الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي أساءَ فلاديمير بوتين فهْمهُ حول شعب أوكرانيا؟

بوناب كمال

2022 / 4 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


قبل الغزو؛ هل كنتَ تستوعب معنى أوكرانيا، وهل كافحتَ لفهم حقيقة مِخيال وتصوّرات شعبها؟؛ ربما كانت موجودة على هامش خيالك، وأنها ضاحيةٌ قاتمةٌ من روسيا الكبرى يدّعي فلاديمير بوتين أنها غير موجودة فعليًا.؛ فتحّدثُ غالبية الأوكرانيين لغتين بشكل عرضي وتداخل الروايات التاريخية في وقت واحد من الإمبراطوريات الروسية والسوفياتية والنمساوية ـ المجرية، إلى البولندية والرومانية ، وبطبيعة الحال، الأوكرانية نفسها، دفعَ بكثير ممّن هم في الغرب يشعرون كما لو أنّ هذه الدولة ليست حقيقية تمامًا، لذلك يبدو مفهومًا معرفة أسباب إرباك أوكرانيا للبشر.
أثار صمود الأوكرانيين إعجاب الغرب وفاجأ الكرملين، ويبدو أنّ هذا الرّد على الغزو الروسي له جذورٌ عميقة في التاريخ الأوكراني. ففي عام 2014 غزتْ قوات بوتين الحافة الشرقية للبلاد، وذلك بعد أن أطاحت احتجاجاتُ الميدان الأوروبي بحليفه الكليبتوقراطي "فيكتور يانوكوفيتش"، وبينما ادّعى بوتين أنه كان يدافع عن العرق الروسي، فإنّ هدف حكومة موسكو كان تقسيم البلاد وإضعافها تمهيدًا للغزو الشامل، وكما يبدو الآن، تكاتفت وسائل الإعلام الروسية الحكومية ومزارع التصيّد على الأنترنت ومجموعة من الأثرياء لتقويض الإصلاحات الديمقراطية وتشويه سمعة الغرب وتمزيق شعور أوكرانيا بالوحدة؛ وركّزت أبحاث أجهزة المخابرات على معرفة نقاط الضعف في أوكرانيا، في ما وصفَ بوتين حكومة كييف بـ "النازيين"، وإنْ بدَا هذا الوصفُ افتراءً وسخافة فإنه لا يخلو من بُعدٍ إستراتيجي؛ إذْ ساند بعض القوميين الأوكرانيين النازية في الحرب العالمية الثانية، واعتقدوا أنّ هتلر سيمنحهم الاستقلال؛ ففي الدعاية السوفييتية عقب الحرب تمّ تصوير القوميين الأوكرانيين على أنهم العدو الفاشي للمواطن السوفياتي الصالح.
الأوكرانيون وحقبة الاتحاد السوفياتي
سعى بوتين إلى تقسيم أوكرانيا بين شرق مؤيّد للحقبة السوفييتية وغرب منافحٍ عن القومية؛ وتشكّكُ بعض استطلاعات الرأي في صحّة هذا الانقسام؛ فالأوكرانيون الأكثر موالاةً لموسكو هم في الغالب من كبار السّن المتقاعدين والأقل تعليمًا، ويعيشون ،إلى حدّ كبير، في المناطق الريفية جنوب وشرق البلاد؛ وبينما تشيرُ استطلاعات الأبحاث في روسيا إلى تأييد 70 بالمائة من الأوكرانيين لذكرى القائد السوفياتي جوزيف ستالين، فإنّ النسبة تتقلّص إلى أقلّ من 5 بالمائة في استطلاعات الرأي الغربية والأوكرانية، فذكرى مجاعة هولودومور (Holodomor) ،التي قضتْ على أربع ملايين أوكراني بين 1932 – 1933 ، لا تزال تطوفُ بحرقةٍ في الذاكرة الجماعية؛ من جهة أخرى، تبرزُ فئةٌ أصغرُ سنّا وأكثرُ تعليمًا،وتعيشُ في مدن كبيرة في الجنوب والشرق مثل أوديسا وخاركيف، وموقفُ هؤلاء اتجاه الاتحاد السوفياتي كان أكثر دقّة، فعلى الرغم من انتقادهم للقمع الممارس في تلك الحقبة، إلا أنهم أظهروا ميولًا وحنينًا إلى القيم الاجتماعية المُفترضة عن الماضي الشيوعي، وأبقوا على سلبية مواقفهم تجاه القوميين الأوكرانيين الذين قاتلوا ضد الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وقاتلوا هتلر ، أيضا، بعد أن تبيّن لهم أنه لم يفِ بوعوده تجاههم؛ وكانت المجموعة الأكثر كُرها وعداء للاتحاد السوفياتي هي الطبقات الوسطى المتعلمة في مدن وسط وغرب أوكرانيا، ويُشكّل هؤلاء ثلث السكان، ولديهم إعجابٌ بشخصية "ستيبان بانديرا" زعيم الحركة القومية الأوكرانية إبّان الحرب العالمية الثانية.
تاريخٌ من الاضطهاد
أثناء الحملة الانتخابية؛ اتّهم المعارضون فولوديمير زيلنسكي بأنه غامضٌ أديديولوجيًا ومتردّدٌ بشأن الحديث عن التاريخ؛ في الحقيقة كان هذا جزءا من جاذبيته، فلقد جسّد تقليدًا أوكرانيًا عميقًا في إدراك كيفية التعايش مع الأشخاص الذين تتباينُ قصصهم؛ فأوكرانيا تفتخر بأنّ لديها ثقافة التسامح والعيش المشترك، ولا تبرزُ ملامحُ أي خلافات عميقة بين مدينتي خاركيف وأوديسا ،التي يُفترض أنها موالية لموسكو، ومدينة لفيف القومية، فلقد اعتاد الأوكرانيون على تنوّع الرموز واللغات، إنهم متّحدون عبر معرفة وإدراك اختلافاتهم؛ ويتجنّب الشعب الأوكراني الخوض في وصف حياتهم أواخر العهد السوفياتي، ويتفادون مناقشة تجاربهم مع الكارثة النووية في تشيرنوبيل وذكريات إرسال الأقارب إلى الحرب في أفغانستان والحرمان الاقتصادي والاضطراب في التسعينات.
على مرّ التاريخ؛ تعرّض الأوكرانيون للقمع على يدِ آل هابسبورغ والإمبراطورية الروسية والبولنديين والنازيين والاتحاد السوفياتي، ومنذ الاستقلال عام 1991 تصرّفت الأوليغارشية الأوكرانية كمجموعة من المستعمِرين الاستغلاليين؛ وفي القرن العشرين وحده يُعتقد أنّ حوالي 14 مليون شخص قُتلوا في أوكرانيا من خلال عمليات التطهير والمحرقة والمجاعة؛ لذلك ليس غريبًا أن أطلقَ المؤرخ "تيموثي سنايدر" على هذه المنطقة اسم بلاد الدم ؛ بل أنّ مصطلح "الإبادة الجماعية" قد اخترعهُ لأول مرة محام وباحث في جامعة لفيف.
أسطورة القوزاق
دفعَ تاريخُ العنف والإذلال بشعب أوكرانيا إلى التفكير بطريقة تآمرية؛ حيث يسودُ اعتقادٌ لدى غالبية الأشخاص أن "المنظمات السرية" تؤثّر بشكل كبير على القرارات السياسية، ونظرًا لأن الحكّام كانوا ،تاريخيا، قوى استعمارية، فإنّ الأوكرانيين ليس لهم ثقة كبيرة في حكوماتهم، وقد بدأت شعبية زيلنسكي في التلاشي منذ اللحظة التي وصل فيها إلى السلطة، وينظر الأوكرانيون إلى الدولة على أنها شيء يجب تجنبّه أو على الأقل توظيفهُ لتحقيق مكاسب شخصية، ولا تزال صعوبات بناء بيروقراطية فعالة وانتشار الفساد تُثيرُ حفيظة الإصلاحيين والمانحين الغربيين مثل الاتحاد الأوروبي، فحتّى عندما تنجح الحكومة في تشييد بنية تحتية جديدة، يتحدّث الأوكرانيون عن هذه الإنجازات كما لو أنها حدثتْ بطريقة سحرية؛ ووفقا لمركز الأبحاث البريطاني "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" اعتقدت أجهزة المخابرات الروسية أنّ هذه الثقافة بمثابة نقطة ضعف قاتلة، واستند الكرملين إلى استطلاعاتٍ توقّعت انهيار الدّعم الأوكراني للحكومة مباشرة بعد الغزو؛ لكن على جانب الشعور السائد لانعدام الثقة، يقبعُ طيفٌ آخر يتمثّل في أنّ الأوكرانيين قد تعلّموا أن يعتمدوا على بعضهم البعض، فلقد أوجدوا على الدوام طُرُقًا للتنظيم الذاتي من خلال الثقة في المجتمع المدني والكنائس المحلية وجمعيات الأعمال الصغيرة، كما أنّ هناك تواجدٌ فعال لاتّحادات أخرى مثل مُثيري الشغب في ملاعب كرة القدم ورجال العصابات وميليشيات اليمين المتطرف الذين شكّلوا أفواجًا للقتال في دونباس بعد عام 2014، يقول الأوكرانيون "الكوارث والحزن يوحّداننا".
تلتفُّ سرديات أوكرانيا عن الهوية الوطنية حول أساطير مجموعة القوزاق، وهم عصابات من المحاربين تمتعوا بالحكم الذاتي وجابُوا السهوب؛ يروي أحد الأفلام الناجحة قصة إنشاء يهود أوكرانيا و تتار القرم شبكاتٍ سرية لمساعدة بعضهم في الحرب العالمية الثانية لمحاربة النازيين والكاي جي بي؛ ومن أشهر أفلام الكريسماس في أوكرانيا "Home Alone" الذي يعرض قصة تتماشى مع قصة أوكرانيا: بلدٌ صغير تخلّى عنه آباء العالم، وتهاجمه دوما قوى أكبر، ويضطرّ إلى الارتجال في الدّفاع عن النّفس.
أظهر الأوكرانيون في هذه الحرب أنهم قادرون على مقاومة الكرملين، وبوتين نفسه أشار إلى هذا الغزو وكأنه اغتصاب؛ ففي جلسةٍ مع الرئيس الفرنسي خاطب صحفيةً قائلًا " عليك أن تصبري وتتحمّلي الأمر يا جميلتي"؛ اليوم في مدينة لفيف بإمكانك أن ترى ملصقات لامرأة ترتدي زيّا شعبيا أوكرانيًا تدفعُ مسدّسا في فم بوتين وتقول "أنا لستُ جميلتك".
بتصرّفٍ عن عنوان المقال الأصلي:
Peter Pomerantsev : What Vladimir Putin misunderstood about Ukranians – The Economist – Apr 4th 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم