الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحملة الروسية على أوكرانيا وبداية تداعي الإمبراطورية الروسية

فارس إيغو

2022 / 4 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


مع انهيار النظام الدولي السابق عام 1989 الذي كان قائماً على القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي تصاعدت شهية العودة إلى التوسع الإمبراطوري، بدءاً من العولمة الأمريكية والإمبراطورية الاقتصادية والمالية الضخمة للصين، ومروراً بالطموحات الإمبراطورية التوسعيّة لبعض القوى الإقليمية في الشرق الأوسط (إيران، تركيا)، وأخيراً بالحرب الروسية على أوكرانيا يتكشف للعلن الأساس الامبراطوري التوسعي للبوتينية السياسية.
توضع هذه الحرب الأخيرة التي فادئت العالم في سياق أفول المرحلة الليبرالية العولمية التي دُشنت عام 1989 مع نهاية الحرب الباردة، وعودة الدول ـ الأمم واستيقاظ الإمبراطوريات القديمة كما يقول الاقتصادي الفرنسي المعروف فرانسوا لونجلي صاحب كتاب ((كل شيئ سوف يتحوّل)) (الذي صدر عام 2019) (1). يعلن لونجلي في مقابلة له مع صحيفة الفيغارو الفرنسية بأن هذه الإمبراطوريات النائمة لم تستيقظ إلا لشعورها بأنها لن تعاقب من قبل سيد العالم أي الولايات المتحدة الأمريكية في عصر أفولها المستمر منذ فشل ((روما الجديدة)) في حروبها الجديدة في الصومال وأفغانستان والعراق، إنها بداية النهاية للقوة العظمى الأمريكية. ويضيف لونجلي، بأنّ الحرب الروسية على أوكرانيا تنهي قرناً من الهيمنة الأمريكية على العالم منذ انهيار الإمبراطورية البريطانية التي هيمنت على العالم مع هزيمة نابليون بونابرت نهاية القرن الثامن عشر. لقد كان عام 1989 قمة الصعود للعصر الأمريكي وبداية مرحلة جديدة هي الإمبراطورية الأمريكية التي فرضت شروطها ومعاييرها على العولمة، وقد تشكلت هذه العولمة في هذا الإطار من الأحادية القطبية في العالم. ومن دون وجود سيد على هذا العالم، لا وجود للعولمة حسب لونجلي، لأن السيد هو الذي يعمل على إبعاد أي أزمة جيو ـ سياسية تؤدي إلى اضطراب التجارة والتبادلات العالمية، و كما يحصل اليوم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، نجد أن التصريح الأول للولايات المتحدة الأمريكية هو أننا لا نريد خوض الحرب بدلاً من الأوكرانيين. إنّ هذا السيد كان يضع الضوابط العالمية العولمية، وفي هذا العالم المنضبط بالقواعد الأمريكية تنطلق الشركات، لتصبح شركات متعددة الجنسيات، تنقل المعامل والورشات من مكان إلى مكان آخر أقل كلفة، تستثمر رساميلها في المكان التي تجد فيه الربح الأعلى. وهذا ما عشناه، يقول لونجلي، بين عام 1989 وعام 2022 (2).
ويؤكد الاقتصادي الأمريكي المعروف لاري فينك ((نهاية العولمة)) مع غزو الجيوش الروسية لأوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام الحالي (3).
هذه الحرب هي الحدث الأكبر منذ سقوط جدار برلين، إنهما تاريخين مرتبطين أشد الارتباط 1989 و2022. يتمثل الحدث الجيوسياسي الأخير بعودة إرادات القوة في فرض شروطها على العالم بعيداً عن القانون الدولي، وعودة الأهواء القومية ـ الدينية ذات البعد الإمبراطوري (روسيا الكبرى، العثمانية الجديدة، الوهابية العالمية، التمدد الإيراني في العالم العربي إلخ).
إنّ التشابه الوحيد بين الظاهرتين العصر الليبرالي العولمي وعصر عودة الامبراطوريات النائمة هو الاستهتار بالحدود الوطنية.
وفي كتاب للفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي صدر عام 2018 تحت عنوان ((الإمبراطورية والملوك الخمسة))، يقدّم فيه قراءته للهمجيات المعاصرة، يقول: ((نحن نشهد كسوف الإمبراطورية الأمريكية، في المقابل نرى الملوك الخمسة للإمبراطوريات الساقطة الفارسية والتركية والصينية والروسية والعربية قد شرعوا في استعادة مجدهم الماضي)) (4). فالإمبراطورية في عنوان كتاب المفكر الفرنسي هي العولمة الأمريكية التي خرجت منتصرة من الحرب الباردة، والملوك الخمسة هم الذين يقاومون هذه الحضارة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1945 بعد الانتصار الكبير على النازية، وخطة مارشال لإعادة بناء أوروبا وإبقاءها بعيداً عن الإغواء الشيوعي، وجعلها ضمن الحلف العسكري الجديد، الحلف الأطلسي الذي تأسس عام 1949، والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل إلى اليوم (5). هؤلاء الملوك الخمسة الذي وصفهم ليفي في كتابه يحاولون نشر نموذجهم السلطوي بالقوة العسكرية والقوة الأيديولوجية فقط، دون وجود نموذج سياسي مستقر وجاذب، ولا نموذج اقتصادي متطوّر، ولا بالطبع نموذج ثقافي متفوّق.
نفهم من نص ب. هـ. ليفي، أنّ الإمبراطورية الأمريكية التي فرضت هيمنتها على النظام الدولي بصورة أحادية بدأت تواجه صعود لقوى جديدة لا تحترم المنطق الذي ساد منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر، والقائم على أن التجارة الحرة ـ كما يقول مونتسكيو ـ سوف تهذب النفوس الخشنة، وتدفع الأمم والشعوب نحو المجتمعات المفتوحة والتعددية السياسية والتناوب على الحكم بصورة سلمية حضارية حسب النتائج التي تخرج من صندوقة الاقتراع (6 ـ 7).
والبداية في رأيي كانت مع الإمبراطورية الأمريكية، مع روما الجديدة، التي خرجت منتصرة من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي عام 1989 مع انهيار حائط برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي. لقد أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تهيمن على العالم أحادياً بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشيوعي، فكانت النتيجة حروب كثيرة في الصومال وكوسوفو وصربيا والعراق وأفغانستان، وكانت نهايتها الانسحاب المذّل من أفغانستان عام 2021 وتسليم قيادة البلد إلى حركة طالبان التي دخلت الولايات المتحدة عام 2001 حربا لإزالتها وإقامة نظام ليبرالي برلماني في أفغانستان.
ولعل كتاب فرنسيس فوكوياما يجسّد (ولو جزئياً) هذه الرغبة في سيادة الأنموذج الديموقراطي الليبرالي الأمريكي في العالم كله، وهو ما يفتح الطريق نحو العولمة الاقتصادية والإعلامية، وسيادة القيم الليبرالية التي ستكون مجالاً لهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية (8).
نتائج المغامرات الإمبراطورية للولايات المتحدة الأمريكية خسائر مالية هائلة بلغت حوالي 3 ـ 4 تريليونات دولار، وخسائر بشرية في صفوف الجيش الأميركي بلغت حوالي 8.000 جندي أمريكي بين العراق وأفغانساتان والصومال، وآلاف الجرحى والمعاقين، بالإضافة إلى الكوارث والمآسي التي تسببت فيها الولايات المتحدة في الصومال وأفغانستان والعراق.
أما حلم الإمبراطورية الفارسية الشيعية المذهب، فقد انطلق مع مبدأ تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم العربي عام 1979. لقد أدت السياسات الإمبراطورية التوسعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الكثير من المآسي للشعب الإيراني (انهيار العملة الإيرانية، العقوبات الاقتصادية، غلاء المعيشة، وإفقار معظم الإيرانيين)، وأما في العالم العربي، فقد أدى الحلم الإمبراطوري الفارسي المعزّز بالإيديولوجية الإسلامية السياسية الشيعية إلى إنهيار أربعة بلدان عربية تحت وطأة الحروب الأهلية والانهيارات الاقتصادية، ونتكلم هنا عن العراق ولبنان وسورية واليمن.
أما العثمانية الجديدة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، وزعيمه الرئيس رجب طيب أردوغان، فقد شهدنا على المستوى الأيديولوجي في المرحلة الثانية من العهد الأردوغاني في تركيا (2010 ـ 2022) بدايات سياسات الأسلمة التدريجية لمختلف فضاءات المجتمع التركي التي كانت قد تعلمنت في إطار الأنموذج الأتاتوركي الذي حكم تركيا من عام 1924 إلى عام 2002؛ أما على المستوى الاقتصادي، فقد تسببت النزعة العثمانية الإسلامية الجديدة في الانهيارات المتتالية لليرة التركية، والتي وصلت في بعض الأوقات إلى أكثر من 16 ليرة تركية للدولار الواحد؛ بالإضافة إلى المستوى الجيو سياسي، حيث شهدنا انتشار الجنود الأتراك المعززين بالمرتزقة السوريين، وكذلك بالدرون التركية بيرقدار، في ليبيا إلى جانب السلطة المعترف بها شرعيا من قبل الأمم المتحدة في طرابس الغرب، وكذلك في إقليم ناغورني كاراباخ إلى جانب الجيش الأذربيجاني.
أما الحلم الإمبراطوري السعودي فقد بقي في حدود نشر الأيديولوجيا السلفية الوهابية في العالم الإسلامي، وكذلك بين الجاليات المسلمة في الغرب (برضى وتواطئ كثير من النخب الغربية). لقد استعملت المملكة القوة الناعمة (الأيديولوجية الدينية)، ولكن لا ننسى أن هذه القوة الناعمة كانت مدعومة بالبترو دولار بصورة سخية جداً (9). وكانت الكوارث التي تسبب بها هذه الأيديولوجية الدينية المتشددة لا تقل في حجمها الكوارث التي أحدثتها التدخلات العسكرية والحروب الإمبراطورية الأمريكية والإيرانية والروسية. وقد استفاق العالم الغربي على خطر هذه الأيديولوجيا في الحادي عشر من أيلول عام 2001 مع الحوادث الإرهابية التي أدت إلى تدمير برجي التجارة العالمية في نييورك، ومقتل ثلاثة آلاف أمريكي وغير أمريكي كانوا يعملون في هاذين المركزين.
ونصل أخيراً إلى الحرب الإمبراطورية المدمرة التي أطلقها الرئيس الروسي يوم 24 شباط ضد الجارة الأوكرانية التي لم تعتدي على أحد من جيرانها، وهي تلّت سلسلة من الحروب بدأها الرئيسالروسي بتأديب الحكومة والشعب الجيورجي على ممارستهم السيادة على أراضيهم وطلبهم العضوية في الحلف الأطلسي، فكانت النتيجة الحملة الروسية العسكرية على جيورجيا، رداً على مهاجمة القوات الجيورجية لمقاطعتي أبخازيا وأسيتيا الجنوبية الجيورجيتين، والتي انتهت بتحييد جيورجيا واقتطاع المقاطعتين منها، وإقامة جمهوريات مستقلة تابعة لروسيا، وتقيم فيهما قواعد روسية عسكرية بشكل دائم.
في عام 2014 ، وبعد الثورة البرتقالية في الميدان، وإسقاط المتظاهرين الرئيس السابق الدمية فيكتور ياناكوفيتش التي وضعه النظام الروسي في كييف لحماية مصالحه، قام الرئيس الروسي بضم جزيرة القرم إلى روسيا، وكذلك بدعم الإنفصاليين في الدونباس مما تسبب في الحرب الأهلية في إقليم الدونباس شرق أوكرانيا حيث تسكن غالبية من الجاليات الناطقة باللغة الروسية.
في عام 2015 يقرر النظام الروسي التدخل في سورية للحفاظ على النظام السوري من السقوط، والأهداف المعلنة في ذلك الوقت منع قيام ثورات شعبية برتقالية من تغيير نظام حكم تعتبره روسيا ((شرعيا))، وكبح الجهاديين والدفاع عن مسيحيي الشرق. ولكن الأهداف الغير معلنة كانت محاولة التمدد في المياه الدافئة للبحر المتوسط، وإقامة قواعد جوية وبحرية في سورية وبلدان أخرى مشاطئة للمتوسط لفرض السيطرة على كامل الشرق الأوسط، وهو ما جعل كل دول المنطقة تستدير طلباً للغطاء العسكري الروسي، بما فيها إسرائيل.
لكن، قرار الرئيس الروسي في غزو أوكرانيا يشكل قفزة في الفراغ، سوف تكون نهايته تحطيم الوهم الإمبراطوري الروسي، وربما هذه النقطة الأخيرة هي الأكثر فائدة لروسيا والشعب الروسي في المستقبل المتوسط والبعيد. بمعنى آخر، فإن التخلص من آثار الأيديولوجية القومية الشوفينية، ومن يدعمها من النخب السياسية في روسيا، سيكون المخرج الوحيد للورطة الحالية التي وضع فيها نفسه النظام في روسيا.
نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت في دول أوروبا الغربية بداية مغامرة كبرى سميت في فرنسا بـ (الثلاثينية العظيمة: لي ترونت غلوريوز)، التي دعمتها خطة مارشال الأمريكية لمنع الشيوعية، مما أدى مع دولة الرفاه الاجتماعي إلى توسع الشرائح الوسطى في جميع دول أوروبا الغربية، وتهدئة الصراعات الاجتماعية، مما عزّز الثقة بالديموقراطية، ونظام الحريات المدنية والفردية في دول أوروبا الغربية. بينما انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 وقيام الجمهورية الروسية الاتحادية أعقبته فترة من الفوضى والفساد والتصفية السريعة للقطاع العام الضخم في روسيا لحساب الشريحة النيوليبرالية الطفيلية التي نمت بسرعة مع سلطة الرئيس السابق بوريس يلتسين، ومع وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000 شهدنا عودة سريعة إلى استعمال العصا الغليظة ضد كل المعارضين الروس، مع الوسائل القذرة التي شهدناها في تصفية كل من يعارض السلطة أو يتحداها، ترافق ذلك مع صعود العسكرتارية الروسية الجديدة محمولة على خطاب أيديولوجي جديد يمجد القومية الروسية الشوفينية والفاشية والهيمنة الإمبراطورية على ما سماه سولنجتسين بروسيا الكبرى التي تضم بالإضافة إلى الفيدرالية الروسية جمهوريتي أوكرانيا وروسيا البيضاء، وكذلك الهيمنة العسكرية على على الجمهوريات الآسيوية في الاتحاد السوفياتي السابق. هذه النزعة العسكرتارية الإمبراطورية هي التي تفسر تصاعد الخطاب العدائي الهيستيري ضد حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، وكذلك تفسر كل السياسات والحملات العسكرية على جيورجيا عام 2008، ومحاولة زعزعة الاستقرار الأوكراني الهش بتحريض وتسليح المجموعات الانفصالية في شرق أوكرانيا في منطقة الدونباس، ومن ثم الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك و لوغانسك في الثاني والعشرين من فبراير، وأخيراً قرار غزو أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط من العام الحالي الذي وضع أوروبا على الخصوص، والعالم على العموم، أمام شبح الحرب العالمية الثالثة، والتي أعلنت القيادة الروسية بأنها لو اندلعت ستكون حرباً نووية.
الخلاصة، إنّ المغامرة العسكرية المتهورة في أوكرانيا تفتح المجال للتساؤل عن مستقبل روسيا القاتم في ظل السلطة الحالية برئاسة الرئيس الروسي الذي يتحكم بانفراد بالقرار الروسي منذ 22 عاماً، وقد شهدنا ما جرى خلال الاجتماع الشهير للقيادات الروسية العسكرية والأمنية والسياسية مع الرئيس (22/02/2022).
المشهد يبدو بعيداً عن التصوّر في روسيا التي تعتبر دولة كبرى، وعضو دائم في مجلس الأمن منذ عام 1945. اللقاء تم بثه جزئياً على التلفزيون الروسي، حيث شهد العالم كله التبادل شديد التوتر بين رئيس الدولة الروسية ورئيس جهاز المخابرات الخارجية سيرجي ناريشكين.
يبدأ التسلسل الغريب عندما يسأل الرئيس الروسي سيرجي ناريشكين عما إذا كان يؤيد استقلال المناطق الانفصالية الموالية لروسيا في أوكرانيا، ومحاوره يتلعثم ببضع كلمات مشوشة، قبل أن يوضح موقفه المؤيد في مواجهة نبرة الرئيس التي تصاعدت متهمة رئيس المخابرات بإيضاح موقفه تجاه الاعتراف باستقلالية جمهوريتي الدنتيسك ولوغانسك عن جمهورية أوكرانيا.
هذا المستوى من الضحالة يكشف تعاظم السلطة الفردية وانهيار وتداعي مؤسسات الدولة في روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، المحاط بعدد قليل جداً من المسؤولين المقربين ومن بينهم وزير الدفاع شويغو ووزير الخارجية لافروف. لقد كان قرار غزو أوكرانيا نتيجة لقناعة شخصية عميقة للرئيس الروسي، الذي تضيق دائرة مستشاريه بشكل متزايد، وهو اتجاه تسارع في السنوات الأخيرة.
لقد أظهرت العقود الثلاثة الأخيرة منذ سقوط المعسكر الشيوعي أنّ الطموحات الإمبراطورية تؤدي إلى الحروب وتدمير الاقتصادات، والمآسي والكوارث التي تصيب الشعوب والأمم في طرفي الصراع. ولا يمكن أن ننسى بأن هذه الطموحات الإمبراطورية نوع من الهروب إلى الأمام في محاولة لتجنب الاستحقاقات الديموقراطية، وحرية الشعوب في اختيار ممثليها وسلطاتها. إنّ هذه الطموحات الإمبراطورية محاولة يائسة من العالم القديم، وأيديولوجيات الهيمنة على مصائر الشعوب والأمم لتحدي استحقاقات الحداثة، وبالخصوص منها الحداثة السياسية. من هنا، فإنه بعيداً عن الرهانات الجيوسياسية والاقتصادية، والصراعات على المواقع في النظام الدولي بعد عام 1989، لا ننسى أن الصراع الروسي الأوكراني هو صراع أيضاً بين الأنظمة السلطوية والأنظمة الديموقراطية في العالم، وهي معركة ما زالت طويلة ضد كل الأيديولوجيات الفاشية والسلطوية التي تصارع للإبقاء على الهيمنة والتسلط على الشعوب والأمم والأفراد، وتداعي هذه الإمبراطوريات (وبالخصوص،روسيا، إيران) سيفتح آفاقا كبيرة للحريات في روسيا نفسها، وبالتالي، في المنطقة المحيطة بها، وبالخصوص في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن تداعي السياسات الإمبراطورية في روسيا وإيران سيفتح أفقا واسعا للتطور السياسي والاجتماعي في تلك المنطقة التي عانت كثقيرا من التدخلات العسكرية الخارجية والأيديولوجيات السلطوية الداخلية.
الهوامش
(1) فرانسوا لونجلي ((كل شيئ سوف يتحوّل))، من منشورات دار ألبان ميشال الفرنسية، 2019.
(2) فرانسوا لونجلي ((أوروبا هي الضحية الاقتصادية الكبرى لهذه الحرب في أوكرانيا))، صحيفة الفيغارو، تاريخ 01/04/2022.
(3) صرح الرئيس التنفيذي لشرك بلاك رول في رسالته التقليدية للمساهمين، والتي كشفت عنها قناة CNBC بأنّ ((الغزو الروسي لأوكرانيا قد أنهى العولمة التي عرفناها طوال العقود الثلاثة الماضية)).
في نهاية الحرب الباردة ، يشرح لاري فينك، في رسالته، تم الترحيب بالاتحاد السوفيتي السابق في النظام المالي الدولي لمنحه إمكانية الوصول إلى الأسواق ورؤوس الأموال في جميع أنحاء العالم. وقد أدى ذلك إلى توسع العولمة وزيادة النمو الاقتصادي لروسيا.
لكن الأمور تغيرت منذ الغزو الروسي. ضربت عقوبات غير مسبوقة قوة عظمى. لقد قطعت الولايات المتحدة وأوروبا روسيا عن الأسواق، ولم يتبق سوى تبادل مواردها الأحفورية لأوروبا.
يعتبر لاري فينك هو رئيس أكبر مدير للأصول في العالم. تعمل شركة بلاك روك بالفعل في تحقيق ما يقرب من 10000 مليار دولار. وقال إن النظام العالمي الذي كان قائما منذ نهاية الحرب الباردة ينقلب رأسا على عقب.
يقول ملخص الكتاب: في عام 2019 ، سيتقاطع منحنيان: صعود الشعبويات ومنحني الأزمة المالية وأزمة البورصة. الوضع متفجر! نحن ننتقل إلى عالم آخر. يبحث فرانسوا لينجلي في أسباب هذا التغيير لإظهار ظهور دورة اقتصادية وسياسية جديدة: نهاية الليبرالية في مرحلتها العولمية وعودة السلطويات أو الديموقراطيات الغير ليبرالية.
(4) برنار هنري ليفي ((الإمبراطورية والملوك الخمسة))، صدر عام 2018.
(5) ريجيس دوبريه ((حضارة: كيف أصبحنا أمريكيين))، دار غاليمار، 2017.
(6) مونتسكيو ((روح القوانين))، الكتاب العشرين، الفصل الأول.
يقول مونتسكيو في عبارة شهيرة جداً:
((إنها قاعدة عامة تقريباً أنه حيثما توجد أخلاق لطيفة، توجد تجارة، وأينما توجد تجارة، هناك أخلاق لطيفة)).
(7) كارل بوبر ((المجتمع المفتوح وأعداؤه))، ترجمة السيد نفادي، في جزأين، دار التنوير، طبعة 2014.
الطبعة الأولى للترجمة العربية عام 1998.
الترجمة تمت من النص الإنجليزي.
صدر الكتاب لأول مرة في لغته الأصلية عام 1943.
والطبعة الثانية للكتاب ظهرت عام 1950.

(8) فرنسيس فوكوياما ((نهاية التاريخ والإنسان الأخير))، مركز الإنماء القومي، بيروت 1993.
فريق الترجمة: د. فؤاد شاهين، د. جميل قاسم، رضا الشايبي.
الإشراف والمراجعة والتقديم: د. مطاع صفدي.
وقد تمت الترجمة عن الأصل الإنكليزي والفرنسي.
وهناك، مع الأسف، ترجمة أخرى للكتاب أنجزت في نفس العام، قام بنقلها الى العربية المصري حسين أحمد أمين (القاهرة: مركز الاهرام للترجمة والنشر، 1993).

(9) بيار كونيسا ((دكتور سعود ومستر جهاد: الدبلوماسية الدينية للمملكة العربية السعودية))، من مشورات روبير لافون، باريس 2016.
وبحسب بيير كونيسا، ووفقًا لدراسات مختلفة من وزارة الخزانة الأمريكية، فإن مجموع ما أنفقته المملكة العربية السعودية بين 1979 و 2002 لنشر السلفية الوهابية في العالم ما لا يقل عن 70 مليار دولار، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة للفترة المذكورة، يمكن أن يملئ العالم العربي بالجامعات ومراكز الأبحاث العلمية والإيكولوجية والسوسيولوجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ