الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطولوجيا الضياع

احمد علي قاسم

2022 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تقول ايما جولدمان
الوطنية خرافة خلقت وأبقيت حية عن طريق شبكة من الأكاذيب؛ خرافة تسرق من الإنسان كرامته واحترامه لذاته، وتزيد من غطرسته وغروره، مما يدفعه لكره الآخر حتى دون سبب.
تتهاوى الصور و تختفي كل ملامح وجه الوطن العراقي عندما يستغرق الجميع في جمع شتات ضجرهم السياسي و تنازعهم الحزبي ضد بعضهم البعض ، في ممارسة احترافية بين تقزيم خصومهم و تعظيم ذواتهم و ادواتهم و حلفائهم ، غير ملتفتين الى تلك التركة الثقيلة من الضحالة الخطابية و الهوس البغيض في اعلان الحروب اللسانية او الكتابية ضد بعضهم البعض في مشهد لا ينفك يوم بعد اخر عن ترجيح غياب منظومة القيم الاخلاقية و تنامي منظومة الحثالة الجماعية .
ليس ثمة مؤشرات في ادبيات التزاحم السياسي يمكن لنا التماسها من جميع الاحزاب و الحركات الاجتماعية والدينية ، وهذا تاكيد على ان حالة الانتقال القسري التي راهن عليها العراقيين من الشمولية الصدامية الى الديمقراطية التوافقية كانت وصفة علاجية عالية الطيف طعّم بها مجتمع يعاني من خلل كبير في مفهوم الوطنية و بنية المجتمع و الدولة بالعموم .
وليس اوضح من ذالك الاطار الحزبي الذي وسمت نفسها به احزاب العراق الوافدة والمولدة طائفيا وامريكيا بكل مشتقاتها بين المحاصصة السلطوية و التداول المعاد للمناصب الحكومية ضمن ممارسة بشعة في ترسيم حدود المساومات السياسية كمنهاج ثابت تدار به منظومة الوطنية المرتهنة بالكامل للنظام السياسي التوافقي و عبر نسق انتهازي و فكرة غربية تدور برأس النخب الحزبية عن كينونة سلب ما يمكن من هذا العراق واعلان الفراق عند انتفاء الحاجة عراقيا لهم.
صورة مخزية لنخب سياسية تعيش حالة من التوحش في ركوب المواقع الحكومية و احزاب تعامل العراق و كانها احزاب خارجية قد غزت العراق و تعمل ما بوسعها على نهب كل ما فيه حتى احلام المگاريد ، و لا تتورع عن استثمار اللاهوت و المقدس عنوان لمسيرتهم النضالية صوب سلب البلد و العباد متسلحة بجيوش الالكترونية بين اسلامية شيعية او سنية و علمانية ليبرالية و قومية كردية وفي حلبات منصات التواصل وعبر شاشات التلفاز لتكرار مشاهد من دربيات بين هذا الحزب و ذاك…
بين استحلال المعاني الوطنية و تصدير العواطف ذات الصبغة الصفرية في الوجود السياسي لمدارة الخواطر ينقسم المجتمع العراقي و شخصية الفرد بين المحب و الحاقد في ذات الوقت و بين الوطني و الكافر بالوطنية بعيدا عن هذا الرمز الذي يؤمن به و تستمر الثنائيات الغير صالحة و الغير معقولة بين الافراد و الجماعات حتى تحيل المجتمع العراقي و ضمن مكوناته الاساسية الى مجتمع ثنائيات منصهر في وحدة معقدة يصعب فك شفرته ويصعب اكثر نزع ايمانه الكافر او الشرك المقدس الذي يدين به لالهته الحزبية و تتحول العملية الانتخابية الى نصرة لمذهب ديني او اعادة لعراق سرقه الاوغاد بانتخاب الاوغاد ذاتهم!
لقد تغولت النخب الحزبية و رفعت الحدود عن استقلال المجال الاجتماعي عن المجال الحزبي السياسي و اصبحت حالة الاندماج في العلاقة تضفي تعقيدا كبيرا على مفهوم الوطنية ولنعود من جديد لتأكيد ان الارث الذي تركته توتاليتارية البعث و دكتاتورية صدام قد تناقلته النخب الحزبية و احزابها و قسمته بالتساوي على العينات المجتمعية لتزيد من حالة الاستغراب عن فهم صيرورة الدولة الديمقراطية و الياتها و فهم ان الاحزاب هي حالة من تطور المجتمع يفترض بها تنظم انقساماته لا تزيدها و لا تعمقها .
لا يوجد دليل اكبر على نبذ الاحزاب اكثر من انخفاض مشاركة الناخبين في عمليات الاقتراع ، افتراض لا يحتاج الكثير من الاحزاب الى التجديد في هياكلها السياسية ومشاريعها التي اصبحت ماركة مسجلة في الفشل و التراجع و مع ذالك فمن المفارقة ان يخرج علينا سياسي نخبوي و رئيس وزراء اسبق يحذر من اعادة اجراء الانتخابات يمكن ان يصل نسبة المشاركة فيها الى اقل من 5%, وفي ذات الوقت يتمسك خطا الجهبذ بخيارات التوافقية المحاصصاتية ويسوق لها مستندا الى نظرية المؤامرة التي يعشقها سذج كثر من ان خطر ينتظر المكون الكبير اذا لم تضمن احزاب بعينها حصصها من المناصب و الكراسي .
مفارقة كبيرة تعتاش عليها هذه الاحزاب التي ماضيها مرتهن للعناوين و حاضرها مرتبط بالسرقة والغنيمة و مستقبلها يطرز اللامبالاة و عدم الاكتراث لمستقبل العراق و مستقبل الهوية الوطنية وهذا يدل على حقيقة جهل هذه الاحزاب ونخبها الحزبية بفلسفة التاريخ و قوانين الطبيعة بالنسبة للمجتمعات والدولة.
برغم كمية التحديات الهائلة التي تواجه هذه الاحزاب نتيجة المتغيرات التي احدثتها منصات التواصل الاجتماعي و تغير شكل الهياكل الدولية و نسبية الخطاب العابر للحدود فانها لا تدرك ان الديمقراطيات المجتمعية و اعني العراق اصبحت تعمل على ايمان ضد الاحزاب السياسية لانها متمسكة بقوة السلاح بخلطات العطار وكانها قرآن منزل لا يقبل التأويل !
هل يعي هؤلاء النخب الحزبية الفارغة انهم يستثمروا منصات التواصل الاجتماعي تجزيء اكبر للمجتمع و ان هناك حركات اجتماعية غاضبة ذات صبغة شعبوية سريعة النمو والتأثير تختلف حتى مع الديمقراطية ذاتها و تجعل كل الاحزاب السياسية والقوى المجتمعية والدينية امام مسؤولية تجديد الديمقراطية عبر تعزيز هوية جديدة للنظام السياسي و افراغ منصات التواصل من مدونيهم صناع الفساد و الكراهية و دعاه الشيطنة بحق المخالفين و المختلفين معهم؟
الوطنية العراقية تقف امام مصير محترم وخطير تنتظر من يعيد حيوية هذا المفهوم وتعريفه من جديد عبر اسس اصلاحية حقيقية بين الدولة و القانون و تعديل الدستور و تغيير هوية النظام السياسي التوافقي و ولادة نظام فيه راس يعارض واخر يدير الحكم بعيدا عن نظريات المؤامره و بعيدا عن المذهب الذي في خطر لان الاصل هو التمسك بالوطنية كحق و ارث عراقي و اعادة تشكيل نظام سياسي و قوى حزبية تؤمن بانتشال العراقيين من حالة الضياع المزمن ، لان الزمان لن يكرر نعمته العظيمة التي منحها القدر لبنو إسرائيل عندما وطأت اقدامهم الرمال بعد ان انقذهم الله عز وجل من الغرق فذهبوا لعبادة العجل وتركوا موسى واخيه ، فلا تجعلونا نردد وتلك الايام نداولها بين الاحزاب لعلهم يتعضون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس