الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوكرانيا بوابة روسيا

بدور زكي محمد

2022 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في زحمة الأصوات المنفلتة من ماكنة الغرب الإعلامية والتحريض الممنهج ضد روسيا، لا يتسنى للعامة من الناس أن يتبينوا حقيقة الصراع في أوكرانيا وأسبابه التاريخية، والقريبة العهد أيضاً، كما أن الزمن المائل نحو الإنحدار المعرفي وفوضى المعلومات الميسرة من خلال آلاف المواقع التي تخدم سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا، لا يسمح للناس بتشكيل رأي عام يستند على تأصيل الظواهر، بل يلقي بهم على أعتاب النتائج، فلا يجدون أمامهم سوى حرّاس الديمقراطية الغربية التي مازالت تحظى بجاذبيتها التاريخية، والتي غطّت على جرائم صنّاعها في مستعمراتهم. في المقابل فإن روسيا التي ورثت نظام الإعلام الموجه والمحدود في تأثيره، مازالت في منتصف الطريق نحو تطوير إعلام حر يخدم مصالحها ويمتلك آلية الإنتشار عالمياً، بما يوفر فرصة لتوضيح الموقف الروسي من الحرب الدائرة في اوكرانيا. وهذه الحرب فجَّرت أحقاداً قديمة، تمثلت في أكثر أشكالها عدوانية في موقف الحكومة البريطانية، ذات التاريخ البعيد في عدائها لروسيا، وهذا ما عبَّر عنه الكاتب الروسي ليونيد الكسندروفيتش، بقوله: " إذا كان هناك في واشنطن لوبي مناهض لروسيا، لكنه لا يستطيع إعاقة تطور العلاقات بين موسكو وواشنطن، فإن في لندن ما هو أقوى من لوبي، إنه النظام نفسه والحكومات المتتالية التي لا تبذل أي جهد ملموس لتحسين العلاقات" (مقالة للكاتب بعنوان لغز الخلافات بين روسيا وبريطانيا). وبينما تتباين التصريحات السياسية في الغرب في درجة حدَّتها ضد روسيا، يتبين الفرق بين الخطاب البريطاني والأمريكي، فقد اضطر مصدر رسمي في البيت الأبيض إلى استدراك الخطأ الذي وقع فيه الرئيس بايدن في كلمته التي ألقاها في وارسو، فقد قال: حباً بالله لا يمكن أن يبقى بوتين في السلطة!! فسَّر البيت الأبيض ذلك بأن بايدن لم يدعُ إلى تغيير النظام في روسيا، بل قصد التنبيه إلى أنه لا ينبغي أن يسمح للرئيس بوتين باستخدام القوة ضد جيرانه. كما لم يمنع التوجه الأمريكي الرامي لتوسيع حلف الناتو ومحاصرة روسيا، من أن تصدر تحليلات تاريخية منصفة لأسباب الحرب الحالية في أوكرانيا، ففي حديث للفيلسوف الأمريكي، الباحث السياسي والمؤرخ، نعوم تشومسكي، يقدم رؤية واضحة لأسباب التدخل الروسي في أوكرانيا، مستعرضاً ما حدث بعد انهيار الإتحاد السوفيتي في الفترة ما بين العامين 1989 و 1990، ففي ظروف تفكك الإتحاد وانحسار قوته، وافق غورباتشوف على توحيد شطري ألمانيا، وانضمامها إلى حلف الناتو، أثناء لقائه بجورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر، ظناً منه أن ذلك سيقمع أي نزعة عدوانية لدى ألمانيا التي حاولت منفردة تدمير روسيا مرات عدّة، ومقابل هذا التنازل الروسي قيل لغورباتشوف أن حلف الناتو لن يتوسع صوب الشرق إنجاً واحداً. ويضيف تشومسكي أن ما حصل كان عكس ذلك فقد تمدد الناتو حتى وصل إلى حدود روسيا في عهد كلينتون، ولما احتج غورباتشوف، أجابه ثنائي بوش وبيكر بأن ما تعهدا به سابقاً كان شفهياً لم يُسجل على ورق!! ويعلق تشومسكي على ما آلت إليه الأوضاع، بقوله: لا يمكن لأي قائد روسي أن يقبل انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، كما أن خطوة كهذه لا تقدم حماية لهذا البلد، بل تهدد بوقوع حرب، وهذا ما حصل فعلاً. ونقرأ للباحث الأمريكي في العلاقات الدولية، جون شايمر، نقداً جديرا بالمتابعة، فهو يرجع بداية الأزمة الأوكرانية إلى العام 2008 أثناء انعقاد قمة الناتو في بوخارست، حين اصَّرت إدارة بوش الإبن على الإعلان بأن جورجيا وأوكرانيا ستصبحان عضوين في الناتو، ورداً على ذلك -حسب شايمر- نُقل عن الرئيس بوتين قوله: إذا انضمت أوكرانيا للحلف فإنها ستفعل ذلك دون شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية. حينذاك تجاهلت أمريكا ذلك التحذير، ومضت في جهودها لتقريب أوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي، بل وجعلت منها "قلعة غربية على حدود روسيا" على حد تعبير جون شايمر. (مقاله في مجلة الإيكونومست). ولم يقتصر الأمر على الباحثين، فكبير مستشاري وزير الدفاع الأمريكي السابق، دوغ ماكريغر، انتقد سياسة الغرب، وقال إننا تجاهلنا تحذير الرئيس بوتين منذ خمسة عشر عاماً بأن لا ندفع باتجاه ضم أوكرانيا لحلف الناتو، وأن لا نضع صواريخنا على حدود روسيا، كما أكّد على أن روسيا ليس لديها نوايا لمهاجمة دول الناتو مثل بولونيا، وهي تريد أن تكون أوكرانيا بلداً محايداً، وأضاف بأنه لا ينبغي على الغرب أن يواصل شحن الأسلحة لأوكرانيا والمساهمة في إطالة أمد الحرب التي لن تنتصر فيها. كما انتقد النظام الأوكراني وقال عنه أنه ليس مثالاً مشرقاً للديمقراطية، فضلاً عن فساده. مثل هذه الآراء لا نسمعها بوضوح في بريطانيا التي ظهر رئيس وزرائها بوريس جونسون وكأنه يواجه أساطيل الجيش الروسي وقد أوشكت على غزو بريطانيا، ولا نجد من يردّه من النخبة السياسية، فكلهم صوت واحد يتوعد روسيا، حتى المعارضة تبدو أكثر تطرفاً منه. وألأكثر شراسة في عدائيتها لروسيا، هي وزيرة الخارجية، التي استدعت السفير الروسي إلى مكتبها وطردته بعد عشرة دقائق من اللقاء، وحرّضت البريطانيين على التوجه لأوكرانيا لمقاتلة الروس، واعتماد أقسى "العقوبات" ضد موسكو. وهذا الوضع يحيلنا إلى سؤال أين الوجه الديمقراطي لبريطانيا، ولماذا كل هذا التنمر على روسيا؟ واضح لكل من يتابع سياسة جونسون، أنه يدفع باتجاه تقليص الرقابة الشعبية على سلوكه، والتراجع عن القيم الديمقراطية، وأوضح مثال مبكر لنهجه، ما صدر عن وزارة التعليم من توجيهات في العام 2020 بحظر انتقاد الرأسمالية في المدارس الحكومية، على الرغم من أن مثل هذا الحظر لم يكن مطلوباً في فترة الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفيتي. وفي منتصف العام 2021 نُشرت مراجعة للسياسة الدفاعية والخارجية لبريطانيا، نصّت على أن روسيا تشكل تهديداً رئيسياً للمملكة المتحدة، لماذا؟ إن العداء البريطاني لروسيا ذو جذور تاريخية، فلم تترك بريطانيا عدواً لروسيا إلا واستفادت منه أو تحالفت معه، وشنّت عليها حروباً عديدة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولعل المثال الأبرز لتلك الحروب، حرب القرم (1853-1856) بين روسيا والدولة العثمانية التي تحالفت معها بريطانيا وفرنسا ومملكة سردينيا (إيطاليا). وكانت لندن هي البادئة، وزجّت قرابة ربع مليون من جنودها وضباطها، بالإضافة إلى آلاف من المتطوعين الأوروبيين المتحالفين معها وشارك الأسطول البريطاني بفاعلية في الهجوم على موانئ روسية، كما حاصرت القوات البريطانية ميناء القرم سيفاستوبول، مدة أحد عشر شهراً، فقدت خلالها ألآلاف من جنودها وضباطها. كان همُّ بريطانيا أن تدمر روسيا أو تبقيها ضعيفة لا تؤثر في محيطها الإقليمي، لذلك عملت لاحقاً على حشد المشاعر المعادية لروسيا في أوروبا، تحت شعار أنها دولة مستبدة توسعية، مع أن بريطانيا ونظيراتها من الدول الإستعمارية توسعت في اقصى بقاع الأرض، ومارست أشنع الأساليب لإخضاع مستعمراتها. بعد ذلك نشطت بريطانيا في مراقبة ظروف الفوضى السياسية التي أعقبت انهيار الإمبراطورية الروسية وقيام ثورة أكتوبر، فبدأت عملياتها العسكرية على الأراضي الروسية، ونشرت قواتها في مناطق شاسعة منها، ثم عزّزت مجهودها الحربي بآلاف من المقاتلين من مستعمراتها في أستراليا والهند وكندا. هذا بالإضافة إلى تقديمها مساعدات مالية وعسكرية للجماعات المسلحة التي قاتلت ضد النظام السوفيتي الجديد أثناء الحرب الأهلية. وإذا تركنا التاريخ وراءنا كما ينبغي أن يحصل بين الدول المتحضرة، فإننا لا نجد في السياسة البريطانية إزاء روسيا في السنوات القليلة الماضية، أي توجه لمعالجة الخلافات، بل العكس هو المطلوب، كما يخبرنا الكاتب ليونيد الكسندروفيتش في مقالته بتأريخ العام 2011، وينقل عن السفير البريطاني في موسكو، سيمون فريزر: " إن لندن تريد توسيع العلاقات مع روسيا ... وبيننا سلسلة خلافات في القضايا الثنائية، وهي خلافات جدّية، ونحن لا ننوي تغيير موقفنا المبدأي حيالها". ويضيف الكاتب بأن السفير أكّد على رغبة بلاده في التعاون في مجال الإقتصاد والطاقة، ولكن مع الإصرار على الإستمرار في الخلافات!! مع العلم أن بريطانيا تريد الكثير من روسيا. ويتابع الكاتب العلاقات بين البلدين، وكم من الأحجار تلقيها لندن ، لإعاقة مجراها، فيقول أن بريطانيا ترفض اي محاولة للتقارب والتفاهم بين روسيا وحلف الناتو، وتفتعل المشاكل، ففي اجتماع الجمعية البرلمانية للحلف في وارسو، وبحضور روسيا لمناقشة مسائل التعاون بينها وبين الحلف في أفغانستان " فوجئ الحضور في الإجتماع بمندوب بريطانيا في الجمعية يتقدم بمشروع قرار يدين روسيا، متهماً إياها باحتلال أراضٍ تابعة لدولة مجاورة لها، والمقصود هنا أبحازيا وأوسيتيا اللتان أعلنتا استقلالهما عن جورجيا، وأيدتهما موسكو". ولا أحد يدري ما الدافع وراء هذا السلوك البريطاني. ويبدو أن التوجه السياسي لبعض دول الغرب، لا يتصف بالحكمة، ولا يأخذ أصحابه بنصائح القادة السابقين، وكان الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك قد حذر كلينتون في العام 1994 من نتائج إذلال روسيا بتوسيع حلف الناتو، بقوله: " زدنا في إذلالهم، وسيكون لذلك ردُّ فعل قومي خطير في يوم ما" (نيويورك ريفيو، فريد كابلان). كما سبق للجنرال ديغول أن نادى في العام 1958 بضرورة إدماج روسيا في محيطها الأوروبي. لكن المشكة تكمن في أن الكثير من ساسة الغرب لا يريدون الشراكة مع روسيا، بل يريدونها تابعةٍ ضعيفة. وبعد فمهما كانت مبررات الغرب لمعاقبة روسيا، فإن ما يجري حالياً يتجاوز المعقول في أساليب العداء، فلم تسلم الآداب والفنون الروسية من حملات الكراهية الغربية لروسيا، فعلى سبيل المثال تُستدرج جهات ثقافية لمنع حلقة دراسية عن الأديب العظيم دوستويفسكي وكأنه مستشار للرئيس بوتين! كما مُنعت حفلات لموسيققين روس، وحتى طلبة المدارس البريطانية صاروا يخضعون لتوجيهات بنبذ روسيا! فهل لهذا كله علاقة بالقيم الديمقراطية أو الليبرالية؟ والأكثر تأثيراً وخطورة في مجال الإقتصاد، ما يجري من تجاوز فظ على المبادئ فقد" داست السلطات الغربية على مبدأ حرمة الملكية الخاصة، الذي استند إليه كل الإستقرار الإقتصادي الأوروبي لقرون عديدة " هذا ما قاله ياروسلاف بوغدانوف، رئيس الصندوق الروسي لحماية حقوق المستثمرين بالدول الأجنبية، وقد دعا حكومة بلاده إلى المطالبة بتثبيت معايير جديدة للقانون الدولي (نقلاً عن مقال لفاليري أندريانوف في صحيفة أزفستيا). وبانتظار أن تهدأ حمى الغرب ضد روسيا بالتزامن مع إحراز تقدم في المفاوضات الجارية في تركيا بين الأوكرانيين والروس، وتقليص بعض العمليات العسكرية الروسية، يزداد الأمل بوضع نهاية للحرب، وتثبيت أسس لسلام دائم يقوم على حياد أوكرانيا وابتعادها عن أحلاف الغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حرب الأصفار البائسة
محمد بن زكري ( 2022 / 4 / 2 - 09:34 )
الغرب (بتاريخه الدموي الاستبدادي) كله ، بقيادة أحفاد الزنابير الانغلوساكسون ، يستجمع كل مخزونه من العدوانية و الحقد و العنصرية ، ليشن حربا عالمية ثالثة (مقدسة) نصف معلنة .. ضد روسيا ؛ بالسلاح و تجييش المرتزقة و التجييش العاطفي الغوغائي ، و في الاقتصاد و الإعلام و الأدب و الفن و الرياضة ، و حتى على القطط الروسية ، بل حتى ضد التلاميذ الروس - فقط لأنهم روس - في رياض الأطفال . بينما حراس هيكل العم سام و حواريو الدولار و كهنة دكتاتورية راس المال ، من الأعراب المعدلين جينيا في مختبرات صناعة الذباب الإلكتروني ، الهائمين عشقا في ديمقراطية وول ستريت و إنسانية ماما أميركا .. يشنون حرب الأصفار (الصليبية) ، على ساحة (الجهاد المقدس) في موقع الحوار المتمدن ، و قد تخلوا عن كل شواغلهم الحياتية .. متفرغين - ليلا و نهارا - لمطاردة مقالات الرأي المختلف و إمطارها بوابل من الأصفار ، تنفيساً (ولدنيّاً) عن ذواتهم المأزومة ، و تعبيرا بائسا عن عن عبوديتهم المازوكية للسيد المتسلط حامل الكرباج الانغلوساكسوني .
و (مش فاضي) للرد على الولدنات الدونكيشوتية .


2 - السيد محمد بن زكري المحترم
عبد الحسين سلمان ( 2022 / 4 / 3 - 08:01 )
السيد محمد بن زكري المحترم

تفق مع تعليقكم هذا....لكن لا اتفق مع عبارة على تعبير (الجهاد المقدس) , فهو تعبير ديني


3 - عندما تكون الأصفار سيوفا و سهاما و نبالا مسمومة
محمد بن زكري ( 2022 / 4 / 3 - 12:48 )
الاستاذ عبد الحسين سلمان المحترم
للتوضيح . طبعا أنا لا أتبنى ذلك التعبير بحمولته الدينية . لكن بعض (الأشباح) ، من فصائل الذباب الألكتروني ، هم أجناد تيار الإسلام السياسي ، و هم من يعتبرون القصف بالأصفار شكلا من (الجهاد المقدس) ، في غزوات حرب الأصفار .

اخر الافلام

.. عالم مغربي: لو بقيت في المغرب، لما نجحت في اختراع بطارية الل


.. مظاهرة أمام محكمة باريس للمطالبة بالإفراج عن طالب اعتقل خلال




.. أكسيوس: مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوافق على توسيع عمليا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من الطلاب المتضامنين مع فلسطين ب




.. مئات المحتجين يحاولون اقتحام مصنع لتسلا في ألمانيا.. وماسك ي