الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة واللجوء في -عناقيد لهفة نازفة- ناصر عمر دياب

رائد الحواري

2022 / 4 / 6
الادب والفن


لا بد للكاتب ان يتأثر بواقعه، ويمكن أن يكون ما يكتبه هو انعكاس لهذا الواقع وصورة عنه، في هذه النصوص يعيدنا "ناصر دياب" إلى حالة اللجوء الأولى في المنطقة العربية، إلى لجوء الفلسطيني وتشتته في بقاع الأرض، ولم يقتصر اللجوء على الفكرة، التي نجدها في "البحر" فحسب، بل في عنوان الكتاب "عناقيد لهفة نازفة" وفي طريقة تقديمه، فتنوع مواضيع الكتاب يشير إلى هذا التشتت، فنجد مواضيع عن الحب، الطبيعة، الألم، الكره، الهم الشخصي، الهم الجماعي، المرأة، الوطن، الكتابة، وعندما نجد كل هذه المواضيع في كتاب واحد، نتأكد أن كاتبه/صاحبه يعاني من حالة التشتت/التشرد/الهجرة.
إذن "عناقيد لهفة نازفة" ـ شكلا ـ لا نجد فيه وحدة الموضوع، لكن في المضمون/الجوهر نصل إلى فكرة التشتت، وهذا يحسب للكاتب/للشاعر، الذي أوصل فكرة المعاناة للمتلقي بطريقة غير مباشرة، فتعدد المواضيع لم تأت والكاتب يعي ما يكتبه، بل من خلال العقل الباطن، فهذا التنوع ما كان ليكون من كاتب/شاعر يعي أهمية وحدة موضوع الكتاب، بل من كاتب/شاعر يعيش واقعه، الحالة التي يمر بها، فكان تعدد المواضيع انعكاس لما يمر به.
الجميل في هذه النصوص أن فاتحتها "لهفة" تعكس حالة الشاعر، نجد الألم، اللهفة، الأمل، ليس من خلال اللجوء للمرأة فحسب، بل من خلال الالفاظ المستخدمة أيضا:
لا تسأليني عن لهفتي
فأنت لهيبي وملهمتي
مهلا علي يا فتنتي
ما عدت أحتمل
فنظرة عينيك سر فاتن
فتان
يا لهفتي
صوتك سر الله في دنياه
تحلق الروح معه
تطير في سماء
على إيقاعه يرقص نبضي
أنت رشفة الماء
تروي عطشي
في صحرائي القاحلة
صدرك المرمر
نور وضاح فاضح
أضاء الليلة الظلماء
فأصبح ليلة قمراء" ص4، استخدام الشاعر لألفاظ "لهفتي (مكررة)، لهيبي، ملهمتي" والتي جاءت بضمير المتكلم، تشير إلى حالة الألم، فوجود حرف الهاء في هذه الألفاظ يـأخذنا إلى المعاناة.
وإذا عدنا إلى أثر المرأة الهادئ/الناعم الذي يفترض أن يتجاوز المعنى إلى الألفاظ، نتأكد أن وجود لفظ "لهيبي" لم يكن ضمن السياق الذي تتركه المرأة، فهذا اللفظ لا ينسجم مع حالة النعومة/الهدوء التي تتركها، لهذا جاءت ضمن حالة أخرى، تحمل بين ثناياها شيئا من القسوة/الألم.
وأيضا نجد المعاناة "عطشي، صحرائي، القاحلة" التي لا تتناسب وحضور المرأة، فكان يفترض أن يكون المقطع بمجمله ناصع البياض، تنسجم فيه الفكرة مع الالفاظ لخدمة فكرة الفرح الذي تُحدثه المرأة، لكن وجود ما يعكر صفوة البياض يشير إلى واقع الشاعر وما يمر أو مر به من ألم/قسوة.
وفي "أتى الربيع" والذي يمثل أبرز خروج عن سياق النصوص، حيث جاء على شكل قصة، وبمضمون ينسجم مع طبيعة القصة، ففي البداية كان الفرح:
"بكل زهوته وبهائه
يفوح العطر منه
وكل شيء بهيج
كل الربيع حلو...
أنا الشاعر أحب كل إبداع
وما هو جميل" ص 14، في هذا المقطع المطلق والناصع البياض، تنسجم الفكرة مع الألفاظ في خدمة حالة الزهو التي يعيشها الشاعر، بعدها يأخذنا إلى حالة جديدة، تتحدث فيها البلابل الذي تهنأ في دنياها:
"...والبلابل تشدوا
في فضاء .. في السماء
فوق الأشجار والورود
وكل بيت أخضر
يسكره الربيع
يفرح قلبه الثمل
من روعة عالم الخلاب
يا للسعادة
فالدنيا كلها الأمن والسلام" ص 15، نلاحظ أن الشاعر دخلنا إلى عالم الطيور ودون مقدمات، بعد أن كان يتحدث عن نشوته هو، فبدا الحديث عن البلابل وكأنه حدث غريب، لكنه منسجم مع الطبيعة البهية التي جاءت في فاتحة المقطع.
ونلاحظ انتقال الشاعر من صيغة الجمع التي نجدها في "البلابل تشدوا" إلى حالة المفرد "تسكره الربيع" وهذا يأخذنا إلى العقل الباطن، وإلى أن الهم الجمعي للشاعر، الذي يختزله ويحوله إلى هم شخصي، بمعنى يجمع/يحول ما هو عام إلى خاص.
والتحول الثالث جاء غريبا وحتى دخيلا، يقول فيه:
أتاه الغراب حاقدا حاسدا.. كراها
لسعادة البلبل في الربيع
مكر ومكر وانقض على البلبل
وكأنه القضاء
وكأنه لعنة أتت من الأرض والسماء
بهت البلبل سائلا عن ذنبه
أيكون عقابه لأنه يشدو؟
ألأنه يسعد كل ما حوله؟
ما هي جريمتك يا بلبل؟؟" ص 15و16، نلاحظ الألفاظ السوداء والقاسية والتي نجدها في: "الغراب، حاقدا، حاسدا، كراها، مكر (مكرر)، انقض، لعنة، بهت، ذنبه، عقابه، جريمتك" يعد هذا المقطع (انقلاب) على الفاتحة وما تلاها، وهذا (التداخل) في مسارات النص يشير إلى اضطراب الشاعر، (وانسياقه) إلى الواقع وما يجري/يحدث فيه.
والجميل في اختيار الطائرين أن الشاعر اعتمد على الصوت، فصوت البلبل العذب غير نعيق الغراب النشاز، كما أن هيئة البلبل الجميلة غير هيئة الغراب السوداء، وبما أن العداء جاء من الغراب، فهذا يجعل المتلقي ينحاز للجمال وللضحية، وبهذا يكون الشاعر قد كسب وقوف القارئ إلى الجهة التي يريدها، معتمدا على طريقته في تقديم القصة.
ونجد القتامة في "أودعك" والتي يتحدث فيها الشاعر عن هجرة الحبيب، ففي هذا النص وصل الألم فيها إلى الذروة، يقول:
"...
يا حزني.. يا قاتلي
بلاك الله بما بلاني
وكسر فؤادك
كما كسرت خاطري
لا الجمال بات يهزني
لا شدو البلابل
أو زقزقة العصافير
الغصن الغض بات يبسا،
جفت الأوراق والعروق" ص21، إذا ما توقفنا عند العنوان سنجد أثره في متن النص، وبما أن الشاعر يعاني من الهجرة، فقد استخدم كل حنقه على الفقدان في هذا النص، بحيث كان قريبا من السواد المطلق، حيث تنسجم الفكرة/المضمون مع الألفاظ المستخدمة، من هنا نجد: "حزني، يا قاتلي، بلاك، بلاني، كسر، كسرت، يهزني، لا، يبسا، جف" واللافت في هذه الألفاظ أنها متعلقة بقسوة البشر، وبموت الطبيعة، وهنا تكون الجريمة مزدوجة، حيث تتعلق بما هو إنساني، وبما هو طبيعي، وهذا يأخذنا إلى ما يعانيه الشاعر من ألم الهجر والفقدان، فنعكس الهجر على النص بحيث جاء قاتما، لا آفاق فيه ـ إذا ما استثنينا الألفاظ البيضاء التي سبقها حرف النفي "لا"، فبدت جرداء قاحلة لا حياة فيها.
المخففات، عناصر الفرح
وقت الشدة يلجأ الشاعر/الكاتب إلى المرأة، الطبيعة، الكتابة/الفن، التمرد، لتخفف عنه شيئا من قسوة الواقع، وقد استخدمها الشاعر في "عناقيد لهفة نازفة"، حيث نجد هذه الناصر في أكثر نص، جاء في "الوصية":
قسم أيها القانون
أجمل التقاسيم
واعزف يا ناي
لحنك الجميل الشجي الحزين
لعلي أعيش حلمي
مع شدو البلابل
وتغريد العصافير
يا حبيبتي
امنحيني الهوى
واسقني شهد الرضاب
فاليوم نحيا
وغدا تحت الثرى!" ص96، في هذه النص تجتمع ثلاثة عناصر، المرأة التي نجدها في ألفاظ: "حبيبتي، امنحيني، واسقني، الرضا" ونجد الطبيعة في: "شدو البلابل، تغريدة العصافير" والكتابة/الغناء نجدها في: قسم/التقاسيم، القانون، الناي، اعزف، لحنك، الشجي" فاستخدام ثلاثة عناصر في مقطع واحد، يشير إلى حاجة الشاعر الملحة للفرح، للهدوء، للسكينة، فهذا الزخم يشير إلى وجود ما خلفه من ألم/قسوة/تعب، فاراد الراحة من خلال الإكثار من عناصر الفرح.
وبما أن المهاجر يعاني من فقدان المكان/الناس، فنجده يحن إلى ما فقده، نجد هذا الحنين في أكثر من نص، يقول في "أصرخ":
وصوتي مكتوم
الحسرة تملؤني
الشوق هيج مهجتي
طيفكم يلاحقني
والحنين إليكم
يسبقني
أسافر
صباح مساء
غريب أنا .. مغترب
المرارة تعصر قلبي
وتضيق علي الدروب
لا صفي .. لا خل وفي
أهرب من جروحي
من عيوني الحزينة
ومن لحظة الكسوف
بحر من المحبة يضنيني
ويبكيني" ص94و95، الحزن حاضر وبقوة في هذا النص، من خلال: "مكتوم، الحسرة، غريب، مغترب، المرارة، تضيق، جروحي" ورغم هذا الحزن إلا أن هناك حنين وعاطفة تجاه من فقدهم، والتي نجدها في: "الشوق، طيفكم، الحنين، يضنيني" وهذا ما جعل حزن الشاعر مضاعف، فهو يعاني من الفراق، ويحمل عاطفة جياشة، فكان ألمه مضاعف ومركب.
من خلال ما سبق نتأكد أن الواقع يؤثر على الشاعر بأكثر من شكل وطريقة، فالألفاظ القاسية والحزينة حاضرة في النصوص وبكثرة، لهذا نجده ـ حتى عندما يريد أن يتحدث عن موضوع مفرح ـ يأخذه الحزن/القسوة إلى مواضع وألفاظ أخرى لم يكن يريدها، وكأن حجم الألم وكثرة المآسي التي تتحكم في العقل الباطن حالت دون (تركيزه) وأخرجته من عالم البياض إلى السواد والقسوة.

الكتاب من منشورات دار سوريانا الدولية للدراسات والترجمة والنشر الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر