الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصرفوا لصالكم!

محمد رضوان

2022 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


تأليف/ بيتر كروبوتكين

ترجمة / محمد رضوان

والسؤال الذي يطرح علينا غالبا هو: "كيف ستنظمون مجتمع المستقبل على المبادئ اللاسلطوية ؟ " إذا تم طرح السؤال على شخص يحلو له أن مجموعة من الرجال قادرة على تنظيم المجتمع كما يحلو لهم ذلك، فإنه يبدو طبيعيا جدا. ولكن يبدو ذلك غريبا جدا على الأذن إذا استبدلنا اللاسلطوية ب " أناركي " ، والإجابة الوحيدة التي يمكن أن نمنحها له هي: "لا يمكننا أن ننظمك. وسيتوقف عليك نوع التنظيم الذي ستختاره ». وإذا استمرت الجماهير في قبول فكرة قدرة الحكومة على القيام بكل شيء، وإعادة تنظيم العلاقات الاقتصادية والاستعانة ببضعة قوانين، فقد ننتظر لقرون كاملة إلى أن يتم إلغاء حكم رأس المال. ولكن إذا كانت هناك بين الطبقات العاملة أقلية قوية من الرجال الذين يفهمون أنه لا توجد حكومة -مهما كانت سلطاتها دكتاتورية -قادرة على مصادرة أصحاب رأس المال، وتكتسب هذه الأقلية نفوذا كافيا لحث العمال على اغتنام الفرصة الأولى لحيازة الأراضي الزراعية والمناجم من السكك الحديدية والمصانع عندها قد نتوقع أن ينشأ نوع جديد من التنظيم لصالح الكومنولث .
وهذه هي بالضبط المهمة التي فرضناها على أنفسنا. حث رجال العمل البدني وأصدقائهم بأنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم للتخلص من قمع رأس المال، دون أن يتوقعوا أن يتم تنفيذ ذلك من قبل أى شخص او كيان آخر غيرهم ويجب أن يكون تحرير المعالجة تلك هو عمل العمال في حد ذاته.
فمجرد كلمة " الشيوعية الأناركية " تبين في رأينا الاتجاه الذي يسير فيه المجتمع بالفعل، وعلى أي مسار يمكن التخلص من السلطات القمعية لرأس المال والحكومة، وسيكون من السهل علينا أن نرسم صورة للمجتمع وفقا لهذه المبادئ، ولكن ماذا قد يكون مثل هذا المسار، اذا لم يشك أولئك الذين أنصتوا إليه في إمكانية إعادة تنظيم كل شيء بوصفات مثالية، وإذا لم يتخيلوا قط أنهم أكثر قوة من ممثليهم، وإذا كانوا مقتنعين بأن كل شيء يمكن، بل ويجب، تسويته بواسطة حكومة، فإن أغلب الرجال ليس عليهم سوى الطاعة ولا يعملون أبداً من أجل أنفسهم؟
بالتالي، فإن أحد الأوهام الأولى التي ينبغي التخلص منها هو الوهم بأن بعض القوانين يمكن أن تعدل النظام الاقتصادي الحالي عن طريق السحر العاطفي، تتلخص قناعتنا الأولى في أن أقل شيء يمكن فعله من نزع الملكية على نطاق واسع، على يد المنتجين أنفسهم، قد يشكل الخطوة الأولى نحو إعادة تنظيم إنتاجنا على أساس المبادئ الاشتراكية.
وفي الواقع، إذا حللنا التعقيد الهائل للعلاقات الاقتصادية القائمة في أمة متحضرة، وإذا أخذنا في الاعتبار العدد الصغير نسبيا من العمال الحقيقيين في هذا البلد والعدد الهائل من الطفيليات التي تعيش على أكتافها وتهتم بالحفاظ على الظروف الطفيلية تلك، لا يسعنا إلا أن نعترف بأنه لن تتمكن أي حكومة على الإطلاق من الاضطلاع بإعادة تنظيم الصناعة، إلا إذا بدأ الشعب في ذلك بالاستيلاء على المناجم والمصانع والأرض والمنازل -وباختصار، على كل الثروات التي ينتجها عمله. ولن نتوقع من أي حكومة أن تتحرك في نفس الاتجاه إلا عندما تكون جماهير الشعب مستعدة للشروع في نزع الملكية ذاتها .
ومن المؤكد أن البرلمان الحالي لن يبادر إلى نزع ملكية ملاك الأراضي ورؤوس الأموال. وحتى لو اتخذ العمال موقفاً خطيراً حقاً، فإن حكام الطبقة المتوسطة الحاليين لن يتحولوا إلى اشتراكيين. وسوف يحاولون، أولاً، سحق الحركة وتفكيكها، وإذا لم يتمكنوا من القيام بذلك، فسوف يفعلون ما فعلته كل الحكومات في مثل تلك المناسبات المماثلة. وسوف يحاولون كسب الوقت، إلى أن تُصبح الجماهير، بعد أن تضاءلت إلى بؤس مروع بسبب الكساد المتزايد الذي تعاني منه الصناعة، على استعداد لقبول أي تنازلات، ولو كانت مضللة بدلاً من الموت جوعاً في الشوارع.
وحين نتوقع أن يحصل العمال الاشتراكيون على الأغلبية في البرلمان، فإننا بهذا نتمسك بوهم ساذج وعبثي. يتعين علينا أن ننتظر طويلاً قبل أن تنشأ أغلبية اشتراكية في هذا البلد. ولكن الآلاف الذين تحولوا إلى مجاعة بسبب ضخامة النظام الاجتماعي الحالي لا يمكنهم الانتظار، وحتى إذا أمكنهم ذلك، فإن الأحداث ستُعجلها صراعات جزئية. في الشتاء الماضي، رأينا أحد أحياء التعدين في بلجيكا يتمردوا علنًا ضد رأس المال، وقبل بضعة أشهر، كنا على وشك تفشي عام للعمال في بعض أنحاء الولايات المتحدة، ورغم أن خيانة الأسقف ـ زعيم فرسان العمل ـ ربما كانت سبباً في شل انتشار ذلك التفشي فإن الجميع في الولايات المتحدة ـ حتى أكثر الساسة عنداً ـ يدركون تمام الإدراك أن الأسقف قد يكون عاجزاً في وقت آخر، وخاصة في وجود الموقف الاستفزازي من جانب الطبقات المتوسطة، التي لا تتقاعس في مثل هذه المناسبات عن زيادة صفوف الساخطين وزيادة السخط.
سوف يُطرح السؤال الاجتماعي على أوروبا، بكل ضخامته، قبل أن يتمكن الاشتراكيون من احتلال بضعة مقاعد في البرلمان بفترة طويلة، وبالتالي فإن حل المسألة سوف يكون في واقع الأمر بين أيدي العمال أنفسهم. ولن يكون أمامهم أي خيار: إما أن يحاولوا حل هذه المشكلة بأنفسهم، أو أن يتحولوا إلى عبودية أسوأ من ذي قبل.
تحت تأثير عبادة الحكومة، قد يحاولون ترشيح حكومة جديدة، بدلا من الحكومة القديمة التي تم إسقاطها، وقد يُعهد إليها بحل جميع الصعوبات. إنه لأمر في غاية البساطة والسهولة أن نصوت في صندوق الاقتراع ثم تعودوا إلى دياركم! من دواعي السرور معرفة أن هناك شخص ما سيرتب شؤونك الخاصة للأفضل بينما تدخن غليونك بهدوء وتنتظر الأوامر التي سيكون عليك تنفيذها فقط وليس التفكير فيها، هذه طريقة مثيرة للإعجاب لتترك أمورك كما كانت من قبل حتى ولو تمت خيانة ثقتك مرارا وتكرارا!
والتاريخ حافل بمثل هذه الأمثلة . شعب باريس الثائر في عام 1871 رشح أيضا حكومة، وأعرب عن أمله في أن هذه الحكومة -التي تتألف، في الواقع، من أكثر الثوريين المخلصين الذين ينتمون إلى جميع قطاعات المجتمع الثوري، جميع الرجال المستعدين للموت من أجل تحرير الشعب -سوف يقدموا تسوية لكل شيء للأفضل!
وفعلوا الشيء نفسه في باريس في عام 1848، عندما اختاروا حكومة مؤقتة بالتزكية، وتوقعوا أن هذه الحكومة -التي تتألف أيضا من رجال شرفاء -سوف تحل المسألة الاجتماعية.
ولكننا نعلم إلى أي مدى كان إيقاظ البروليتاريين في باريس شيء مروع، ونحن نعلم كم هائل من الرجال والنساء والأطفال المذبوحين الذين دفعوا حياتهم في مقابل ثقتهم.
ولكن هناك عصر آخر، حين تصرف هؤلاء الفرنسيون أنفسهم بطريقة أخرى. كان الفلاحون أقنانًا قبل عام 1789 -في الواقع، إن لم يكن بموجب القانون. كانت أراضي كوميونياتهم محاطة بملاك، وكان عليهم أن يدفعوا لهؤلاء اللوردات كل نوع ممكن من الضرائب، أو الخلاص من العبودية الإقطاعية.
صوت هؤلاء الفلاحين أيضا في عام 1789، ورشحوا حكومة. ولكن عندما رأوا أن هذه الحكومة لم تستجب لتوقعاتهم، ثاروا وفي الواقع لقد فعلوا ذلك حتى قبل أن يروا حكومتهم تعمل. وذهبوا إلى أصحاب الأملاك وأجبروهم على التنازل عن حقوقهم. وأحرقوا المواثيق التي دونت فيها هذه الحقوق، فأحرقوا بعض قلاع أكثر النبلاء المكروهين. وفي ليلة الرابع من أغسطس، تأثر نبلاء فرنسا بالمشاعر الوطنية العالية (كما يقول المؤرخون)، التي تحمست بسبب مشهد القلاع المحترقة، وتنازلت عن حقوقها إلى الأبد.
صحيح أنهم بعد أربعة أيام أعادوا تأسيس نفس الحقوق بفرض رسوم استرداد. لكن الفلاحين ثاروا مرة أخرى. بل إنهم لم ينتبهوا على الإطلاق إلى ما صوتت عليه الدائرة. واستولوا على الأراضي المغلقة وبدأوا في حرثها. لم يدفعوا أي ضرائب تعويضية، وعندما تدخلت السلطات -باسم القانون المقدس -ثاروا ضد السلطات. يقول M.Taine أنهم ثاروا ست مرات في غضون أربع سنوات، وكانت ثوراتهم ناجحة للغاية حتى أنه بحلول نهاية العام الرابع تم إلغاء المؤتمر -المؤتمر العظيم، وهو المثل الأعلى لكل اليعاقبة الحديثين -مرة أخرى من قبل أعلى المشاعر الوطنية (يقول المؤرخون من الطبقات الوسطى ذلك)، وأخيرا ألغت جميع الحقوق الإقطاعية في عام 1793، وأُمرَ بحرق جميع الأوراق المتعلقة بالحقبة الإقطاعية.
ولكن ما ينسى المؤرخون قوله هو أن الحقوق ألغاها الفلاحون بالفعل، وأن أغلب الصحف التي تتناول الحقوق الإقطاعية كانت قد حرقت بالفعل.
وهكذا فإن الهيئة الثورية الرهيبة لم تسمح إلا بالحقيقة الفعلية. الإقطاعية لم تعد موجودة بالفعل ، فلم تفعل الاتفاقية شيئا سوى إعلان خطبة جنازتها.
ربما لن يحرق عمال القرن التاسع عشر المصانع، ولكننا نتصور أن أساليب عملها سوف تشبه إلى حد كبير أساليب عمل الفلاحين الفرنسيين. ولن ينتظروا أوامر من الأعلى قبل أن يستولوا على الأراضي ورأس المال، وسوف يأخذونهم أولاً، ثم ينظمون أعمالهم بعد ذلك -وهم بالفعل يمتلكون الأرض ورأس المال- وهم لن ينظروا إلى هذه الأمور باعتبارها ملكية خاصة ـ بل سيكون ذلك مستحيلاً في ظل حالة إنتاجنا الحالية المعقدة والمتشابكة والمترابطة.
سيقومون بتأميمها .
المصدر
https://theanarchistlibrary.org/library/petr-kropotkin-act-for-yourselves








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا