدن الكنعانية. وفي النهاية، انتصر نفتالي، ووجد صدى لهذه الأحداث في وصف حرب ملوك الشمال في سفر يشوع 11. أرخ أهاروني هذا الصراع، الذي دمر فيه الكنعاني حاصور، في البداية حتى نهاية القرن الثاني عشر ق.م (1957: 118).
بدأت أعمال التنقيب في حاصور المجاورة بعد وقت قصير من مسح الجليل الأعلى. واحتدم نقاش عاصف بين يادين وأهاروني حول تفسير نتائج المشروعين. أثار يادين، وهو من دعاة وجهات نظر أولبرايت حول الفتح والاستيطان الإسرءيليين، اعتراضين رئيسيين على نظرية أهاروني. أولاً، أشارت الأدلة الفخارية إلى أن حاصور الكنعانية قد دُمرت بالفعل في القرن الثالث عشر ق.م، أي قبل التاريخ الذي دعا إليه أهاروني بكثير. ثانياً، كان فخار مواقع الجليل الأعلى مطابقاً لفخار السوية الثانية عشر في حاصور، والتي كانت أول مستوطنة تعود للعصر الحديدي الأول في الموقع والتي تلت، بطبيعة الحال، تدمير المدينة البرونزية المتأخرة. وهكذا فسر يادين عملية الاستيطان بطريقة تتعارض تماماً مع أهاروني: دمر الإسرءيليون أولاً حاصور الكنعانية وبعد ذلك فقط توطنوا استقروا على أنقاضها وفي مواقع الجليل الأعلى (Yadin 1972: 131). مع استمرار الجدل، وفي ضوء المكتشفات في حاصور، اقترح أهاروني رفع تاريخ مستوطنات الجليل الأعلى إلى القرن الثالث عشر ق.م، أي قبل تدمير الطبقة الثالثة عشرة في حاصور (Aharoni 1982: 178 وفي أماكن أخرى؛ الجدل يلخصه Yadin 1979: 61-63). أما اليوم، وبعد ما يقرب من 30 عاماً من هذا السجال، يمكن تقديم معلومات جديدة لتوضيح النقاط ذات الصلة بهذا الصدام الإيديولوجي، وفي الواقع، للتخلص من اللدغة:
- كما لوحظ، كان هناك على ما يبدو فجوة كبيرة في الاستيطان في حاصور بين تدمير السوية الثالثة عشر للمدينة الكنعانية والتوطن الضئيل للسوية الثانية عشر.
- كان يادين محقاً في ملاحظته أن فخار سوية حاصور الثانية عشر مطابقاً لفخار مواقع الجليل الأعلى. ومع ذلك، يبدو أن كل هذه المجموعات تعود إلى القرن الحادي عشر ق.م. كانت الأواني المميزة لبداية العصر الحديدي الأول -خاصة أواني الطهي في إرث العصر البرونزي المتأخر- مفقودة في مواقع حاصور والجليل الأعلى. من ناحية أخرى، يبدو أن جرار التخزين pithoi الشمالية وأواني الطهي ذات الحواف المثلثية الممدودة أقرب إلى القرن العاشر ق.م منها إلى القرن الثالث عشر ق.م. ظهرت هذه الجرار في السوية التاسعة a-b في تل كيسان (بالقرب من عكا) (1050-980 ق.م)، بينما ظهرت أواني الطهي في السويات 11-8 (القرنان الثاني عشر والعاشر ق.م) (Briend and Humbert 1980: Pls. 55 ، 57،63،77،81).
- توضح إعادة فحص تلال الجليل الأعلى أنه خلال العصر البرونزي المتأخر، لم يكن هناك سوى عدد قليل من المراكز في المنطقة، أهمها قديش [قّدّس] وتل روش [خربة تل الرويسة] (على النقيض من أهاروني 19 57: 111 ، الذي ادعى أنه كان هناك المزيد). كما يبدو أن جنوب لبنان لم يكن مكتظًا بالسكان خلال تلك الفترة، فعندما تم مسح المنطقة من قبل فرانكل والمؤلف في العام 1981، عثر على شقوق برونزية متأخرة واضحة في موقع واحد فقط (الخربة شرق يارون). من ناحية أخرى، جمعت، خلال نفس المسح، شقف تعود للعصر الحديدي الأول في 11 موقعاً. هذه البيانات تغير بشكل طبيعي صورة التوطن في شمال الجليل.
وهكذا تم حل قضايا التحقيب الزمني المطلق والعلاقة بين حاصور ومواقع الجليل الأعلى إلى حد كبير. لكن في الوقت نفسه، أصبحت مسألة الهوية الإثنية لمؤسسي مواقع الجليل الأعلى أكثر إشكالية. بناءً على عناصر مختلفة من الثقافة المادية في هذه المواقع، اقترح كوخافي (1984: 67-68) مؤخراً ربطها بالتوسع الجنوبي للفينيقيين تحت حماية القلاع مثل تلك الموجودة في هار أدير. أثار غال كذلك احتمال أن أفراد قبيلة نفتالي سكنوا مواقع وادي الحولة، في حين أن مواقع الجليل الأعلى كانت مأهولة بعناصر الصوريين الفينيقية (1982b: 90). نود أن نتوسع في هذه المسألة الحاسمة المتعلقة بالهوية الإثنية وفقاً لبعض المعايير التي وضعناها لأنفسنا في الفصل الثاني:
1. البيانات التاريخية: المصدر الكتابي الوحيد المتعلق بالنشاط الإسرءيلي في المنطقة التي تعود للعصر الحديدي الأول هو وصف الهجرة نحو الشمال لقبيلة دان في سفر القضاة 18 [1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ كَانَ سِبْطُ الدَّانِيِّينَ يَطْلُبُ لَهُ مُلْكًا لِلسُّكْنَى لأَنَّهُ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَقَعْ لَهُ نَصِيبٌ فِي وَسَطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 2 فَأَرْسَلَ بَنُو دَانَ مِنْ عَشِيرَتِهِمْ خَمْسَةَ رِجَال مِنْهُمْ، رِجَالًا بَنِي بَأْسٍ مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ لِتَجَسُّسِ الأَرْضِ وَفَحْصِهَا. وَقَالُوا لَهُمُ: «اذْهَبُوا افْحَصُوا الأَرْضَ». فَجَاءُوا إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَيْتِ مِيخَا وَبَاتُوا هُنَاكَ. 3 وَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا عَرَفُوا صَوْتَ الْغُلاَمِ اللاَّوِيِّ، فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ وَقَالُوا لَهُ: «مَنْ جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا؟ وَمَاذَا أَنْتَ عَامِلٌ فِي هذَا الْمَكَانِ؟ وَمَا لَكَ هُنَا؟» 4 فَقَالَ لَهُمْ: «كَذَا وَكَذَا عَمِلَ لِي مِيخَا، وَقَدِ اسْتَأْجَرَنِي فَصِرْتُ لَهُ كَاهِنًا». 5 فَقَالُوا لَهُ: «اسْأَلْ إِذَنْ مِنَ اللهِ لِنَعْلَمَ: هَلْ يَنْجَحُ طَرِيقُنَا الَّذِي نَحْنُ سَائِرُونَ فِيهِ؟» 6 فَقَالَ لَهُمُ الْكَاهِنُ: «اذْهَبُوا بِسَلاَمٍ. أَمَامَ الرَّبِّ طَرِيقُكُمُ الَّذِي تَسِيرُونَ فِيهِ».
7 فَذَهَبَ الْخَمْسَةُ الرِّجَالِ وَجَاءُوا إِلَى لاَيِشَ. وَرَأَوْا الشَّعْبَ الَّذِينَ فِيهَا سَاكِنِينَ بِطَمَأَنِينَةٍ كَعَادَةِ الصِّيْدُونِيِّينَ مُسْتَرِيحِينَ مُطْمَئِنِّينَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ مُؤْذٍ بِأَمْرٍ وَارِثٌ رِيَاسَةً. وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الصِّيْدُونِيِّينَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ إِنْسَانٍ. 8 وَجَاءُوا إِلَى إِخْوَتِهِمْ إِلَى صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ. فَقَالَ لَهُمْ إِخْوَتُهُمْ: «مَا أَنْتُمْ؟» 9 فَقَالُوا: «قُومُوا نَصْعَدْ إِلَيْهِمْ، لأَنَّنَا رَأَيْنَا الأَرْضَ وَهُوَذَا هِيَ جَيِّدَةٌ جِدًّا وَأَنْتُمْ سَاكِتُونَ. لاَ تَتَكَاسَلُوا عَنِ الذَّهَابِ لِتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الأَرْضَ. 10 عِنْدَ مَجِيئِكُمْ تَأْتُونَ إِلَى شَعْبٍ مُطْمَئِنٍّ، وَالأَرْضُ وَاسِعَةُ الطَّرَفَيْنِ. إِنَّ اللهَ قَدْ دَفَعَهَا لِيَدِكُمْ. مَكَانٌ لَيْسَ فِيهِ عَوَزٌ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي الأَرْضِ». 11 فَارْتَحَلَ مِنْ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَةِ الدَّانِيِّينَ مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ سِتُّ مِئَةِ رَجُل مُتَسَلِّحِينَ بِعُدَّةِ الْحَرْبِ. 12 وَصَعِدُوا وَحَلُّوا فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فِي يَهُوذَا. لِذلِكَ دَعَوْا ذلِكَ الْمَكَانَ «مَحَلَّةَ دَانٍ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. هُوَذَا هِيَ وَرَاءَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ.].. وما بعدها. تعكس قائمة المستوطنات في سفر يشوع، بالطبع، حقيقة لاحقة (للحصول على ملخص للآراء العلمية، انظر Kallai 1967: 2-13).
2. نمط الاستيطان: هناك درجة كبيرة من التشابه بين مواقع الجليل الأعلى ومواقع الاستيطان الإسرءيلي المبكر في الهضاب الوسطى من حيث حجم المواقع، وندرة اللقى، وظاهرة السكن في المناطق ذات التلال والتضاريس الصعبة التي لم تشهد من قبل "كثافة" توطنية.
3. اللقى: تشير كل من الذخيرة الفخارية المحدودة وحقيقة أن اللقى في سوية حاصور الثانية عشر وسوية دان السادسة كانت عبارة عن حفر تخزين على وجه الحصر تقريباً إلى أن الأشخاص النشطين في هذه المنطقة كانوا في المراحل الأولى من حالة التجوال إلى حالة الاستقرار الكامل، وأنهم كانوا يعيشون في أطر عزلة اجتماعية واقتصادية (الفصول 6-7).
لا توجد صعوبة حقيقية، من الناحية الفخارية، في نسب هذه المواقع إلى الجماعات الإسرءيلية. تميزت المواقع بنوعين من جرار التخزين pithoi "الجليلية"، والتي تم تزيينها بحواف وشقوق أفقية (Yadin et a! .1961: Pls. CLXVII-VIII) والتي تطورت على ما يبدو من العصر البرونزي المتأخر (على سبيل المثال، المرجع نفسه، CCXCVIII) ؛ و جرار تخزين تيرانية Tyrian ، التي كانت مزينة بـ "موجات" تشكيلية والتي ربما نشأت خارج [أرض إسرائيل] (انظر Bikai 1978:Pl. XL). لم يعثر على هذين النوعين معاً في كل موقع. في حاصور وتل هراشيم، على سبيل المثال، ظهر فقط النوع "الجليلي"، ربما لأسباب كرونولوجية أو جغرافية. لم يظهر أي نوع من هذه الجرار جنوب وادي يزرعيل (contra Gal 1982b:58). كما عثر على جرار تخزين Pithoi مماثلة في الشمال في موقع دان، (ولكن غير متطابقة) لجرار تخزين ذات حواف - تم اكتشاف الجرار النموذجية لسكان الهضاب الوسطى خلال القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م. وهكذا يبدو أنه كان هناك فرق بين فخار الجليل وفخار الهضاب الوسطى، ولكن يمكن تفسير هذا التمييز على أنه جغرافي إقليمي وليس إثني. الأهم من ذلك هو أوجه التشابه -استخدام جرار التخزين pithoi بصورة كبيرة في كلا المنطقتين والذخيرة المحدودة من الأشكال.
أما بالنسبة للاكتشافات المعمارية، فالاكتشاف غير المعتاد الوحيد حتى الآن هو قلعة هار أدير(7). من الواضح أنه من الصعب ربط قلعة الاستحكامات بما نعرفه عن الأنماط النموذجية للاستيطان الإسرءيلي. من ناحية أخرى، لا يوجد سبب مقنع لربط بناة هذا الهيكل المعزول بسكان بقية مواقع العصر الحديدي الأول المكتشفة في الجليل الأعلى (من بين أمور أخرى، التواريخ الدقيقة للمواقع غير واضحة). على أي حال، فإن التركيبات الفخارية من هار أدير أغنى نسبياً من تلك الموجودة في أي موقع آخر في المنطقة.
باختصار، إذن، يمكن تحديد أنه في وقت ما بعد تدمير مدينة حاصور التي تعود للعصر البرونزي المتأخر، خضع الجليل الأعلى (بما في ذلك الجزء الشمالي منه) لعملية استيطان مكثفة في مناطق لم تكن مأهولة في السابق. كان طابع العديد من المواقع الجديدة متسقاً، من جميع النواحي، مع ما نعرفه عن مواقع الاستيطان الإسرءيلي، لذلك لا توجد مشكلة حقيقية في نسبها إلى قبيلة نفتالي. (من ناحية أخرى، ربما كان موقع مثل هار أدير ينتمي إلى شبكة مرتبطة إثنياً بالساحل الفينيقي). حدثت عملية الاستيطان هذه في القرن الحادي عشر، أو قبل نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد. ويشير فخار الحفريات الست في المنطقة إلى أن وصول المستوطنين لم يكن تدفقاً واحداً لمرة واحدة. ومن الواضح أن الأواني الحاسمة هي جرار التخزين pithoi ، لأن النوعين لم يظهرا معاً في كل موقع. تم تلخيص توزيعهم في الجدول التالي (استناداً إلى الاتصالات الشفوية مع المنقبين):

حاصور دان هار أدير هورفات عفوت تل هراشيم سعسع
الجرار الجليلية X X - X X X
الجرار التيرانية - السوية الخامسة فقط X X - X
جرار التخزين ذات الحواف المطوقة - جرار شبيهة نوعا ما - - - -
يثير الجرار احتمال ظهور الجرار الجليلية منها قبل الجرار التيرانية، وهو ما يعززه التشابه بين الجرار الجليلية والجرار البرونزية المتأخرة الموجودة في حاصور. أعقب ذلك فترة تداخل بين النوعين. وإذا ما تم التحقق من صحة هذه الفرضية من خلال البحث المستقبلي (سيكون التحليل الإحصائي لظهور هذه الجرار في المواقع المختلفة مهماً بشكل خاص)، فسوف يتبع ذلك الاستنتاج بتوقف التوطن في سوية حاصور الثانية عشر وسوية دان السادسة وتل هراشيم، خلال مرحلة مبكرة من عملية توطن الجليل. وعرفت سويات دان الخامسة وهورفات عفوت وسعسع توطناً خلال مرحلة وسيطة؛ وربما يكون موقع هار أدير هو الأحدث في هذه المجموعة. كما يبدو أن أهمية ظهور جرار التخزين pithoi في دان التي تشبه جرار التخزين ذات الحافة المطوقة في الهضاب الوسطى هي أهمية تاريخية وليست كرونولوجية (الفصل العاشر).
وادي الأردن
تنبع أهمية وادي الأردن في دراسة فترة الاستيطان الإسرءيلي من موقعه كجسر يربط بين هضبة شرق الأردن ومنطقة الهضاب الوسطى في غرب الأردن . اكتشف في تلك المناطق، المئات من مواقع العصر الحديدي الأول، مما يجعلهما بؤرتين رئيسيتين لعملية الاستيطان الإسرءيلي. وتبدو البيانات الأثرية المستقاة من ضفتي نهر الأردن غير متوازنة. فعلى الجانب الشرقي، ثمة حفريات كبيرة في موقعين (تل دير علّا وتل السعيدية) بالإضافة إلى مسوحات مكثفة، بينما لم يتم التحقيق في الجانب الغربي بشكل منهجي بعد.
الحفريات
تل دير علّا
يقع تل دير علا عند مصب وادي يبوق (وادي الزرقاء) على الجانب الشرقي من نهر الأردن، وهو أحد أهم المواقع في وادي الأردن، ويُعرف عموماً على أنه موقع سكوت التوراتية. أجريت، منذ العام 1960، ثماني حملات حفر في الموقع، الخمسة الأولى بقيادة فرانكن برعاية جامعة ليدن والثلاثة الأخيرة كمشروع مشترك بين جامعة ليدن ودائرة الآثار في الأردن تحت إشراف إبراهيم وفرانكن وفان دير كويخ (للحصول على ملخص لنتائج الحملات الأولى، انظر Franken 1969: 19-21).
أقيم في الموقع، خلال العصر البرونزي المتأخر، معبد على منصة اصطناعية مرتفعة. ونظراً لعدم وجود تحصينات أو مبانٍ عادية، خلص فرانكن إلى أن الموقع كان مزاراً مفتوحاً يخدم السكان البدو في المنطقة المجاورة. (حول الحرم والتقليد الكتابي المتعلق بالبيت الذي بناه يعقوب في سكوت كما وردت في سفر التكوين33 [17 "وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَارْتَحَلَ إِلَى سُكُّوتَ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا، وَصَنَعَ لِمَوَاشِيهِ مِظَلاَّتٍ. لِذلِكَ دَعَا اسْمَ الْمَكَانِ «سُكُّوتَ»."]، انظر B. Mazar 1984). ويبدو أن الموقع، بما فيه الحرم، تعرض للدمار بواسطة زلزال في بداية القرن الثاني عشر ق.م. ومن بين الآثار التي عثر عليها وعاء من الخزف المصري يحمل خرطوش الملكة توسرت، زوجة سيتي الثاني (1193-1185 ق.م، بحسب Wente and van Siclen 1977). أعيد توطن المكان، بعد ذلك بوقت قصير، على يد مجموعة جديدة من السكان خلال العصر الحديدي الأول، وحتى ذلك الوقت لم يعثر على بيوت، بل كان الموقع عبارة عن مناطق مفتوحة وحفر وأفران صهر. افترض المنقب أنها تعكس الأنشطة الشتوية لرجال الدين الذين شاركوا في التعدين والزراعة والرعي، والذين عادوا إلى التلال في أقصى الشرق لقضاء أشهر الصيف. عاش هؤلاء الأشخاص في خيام، حيث قيل إنه تم تمييز ثقوب في الموقع. وعثر بين فخار هذا التوطن على شظايا عرفوها بأنها بقايا فخارية "فلستية". وتشير قراءة الفخار المنشور إلى أنه لم يعثر على أوعية تخزين ذات حواف مطوقة، لذلك يحتفظ موقع دير علّا بسمات العصر الحديدي الأول لمنطقة الهضاب الوسطى غرب الأردن (باستثناء وعاء واحد ذو حافة، Franken 1969: Pl. 50:100). وخلال الطور الثالث من العصر الحديدي الثاني، بنى "المستوطنون الجدد" مدينة صغيرة محاطة بأسوار. وعثر على النقش الآرامي الشهير لدير علّا في أنقاض هذه المستوطنة.
تل السعيدية
يقع على الجانب الشرقي من وادي الأردن شمال وادي يبوق. وافق بريتشارد على اقتراح غلوك لمطابقة تل السعيدية مع مدينة صرتان التوراتية (حول مشاكل تحديد الهوية، انظر Oded 1971). وأجرت جامعة بنسلفانيا، بين عامي 1964-1967، أربعة مواسم من الحفريات تحت إدارة بريتشارد. على الجانب الغربي من التل، كانت هناك مقبرة تعود إلى نهاية العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي الأول (Pritchard 1980). كانت المدافن الحديدية الأولى أقل في المحتويات من المدافن السابقة. ولم يصل المنقبون إلى سويات معاصرة على التل نفسه، وتاريخ الاستيطان خلال الفترة المعنية لا يمكن إعادة بنائه على أساس الأدلة من المقبرة وحدها.
المسوحات المكانية
كما لوحظ بالفعل، فقد تم مسح الجانب الشرقي من وادي الأردن بدقة، في حين أن معرفتنا بالجانب الغربي ليست أكثر من معرفة أولية.
مسوحات شرق الأردن:. في سياق المسح الذي أجراه إبراهيم وسوير وياسين في الجزء الشمالي من المنطقة، بين وادي راجب ونهر اليرموك، تم التحقيق في 19 موقعاً لتوطنات "العصر الحديدي الأول" (بما في ذلك تل السعيدية؛ واحد فقط من هذه المواقع لم تكن معروفة من قبل)، على عكس ستة مواقع بها مواد تعود للعصر البرونزي المتأخر و 17 بها بقايا تعود للعصر الحديدي (Ibrahim, Sauer and Yassine 1976). بعض هذه المواقع، التي يرجع تاريخها إلى "العصر الحديدي الأولC"، تعود إلى القرن الأول ق.م. كانت المواقع متناثرة في أنحاء المنطقة، من سفوح التلال وصولاً إلى نهر الأردن. بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف حوالي 20 موقعاً آخراً بواسطة غلوك ونسبت إلى هذه الفترة (Glueck 1951:Chap. 5)، ولكن من الفخار المنشور، من الصعب معرفة كم منهم قدم بالفعل دليلاً على النشاط خلال هذه الفترة (من بين أمور أخرى، يشمل "العصر الحديد الأول" عند غلوك القرن العاشر ق.م؛ ibid.: xix).
مسوحات غرب الأردن: أبلغ غلوك (1951) عن ستة مواقع تعود للعصر الحديدي الأول شمال أريحا. وأضاف دي كونتنسون (1964) موقعاً آخر إلى القائمة. عثر على ستة أو سبعة مواقع أكثر في المسوحات التي أجريت في أعقاب حرب الأيام الستة (Porath 1968 ؛ Bar Adon 1972 ؛ Gophna and Porath 1972). قام ميتمان (1970) بمسح أربعة مواقع من هذه الفترة في محيط ميحولا [عين حلوة؟, وادي المالح؟]، في جنوب وادي بيت شان [بيسان]. وهكذا تم تحديد مكان ما يقرب من 20 موقعاً(8). فقط دي كونتينسون هو الذي نشر أي فخار، لذلك من الصعب، هنا أيضاً، تقدير مدى النشاط في العصر الحديدي الأول.
* * * * * * * * * *
حتى الآن، تم الإبلاغ عن حوالي 60 موقعاً من مواقع العصر الحديدي الأول في وادي الأردن، بين البحر الميت والطرف الجنوبي لوادي بيت شان(9). ومما لا شك فيه، لا تزال كثافة هذا الموقع لافتة للنظر حقاً. ونظراً لأننا نفتقر إلى المعلومات الكافية حول طبيعة المواقع وتوزيعها وحجمها وتواريخها الدقيقة، فلا يمكننا تقدير أهميتها في شبكة مستوطنات العصر الحديدي الأول. ومع ذلك، وبالنظر إلى طبيعة المناخ والإيكولوجيا في المنطقة، فمن المحتمل أن تكون بعض المواقع مأهولة بشكل موسمي، كما اقترح فرانكن لدير علّا. بعبارة أخرى، لم ينتقل السكان بعد إلى المستوطنات الدائمة ولكنهم أمضوا الشتاء في وادي الأردن والصيف في المناطق الجبلية على جانبي الوادي.
هضبة شرق الأردن
كان غلوك رائد البحث الحديث في شرق الأردن، وهو الذي حقق في مئات المواقع في سياق مسحه الرئيسي خلال الأعوام 1932-1947. وكانت المهمة التالية هي عملية المسح الذي أجراه ميتمان في جلعاد من 1963 إلى 1966. وعلى الرغم من تكثيف البحث الأثري في هذه المنطقة في السنوات الأخيرة، فإن هذين المشروعين -وخاصة مشروع ميتمان، الذي استخدم أساليب أكثر حداثة- يوفران الأساس لأي نقاش حول نمط الاستيطان في شرق الأردن. على أي حال، فإن معرفتنا بشرق الأردن أقل بكثير من معرفتنا بإسرائيل. سنحاول تلخيص البيانات الأثرية من المسوحات والحفريات الحديثة نسبياً -وعلى الرغم من الصعوبات الكامنة- لتقييم أهميتها لدراسة الفترة قيد المناقشة. من الطبيعي أن نحصر ملاحظاتنا في المنطقة الواقعة بين شمال أرنون (وادي الموجب) في الجنوب ونهر اليرموك في الشمال -ساحة النشاط الإسرءيلي، بحسب المصدر التوراتي.
المشكلة الرئيسية التي تواجه جميع الباحثين الذين يدرسون العصر الحديدي الأول في المنطقة هي أنه في الوقت نفسه الذي كانت تتوحد فيه الجماعة الإسرءيلية، كانت الجماعات غير الإسرءيلية تخضع أيضاً لعملية توحيد في هذه المناطق من شرق الأردن، أي عمّون. وموآب. ونظراً لأنه مازالت رؤيتنا غامضة بعض الشيء، تقريباً، فيما يتعلق بالاختلافات في الثقافة المادية بين مختلف الشعوب التي استقرت في شرق الأردن خلال العصر الحديدي الأول، فإن الإمكانية الوحيدة، حالياً، لتمييز هويات سكان المواقع التي تم التنقيب عنها، ومسحها، تكمن في الاعتبارات التاريخية والجغرافية. ولكن، لسوء الحظ، البيانات التاريخية ليست واضحة بما فيه الكفاية، وبالتأكيد ليست كافية للسماح باستخلاص استنتاجات واضحة متها.
الحفريات
حشبون
أجريت في حشبون (وتعرف حالياً باسم حسبان، على بعد حوالي 20 كم جنوب غرب عمان)، خمس حملات تنقيب بين الأعوام. 1968 - 1976 برعاية جامعة أندروز بيرين سبرينجز- ميشيغان، تحت إشراف هورن وبوراس وجيراتي (Boraas and Geraty 1978:bibliography ~n n.3). يبدو أن الموقع كان مأهولاً، لأول مرة، خلال العصر الحديدي الأول، حيث عثر على فخار من هذا التاريخ في أماكن مختلفة، حتى أن المنقبين نسبوا جداراً محصناً (؟) تم العثور عليه في منطقة واحدة إلى تلك الفترة. في البداية، افترض المنقبون وجود فجوة في التوطن تمتد من القرنين العاشر إلى القرن السابع ق.م، لكنهم أبلغوا لاحقاً عن اكتشاف فخار في القرنين التاسع والثامن ق.م. لم يتم العثور على أي بقايا تعود للعصر البرونزي المتأخر على الإطلاق. وهكذا تنضم حشبون إلى قائمة المواقع التي ورد ذكرها في الرواية التوراتية عن الفتح، ولكنها تفتقر إلى أي اكتشافات من تلك الفترة.
سحاب
تقع سحاب على بعد حوالي 12 كم جنوب شرق عمان، وهي أهم موقع يعود للعصر الحديدي الأول تم التنقيب عنه حتى الآن في هضبة شرق الأردن. على الرغم من أن هذا الموقع لا ينتمي إلى إطار عمل الاستيطان الإسرائيلي، لأنه سيتم ذكر المكتشفات من الموقع لاحقاً، سنقوم هنا بوصف ذلك بإيجاز. أدار إبراهيم ثلاثة مواسم من الحفريات في الموقع بين 1972-1975 برعاية دائرة الآثار الأردنية. وتل سحاب، الذي وصفه إبراهيم بأنه أكبر موقع ما قبل روماني على الحدود الصحراوية لشرق الأردن، كان مأهولاً بالفعل في العصرين البرونزيين الوسيط والمتأخر، ولكنه لم يصل إلى ذروة التوطن إلا في العصر الحديدي الأول (Ibrahim 1972 197 4 1975). وكشف الموقع عن مبانٍ تعود للعصر الحديدي الأول في أماكن مختلفة على التل؛ في بعضها، على الرغم من تمييز مراحل قليلة في بعض هذه المواقع. كما عثر على أوعية تخزين ذات حواف مطوقة في هذه الأماكن، يحمل عدد من الحافات طبعات ختم نادرة ومميزة (شكل 94) من وريدات وحيوانات (Ibrahim 1978 1983). وعثر، مؤخراً، على حافة مختومة مماثلة لتلك التي عثر عليها في شيلو (الفصل 7). استخدم سكان سحاب، في ذلن الوقت، الجرار ذات الأطواق في طقوس الدفن أيضاً. عرف الموقع نشاطاً محدوداً بعد تدمير المستوطنة. ومع ذلك، كانت مستوطنة العصر الحديدي الثانيII مخططة بشكل أفضل. كما تم التنقيب عن بقايا العصر الحديدي الأول في عروير [عرارير] وديبون [ذيبان] (تم نشر جرة تخزين ذات حواف مطوقة) ومأدبا وخربة الحجار وجرش وإربد وعدد قليل من المواقع الأخرى (Olavarri 1965:82-83 Tushingham 1972:Fig. 19 Harding 1953 Lenzen, Gordon and McQuitty 1985 Thompson 1972:62 see also Weippert 1979 Franken and Sauer 1971 Sauer 1982:81-82 1986:10-12 Dornemann 1982:135).


شكل (94) سحاب؛ حافات الجرار ذات الأطواق المزخرفة بختم (Ibrahim 1978: 120)
المسوحات المكانية
كما لوحظ في مكان آخر، كان غلوك رائداً في البحث الميداني في شرق الأردن. لاسيما في الجزء الجنوبي منه وأفاد بوجود أكثر من 30 موقعاً تعود للعصرين "الحديدي الأول والثاني" بين وادي أرنون ووادي حسبان (1934 ؛ 1939) وحوالي 100 موقع في المنطقة الواقعة بين وادي حسبان ونهر يبوق (وادي الزرقاء) ( 1939)؛ وقام غلوك بمسح 65 موقعاً، في القطاع الشمالي، من هذه الفترة بين نهري يبوق واليرموك (1951) - وإجمالاً، مسح غلوك حوالي 200 موقع. وعلى الرغم من جهود غلوك، فثمة مشاكل خطيرة تضعنا في حيرة من أمرنا على صعيد استخدام نتائج استطلاعات غلوك. بادئ ذي بدء، لم يستبعد غلوك القرن العاشر ق.م في تعريفه للعصر "الحديدي الأول" (1951:xix)؛ ولم يفصل العصر الحديدي الأول عن الثاني. وتنطوي الصعوبات الأخرى على مقاربته المنهجية. نظراً لأن تقنيات المسح الحديث كانت في ذلك الوقت في مهدها -وكان الغرض من المسح رسم الصورة الأولى للاستيطان في شرق الأردن- لم يقم، غلوك، بأي محاولة لأخذ عينات من المناطق المختلفة بطريقة متوازنة ولم يخصص، دائماً، وقتاً كافياً لجمع الكسر والشقف، وكان أحياناً غير دقيق في تعريفاته الفخارية (لنقد مسح غلوك، انظر Mittmann 1970: 1-3). علاوة على ذلك، لم يقدم بيانات أساسية مهمة، مثل حجم الموقع والنسب النسبية للفخار. نتيجة لذلك، من الصعب بمكان الحصول، من استطلاعات غلوك، على فكرة واضحة عن نمط الاستيطان في شرق الأردن الذي من شأنه أن يتماشى مع معايير البحث الحديث. وأظهر مسحان حديثان نسبياً، أجريا في المناطق التي فحصها غلوك، عشرات من مواقع العصر الحديدي الأول. بالقرب من حشبون وحدها، وتمت الإشارة إلى لقى فخارية تعود للعصر الحديدي الأول في ما يقرب من 30 موقعاً (Ibach 1976:122 1978:206-209؛ هنا أيضاً، ربما تم تضمين القرن العاشر ق.م في العصر "الحديد الأول").
قام ميتمان بإعادة مسح المنطقة الواقعة بين نهري يبوق واليرموك بشكل منهجي (1970). وقد زار حوالي 300 موقع، أربعة منها فقط تم التحقيق فيها من قبل غلوك. وهكذا أصبح هذا القطاع أفضل منطقة خضعت للدراسة في هضبة شرق الأردن. أبلغ ميتمان عن 73 موقعاً تعود للعصر الحديدي الأول (الشكل 35)، مقابل 15 موقعاً من العصر البرونزي المتأخر و 49 موقعاً تعود للعصر الحديد الثاني.

شكل (35) مواقع العصر البرونزي المتأخر والعصرين الحديدي الأول والثاني في مسح ميتمان في جلعاد، بجانب مواقع غلوك عن العصرين "الحديدي الأول والثاني "
ظهرت، من مسح ميتمان، الذي استخدم عينة كبيرة بما فيه الكفاية، عدة اتجاهات مثيرة للاهتمام. في حين أنه كان من الأفضل فحصها في ضوء نتائج غلوك أيضاً، إلا أنه من المفيد، مع ذلك، تقديم النتائج بمفردها، مع الأخذ في الاعتبار أن الصورة غير مكتملة. وتنقسم المنطقة التي مسحها ميتمان إلى وحدتين جغرافيتين متميزتين:
سهل إربد في الشمال -باستثناء منطقة الوديان العميقة التي تنحدر صوب نهري اليرموك والأردن- وهي هضبة معتدلة طبوغرافيا. وتتكون من الصخور الطباشيرية اللينة ومناسبة للتوطن. والوحدة الثانية كتلة عجلون جنوباً، وهي منطقة جبلية أعلى وأكثر وعورة؛ تتكون بشكل أساسي من الحجر الجيري الصلب، وكانت أقل قابلية للأنشطة الاستيطانية. ويلخص الجدول التالي البيانات التي جمعها ميتمان، وفقاً لهذا التقسيم الجغرافي الثنائي: ويمكن تلخيص هذه البيانات الرقمية على النحو التالي:
هضبة إربد منطقة عجلون
العصر البرونزي المتأخر عدد المواقع 12 3
النسبة المئوية 80 20
العصر الحديدي الأول عدد المواقع 31 42
النسبة المئوية 42 58
العصر الحديدي الثاني عدد المواقع 34 15
النسبة المئوية 69 31

1. تركزت معظم المواقع البرونزية المتأخرة في سهل إربد في شمال شرق الأردن، بينما عثر على القليل منها في منطقة عجلون.
2. انتشرت موجة توطن قوية في أنحاء مناطق العصر الحديدي الأول، لكنها كانت أكثر ما يمكن في منطقة عجلون.
3. ظل عدد المستوطنات ثابتاً في سهل إربد، خلال العصر الحديدي الثاني، بينما انخفض بشكل حاد في منطقة عجلون.
4. شهدت منطقة عجلون، التي كانت أقل ملاءمة للنشاط البشري، تذبذبات توطنية شديدة إلى حد ما، في حين ظل الأمر ثابتاً نسبياً في سهل إربد طوال الفترة الزمنية قيد الاستعراض(Kochavi 1984: 69-70).
وتعد الآثار الديمغرافية لنتائج مسح ميتمان هي الأكثر إثارة للاهتمام. فقد شهدت مستوطنة شمال شرق الأردن، خلال العصر الحديدي الأول، ثورة توطنية غير مسبوقة، ويشهد على ذلك زيادة عدد المواقع بمقدار خمسة أضعاف. يقع أكثر من نصفها في منطقة جبلية صعبة كانت في السابق غير مأهولة عملياً. ويُذكّر هذا الوضع بالعمليات المعاصرة لها في مناطق معينة غرب نهر الأردن، وخاصة في الجليل. غير أننا لا نستطيع، نظراً لنشر نتائج مسح ميتمان جزئياً فقط، الإجابة على السؤال المثير للاهتمام حول ما إذا كانت عملية استيطان شرق الأردن قد بدأت في ظل تواجد المراكز الكنعانية أو بعد تدميرها فقط.
* * * * * * * * * *
تشير نتائج المسوحات والتنقيبات في هضبة شرق الأردن إلى تكثيف عملية الاستيطان خلال العصر الحديدي الأول، بخلاف العدد المحدود جداُ للمراكز الحضرية الرئيسية في البرونزي المتأخر (انظر Sauer 1986: 6 ، الذي يذكر خمسة مواقع فقط). فشهدت هذه المنطقة، في العصر الحديدي الأول، إنشاء العشرات، أو ربما حتى المئات، من المواقع. وتقدم نتائج مسوحات شرق الأردن مساهمة جزئية في الوقت الحالي، لأن الصورة العامة مازالت ضبابية للغاية حالياً. ومع ذلك، نأمل أن يضيف المزيد من العمل الميداني أبعاداً جديدة لمعرفتنا عن أحوال الاستيطان الإسرءيلي، لا سيما فيما يتعلق بمسألة أصل الأشخاص الذين استقروا في [أرض إسرائيل] في ذلك الوقت، والتسلسل الزمني للاستيطان، ومصادر الثقافة المادية الإسرءيلية. علاوة على ذلك، فإن نمط الاستيطان في شرق الأردن له تأثير مباشر على الجدل بين مدرستين للمعرفة فيما يتعلق بعملية الاستيطان الإسرءيلي.
هوامش
4 لم يعثر في ثلاثة مواقع أخرى في وادي عروعير [عراعير] وتل مالحتاتا وتل عيرا - على بقايا من العصر الحديدي الأول (contra Fritz 1975:33). بالنسبة إلى تل ملحاتا، هناك مرجع واحد (Had. Arch. 40, 1971 :35) للعثور على شقف غير مرتبة تعود للقرن الحادي عشر ق.م، وكثيراً ما أشار أهاروني إلى هذه الأدلة (على سبيل المثال،Aharoni, Fritz and Kempinski 1975:118). ومع ذلك، فقد تقرر لاحقاً أنه لا توجد مستوطنة في هذا الموقع قبل القرن العاشر ق.م (تواصل شفهي مباشر مع المنقب كوخافي).
5 تاريخ فريتز (1980: 121) متأخر قليلاً عن تاريخ كيمبينسكي. حيث وضع السوية IIIB خلال النصف الأول من القرن الثاني عشر؛ والسوية IIIA في منتصف القرن الثاني عشر؛ والسوية II من نهاية القرن الثاني عشر إلى النصف الثاني من القرن الحادي عشر ق.م.
6 لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون الجدار الكبير، الذي يسميه بريتشارد "سور المدينة اللاحق" ، ينتمي إلى هذه الفترة. أرّخه بريتشارد إلى القرن العاشر، لكن موقعه الستراتيغرافي غير واضح على الإطلاق. عرضه، وإلى حد كبير طريقة بنائه، يذكرنا بتحصينات العصر البرونزي الوسيط الموجودة في الخليل، وبيت صور، وبيت إيل وشيلو، وجميعها في منطقة الهضاب. لوصف الجدار، انظر Pritchard 1962: 101-104.
7 عثر على هياكل إضافية كانت تعتبر "حصون" من العصر الحديدي في ميرون(Had. Arch. 9, 1964:24) ، في متسبيه ها يميم (Had. Arch. 14, 1965:3) ، وفي جبل كيناكان (Had. Arch. 18-19, 1966:17) وعزاهم كوخافي (1984: 67-68) جميعاً إلى تدفق المستوطنين إلى الجليل الأعلى خلال العصر الحديدي الأول، لكن تواريخهم لم تكن محددة بشكل كافٍ.
8 الوضع في أريحا غير واضح. زعم ه. و م. ويبيرت H. and M. Weippert أن هناك نشاطاً في الموقع في العصر الحديدي الأول (1976:117, 144-145) ، لكنهما لم ينشرا أي اكتشافات واضحة من هذه الفترة. على أي حال، يتم نشر أنواع العصر الحديدي الأول النموذجية في تقرير التنقيب النهائي (Kenyon and Holland 1982: Figs. 215:1-2,216:9, etc.).
9 ذكر زوري (1962) 44 موقعاً من العصر الحديد الأول في وادي بيت شان يجب أخذها في الاعتبار مع مواقع وادي يزرعيل، ومن المشكوك فيه بدرجة كبيرة أنها تنتمي إلى إطار الاستيطان الإسرءيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا