الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا!

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2022 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لقد اكدت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها، مرة أخرى، بان النظام الرأسمالي، لم يعد يخدم ويستجيب لحاجات الأغلبية المطلقة وقد وصل الى طريق مسدود نتيجة كم هائل من المشاكل والتناقصات التي لا يمكن حلها باي شكل من الاشكال. تؤكد هذه الحرب بان النظام الرأسمالي هو على سرير الموت، ولكن عملية حضوره قد تطول لعقود.

اذ برزت خلال هذه الفترة تناقضات بين حاجة الرأسمال الى عولمة الإنتاج لتحسين مستوى الربح ومخاطر اضطراب سلاسل التوريد لعوامل مثل الوباء او الصراعات العسكرية والجيوسياسية، الحاجة الى تحفيز النمو الاقتصادي العالمي وبين الحاجة الى معاقبة ومحاربة دول من خلال الحرب والعقوبات الاقتصادية التي تعيق النمو، الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول والتضاد بين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وجود تضخم في الأسعار مع ضعف النمو الاقتصادي وعدم القدرة على استخدام الأدوات التقليدية مثل رفع نسبة الفائدة لكبح التضخم والحاجة للحد من الاحترار المناخي وشن الحروب التي تؤدي الى تفاقم هذه المشكلة، وعشرات التناقضات الأخرى.

بينما اعتقد الكثيرون بان الوضع، لا يمكن ان يصبح باي شكل من الاشكال، أسوأ من الوضع الذي فرضه الوباء، يزداد الوضع سوأ بالفعل. ان تأثير العقوبات بالذات على روسيا سوف لن تقتصر على هذا البلد فقط، بل العالم كله، لان روسيا بلد مصدر للكثير من البضائع المهمة ومهم من الناحية الاقتصادية.

من الصعب التنبؤ بكل العواقب الاقتصادية للحرب على أوكرانيا بشكل دقيق لسبب بسيط وهو ان الاحداث قد تأخذ مجريات مختلفة اذ قد تستمر الحرب وتستمر العقوبات الاقتصادية على روسيا لفترة طويلة وحتى تتصاعد او ان تتوصل روسيا وأوكرانيا الى اتفاقية سلام، ولكن تستمر عقوبات معينة على روسيا او تنتهي الحرب وترفع العقوبات على روسيا بشكل كلي وهو احتمال ضعيف. لقد لمح قادة الغرب بان اشكال من العقوبات سوف تستمر بسبب شبة جزيرة القرم مثلا. فغاية الغرب من العقوبات هي ليست انهاء الحرب في أوكرانيا، كما ان روسيا قررت فصل نفسها عن الغرب والتوجه شرقا. لقد صرح رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون مثلا بان الحصار سوف لن يرفع حتى إذا وقفت روسيا حربها على أوكرانيا.

كما قلنا من قبل، لقد كانت خطة الغرب من العقوبات واضحة وهي فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا تؤدي الى تدمير سعر العملة الروسية، أي الروبل، والتسبب في نقص شديد في البضائع وتضخم جنوني وبالتالي انهيار الاقتصاد وتعرض قطاعات واسعة من الشعب الروسي الى المجاعة على امل ان تنتفض الجماهير في روسيا وتقلب النظام. ولكن هذه الخطة فشلت لحد الان، ولذلك تحول الصراع بين روسيا والغرب الى حرب استنزافية. رغم ان أوروبا أعلنت بانها استنفذت كل ما عندها من عقوبات ضد روسيا ،الا ان هناك مجال للتصعيد، كان ترد روسيا على العقوبات الغربية وتكثيف الدعم الغربي لأوكرانيا او اللجوء الى الهجمات الالكترونية الخ.

العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب شملت استثناء روسيا من السوق المالي العالمي مما يعني بان ليس بإمكان الدولة الروسية من تحرير سندات واقتراض الاموال من الأسواق الغربية، كما تم الحجز على ارصدة البنك المركزي الروسي المودعة في البنوك الغربية والتي يقال انها تبلغ 300 مليار دولار، وهي نصف مدخرات هذا البنك تقريبا. كما تم فرض العقوبات على كل البنوك الروسية التي لها علاقة بالجيش والمجهود الحربي في أوكرانيا حيث طردت من نظام سوفييت، كما تم فرض العقوبات على الشركات الروسية التي لها علاقة بالجيش مثل بعض شركات الطاقة وإنتاج المعادن وفرض عقوبات على كبار الرأسماليين الروس او ما يحلو للمحللين الغربيين تسميتهم بالاوليغارشية الروسية، بما فيهم الذين يعيشون في الخارج اذ تم مصادرة أموالهم.

أسعار الطاقة

تزود روسيا السوق العالمي ب 21.5 مليون برميل من النفط يوميا. لا يمكن تعويض هذه الكمية من النفط ،لأنه ببساطة لا يمكن لبقية الدول زيادة الإنتاج لتعويض ولو جزء يسير من هذا النصيب، وحتى إذا كان هذا الامر ممكنا، فان زيادة انتاج النفط تحتاج الى عقود طويلة الأمد وترتيب وسائل الشحن الخ. النفط الروسي الذي يباع في اوروبا هو أرخص لان روسيا قريبة من اوروبا الغربية، كما انها قامت ببناء عدد من خطوط الأنابيب لنقل النفط مما يجعل عملية نقله ارخص بكثير. لقد ارتفع سعر النفط منذ شهر كانون الأول عند صعود التوتر على الحدود الاوكرانية من 65 دولار للبرميل الى أكثر من 100 دولار للبرميل. ويستخدم النفط في النقل والموصلات وفي انتاج الكثير من البضائع مثل البتروكيماويات وفي انتاج الطاقة الكهربائية وفي التدفئة. كما ان روسيا هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم وخاصة الى اوروبا. يستخدم الغاز في انتاج الكهرباء وفي التدفئة. من الصعب جدا إيجاد بديل للغاز الروسي، لان هذا يتطلب إيجاد بدائل ضخمة من بلدان أخرى. كما ان البدائل الأخرى تتطلب تحويل الغاز الى وضع السائل ومن ثم شحنه وإعادة تحويله الى الغاز وهو امر مكلف ويحتاج الى بنية تحتية وبنائها سوف يحتاج من أشهر الى عدة سنوات. ان الغاز السائل هو أغلي من الغاز الذي ينقل عبر خطوط الانابيب. لقد بلغ سعر الغاز حوالي 20 يورو للميغاوات ساعة قبل الغزو والان ارتفع الى أكثر من 100 يورو. ان ارتفاع سعر الغاز خمسة اضعاف يعني ارتفاع سعر الكهرباء بنفس المقدار مما يجبر الكثير من الحكومات على دعم أسعار الكهرباء والشركات على تقليص الاستهلاك وخفض الإنتاج، كما يعني بان الافراد ينفقون كمية أكبر من مداخيلهم على التدفئة والطبخ مما يقلل من قدرتهم على الاستهلاك وهذا سيقلل الطلب على البضائع.

تحصل أوروبا على ما يقرب من 40 ٪ من غازها الطبيعي و25 ٪ من نفطها من روسيا؛ بالطبع، هذا يختلف من بلد الى اخر. سيكون لارتفاع أسعار الغاز والنفط بالنسبة لأوروبا، اثار هائلة، اذ يقوض انتعاش الاستهلاك الصناعي والاستهلاك الفردي الذي كان متوقعا مع تخفيف قيود كوفيد-19. وعلى الصعيد العالمي، سيؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى تفاقم الضغوط التضخمية القائمة بالفعل وسوف يكون له عواقب وخيمة على عدد كبير من الدول الفقيرة.

أسعار المواد الغذائية

تسمى روسيا وأوكرانيا سلة الخبز العالمية. تعد روسيا وأوكرانيا من بين أكبر خمسة مصدرين دوليين للعديد من الحبوب والبذور الزيتية الهامة مثل القمح وعباد الشمس والذرة. فروسيا وأوكرانيا هي مصدر أكثر من 25- 29 بالمئة من القمح العالمي. وروسيا لوحدها تنتج حوالي 18% من القمح العالمي وهي بذلك اكبر مصدر للقمح. وتشتري تركيا ومصر وبنغلاديش نصف انتاج روسيا من القمح. وتقوم أوكرانيا بتصدير كميات كبيرة من الذرة وحب الشمس الذي يستخدم في انتاج الزيت. اذ تمثل أوكرانيا 16 في المئة من صادرات الذرة العالمية و 12 في المئة من صادرات القمح في سنوات معينة. وتعد المورد الرئيسي للذرة لأوروبا والصين. وتنتج أوكرانيا أيضا 50% من زيت بذور عباد الشمس في العالم، وتلبي إلى جانب روسيا أكثر من 50 في المائة من احتياجات الحبوب لشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وتزود أوكرانيا لبنان بنسبة 50 في المائة من استهلاكه من القمح، وليبيا بنسبة 43 في المائة ، واليمن بنسبة 22 في المائة ، وبنغلاديش بنسبة 21 في المائة. تستورد مصر الذي تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالمي 86% من القمح الذي تستهلكه من روسيا واوكرانيا. يستخدم الفرد في مصر 150 كغم من القمح سنويا وهو ثلاث اضعاف المعدل العالمي. والمعدل هو اعلى في تركيا وهي بلد اخر يستورد الكثير من القمح.

لقد تضاعف سعر القمح منذ بدء الحرب وارتفع سعر الذرة والشعير والزيت التي تدخل في انتاج الكثير من المواد الغذائية. ويمكن ان ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل أكبر. ويتوقع ان يحدث نقص في الامدادات إذا طالما كان الصراع العسكري عاملا رئيسيا لانعدام الامن الغذائي في الكثير من مناطق العالم، وهذا ينطبق بشكل اكبر على الصراع في اوكرانيا. يمكن أن يؤدي الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى أزمة غذائية كبيرة من خلال تعطيل سلاسل التوريد الزراعية. فالحرب أدت بالفعل الى اغلاق الموانئ الأوكرانية وحظر السفن التجارية في بحر أزوف، الذي يتصل بالبحر الأسود. وبسبب الحرب لم يشحن 7 مليون طن متري من القمح واكثر من 12 مليون طن متري من الذرة الأوكرانية رغم انه تم بيعها. ويحاول مشترو الذرة الاعتماد على دول الاتحاد الأوربي وخاصة فرنسا وبلغاريا ورومانيا لتعويض الصادرات الأوكرانية التي توقفت بسبب الحرب. تؤدي الحرب الى قلة الإنتاج وعدم قدرة البنوك في بعض الدول على تسيير المدفوعات وعدم قدرة مالكي السفن على توفير السفن للنقل وارتفاع سعر النقل. تأتي هذه الزيادة في أسعار الحبوب في وقت كان هناك ارتفاع في أسعارها بسبب الوباء والتغير المناخي وميل الدول الى تخزين هذه المنتجات. ان نقص القمح سوف يؤثر على أسعار المواد الغذائية الأخرى التي سوف تستخدم كبديل. وسيكون النقص وارتفاع الأسعار أكبر في مناطق معينة، فعلى سبيل المثال وقعت روسيا والصين على صفقة زراعية واسعة ويسمح الاتفاق لبكين باستيراد القمح من أي مكان في روسيا. ان سيطرة روسيا على كميات كبيرة من التجارة من الأراضي الخصبة في أوكرانيا وعلاقاتها القوية مع كازخستان وبيلاروسيا سيمكن روسيا من تحديد الدول التي يمكنها تلقي الامدادات الغذائية المهمة.

يعاني 283 مليون شخص من 81 بلد حاليا حسب "برنامج الأغذية العالمي" من انعدام الامن الغذائي الحاد (الجوع) ويعيش 45 مليون شخص بالفعل على حافة المجاعة. سوف تتضاعف هذه الأرقام، إذا استمرت الحرب واستمر توقف الصادرات خلال موسم الحصاد الاوكراني القادم (هذا الصيف). ستكون الآثار السلبية في أوروبا في مجال الغذاء كبيرة بسبب الروابط التجارية القوية مع روسيا وأوكرانيا.

من جهة أخرى سيكون للصراع تأثير على صادرات الأسمدة مما سيؤدي الى تدني معدل المحاصيل حتى في اوروبا وامريكا بسبب العقوبات مما يعني المزيد من الزيادة في أسعار المحاصيل الزراعية. فروسيا وروسيا البيضاء تنتج كميات كبيرة من الأسمدة للعالم كله والعقوبات تحد من المعروض من الأسمدة، ولذلك ترتفع اسعارها، مما سيقلل من استخدامها ولهذا سيقل المنتوج الزراعي العالمي مما سيؤدي الى المزيد من الارتفاع في أسعار الحبوب والمحاصيل الزراعية.



أسعار المعادن

تعد روسيا منتجا رئيسيا للعديد من المعادن الأساسية مثل (الألومنيوم والتيتانيوم والبلاديوم والنيكل، الالمنيوم والكوبلت، والذهب والبولونيوم والبلاتينيوم والفناديوم) وكلها تدخل في صناعة بضائع مهمة. يستخدم البلاديوم ، على سبيل المثال، في إنتاج السيارات والهواتف المحمولة وحتى حشوات الأسنان. ويستخدم النيكل لصنع الصلب وبطاريات السيارات الكهربائية. وهناك نقص في انتاجها وقفزة في أسعارها. ان نقصها وارتفاع أسعارها سوف يؤثر على القطاعات الصناعية مثل صناعة السيارات في جميع انحاء العالم. لا يمكن تعويض الكثير من هذه المعادن. ان نقص هذه المعادن سوف يزيد من التضخم وفي الاضطراب في سلاسل التوريد العالمية.

التأثير على سلاسل التوريد!

سيكون للعقوبات المالية تأثير على سلاسل التوريد والتجارة، حيث تجد الشركات في بعض الدول صعوبة لإيجاد القنوات المالية اللازمة للتجارة. ان اضطراب في النقل البحري من أوكرانيا، وخلق الأجواء امام الطيران بين روسيا والغرب وتوقف الطيران بين اسيا واوروبا عبر الأراضي الروسية وحتى توقف بعض الشحن البري بين اسيا واوروبا عبر روسيا سيزيد من تعقيد قضايا سلسلة التوريد القائمة وسيزيد الاسعار.

الانفاق الإضافي وانخفاض الأرباح!

اعلنت الحكومة الألمانية زيادة الإنفاق الدفاعي بمقدار 100 مليار دولار هذا العام وزيادة الإنفاق الدفاعي السنوي إلى 2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وينطبق هذا على اغلب الدول الاوربية، اذ قررت انفاق المزيد على الدفاع دون التوسع المصاحب للقدرة الإنتاجية وهذا سوف يؤدي الى انخفاض المستوى المعيشي للمواطن الاوربي. من جهة أخرى تقوم الكثير من الدول الاوربية التي تريد تقليل اعتمادها على الغاز الروسي في بناء محطات لمعالجة الغاز الطبيعي المسال والاستثمار في البنية التحتية للطاقة، وقد قررت كل من المانيا وإيطاليا بالفعل في بناء محطات لتحويل الغاز الطبيعي المسال الى الغاز. وسيكون هناك نفقات للانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء أيضا.

كما ستقوم الكثير من الشركات في تقصير سلاسل التوريد والذي هو شيء مهم للبشرية، ولكن سيئ لأرباح الرأسمال فسلاسل التوريد العالمية تخفض تكاليف الإنتاج. ان هشاشة سلسلة التوريد سوف تحفز بعض الشركات على تفضيل المصادر المحلية للمنتجات على المصادر الأجنبية.

من جهة أخرى قام عدد ضخم من الشركات بالاستثمار في روسيا او الاستثمار لبيع البضائع لروسيا. سوف تشطب الكثير من الاستثمارات وستختفي الكثير من الأرباح التي كانت ستحقق في روسيا. فالكثير من الشركات استثمرت في وسائل الإنتاج والعمال والبضائع التي تم انتاجها وفي التسويق والشحن وكلها ستذهب هباء، فروسيا هي ثالث أكبر سوق في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

الاثار الاقتصادية على الدول التي تسمى بالدول الناشئة!



يكون تأثير الحرب على الدول "الناشئة" مختلط، فارتفاع أسعار الطاقة العالمية سوف يساعد بعض الدول، في حين سوف يخلق مشاكل مصيرية للقسم الأعظم. معظم هذه الدول سوف تتأثر بارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية والذي يختلف حسب مقدار كميات الغذاء المنتجة محليا ومقدار العملات الصعبة التي تحصل عليها من التصدير.

اجبر ارتفاع سعر الخبز الحكومة المصرية على دعم سعره وقامت الحكومة بخفض قيمة عملتها وقامت بطلب قرض مستعجل من صندوق النقد الدولي. وتمر تركيا بأزمة خانقة تهدد حياة الفقراء في هذا البلد حيث بلغ نسبة التضخم هذا العام 100%.

ونحن بصدد مشاهدة كارثة إنسانية في سيريلانكا، فالاقتصاد على وشك الانهيار والسكان غير قادرين على توفير الوقود والغذاء والأدوية. ان تأثير الوباء وانخفاض مردود السياحة وخلق المواقع الإنتاجية ومن ثم ارتفاع أسعار الوقود والغذاء قد أدى الى هذه الكارثة. لقد انفض سعر الروبي السيريلانكي بمقدار 50% وهذا يجعل استيراد الوقود والغذاء امرا صعبا. وهناك انقطاع في الكهرباء ونقص شديد في الوقود والطعام. ويترتب على سيريلانكا، مليار دولار من الديون مستحقة الدفع الان، ولا يمكن دفعها وهي تحتاج الى اكثر من 20 مليار دولار لهذه السنة لتامين الوقود و الطعام فقط. وقد فرضت حالة الطوارئ بسبب الاضطرابات. ولهذا فهي في مفاوضات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصين من اجل الحصول على قروض عاجلة.

مثل هذه الاحداث سوف تتكرر في العديد من البلدان الفقيرة التي عانت نتيجة الوباء والان جاء الارتفاع في الأسعار لكي يجعل الوضع أكثر صعوبة. ان ارتفاع سعر الخبز بالذات سوف يؤدي الى مجاعات في الدول الفقيرة. الكثير من الدول ستعجز عن دفع ديونها وستشهد نقص في الغذاء والأدوية وانقطاع الكهرباء. ومن المحتمل ان تؤدي هذه المصاعب الى اضطرابات اجتماعية هائلة.



الاثار الاقتصادية على روسيا:

ان تأثير الحرب على روسيا يكتنفه الكثير من الغموض. ولا يمكن الوثوق بالمعلومات التي تأتي من كلا طرفي هذا الصراع، فهي أقرب الى الدعاية الحربية من كونها تقييم دقيق. فهناك اختلاف في تقديرات الانفاق على الحرب نفسها. كما لا يمكن تقدير كم سيساعد ارتفاع أسعار البضاع التي تصدرها روسيا مثل النفط والغاز والمحاصيل الزراعية والمعادن في تغطية تكاليف الحرب. وليس واضحا حجم الدعم الذي ستقدمه الصين لروسيا. لقد قامت روسيا بدعم الصين في مجالات تامين الطاقة والكثير من مصادر الغذاء وفي المجالات العسكرية، ولكن ليس من الواضح في المقابل، مقدار الدعم الذي ستقدمه الصين في مجال توفير الرأسمال والتكنولوجيا. ولكن ليس هناك شك بان توقف واردات التكنولوجيا والمعدات الحيوية الأخرى مثل قطع الخيار للطائرات المدنية من الغرب سوف يكون له تأثير هائل على روسيا. رغم كل هذا يبدو ان الاقتصاد الروسي لحد الان يتاقلم مع العقوبات بشكل افضل من المتوقع.

ارتفاع خطر ركود اقتصادي عالمي.

وكما وضحنا أدت الحرب الى ارتفاع أسعار الطاقة والمحاصيل الزراعية والمعادن المهمة. كما تشكل الحرب والعقوبات صدمة كبيرة للإمدادات، حيث تعطل سلاسل التوريد وتسبب نقصا حادا في السلع الزراعية والمعادن والكثير من البضائع. وهذا يؤدي الى تفاقم التضخم عالميا الذي كان مشكلة حتى قبل الحرب، اذ بلغ مستويات لم تشهد لعقود. ان ارتفاع أسعار الطاقة والمحاصيل الزراعية والمعادن يؤدي الى ارتفاع أسعار كل البضائع الأخرى. التأثير الحقيقي للحرب على الأسعار سوف يتبين بعد مرور 3- 6 أشهر. بلغ التضخم في المانيا مثلا في شهر مارس 7.6 وفي اسبانيا 9.8 % وفي أمريكا 7.9% وفي بريطانيا 6.2%. ان غلاء الاسعار سوف يحد من قدرة الحكومات على الانفاق. كما ان زيادة سعر الوقود والبضائع الاولية يقلل من إنفاق الشركات. كما ان الأسر التي تنفق جزءا أكبر من دخلها على الوقود والتدفئة والمواد الغذائية سيكون لديها نقود أقل للأنفاق على السلع والبضائع والخدمات الأخرى. كل هذه ستؤدي الى فقدان الوظائف وزيادة فرصة حدوث ركود اقتصادي.

ستلجأ الدول الى رفع نسبة الفائدة من اجل وضع حد للتضخم، اذ ان أسعار الفائدة المرتفعة سوف تشجع الناس على الادخار، لان المال المدخر سوف يجلب المزيد من الأرباح، كما ان زيادة نسبة الأموال التي تصرف لخدمة الديون سوف تقلل الأموال المتوفرة في السوق مما يقلل الطلب وبهذا يقل التضخم.

قام بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة ثلاث مرات في الربع الأول من هذا العام ، إلى 0.75 في المئة. ورفع البنك الفيدرالي الامريكي أسعار الفائدة بمقدار 0.25 في اجتماعه الأخير في منتصف مارس. وقال المركزي الأوروبي، في اجتماعه في مارس، بأن التيسير الكمي سينتهي على الأرجح عاجلا وأن أسعار الفائدة قد تبدأ في الارتفاع في وقت أبكر مما كان متوقعا.

ولكن التضخم في معظمه لا يحدث بسبب زيادة الطلب في الدول المختلفة، بل لأسباب جيوسياسية عالمية. لذا فان رفع الفائدة سوف يقلل الانفاق ويحد من النمو الاقتصادي دون ان يحل مشكلة التضخم وقد يجعل المشكلة أسوأ، ولكن رغم هذ ليس امام البنوك المركزية من خيار اخر.

ان مقادر الدين السيادي ودين الشركات والافراد هو في اعلى مستوى في تاريخ الرأسمالية. الدين المترتب على الحكومات على المستوى العالمي هو 300 ترليون دولار. والدين المترتب على الشركات الرأسمالية حول العالم في 2019 بلغ 72 ترليون دولار والامر ليس أفضل بالنسبة للأفراد. ان ارتفاع نسبة الفائدة سوف يجبر الكثير من المديونين على اعلان الإفلاس أي افلاس الحكومات والشركات والافراد وهو ما سيزيد من احتمال الركود الاقتصادي. سوف تقوم الشركات بتقليل الاستثمار نتيجة ارتفاع سعر خدمة الديون. كما ان الافراد الذين ينفقون المزيد على ديون قروض البيوت والقروض الأخرى سوف يقللون الاستهلاك. ان وجود مزيج من كميات هائلة من الديون والتضخم وارتفاع نسبة الفائدة هي وصفة لكارثة اقتصادية.

حتى إذا توقفت الحرب الان، من الصعب ان يعود النظام الرأسمالي الى الوضع "الطبيعي"، وسوف لن تعود الأسعار الى الوضع السابق. اذ هناك حالة من عدم يقين. ستبقى الحرب والابتزاز وسائل شائعة لتحقيق المصالح الاقتصادية، لان ليس بإمكان النظام الاقتصادي توفير الأرباح للقسم الأعظم من كل الرأسمال الاجتماعي. كما هناك عملية بناء اقطاب اقتصادية، اقطاب عملات وأنظمة دفع للعملات مختلفة عن نظام سويفت والتضاد بين العولمة والوطنية وكلها ستمنع النظام من العودة الى الوضع السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة