الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهيد المثقف -علي بومنجل- ينتصر على جريمة الدولة الفرنسية

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يسود الاعتقاد لدى الجزائريين وبالأخص لدى جيل الاستقلال أن تاريخ الحركة الوطنية وخاصة تاريخ الثورة الجزائرية غير مدون، ومعظم ما دُوِّن أكثره مزور، ويُرْجِع بعضهم ذلك إلى عامل السلطة وآخرون إلى عامل الحساسية، وبذلك يصبح إهمال تدوين تاريخ ثورتنا التحريرية في نظري جزء لا يتجزأ من محاولة دفن آثار الجريمة الجماعية، والتاريخ جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية.
للأسف توجد ظاهرة عندنا نحن الجزائريين ألا وهي إهمال البطل الرمز وخاصة إن كان مفكرا ومثقفا، فالجزائريون في أغلبيتهم لا يقدسون أبطالهم، فتحطيم وإهمال البطل الرمز ظاهرة غريبة تكاد تكون جزائرية بامتياز، لنأخذ مثلا ثورتنا التحريرية وهي أعظم ثورة شعبية في تاريخنا المعاصر، كم عرفت من أبطال وكم افتكت من احترام العالم الاشتراكي والرأسمالي لها، وكم كانت قدوة ورمزا لكل أحرار العالم! فماذا بقي منها الآن؟
لم نعطها نحن الجزائريون حقها في الكتابة كما قلت، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها الخوف من السلطة والخوف من الوقوع في الأخطاء والحساسيات، حتى أصبح ذكر الثورة لدى جيل ما بعد الاستقلال مرتبط بالاسترزاق والمكاسب العائلية والفئوية، وحجمناها داخليا وخارجيا. هل أبطالنا ورموزنا مجرد بشر عاديين؟ كل شعوب العالم حسب معرفتي المتواضعة لتاريخ العالم يقدسون رموزهم وأبطالهم إلا نحن الجزائريون، وكل ما كتبناه عنهم لم يرق للتعريف ببطولاتهم وتضحياتهم من أجل الجزائر.
بتاريخ 31 جويلية 1968، أصدرت فرنسا قانونا يتضمن عفوا عاما عن كل جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر خلال ثورتنا التحريرية، استند بعض الجنرالات السفاحين على هذا القانون وأدلوا باعترافاتهم الفظيعة في حق مجاهدي وشهداء الشعب الجزائري، وذلك في مذكراتهم ومقابلاتهم الصحفية دون خوف من المتابعة القانونية، الدولة الفرنسية على لسان رئيسها "ماكرون" تعترف بارتكابها جريمة إنسانية ضد الشهيد المثقف "علي بومنجل"، فقد استقبل الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه 04 من أحفاد هذا الشهيد وأخبرهم باسم الدولة الفرنسية وذلك يوم الثلاثاء 02 مارس 2021 وبحضور أرملة الشهيد الزعيم "مليكة بومنجل"، قائلا: "بومنجل لم ينتحر، لقد تعرض للتعذيب ثم قُتِل".
بعد 64 سنة من جريمة نكراء ضد الإنسانية في حق الشهيد "علي بومنجل" تعترف الدولة الفرنسية بجريمتها البشعة بشاعة الاستعمار الفرنسي على أرضنا طيلة 132 سنة، وقد اعترف الجنرال السفاح "بول أوساريس" بتلك الجريمة بعد أن ادعى أن "علي بومنجل" قد رمى نفسه من الطابق السادس في عمارة في الأبيار كانت تستعمل لتعذيب المناضلين الجزائريين، بعد إلقاء القبض عليه يوم 09 فيفري 1957 وتعرّضه لتعذيب بشع لمدة أكثر من شهر كامل ثم قتل في 23 مارس 1957، بعد 64 سنة من إخفاء الجريمة واتهام "علي بومنجل" بالانتحار ها هو ينتصر على الدولة الفرنسية باعترافها الرسمي باغتياله، فقد وصفه "بنيامين ستورا" بقوله: "رجل ذو شجاعة استثنائية"، فهو رجل محامي وحقوقي ومناضل من أجل القضية الجزائرية منذ الحركة الوطنية، وكان مناضلا في حزب "فرحات عباس" ومدافعا عن المجاهدين الجزائريين أمام محاكم الاستعمار الفرنسي.
اعتراف "ماكرون" فعل إيجابي لكشف جرائم الدولة الفرنسية وننتظر نحن الجزائريون الاعتراف الفرنسي بكل الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر طيلة 132 سنة، ونريد من الدولة الفرنسية أن تكون أكثر شجاعة وجرأة للاعتراف بجرائمها.
خلال مرحلة الحركة الوطنية، كان "علي بومنجل" في حزب "فرحات عباس" الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وكان كاتب مقالات في جريدة "المساواة" ثم جريدة "الجمهورية الجزائرية" التي هي ملك "فرحات عباس". جعل قلمه للدفاع عن المحرومين والمظلومين من الجزائريين ومنددا بالسياسة الاستعمارية، ففي سنة 1955، انضم لجبهة التحرير الوطني وأصبح من أحد أبرز المدافعين عن المناضلين الجزائريين.
لا شك أن الرئيس الفرنسي "ماكرون" باعترافه بجريمة الدولة الفرنسية في اغتيال "بومنجل" قد قام بحساب دقيق للمآلات والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، هذا المناضل الحقوقي الذي لم يجعل من ممارسة مهنة المحاماة مجرد لقمة عيش ووظيفة سامية بل جعل منها مهنة إنسانية شريفة ومفهوما نضاليا ثوريا طبقه على أرض الواقع من أجل حرية الشعب الجزائري واستقلال الجزائر.
اعتراف الدولة الفرنسية بعد 64 سنة ما هو إلاّ نقطة من بحر جرائمها ضد الإنسانية لمدة 132 سنة، ويبقى ذاك الاعتراف رغم كونه إيجابيا، دون مستوى تطلعات الشعب الجزائري، وجاء هذا الاعتراف استمرارا للاعتراف بجريمة اغتيال الجيش الفرنسي للأستاذ الجامعي "موريس أودان"، وينتظر الجزائريون اعتذارات واضحة وصريحة وتعويضات، ففرنسا لا يمكنها نكران جرائمها في الجزائر إلى الأبد وليس باستطاعتها محو الذاكرة الوطنية.
اعتبر المؤرخ الفرنسي المختص في الثورة الجزائرية "جيل مانسيرون" أن رفض فرنسا إبداء أي ندم وتقديم أي اعتذار للجزائر عقب تسليم تقرير المؤرخ "بنيامين ستورا" أمرا مقلقا، وقد علقت رئاسة الجمهورية الفرنسية في تغريدة لها في تويتر على تقرير "ستورا" قائلة إنه "لفتات رمزية". علق على ذلك "مانسيرون" بأن هذا الأمر كذلك مقلق.
تقريبا جميع المؤرخين في الجزائر وفرنسا يطالبون بالاعتراف بالجرائم المرتكبة خلال الثورة التحريرية وكشف الحقيقة. كما أبرز المؤرخ بأن "شخصيات جزائرية أخرى تعرضت للتعذيب والقتل على غرار رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، "العربي التبسي"، الذي أثار مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي حماسة الجزائريين بتصريحاته لصالح جزائر متحررة من نير الاستعمار حيث يكون لكل سكانها مكانا أيا كانت أصولهم وديانتهم.
وذكر السيد "مانسيرون" أن مظليين فرنسيين اختطفوا "العربي التبسي" من منزله بالجزائر العاصمة يوم 4 أبريل 1957 ومنذ ذلك لم يظهر عليه أي خبر معتبرا أن عائلة هذه الشخصية المسلمة يجب أن يقدم لها هي أيضا اعتذار من فرنسا.
في نفس العام 1957، لقي مئات الجزائريين الآخرون نفس مصير "علي بومنجل" ومنهم على سبيل الذكر الشهيد البطل الرمز "العربي بن مهيدي" الذي اغتاله السفاح الجنرال " بول أوساريس "، والكثير من المناضلين الذين اغتالهم الجيش الفرنسي لم يكونوا محامين ولا قادة ولا أصدقاء "رينيه كابيتانت" أستاذ "علي بومنجل" الذي رفض اغتيال طالبه السابق بتلك الطريقة البشعة وقدم استقالته من التعليم، اختفاء هؤلاء المناضلين البسطاء لم يتصدر عناوين الصحف الفرنسية في تلك الفترة ..
إن الرئاسة الفرنسية تدعي الاعتراف بالحقيقة لكنها لا تدين جرائمها ضد الإنسانية في الجزائر. من الناحية الأخلاقية، لا يوجد تقدم أو تنازل .. لجميع ضحايا هذه الجرائم. الرئاسة الفرنسية بهذا الإنكار تبرئ من ارتكبوا الجرائم ومن غَطَّاهَا سياسيًّا، أي بعبارة أخرى، يبرئ الدولة الفرنسية من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عما ارتكب باسمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني