الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزة دياب تخلق علاقة في روايتها -حارسة الموتى- بين سكان المقابر والمدن

الغربي عمران

2022 / 4 / 6
الادب والفن


عزة دياب، كاتبة مثابرة تسير بكتاباتها بإيقاع متوازن وغير متسرع. من عمل لآخر ترفع منسوب الدهشة والإعجاب لدى متابعيها، فمن مجنون الحي -مجموعة قصصية- إلى لقاء من الكتب خان إلى روايتها روزينا. ومؤخرا صدر لها "حارسة الموتى" الرواية الأولى في جائزة راشد بن حمد الشرقي 2019.
حمدية تلك الفتاة الراضية بعيشتها، تسرد قصتها منذ صباها وحتى زفافها إلى شاب ظل ضعيف أمام أمه، يضرب حمدية كلما اعترضت على تبديد شقاه ورزق أولاده كم عنفته على ضعفه أمام أمه، عندما يأتي من الصيد تأخذ ما يجلبه وتمنحني القليل، وتطلب نقودا تجهز بها زيارة لبناتها المتزوجات، يمنحها ما معه، وإن طلبت منه شراء ملابس للولدين أخرج لي جيوبه الفارغة، غير سطوها على الفاكهة والحلويات التي يأتي بها بعد سهرة المقهى... لجأت إلى الخصام فلجأ إلى الضرب...
حمدية الضحية لمجتمع لا يرحم، فبموت زوجها يتخلى الجميع عنها، أم زوجها، أخوه، الجارات، حتى أمها عدة أيام والجارات ترعاني، وتحضرن ما استطعن من أطعمة ويصبرني ويدللن الولدين، بعدها مكثنا في غرفتي لا يدق الباب علينا أحد.
تتلقفها المقابر، تصحب طفليها إلى قبر زوجها تبكي، ليلتفت إليها زائر لقبر قريب يمد يده بالصدقة خنقتني الدموع، صعبت علي نفسي، أنتظر إحسان الناس اليوم، أدخل مرحلة جديدة، تعريني فيها الدنيا من عزة النفس، نظرت لحالي فماذا أنتظر غير الإحسان....
الرواية بنيت بشكل مشوق، فحمدية تحكي تحولها من زوجة مستورة إلى كائن دون عائل، فلا عمل ولا علم ولا أهل أو أصدقاء.
إلى الداهش يحكي حياته علاقاته، تلك الحادثة التي أثرت على حياته، بداية بعلاقة عمه وكبير أسرتهم بسردينة، التي انتهت برصاص خطأ من طبنجة سردينة لتسكن صدر عمه ليتحول العرس إلى معركة ألتم الجميع بهراواتهم على سردينة، واستمروا يضربوه لوقت بعد وفاته.
سعيد يحكي غربته وعودته من العراق بعد سنين من الكد خلالها كان يرسل ما يجنيه إلى والده الذي عمر وزوج أخوه وإنشاء تجارة ويوم يصل سعيد ينكره الجميع، يعود لمهنة كان يجيدها سباك على باب الله.
أبو إسماعيل أو شحاتة يحكي سنواته مع الكبير، وتجارة الممنوع.
من خلال تلك الأصوات المتعاقبة على سرد تغوص الكاتبة بالقارئ إلى قعر مجتمع يصطخب بالظلم، ولا يظهر أي بارقة أمل لرحمة.
تلك الشخصيات تعيش بالحيلة وقوة الذراع.
ولم تكن تلك الأصوات هي الوحيدة، فقد بدأت الرواية براو عليم، لفصلين: الموتى خارج المقابر. والليلة السابقة لخروج الموتى. رويت كمدخل لأحداث الرواية التي هيمنت شخصية حمدية كضحية بدايةً، لتتحول بعد مصاحبتها ل نعيمة مغسلة المتوفيات بداية كمساعدة لها، ثم نباشة لقبور الميتين حديثا لتسطو على سنة ذهب أو سلسلة أو أساور ودبلة، ثم تتعاون مع تاجر مخدرات لإخفاء كميات قليلة ما لبثت أن تضاعفت الكميات، فجأة رنت في أذني جملة حمدية البضاعة في مقابر الناحية الشرقة، هي تفتح المقابر وتضع البضاعة داخلها وقلبها يطاوعها تفتح على الموتى... تفتح جبانة وتدفع الميت وتضع الأكياس بجوار الموتى يخرب بيتك يا مجرمة... أبو إسماعيل يحدث نفسه وهو يسترجع كلامها ليكتشف أن بضاعته تتعفر وتتشرب من جيف الموتى.
عنوان الراوية مخاتل فلم تكن حمدية حارسة للموتى بل سارقة لهم، نباشة لتربهم. وهنا ندرك رمزية تلك الشخصية وكيف يحول الظلم الكائن البشري إلى وحش لا يخشى شيئاً. ففي بداية الأحداث ونتيجة لما وقع على حمدية من ظلم الأقارب يجد القارئ نفسه متعاطفا معها، لكن سريعا ما تتحول تلك النعجة الوديعة إلى وحش ما حدث لرجب إنذار من ربنا كي أقلع عن نبش القبور، ما أقرره في الليل أنساه في النهار، أواصل النبش، لم تمنعني روائح العفن والكمكمة ولا القوارض... وتصف حالة الرضيع مدفون بجوار مقبرة العائلة في لحد صغير ومبني عليه بالقليل من الطوب والأسمنت، خلعت ما فوقه وجدته ملفوفا في الأبيض تحسست يديه وجدت في كل منهما خاتما وفي رقبته سلسة بها خماسية قطعتها في خطفة واحدة وانتزعت الخاتمين بقوة فانفصل إصبع عن كفه الصغيرة، خلصت منه الخاتم ورميته في الكفن... بل إنها صادقت أشباح المقبرة، تلتقي ببعضهم وتجالسهم، لترى أو هي تتوهم ما لا يراه غيرها، نسجت حول ذلك حكايات عن حياة سكان المقابر، فمنهم من يرفض أن يظل في قبره، يخرج يجول ليلاً، ومنهم من يبوح لها بأسراره، وآخر يذهب ليقتص ممن قتلوه، وهكذا تحولت حياة ذلك المجتمع إلى جحيم وقد أمتزج الأحياء بأمواتهم وتحولت المقابر إلى منازل والمنازل إلى مقابر.
الكاتبة أجادت في تقديم شخصية حميدة بتحولاتها، لتقدم لنا نموذج أمثل للشخصية المركبة، متعددة الأوجه. فهي تحن وتعطف علي سعيد المنبوذ من أهله، وهي تطارح الأستاذ عبده الغرام، ثم تتجاوزه إلى أن تغرم بأحد أشباح القبور وتقضي معه لذتها.
ملمح آخر ظهر بين شخصيات مجتمع الرواية، متمثل في الفقد، موت واحد بعد الآخر بداية بزوج حمدية، مرورا بشقيقه، ثم الأستاذ عبده، العربي، وغيرهم، لتنتهي بموت حمدية الشخصية المحورية ثم ابنها رجب، ولم يقتصر الفقد على الموت فقد تعدد وتنوع في مجتمع ليس للضعيف فيه مكان. إضافة إلى عدة قيمات ناقشتها الرواية منها: الحرمان، الطبقية، انتشار تجارة وتعاطي الحشيش... إلخ
شكلت الرواية ايقاع حياة مدينة من مدن الدلتا، وتلك العلاقات المتداخلة صورتها الكاتبة بصدق فني مدهش، وكأنها بعين كمرة ترصد تلك التداخلات الاجتماعية بجميع تفاصيلها، مجتمع صيادين وعربجية وارزقية على باب الله. أجواء مقابر تتمازج كجزء من حياة الناس، ما جعلها حياة المقابر يهيمن على واقع ذلك المجتمع، بتلك العلاقات المتشابكة، بداية من عائلة الميت إلى من يقومن بغسله وتجهيز للدفن ، إلى العربة التي تنقل أدوات الغسل والتجهيز، نقل النعش، طقوس الدفن ، وما يتبعها من طقوس، وتلك العلاقات بين طائفة من الأرزقية، حفاري القبور، بناء الترب, ما يصاحب زيارات المقابر، القراءة والدعاء على الميت، لتتداخل عدة عناصر مجتمعية، منها تجار الحشيش، الشذوذ، الصيادين، تصاحب ذلك ممارسات خفية، إلى تصور لحياة يريدها سكان القبور، وقد جسدتها الكاتبة في رفضهم للبقاء تحت التراب، بل وخروجهم يسيرون في الطرقات ويتحدثون إلى البعض.
رواية مائزة، بثيماتها وشخصياتها، تجاوزت الكاتبة بها أعمالها السابقة، لتكون لها بصمتها الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل