الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياد في الحرب الروسية الأوكرانية وما موقع الحوار المتمدن

عذري مازغ

2022 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يمكنني أن أتفهم موقف خبير روسي أو أوكراني في الحرب الروسية الأوكرانية، يمكنني أيضا أن أتفهم موقف قنوات روسيا وقنوات أوكرانيا في الدفاع عن بلديهما، لكن ما لا أفهمه هو أن يكون خبيرا ما أو أن تكون قنوات إعلامية من بلدان أخرى تسير مع هذا الاتجاه او ذاك، هذا أمر شائك ولا يعني إلا أمرا آخر، فالاستعانة بالآخر في الصراع، بهذا الخبير "المحايد" (من بلد آخر) او تلك القناة الإعلامية من بلد آخر هو امر سفه المشهد الإعلامي، وحتى تلك الخرافة الجميلة: الاستعانة بمعارض من البلد الذي في الحرب، من الجانبين أقصد، كالقول مثلا روسي ينتقد النظام الروسي أو اوكراني ينتقد النظام الأوكراني، هذا الامر لا يعد اكثر من شحنة زائدة لتجييش عواطف الذات، ذات المتلقي المتعاطف مع هذا أو ذاك، إن الحقيقة هي الوحيدة الضائعة في الصراع وهذا أمر حقيقي، لكن لنضع هذا جانبا ونتساءل، لماذا لا يوجد خبير محايد وقناة محايدة؟ لماذا نلجا احيانا إلى مثقف معروف بنزاهته على الرغم من انه هو ايضا في التزظيف الإعلامي يقتطع كلامه على طريقة "ويل للمصلين".. لا يوجد حياد ببساطة لأننا اردنا أو كرهنا نوظف هذا الصراع داخليا، فالمجابهة بين الروس وأوكرانيا أصبحت الآن مجابهة بين القوى الاجتماعية داخليا لأن الصراع في هذه الحرب وإن بدا يقتصر على بلدين هو في العمق صراع كوني بين القوى الإمبريالية الرأسمالية التي تتحشد لنصرة هذا الطرف على ذا. والقوى الغجتماعية المناهضة له.
في مشهد غريب في قناة دولية "خبيران" سوريان واحد في باريس والآخر في واشنطن، سوريان لكن مختلفان كل منهما يجدي في نصرة طرف معين، كلاهما منفيان (أو هكذا اعتقد)، لكن بنظرة قصيرة يعكسان نفس الصراع في سوريا بين ما يسمى قوى الثورة (المعارضة) والقوى المناصرة للنظام السوري أو موضوعيا لما يسمى "جبهة الممانعة" (رغم ان هذه الموضوعية فيها الكثير من النقض أيضا) ، في متابعة هذا الحوار تبقى الحقيقة هي الضائعة دائما، هذا الحوار يعكس النمطية المقلوبة للنمطية الأولى التي هي انعكاس الصراع الدولي في صراعاتنا الاجتماعية الداخلية، هنا في حوار هذه القناة الدولية ينقلب النمط، يتنمط الصراع الداخلي في سوريا في الحرب الروسية الأوكرانية، قس هذا على كل الجبهات في تناقضاتنا.
هل مثلا يستطيع المحلل "الخبير" ان يقفز عن واقعه الإجتماعي في الصراع الداخلي وينظر إلى الحرب من زاوية مختلفة؟
حتى الآن لم أشاهد هذا المثقف الخبير الذي يقفز على تناقضاته الذتية (بمعنى داخل وطنه) ويحلل الصراع من منظور استراتيجي دولي استنطاقا للميكانيزمات التي تتفاعل فيه (لا يمكن لخبير سوري معارض للنظام ان يعطي لنا تحليل موضوعي في الصراع الروسي الأوكراني والعكس بالعكس: لا يمكن لخبير موالي للنظام السوري ان يعطينا تحليلا موضوعيا متفهما لوضع الحرب الروسية الأوكرانية)
ليس الموضوعية هنا هي ما يفسر تدخل هؤلاء "الخبراء" في هذه القناة الدولية والتي هي بالمناسبة " ر. ت" الروسية، بل الصراع في سوريا هو ما يحدد هذا النمط من التجيش : روسيا مخطئة في اوكرانيا لأنها مخطئة في تدخلها في سوريا إلى جانب النظام السوري، والعكس بالعكس بالنسبة "للخبير الثاني": أوكرانيا هي المخطئة لأنها تمثل قوة الشر الغربية، وبغض النظر عما إذا كانت وجهات نظر الخبيرين مقنعة أم لا فإن تحديد منطلقات الخبيرين في الصراع يفسد موضوعة الحقيقة.
في القنوات الأوربية كانت موضوعة الحرب الروسية الأوكرانية هي الأسذج على الإطلاق وطبعا في أوربا حيث الإعلام يتميز باحترافية قاسية ويمكن الإستدلال هنا بالحوارات الإنتخابية قبل الدخول في موضوعة الحرب، في القنوات الرسمية التي بهذا اللمز الإحترافي تسمى ايضا قنوات مستقلة، في حوار انتخابي يحضر صحفيون هم في الواقع ـ خبراءـ في السياسات الوطنية، في الغالب ينتمون إلى الحزبين القويين في الدولة، توزع الحوارات بحسب التمثيلية السياسية في برلماناتها، بعبارة أدق يحضر في البلاطو ممثل الحزب الاول، ممثل الحزب الثاني، ممثل لليسار، وممثل للوسط وآخر للوسط القومي (تشكيل يعكس الخريطة السياسية، أمر عادي بحيث يظهر أن توزيع الحق في التعبير حق متساوي) لكن إلى جانب ممثلي هذه التشكيلات صحفيون خبراء في الترنيم الإنتخابي، "مستقلون" بشكل ما هم ما أن تنظر إلى مسألة الإنتماء لمواقعهم الصحفية ومواقعهم الرقمية حتى تعرف انهم في الأغلب ينتمون إما إلى الحزب الاول او الحزب الثاني بشكل يهيمن في الحوار الخطاب الإيديولوجي الرسمي لنظام الدولة متمثلا في الأحزاب الاولى التي بشكل ما تلعب تلك اللعبة المعروفة في الإنتخابات : حين يصعد الحزب الثاني للإنتخابات يلعب الذي كان الأول دور المعارضة على الرغم من أنهما معا، الأول والثاني لا يختلفان في شيء (بعض التفاوتات السياسية) هذا النظام من الحكم هو في شكله العام نظام الدولة الرأسمالية، في الحوار تتوزع المداخلات بشكل متساوي ويبدو الأمر عادلا، لكن إضافة اولئك المستقلين يخل بالعملية تماما: أي ان الخطاب اليميني النظامي هو المهيمن على خطاب اليسار مثلا وهذا هو ما يفسر اتجاه القوى اليسارية احيانا إلى الحديث في مثل هذه المناسبات بشكل مقتضب على مستوى المضمون: استغلال الدقائق المتاحة في قول كل شيء (ورغم هذا فعلى مستوى المتلقي، الإنسان العادي) هذا المتلقي تنقصه درجة الإستيعاب القصوى لفهم ذلك المقتضب في دقائق، وتحضرني هنا المناظرة الجميلة في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية بين جاك شيراك وفرانسوا ميتيران لتفسير لماذا اليسار برغم خطابه البراغماتي المقنع لا يستوعب من طرف الشعب وقبل الحديث عن ميتيران وجاك أقر مثلا أن حزب "نستطيع" ( (Podemos في إسبانيا، في تقديم برنامجه السياسي في الإنتخابات الاخيرة كان مقنعا جدا فهو كان برنامجا يقترح معالجات اجتماعية واقتصادية ما ويرصد في نفس الوقت السقف المالي كما يرصد في نفس الوقت أيضا من أين ياتي مصدر هذا السقف وليس كما كنا نعتاد سابقا كون الأحزاب تعطي وعودا معينة وتتعذر تاليا بإكراهات ما . كان حزب "نستطيع" يقدم برنامجه بشكل معقول (serio) ومدعم بمعطيات علمية لكن كان ينقصه ذلك المرح النيتشي في تقديمه وهذا ما جعلني اتذكر فرانسوا ميتيران في تلك المناظر الفرنسية الجميلة، حينها وبحسب علماء اللسنيات والسيميائيات وعلم النفس المقيمين للمناظرة تلك (وهذا لم نعد نجده الآن في التقييم السياسي) كان جاك شيراك مقنعا أكثر وجادا في خطابه، بينما كان ميتيران مرحا وساخرا وواثقا في نفسه وكان يوظف معطياته السياسية بحكم انه كان رئيس الدولة بشكل مقتضب يستحضر فيه تلك الإكراهات المفترضة والتي جربها في حكمه ليسخر من جاك شيراك.. في الانتخابات نجح ميتيران.
عشت في إسبانيا اكثر من عشرين سنة لدرجة لم أعد أطيق خبراء قنواتها التلفزية "المستقلة"، إني أحفظ أسماء "خبراء" هذه القنوات لدرجة أعرف ما سيقوله قبل أن يتكلم والغريب في الامر اني أجدهم في كل القنوات الرسمية وكأن إسبانيا ذات الخمسين مليون نسمة (ما يقرب خمسين مليون نسمة) ليس فيها إلا هؤلاء ويقهمون في كل شيء حتى حين يضرب هناك فيضان في منطقة معينة نجدهم يدلون بالرأي.
في الحرب الروسية الأوكرانية أجدهم هم انفسهم واعرف تماما ماذا سيقولون؟ بشكل، مع فرض العقوبات على الإعلام الروسي اشتقنا إلى الرأي الآخر (ليس الراي الذي يمثله "الخبير المحايد" كالسوريان في قناة "ر.ت"). لكن في الحقيقة في الإعلام الروسي أيضا نفس النمطية وإن بدرجة أقل، غنه يتوخى نسبة كبيرة من الموضوعية لسبب بسيط هو ان عليه ان يكون مقنعا. بعد أربعين يوما من الحرب، وجدت "ر. ت" الروسية أيضا لها رزمة خبراء واكاد اجزم انهم بشكل من التناوب هم انفسهم طيلة هذه المدة وعلى العموم هذه القناة تمثل ما نسميه نحن في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ب "جبهة الممانعة": إنها "حيادية" بشكل ما أحسن من القنوات الغربية وتتناسب موضوعاتها مع عواطفنا في الجبهات الداخلية على مستوى الصراع الاجتماعي في بلداننا، لكن أغلب الوقت فيها يمنح لخبراء "الجبهة الممانعة" بما يخدم روسيا، توزيع المداخلات فيها على الشكل التالي: "خبير" من روسيا، "خبير" ممانع من الشرق الأوسط من المنفيين، "خبير" محايد من واشنطن قد يكون من جبهة الممانعة و"خبير" محايد (من اليسار الأمريكي) أو بعض العرب اليساريين المنغمين بالحلم الأمريكي والنتيجة ان جبهة الممانعة اكثر من الجبهة الاخرى.. لا حياد في الأمر.
الحياد في الحوار المتمدن:
في الحوار المتمدن اقرأ مقالات متنوعة: لهؤلاء من "الجبهة الممانعة"، لهؤلاء من الجبهة المناوئة، جبهة الرهج العربي (او ما يسمى بالربيع العربي) وفيه اجد مقالات أخرى تتناول الحرب بموضوعية اكاديمية مبنية على معطيات اقتصادية وجيوسياسية لا تنفخ في الأرقام سواء تعلقت بالغرب أو بروسيا أو بالصين، لكن الحوار المتمدن ليس قناة بحجم القنوات التي انتقدناها هنا . نحن بالفعل نحتاج إلى قناة ذات بث مباشر وتسمح بهذا التنوع في المداخلات . لكن هذا ايضا يطرح إشكالا آخر: إن استنطاق الميكانيزمات في الحرب الروسية الأوكرانية بموضوعية ما ينسف من النقيضين: إن التحليل قد يعجب هذا الطرف او الآخر، والحقيقة الموضوعية هي: لا حياد في الصراع بشكل يطرح مسألة أخرى: هل الحياد حقيقة موضوعية؟
الحقيقة أن الحياد هو الغش في التموقع : تمرير التجييش العاطفي لطرف ما على انه حقيقة موضوعية.
هذا يتناقض مع القول بأن الحوار المتمدن محايد؟
صحيح، لكن الحوار المتمدن يقدم وجهات نظر متعددة ربما هي حياته وهذا لن تجده في مواقع أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في