الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نضال البروليتاريا يجب أن يصبح من أجل تحرير المجتمع كله

خليل اندراوس

2022 / 4 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



عبر التاريخ، يحلم الناس بمجتمع يخلو من الاضطهاد والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي وانقضت مئات السنين وزالت دول وشعوب، ولكن حلم الانسانية، بمجتمع المساواة التامة والعدالة الحقيقية ظل يعيش في ذاكرتها، كحلم لم يتحقق.
ولكن هذه الأحلام كانت غامضة جدًّا، وكان لا بد للبشرية أن تمرّ بدرجات من التطوّر لكي تدرك أنه لا يمكن التوصل إلى المساواة الاجتماعية والاقتصادية إلّا بالقضاء على الطبقات.
أما القضاء على الطبقات، فقد كان يعني قبل كل شيء تصفية الأساس الاقتصادي لوجودها، أي علاقات الملكية الخامة. ولكن الظروف والشروط الضرورية لهذا الغرض لم تظهر إلّا مع تطور التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الرأسمالية.
وقد كتب إنجلز بهذا الخصوص، فإنّ عدم نضوج الانتاج الرأسمالي وعدم نضوج العلاقات الطبقية قابلتها نظريات غير ناضجة، وحل المعضلات الاجتماعية الذي كان ما يزال في طيات العلاقة الاقتصادية التي لم تنضج وتكتمل قد لـُفـِّق في الدماغ تلفيقا (ماركس وإنجلز المجلد 19 ص 194)، (إنجلز الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية). وأصحاب "هذه النظريات غير الناضجة" وشتى دروب الطوباوية قد بدأوا ينتقدون قروح وأمراض وعيوب الرأسمالية منذ القرن السادس عشر. وكثيرون منهم كانوا يفهمون بصورة صحيحة أن الملكية الخاصة لوسائل وأدوات الانتاج هي أساس التفاوت الامتلاكي والاجتماعي.
وقد كتب إنجلز حول هذا الموضوع ما يلي: "يتصف هؤلاء المفكرون الثلاثة بصفة مشتركة هي كونهم لا يدعون بتمثيل مصالح البروليتاريا التي كانت قد تكونت تاريخيًّا في ذلك الوقت. وعلى غرار المنورين لا ينتزعون الى تحرير طبقة اجتماعية معينة قبل غيرها، بل إلى تحرير الانسانية بأسرها دفعة واحدة ...".
ولهذا كانوا يتوجهون على الدوام إلى المجتمع بأسره وإلى حكامه في المقام الأوّل، متوقعين منهم الموافقة طوعا واختيارا على تحويل المجتمع على أسس اشتراكية.
كذلك انعكست المحدودية التاريخية للأفكار الطوباوية (القرن السادس عشر-القرن الثامن عشر) في الدفاع عن المساواة التامة في التوزيع وفي الاستهلاك وفي الدعوة إلى التقشف إلخ...
وقد تغلبت الماركسية العلمية على جوانب الضعف في المفاهيم السابقة ولكن الشيوعية لا تزال الآن في تصور الناس الجهلة بالماركسية، عبارة عن مجتمع يعمم فيه كل شيء بما في ذلك الزوجات، وتسود فيه السوائية العامة، ولكن هذه الأفكار الفظة والسوائية، والمشوهة والمبتذلة لا تمت بأي صلة إلى الماركسية العلمية.
إن مسائل غاية الانسان ومغزى حياته قد شغلت بال ماركس منذ فتوته. وفي فترة الدراسة في المدرسة ثم في الجامعة طالح الكثير، بتهم وتأمل. وقد أولى ماركس دراسة تاريخ الفلسفة قدرا كبيرا من الاهتمام. ومعلوم أن الفلسفة السابقة للماركسية كانت قد بلغت ذروة تطورها في شخص هيغل.
فإن هذا الفيلسوف العبقري المثالي استطاع أن يبيّن أن فكرة التطور الدائم، اللامتناهي، الديالكتيكي – الجدلي، تتخلل كل تاريخ المجتمع والطبيعة.
فدراسة ماركس للفلسفة والتاريخ العالمي، وبخاصة تاريخ الثورة البرجوازية الفرنسية الكبرى في أواخر القرن الثامن عشر، ومؤلفات المنورين ديدرو وروسو وغيرهما، ومراقبة النزاعات الاجتماعية في عصره، قد حملت ماركس على أن يفهم أن التاريخ إنما يحركه صراع الطبقات وأن كل طبقة تدافع في هذا الصراع عن مصالحها. ولهذا تفقد البرجوازية، إذ تصل إلى الحكم، دورها التقدمي، الثوري. إن مصلحة البرجوازية الحفاظ على الملكية التامة، أما مصلحة البروليتاريا فهي بالعكس، في القضاء على هذه الملكية، لأنه ليس للبروليتاريا أية ملكية، وأنها لا تفعل بعملها غير أن تكثر ملكية البرجوازية وتعزز بالتالي سلطتها.
ونضال البروليتاريا من أجل تحررها يجب أن يصبح نضالا من أجل تحرير المجتمع كله، الشغيلة كلهم.
وهذا النضال تنجزه الثورة البروليتارية التي تدك وتقضي على نظام الملكية الخاصة، وترسي الأساس لأجل بناء مجتمع جديد هو مجتمع المساواة التامة والحقيقية، الكتاب المشترك الأول لماركس وإنجلز "العائلة المقدسة" صاغا فيه نظرتهما إلى التاريخ بوصفه "نشاطا" إنسانيا (ماركس إنجلز – المجلد 27 ص5. رسالة إنجلز الى ماركس عام 1844). وفي هذا الكتاب تحليل جدلي للتناحر بين البروليتاريا والبرجوازية في المجتمع الرأسمالي. إن البروليتاريا والبرجوازية هما عبارة عن وحدة ما، ذلك أنهما نجمتا عن النظام الرأسمالي.
وفي هذه الوحدة المتناقضة تمثل البرجوازية الجانب المحافظ لأن لها مصلحة في صيانة الأوضاع القائمة.
وكتب ماركس: "إن البروليتاريا تنفذ الحكم الذي تصوره الملكية الخاصة على نفسها بنفسها بولادة البروليتاريا مثلما تنفذ الحكم الذي يصوره العمل المأجور على نفسه بنفسه بإنتاج الثروة للغير والفقر لنفسه (ماركس إنجلز المجلد 2 – ص39).
وكتب إنجلز يقول: "سيكون المجتمع الشيوعي الذي لن تكون فيه "مصالح مختلف الأفراد مضادة بعضها لبعض، بل موحدة". ولن يكون مكان للاستئثار بالخيرات الحياتية المنتجة، وسينضبط الانتاج "وفقا للحاجات" وهذا يعني أن أزمات فيض الانتاج ستزول.
وهذا التطور سيكون امرا حتميا للتطور التاريخي والاقتصادي للمجتمع.
وأكد إنجلز وماركس بأنه في سياق النضال الطبقي، تدرك البروليتاريا تدريجيا ضرورة أشكال أرقى للتنظيم والتلاحم، وضرورة إنشاء حزب سياسي مستقل. ويؤكد إنجلز أن أحد الشروط الحاسمة لإنشاء الحزب وتوطيده هو الجمع بين الحركة الثورية الجماهيرية للطبقة العاملة وبين النظرية الاشتراكية، أي نظرية من شأنها أن توضح للبروليتاريا مغزى نضالها، وأهدافه وآفاقه، وتبعث فيها الثقة في انتصارها النهائي.
بعد ذلك قام الصديقان ماركس وإنجلز بانتقاد الفلسفة الالمانية بعد هيغل، من خلال كتاب "الأيديولوجية الألمانية" الذي نشر عام 1846.
في هذا الكتاب أوضح ماركس وإنجلز : "لا يمكن البتة تحرير الناس ما داموا لا يستطيعون أن يؤمنوا لأنفسهم كليا، على الصعيد الكمي والنوعي، الغذاء والشراب والمسكن واللباس".
كما كتب مؤلفا الكتاب: "في المجتمع البرجوازي تنبثق طبقة تضطر إلى تحمل جميع أعباء المجتمع دون أن تستفيد من خيراته.. وينطلق من وعي ضرورة الثورة الجذرية".
وهذه الثورة الشيوعية ليست ضرورية لأجل الاطاحة بالنظام الاجتماعي القديم القائم على استثمار عمل الغير وعلى الاستئثار بمنتجاته وحسب، بل ضرورية كذلك لأجل تغيير الناس أنفسهم وتؤمن الظروف لأجل تطور الانسان في جميع النواحي، لن الطبقة المطيحة (أي البروليتاريا) لا تستطيع الا في الثورة أن تخلع عنها كل الخساسة القديمة وتصبح قادة على بناء أساس جديد للمجتمع (ماركس إنجلز المجلد 3- ص 70).
الفهم المادي للتاريخ المعروض في "الايدولوجية الألمانية" والذي يبين بصورة مقنعة ومنسجمة كيف يؤدي نمو القوى المنتجة إلى نشوء وتطور نمط حياة اجتماعية آخر، وكيف تنشأ مع نشوء الصناعة الكبيرة والبروليتاريا، المقدمات لتحويل المجتمع على أسس الشيوعية، قد اتسم بأهمية بالغة بالنسبة للحركة العمالية.
في تشرين الثاني عام 1831، فوق ليون، المركز الصناعي الكبير في فرنسا، رفعت راية سوداء طرزت عليها، كلمات حافلة بالدرامية واليأس الذي لا حد لهُ! "العيش مع العمل أو الموت مع الكفاح". كانت هذه أول ثورة في التاريخ قامت بها البروليتاريا. حيث اضطرت الحامية العسكرية المحلية إلى التخلي عن المدينة للثوار العمال.
وبعد عشرة أيام فقط، سحقت القوات المسلحة المرسلة من باريس "فصائل العمال الثوار، وأغرقت الانتفاضة العمالية في بحر من الدم. وانتهت بالهزيمة أول انتفاضة مستقلة للعمال في التاريخ.
فيما بعد هذه الانتفاضة كتب الاشتراكي الفرنسي لويس بلان يقول: "نظرا لقوة الحركة التي كشفها هؤلاء العبيد المحاصرون كان من السهل التكهن بالعواصف التي ينطوي عليها القرن التاسع عشر في أحشائه".
وفقط بعد مرور أقل من عشرين عاما قام ماركس وإنجلز بكتابة البيان الشيوعي الذي رفع شعار "يا عمال العالم اتحدوا".
وفي البيان الشيوعي الصادر عام 1848 أكد ماركس على أهمية وضرورة أن يكون للطبقة العاملة حزبها السياسي الخاص.
وفي البيان الشيوعي أعطى ماركس وإنجلز تعليلا اقتصاديا لرسالة البروليتاريا التحريرية التاريخية العالمية وأوضحا قائلين: "وليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن أمام البرجوازية وجها لوجه الا طبقة واحدة ثورية حقا، هي البروليتاريا. فإن جميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى. أما البروليتاريا، فهي على العكس من ذلك، أخص منتجات هذه الصناعة" (البيان الشيوعي ص 133).
وينتهي البيان الشيوعي بالكلمات الابية، الحافلة بالحماسة الثورية والثقة في المستقبل "فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية، فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها وأغلالها، وتربح من ورائها عالما بأسره".
"يا عمال العالم اتحدوا". (البيان الشيوعي ص 151).

في كتاب "ضد دوهرنغ" يقول إنجلز "وكأية نظرية جديدة أخرى، لا بد أن تنطلق الاشتراكية، قبل كل شيء، من المادة الفكرية المتجمعة فيها، مع أن جذورها تمتد عميقا في الوقائع الاقتصادية" وهذا يعني التبعية الرئيسية والمحددة للقاعدة الاقتصادية الاجتماعية، والشروط النظرية من المادة الفكرية المجتمعة قبلها".
من هنا فالطوباوية كانت مشروطة تاريخيا، أي أداء مؤسسي الاشتراكية الطوباوية كانت تقابل حالة الانتاج الرأسمالي غير الناضجة والعلاقات الطبقية غير الناضجة، تقابلها نظريات غير ناضجة.
فالنظام الاجتماعي البرجوازي في بدايته أظهر النواقص وحدها، أما واجب العقل المفكر فهو إزاحتها، فتطلب ذلك تصور نظام اجتماعي جديد أكثر تكاملا وفرضه من الخارج على المجتمع الموجود بواسطة الدعاية، أو الاقناع أو التجارب النموذجية أو الخيالات "أو طوبيا" ولذلك كان محكوما على هذه النظريات أن تبقى طوباوية.
والشيء المشترك بين الممثلين الكلاسيكيين الثلاثة للطوباوية – سان سيمون وفورييه وأوين – هو العقيدة المثالية، وبدقة أكثر هو الفهم المثالي للتاريخ.
"فمن أجل تحويل الاشتراكية إلى علم، كان من الضروري، وقبل كل شيء، وضعها على أرضية واقعية".
فالمادية الماركسية باختلافها عن المادية الميتافيزيقية، لا تكتفي بالتأكيد على أن الوجود يحدد الوعي. بل أن بينهما تأثيرا متبادلا ويكون الوجود المادي وسيبقى الجانب المحدد الأوّل لـَهُ.
ففي كتاب "ضد دوهرنغ" وضع إنجلز صياغة جوهرية جديدة للنهج المادي للتاريخ.
وانطلاقًا من الديالكتيك المادي، يطور إنجلز في هذا الكتاب فكرة "الحرية كضرورة مدركة"، ويخرج باستنتاج يقول، إنـّه بواسطة القوى المنتجة الحديثة فقط "يصبح من الممكن، لأول مرة، التحدث عن الحرية الانسانية الحقيقية، عن الحياة في توافق مع قوانين الطبيعة المـُدْرَكة".
ويقول: "هذه هي قفزة الانسانية من حكم الضرورة إلى حكم الحرية".
يعني من حكم الضرورة العمياء الى حكم الضرورة المُدرَكة. يعني – الانتقال من العفوية إلى الوعي، ومن الخضوع الأعمى لقوانين الطبيعة العمياء إلى السيطرة عليها، والانتقال النهائي إلى المجتمع الانساني الحقيقي. فالحرية هي ضرورة مدركة. الحرية لا تـُقصي الضرورة، بل وكأنما ترتفع فوقها كالبناء الفوقي على القاعدة.
ولذلك عند الانتقال إلى مجتمع المستقبل، مملكة الحرية الانسانية، المجتمع الشيوعي، تكون العلاقة بين الوعي الاجتماعي والوجود الاجتماعي كالعلاقة بين الحرية والضرورة، وذلك لأن الحرية بالذات هي ضرورة مدركة ومثلما يكون الوعي وجودا مدركا.
إن الوعي وبمعناه المحدد، يصبح محددا للوجود. وهذا لا يعني أن يتوقف الوجود من تحديد الوعي، وفي نهاية الأمر يبقى (أي الوجود) دوره الحاسم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البروليتاريا
عبد الحسين سلمان ( 2022 / 4 / 8 - 16:07 )
أين هذه البروليتاريا ؟؟؟


2 - البروليتاريا تاخذ الوعي الثوري من خارجها - لينين
منير كريم ( 2022 / 4 / 8 - 18:14 )
تحية للسيد الكاتب المحترم
وتحية للاستاذ عبد الحسين سلمان المحترم
حسب لينين ان البروليتاريا محافظة وعليها ان تاخذ الوعي الثوري من خارج البروليتاريا وهكذا برر لينين انشاء الحزب الطليعي الذي تحول مع مرور الزمن الى الى عقبة بيروقراطية امام كل تقدم
ما اردت ان اقوله ان لينين دون ان يدري برهن على اسبقية الفكر على العوامل المادية في صنع ثورته وهو الذي لايكل ولا يمل من ترديد المادية
شكر

اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال