الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سحر القص في عنقود -لا شيء سواها، ورحيلكم المباغت- يصحبنا حبيب الحسني إلى أعماق مجتمع مزون

الغربي عمران

2022 / 3 / 31
الادب والفن


مجموعة قصصية تضم اثنى عشر نص توزعت على 85 صفحة، صادرة في 2018 عن بيت الغشام بمسقط.نصوص كُتبت بين عام 1988 و1915، نُشر بعضها على صفحات الملاحق الأدبية لصحف عمانية.
للعلم
السرد في عمان حديث عهد نسبة إلى انتشاره في أقطار عربية أخرى، إلا أن تعدد منابره مؤخرا أوجد حركة ديناميكية وتطور لافت، برزت خلال عقدين من الزمن أسماء بأعمالها الوازنة وتنافسها على كبريات الجوائز، بل وحصدها.
مقل
من خلال مجموعة نصوص "لا شيء سواها...". دهشت لكاتب يكتب بذلك الإتقان وذلك الحس الإنساني المرهف، والصدق الفني الذي يوهم القارئ بأنها نصوص نحتت من واقع معاش. ولا يكون له غير هذه المجموعة، رغم نشاطه الثقافي ومشاركاته الأدبية المتنوعة.
عتبات
لا شيء سواها مجموعة نصوص مائزة بمواضيعها وفنياتها، تنوعت أفكارها وأساليب معالجاتها. لكن ما لفت انتباهي تلك العتبات سبقت النصوص، هذا إذا تجاوزنا بالذكر لعتبات أخرى مثل لوحة الغلاف ودلالتها، العنوان والمكون من خمس مفردات، أو بالأصح من جملتين، ثم الاهداء ومقدمة صاغها الكاتب وكان لا بد منها، حيث أوضح عدة نقاط هامة حول الفترة التي كُتبت فيها تلك النصوص، ونشر بعضها على صفحات الملاحق، اضافة إلى ظروف كتابة كل نص والتعديلات التي أجريت على بعضها قبل نشرها في هذه المجموعة.
ومن تلك العتبات:
"تذكار مطيرح:(شمسٌ من الحسن صار الحسن هيكلها)، شيخ البيان محمد بن شيخان.
تذكار العذيبة: (قفا ياصاحبيّ، قفا، برسم للحبيب عفا)، موسى بن حسين بن شوال".
تلك كانت عتبة النص الأول وهو الذي أستعار الكاتب عنوانه ليصبح عنوان الغلاف الخارجي"لاشيء سواها، ورحيلكم المباغت".
"تذكار الماضي: إلى سيف الرحبي، أعلم ياصديقي أنك ما زلت تبحث عن نجمة أعضاءك الواهنة.
تذكار الحاضر: إلى سيف الرحبي أعلم كذلك أن صراخك ما زال مزهراً تحت سقف الصباحات". وتلك عتبة لنص "انفجار في جمجمة صدئة".
"تذكار اول: إلى داوود تشيوليه، لمريم العذراء الف صلاة وصلاة.
تذكار ثانٍ: قال لي أكتبني وأرسُلني حرفين.. كي أمطر الجسد فأنا الحقيقة". هذه عتبة لنص بعنوان "ثروة المغيب الآبقة".
"تذكار الصباح: (ولننكسر في كل يوم مرتين، فمرة حين نقابل الضياء، ومرة حين تذوب الشمس في الغروب فقد أردنا أن نرى أوسع من حدقاتنا) صلاح عبد الصبور
تذكرة المساء: (قالو: صيحوا.. زنديق كافر، صحنا زنديق.. كافر. قالوا: صيحوا فليقتل نحمل دمه في رقابتنا) صلاح عبد الصبور". عتبة "للذاكرة اصوات النوارس".
وهكذا جعل الكاتب لكل نص عتبة. كل نص مستقل بدلالتها ورمزيتها. تدعو القارئ للتأمل والبحث بين جملها عما تغمطه. تلك العتبات الطويلة نسبياً لا تتصل بسياق النصوص التي تليها، أو أن تكون مفاتيح لها.
عدى عتبة نص بعنوان "حميدة بنت علي".
"تذكار للشمس: توفيت البارحة إلا أنني قمت من وفاتي متأخرا.
تذكار للقمر: في حقيبة الليل أضع الانتظار الطويل، حيث وشق الكلمات يأمرني بالرحيل".
وهي العتبة الوحيدة أو شطر منها الذي يتسق مع موضوع النص، إلا أن القارئ يمكنه قرأه العتبة وبقية العتبات كنصوص قائمة بذاتها موضوعيا وفنيا.
مواضيع
تنوعت مواضيع نصوص المجموعة وأن صبت في نهر القضايا الاجتماعية، متعمقة في قيم وتطلعات المجتمع العماني، من خلال حيوات شخصياتها المتنوعة، وذلك الحوار مع الذات، والصراع الدائم مع الأخر، وإن جاء الفقد على صدارة المواضيع التي عالجتها نصوص المجموعة، فمن الموت في نص "حميدة بنت علي" مرورا بلا "لا شيء سواهم..." ونص " ثورة المغيب الآبقة" الذي يحضر الفقد "انفجار في جمجمة صدئة". والفقد متنوع من رحيل عن دنيانا، إلى فقد الحبيب والأمان والأطراف في نص "خبز ورصيف..." الى فقدان جريدة لقطيطاتها وحزن عم عياد بائع الحلوى في نص "محظيتك مطيرح" .
نصوص المجموعة تولد تساؤلات عدة، حول حياة الأمس البسيطة، إلى حياتنا المعاصرة بتعقيداتها، وحيرة الفرد أما متاهاتها .
أساليب
وإذا انتقلنا إلى أساليب السرد، تلك التي اختلفت من نص إلى آخر، فمن الأسلوب المشهدي، ذلك البناء العنقودي مثل "لا شيء سواها..." ونص "طاح براد الليل" و "خبز ورصيف"، و"انفجار في جمجمة صدئة". تلك النصوص التي أظهر الكاتب قدرته على معالجة تلك القضايا بتجدد لافت، ونأخذ نص "حميدة بنت علي" التي جاء بناءه بداية من المشهد الأول. جثمان مسجي، حوله مجموعة النساء، يغسلنها، يطيبنها، استعدادا لرحلتها الأخيرة "الآن يراق عليها الماء، ثم مسك مذاب في كوب ماء، ثم ياس مذاب في سطل ماء، ثم قطرات من العودة والعنبر، ثم دخان خشب العود الذي يتخلل القماش الابيض...". مشهد ثان ينسج لنا الكاتب حركة النساء حكيهن لبعضهن البعض، ما حلمت به حيال المتوفاة في ... "قالت أخرى )صدى صوت حميدة ما زال يتردد بين جبال مطيرح "دعوني أسبح بماء البحر، هل تخشون الفتنة؟ سوف اسبح بملابسي، لعلي أطلعُ على الحقيقة")". مشهد ثالث وقد خرج الرجال بجنازتها يسيرون باتجاه المقبرة، وسط عويل ونواح من على الأسطح والنوافذ "تتالت الصرخات، تهادت الجنازة على رؤوس الرجال ، كانت المسافة تطوي مسيرة طويلة بدأت من صرخة الحياة في مطيرح" يقدم لنا الكاتب هذا المشهد وقد نسج الكاتب هذه النص من عدة مشاهد شكلت في مجملها النص بصورة مدهشة وشيقة.
إلى نصوص حوارية من بدايته إلى نهايته مثل نص "ثروة المغيب الآبقة". ونصوص استخدام المراسلات، وأخرى اتصفت بالكتلة السردية، حيث تسير الأحداث تصاعديا من البداية إلى النهاية في كتلة واحدة. ألى أسلوب بندول الساعة المضي بالأحداث من البداية، ثم العودة إلى الماضي وهكذا في عدة حركات حتى النهاية. أمر آخر، تغير السارد بين نص وآخر، فنص يسرد أحداثه عليم، وآخر ضمير المتكلم، وثال مخاطب.
تلك النصوص صاغها الكاتب بلغة سلسة، ولغة متماسكة تخللتها حوارات بالعامية، وبمفردات دارجة. كما حضرت مفردات من صميم اللهجة العمانية المحببة، مثل: حدرى، لمدينة، الدكة، مغيبة، دوشج، ضبعون، كتارة، دهمان، ماسخ، بالزور، الدختُر، بو صفار، فنر، الفنر ترس، حل تراب، الشرجة، ريفدور، شكول، المغيب، سليلية، الضيط، حويرية، كمة...
ما يجعل القارئ يعيش إيقاع حياة مجتمع تلك النصوص.
المكان شخصية
تنوعت شخصيات نصوص المجموعة، من الاب الحاني ، صبي يتعرض لبتر ساقيه نتيجة لشكة مسمار في إحدى قدميه. إلى ممرضة متعجرفة، الي بائع حلوى جائل ، إلى جثة امرأة إلى صياح سمك، إلى موظف عدادات إلى آخر تلك الشخصيات. إلا أن مطرح تبرز كشخصية منافسة للشخصيات بحضورها في معظم النصوص حتى لكأن هذه المجموعة متتالية قصصية بطلتها "مطيرح"، التي أصبحت ومسقط ضمن مدينة واحدة هي عاصمة السلطنة، مطيرح ومدن ومناطق أخرى أثث الكاتب فضاء مجموعته القصصي إلا أن مطيرح الأكثر حضورا، إذ لا يخلو نص إلا وتكون هي الفضاء المكاني الذي يحتوي أحداث النصوص.
وكما هي مطرح حاضرة حضرت عدة أماكن مثل: مسقط، القرم، زنجبار، الخوير، أم بوشر، خور بمبة، سوق الظلام، بركا، دارسيت، قنتب، اللخيصة.. إلا أن مطيرح كانت القاسم المشترك والشخصية المكانية البارزة، "في الليل عندما يشد خيط على مطيرح المختبئة بين الجبال الكستنائة ، يمارس الصمت هوايته بامتصاص الاصوات...". وفي نص آخر "تعود إلى مطيرح عشيقتك الأبدية، تتأوه، تشعر بوخز في قدميك، تدخل من الوادب، بوابة مطيرح الطبيعية والشاهد على دخول الجيوش ..." ومن ثالث "كانت الأحداث قد اشتعلت في بطن مطيرح، الناس تلوك الإشاعات، تتلذذ كالأم أو كالعذاب الذي يمارس ضد رجل يؤدي صلاته الصباحية امام فنجان القهوة...". وهكذا يهمين حضور مطرح ككائن له حيوته المتعددة، وأثره على حياة ساكنيه.
المجموعة ثرية بتنوعها الموضوعي والفني، أتمنى أن تنال حقها من الدرس والبحث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل