الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غربة الأديب المتمرد سامي الشاطبي. في روايته الأحدث

الغربي عمران

2022 / 4 / 8
الادب والفن


أتجاوز غلاف الرواية رغم بهجته.
سامي الشاطبي حين أقرأ له، لا أرى حروف ما أقرأ، بل أسمع صوته يتردد، أنه لا يكتب بل يتحدث بأسلوبه الساخر والمتهكم: لقد اشتقت إليك ياصديقي!. وهذه رواياتك أو نوفيلتك "ضائع في اثيوبيا" تمنحني بعض الإحساس بأننا في لقاء أجالسك، وأسمع كلماتك. بل لا أبالغ إن قلت لك بأنني أراك، وأرى ماريان، أدانش ،عبدالله باغريب، الأب الذي يدعوك لتجالسه وتمضغان القات حتى الفجر، بروك، المعبقي، الشيباني. أتنقل معك من أديس بحواريها وشوارعها: بياسا، دابشي، انتونو، هيا هلت، كنيسة مكبا، ميركاتو، مسجد النور، ميكائيل، جيجكا، أذهب برفقتك: بني شنقول "قماز"، بحر دار، نهر أفرا، وبحيرة دبر زيت.
ياصديقي وأنت تحكي في "ضائع في اثيوبيا" تمنيت لو أنك استمريت تحكي وتحكي، فقد كان حكيك شيق، وتلك العلاقات الملتبسة تثير التعجب، فبتصويرك لماريان بايمانها العميق، وطبعها الأنثوي وتعاملها الجميل الذي جمعت به بين الأمومة والصديقة والكائن الكامل، وحقيقة وصفك لها بأنها قادمة من زمن الآلهة وصف دقيق، فلو لم تصفها بالإلهة لكان ما أتيت به من سرد حولها يشي بذلك. أثيوبيا ياصديقي جسدتها أنت بهذه الأنثى متعددة الأوجه العطاء والأصالة والجمال والإيمان والمحبة. نحن هنا الوجه النقيض لذلك، ودوما يكتمل الشيء بضده، فتاريخ ضفتي البحر الأحمر هو تاريخ متشابك، ومتداخل، بل أنه نهر يكون شعبين من منبع واحد.
أثيوبيا تحتاج منك إلى الاف الصفحات، ولا يكفي أن تقدمها من خلال وجه ماريان وترميز لها بذلك الحرق الذي لم يزدها إلا جمالا. وكم أنت عبقري حين قدمت اليمن بعدة أوجه منها الشيباني الذي تجاوز نتانة المناطقية، وتخلص منها، والمعبقي بصريره، وباغريب برنينه المتواصل، وجوه متباينة لوطن يرزح تحت ويلات التناحر الطائفي والمناطقي والشطري والمذهبي، ولو لم يجدوا سبب للتناحر لبحثوا عن أي سبب من أجل يستمر ليستمر الإقتتال.
إشارتك لاغتيال الشاعر الأثيوبي "هاكالوا هونديسا" بسبب قصائده الداعية للثورة، وسؤال ماريان: "هل الشعراء في اليمن مثل هاكلو؟" . لتعددهم لها، ردت متسائلة: "أووه.. ما أكثرهم ! لهذا السبب بلدك في اشتعال وقلق دائمين!". ما دعاني لأنفجر ضاحكا وقد ظنت هي بأن ما لدينا إنما هي ثورات تشعلها قصائد شعراءنا، ولا تعرف أن قصائدهم رغم كثرتها لا تحرك قشة، أو تغير مجرى ذبابة. فما بالك بثورات.
يالروعة أسلوبك وأنت تحكي مارين، عبدالله باغريب المغترب اليمني الذي ظل يزن عليك أن لا تنسى اليمن حتى لا تضيع، ثم حكاية المعبقي في مدينة أخرى، وأخيرا الطبيبة الهولندية بروك، تلك الحكايات زادت النوفيلا فضاءات لتلون حكاية الضائع سامي، الحكاية المحورية.
أن تركز على الضياع كموضوع يناقشه عملك، لتذكرنا بقصيدة البالة لمطهر الإرياني والذي غناها السمة، عن مغترب فر من ظلم الأئمة إلى الحبشة ثم طاف العالم كعامل فحم على السفن، هو الهم لملايين اليمنيين منذ الأزل، هم الإتراب عن الوطن الأهل، وهاهو المغترب مشتت في جميع قارات العالم جيل بعد جيل وكأن الهجرة قدر، وليس ضياع بل حياة يعيشها اليمني حتى داخل وطنه وبين أفراد أسرته. هي ليست ضياع بل البحث عن الذات عن الأمان. اليوم اليمني في أصقاع الأرض قد يشعر الكثيرون بالأمان هناك أكثر من شعوره هنا، فالأمان وطن.
مضامين ناقشتها في روايتك ياصديقي تثر تساؤلات وجودية، وأنت ابن مهاجر هاجر في ظروف أقسى مثله مثل ملايين اليمنيين، ليعود من عاد بوعي مختلف للحياة وللعلاقات الإنسانية، ليواجهه فكر منغلق داخل اليمن، ولذلك يعيش غربة جديدة هي غربة أفكاره وانفتاحه.
اليمني خلق منذ الأزل ليهاجر، وما حكاية انفجار سد مارب، وتوالي الهجرات إلا حياة كتبت علينا، وليست كما يصفها باغريب ضياعا بل أكرر حياة، فغيرك فر وهاجر دون أن يخلف وراه من يشده، دون مسئولية، فقط هاجر بروحه، وأظنه حين يذهب ولا يعود لا يحسب ضائع، بل وجد لحياته معنى. أما أنت فمرتبط بأسرة، الفرق أن غيرك غادر دون قيود، مستقبلين أفق جديد من الأوطان، وما الوطن إلا قبول الآخر بك.. وليس الرفض والإقصاء. وها نحن هنا مرفوضين، فلا تصدق باغريب حين كان يزن في أذنك ويلاحقك بكلماته: "لا تنسى اليمن، فأنت ضائع، ضائع". أنت كائن نقي، ستظل في غربة أينما حللتا، ليس لشيء إلا لنقاء يسنك.
شكرا لك على هذا الإصدار المختلف، وهذا البوح الصادق والجميل، شكرا لإبداعك المتجدد، ولإنسانيتك التي نتعلم منها يوما بعد أخر، ونقتدي بك أيها المعلم الجميل.
هذا أنت مختلف، حتى في أدبك. فحين استعرض نصوصك القصصية أو رواياتك السابقة، وحتى تناولاتك النقدية، أو مقابلاتك الصحفية، لا أجدك تشبه أحداً من جيلك، ولا ممن سبقوك، فمواضيعك التي تناقشها دوما عميقة، تجنح للهم الإنساني، فلا تكتب لتروج لايدلوجية، ولا لسلالية أو مناطقية أو طائفية. والأروع أن كتاباتك لا تحاول تقديم اجابات جاهزة، بل تولد عواصف من التساؤلات. اضافة إلى محاولاتك من عمل إلى آخر التمرد على القوالب والأشكال المتعارف عليها، أن تأتي بجديد فـ "ضائع في أثيوبيا". سردتها تتحدث بلسان سامي ، ليتبادر إلى ذهن القارئ إلى أنك تحكي نفسك، قد يكون ذلك صحيح، وقد تكون أنت وضعت من نفسك مؤلف وراو لتوهمنا بأنا تحكي عما تعيشه، لكن الأمر لا يتعلق بسامي بل بمحاولاتك إيجاد طريقة مختلفة، ومنها تحلق بنا بخيال باتع.
لفت نظري تلك الجمل المحلية مثل"شاب من حقنا" حين أرتك ماريان صورة حبيبها. "خزن شوط ثاني وقاهي إلا هي". وقد دعاك والدها لمشاركته القات حتى الفجر."ياقمر قميرة، ياسراج الليلة..."، ترددها وأنت تهدهد ماريان من خوفها حتى هدأت.
وأختتم تحيتي إليك بجملٍ من روايتك "الصلاة في بلاد العرب تدفع المرء إلى رفض العبودية، فيما الصلاة هناك في افريقيا تشعر المرء بدونية الحياة... شتان بينهما!".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل