الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل شيء على ما يرام !

محمد بلمزيان

2022 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أصبح من المألوف أن تجيب كل من يسألك عن الأحوال بعبارة كل شيء على ما يرام ،أو ( مليح) (مزيان) ، للدلالة على وضعية إيجابية ،والحال أن الجواب يستبطن عبارة أخرى مناقضة تماما تفيد العكس في أغلب الأحوال، وهيأن سوء الوضعية، وانكماش كل فرص الفرح والمستقبل، ومع ذلك يلتجيء المجيب الى نفي هذه الوضعية برمتها والإرتكان الى استعمال خطاب نقيض ، يعاكس بذلك الإحساس الداخلي الذي هو حقيقي، ويناقض مواقفه الدفينة جملة وتفصيلا، فهل هذا دليل جبن وخوف أو هو مجاملة زائفة في عالم مزيف أو هو نوع من الموضة درجت عليه الأجيال البشرية التواقة الى حجب الحقيقة ودفنها حتى ولو تعلق الأمر بالواقع الإجتماعي المر الذي يغلي على وقع الغلاء المتواصل للمواد الأساسية والرفع المتزايد للأسعار.
في ظل البحث عن الذرائع التي تدفع بالمرء الى استعمال هذه العبارات المعاكسة للعقل الباطل، قد يستوقفك أحدهم ليقول بأن الحاجة الى هذه القواميس هو ضروري لنشر طاقة إيجابية بين الناس والتفاؤل بالمستقبل والغد المشرق،بدل البوح بالحقيقة على ( حقيقتها) التي من شأنها نشر القلق والياس والخوف والنظرة ( السوداوية )، وهي تحمل كلها طاقة سلبية تحطم كل الآمال والطموحات نحو معانقة غد مغاير، لكن هذا الفهم في رأيي لا يستند على أساس موضوعي ، ذلك أن إخفاء الحقيقة أو جزء منها يعتبر كذبا أو نفاقا وغيرها من أوجه التلفيق، وبالتالي فإن المداومة على نشر هذا النمط من التفكير ينتج عنه انتشار ثقافة ( النفاق) بين صفوف الناس الى حد التباهي فيما بينهم بأساليب وعبارات تحمل من المكر والخداع بما يجعلها تقلب كل الحقائق رأسا على عقب، حتى يتحول لدى الكثيرين ما يعتبر قيما إنسانية أو اجتماعية متوارثة مجرد أقاويل وأحابيل يمكن القفز عليها وتحريفها أو حتى إنكارها. فكيف يا ترى يمكن تشييد المستقبل المشرق بناءا على النفاق والكذب في مقابل طمس الحقيقة وانعدام الصدق؟ إنها مفارقة غريبة أن يتعلم الطفل هذه البراديغم من السلوك ويكبر ليصير شابا مزهوا بنفسه، ثم رب أسرة أو رئيس إدارة ، كيف هو متشبع بهذه الثقافة النمطية الغارقة في النفاق والكذب وإخفاء الحقيقة، كيف يمكن أن نتصور حجم الضرر الذي يمكن أن يلحقه بالمحيط الذي يتحرك فيه والتأثير السلبي والخطير لهذه ( الثقافة) التي تنحو نحو قلب الحقائق ومعاكسة الوقائع وما تشكله من نصب واحتيال على الآخر.
لعل حجم الضرر اللاحق فضيع وفادح لا محالة، حينما تنتشر أساليب الغش والخداع في المجتمع، والتي تنطلق منذ الطفولة ثم الأسرة وانتهاء بالمجتمع، فكيف لمؤطر ( استاذ) مثلا درج على استهلاك هذا الصنف من (الموروث ) ومتشبع حتى الثمالة بثقافة استهلاكية تعيد تدوير ثقافة محنطة ، أن يعلم الأجيال على قيم أخرى وهو يستبطن أفكارا مغايرة في قرارة نفسه، من قبيل كيفية ولوجه المهنة بالغش في الإمتحانات وبعدها في المباراة، وهو يشاهد كيف بتنافس التلاميذ والطلاب في الإبداع في فنون الغش، فكيف لموظف تسلق الرتب عبر التملق والوجاهة أن يعامل مواطنا بشفافية بعيدا عن الإبتزاز وهو الذي ولج الوظيفة ونجح بقدرة قادر على حساب متبار آخر تبخر حلمه في وسط الطريق، وكيف لفلاح دأب على سقي زراعته بالمياه العادمة لإسراع نموها وتقديمها الى المستهلك بأثمان باهضة وهي مغشوشة بل ومسمومة، وهو الذي عانى كثيرا مقابل حصوله على بذور الغرس والدعم بطرق ملتوية، هي نماذج مختلفة قد نصادفها في واقعنا المعيش هو نفس الواقع الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة خاصة مع التطور التكنولوجي والتقني والقدرة الهائلة لوسائل الإتصالات الجديدة، تندرج ضمن السلوكات المنحرفة والهدامة لكل القيم الإنسانية النبيلة. إنه لأمر محزن حقا أن تحجب الحقيقة خلف ستار من الكذب، ويتوارى الصدق خلف جبال من الغش والخديعة، حتى أصبح بعض المهووسين بهذا ( النمط الثقافي) يكتسحون المجالات المختلفة ، مرجعهم الوحيد هو النفاق والكذب وهدفهم الإستراتيجي هو مراكمة الأرباح والغنائم بهذه الأساليبة البراغماتية الضيقة المشحونة بأساليب المكر والخديعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية