الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا-أوكرانيا وحرب التضليل الإعلامي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


شراسة الدعاية الأوروبية والأمريكية ضد بوتين ورورسيا، أخذت تكتسح تدريجيا جميع المجالات الحيوية من التبادل بين الأمم، من الرياضة إلى والسينما والأدب ووصلت هذه الداعية والمقاطعة إلى المجالات الثقافية والفنية، حيث ألغيت العديد من المشاريع الثقافية والمهرجانات السينمائية أو المسرحية الروسية في أغلب أوروبا الغربية. ومؤخرا استقال من منصبه قائد ألأوركسترا الروسي الجنسية Tugan Sokhiev من منصبه ككقائد لأوركسترا الكابيتول في تولوز نتيجة الضغوط التي كان يعانيها من قبل عميد البدية والمجمع السياسي التابع لماكرون.
الدعاية الحربية الأوروبية والأمريكية المطبقة على الصراع الأوكراني الروسي، تتلخص في إلقاء المسؤولية، كل المسؤولية على الطرف الآخر، أي على بوتين وروسيا، دون فحص عواقب السياسات التي سبقته في المعسكر الغربي وبالذات سياسة الحلف الأطلسي والإتحاد الأوروبي التوسعية، ووكذلك سياسة الدولة الأوكرانية الموالية لأمريكا. إن شيطنة الخصم وجعله يبدو وكأنه لا ينتمي للبشرية، هي وسيلة بدائية لإلغاء الخصم وتعديمه وعدم محاولة فهم وجهة نظره وإلغاء إمكانية الحوار، وهذا يزيد من حدة الصراع ومن صعوبة فهم تطوراته المختلفة.
البروباقاندا الأوروبية دخلت مرحلة لا مجال فيها للاختلافات، أغلبية ساحفة من وسائل الدعاية تدق طبول الحرب وتدعوا للمزيد من الدماء والحرائق والأنقاض. الرئيس النائم جو بايدن، استيقظ من غفوته ليدعو بوتين بالجزار والدكتاتور وغير ذلك من النعوت السوقية والتي لا تساهم سوى في زيادة قوة الحريق. وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا تمتلك ترسانة ضخمة من ألأسلحة، وهذه الأسلحة لم تأت من السماء، ولم تصنع في أوكرانيا، لقد تم تسليح أوكرانيا منذ عام 2014 من قبل أمريكا وفرنسا وبقية أوروبا، وتطلق الحكومة الأوكرانية بانتظام أسلحتها ضد "المشاغبين" في ما يسمى الأراضي "الموالية لروسيا".
لدى أوروبا كما هو معروف معايير مزدوجة صارخة. تخيلوا لو أن بلاد الباسك أو كاتالونيا أو جزيرة كورسيكا أو كاناكي أعلنوا إستقلالهم الذاتي. فما الذي سيحدث، بالتأكيد لن يصفق أحد، وسترسل فرنسا وأسبانيا قواتهم العسكرية لقمع إرادة هذه الشعوب المحتلة والتي ترفض حتى اليوم أن تكون فرنسية أو إسبانية، وهذه هي نفس السياسة ونفس المنطق الذي يريدون تطبيقه في أوكرانيا. متناسين موقفهم المخزي عندما فككت دولة يوغسلافيا وانفصلت عنها أراض مثل كرواتيا وكوسوفو، صفق الجميع لذلك. الدول الغربية أيدت مباشرة ما سمى في ذلك الوقت بإستقلال هذه الأراضي. واعترفت ألمانيا والفاتيكان على الفور باستقلال كرواتيا مساهمين بذلك في تقسيم جثة دولة كانت حتى ذلك الحين موحدة. لكن عندما يكون الأمر عكس ذلك، كما هو الحال هنا مع عدو أمريكا الرئيسي، الذي يدعم الحكم الذاتي لبعض الأراضي التي كانت تتبع أوكرانيا، فإنها الفضيحة والإنفصال والخيانة والإحتلال.
ليس من الواضح ما الذي دفع روسيا لمهاجمة أوكرانيا، باستثناء اعتبار أن بوتين رجل مجنون يريد الهيمنة على العالم. وهناك رسالة من وكالة فرانس برس، الغير محايدة، نقلتها العديد من وسائل الإعلام الأخرى، تثير ما تلومه موسكو على كييف : إبادة جماعية للناطقين بالروسية في دونباس، ووجود جماعات فاشية متطرفة ونازيين جدد في الجيش الأوكراني وطموح زيلينسكي لإمتلاك أسلحة ذرية ... لكن وكالة فرانس برس أكدت بإصرار على أن هذه "اتهامات مجنونة". فهل حقا هي إتهامات مجنونة؟
تشويه صورة العدو هو مبدأ أساسي مستمر إلى حد ما في الدعاية الحربية. كان نابليون مجنونًا، وكان القيصر وصدام حسين وميلوسوفيتش والأسد والقذافي كلهم مجانين، وها هو الآن بوتين بدوره يكمل القائمة.
ومع ذلك ، فإن قضية النازيين الجدد حقيقية للغاية وموثقة من قبل الأوكرانيين أنفسهم. كتيبة آزوف le bataillon Azov المعروفة أيضا باسم الرجال السود، ليسوا من الملائكة، لكنهم نازيون يدعون لتفوق العنصر الأبيض وتنظيف أوروبا وتنقيتها من الشوائب الأخرى. يجب أن نتذكر أيضًا أن بعض الأوكرانيين أظهروا تضامنهم مع ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، هناك جزء من السكان قاتل النازيين، لكن جزء أيد الإبادة الجماعية لليهود وجميع الفظائع المرتكبة من قبل المؤسسة النازية. عندما يقول بوتين "سنقاتل الفاشيين الأوكرانيين"، تعرف روسيا ما تتحدث عنه، رغم أن هذا يظل مجرد حجة لتبرير الهجوم العسكري. هنا أيضًا، جعلت الدعاية الغربية الناس ينسون أن الاتحاد السوفيتي السابق كان أكثر من تعاون في هزيمة ألمانيا النازية. كان واضحًا تمامًا للسكان البلجيكيين في عام 1945، ولكن منذ ذلك الحين، كان للدعاية آثارها الكارثية على ذاكرة الأجيال الجديدة، لا سيما من خلال إنتاجات هوليوود والتي خلقت تاريخا جديدا تخيله بعض المنتجين لمثل هذه البضاعة المسماة بالفن السابع.
نتسائل هنا، كيف يمكننا اليوم تخيل حركة سلام في هذه الظروف وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى التقدمية والمناهضة للحرب ؟ إنه أمر صعب للغاية في الوقت الحالي، إن الوقوف ضد الحرب، يعني بكل بساطة بأنك مع العدو وستعامل عمليا كعميل للعدو. حينما نتسائل عن حقوق الذين يعيشون في منطقة دونباس، مثل أولئك الذين يعيشون في كوسوفو، أليس لهم الحق أيضا في إدارة حياتهم وبلادهم بأنفسهم؟ بطبيعة الحال حين نطرح هذا النوع من الأسئلة نصبح أوتوماتيكيا عملاء ومؤيدين لسياسة بوتين. في حقيقة الأمر كل المعلومات المتداولة في الغرب عن هذه الحرب وتداعياتها هي في النهاية معلومات الناتو.
نحن نعرف اليوم أن قوات الناتو هي القوات تطوق روسيا، وليس العكس ومع ذلك فهناك القليل جدا من الناس الذين يعون معنى هذا الحصار ونداعياته السياسية والعسكرية. وفي الآونة الأخيرة ، لم يكن هناك سوى عدد قليل من المتظاهرين ضد الحرب، الذين لا يدون المساهمة في هذه الحرب العبثية. منذ الحرب في العراق حتى الآن، كان هناك إحباط معين لحركة السلام عموما، ناتج عن عدم فعالية التظاهر كوسيلة للضغط على جنرالات الحرب. التظاهرات الضخمة التي حدثت على سبيل المثال في بريطانيا وإيطاليا، ذلك لم يمنع هذه الحكومات من المشاركة في المذابح، على الرغم من ردود الفعل الشعبية ضد الحرب. الأمر هذه المرة يختلف قليلا، بايدن لن يدخل الحرب بقواته ولن يرسل جنوده لمواجهة روسيا ، ليس لأن بايدن وعد ناخبيه بعدم إرسال القوات الأمريكية مباشرة إلى أي جبهة أثناء ولايته، فذلك مجرد وعد إنتخابي، ولكن لأن تجربة الحرب بالوكالة أثبتت فعاليتها وجوانبها الإيجابية، كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن، أي إستعمال البيادق المحلية للقتال لمصلحة أمريكا والغرب، ولقد نجح بايدن إلى حد الآن لجعل المواجهة تنحصر مواجهة أوروبية - روسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي