الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مواجهة الاستحقاق الانتخابي أحزاب السلطة تغطي أزمتها بالحرب النفسية

حسن خليل غريب

2022 / 4 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي في لبنان أسابيع قليلة. وتُعتبر تلك الأسابيع ساحة شدٍّ وجذب من الحروب النفسية بين أحزاب السلطة من جهة، وبينها وبين الجماهير الشعبية من جهة أخرى.
وعلى الرغم من وحدة أهدافها المشتركة في الدفاع عن النظام الطائفي السياسي، وللتعتيم على جرائمها، توحي الأجواء بأن هناك حروباً بين أحزاب السلطة، لأنه لا خلاص من أزمتها مع الجماهير الشعبية بدون إعادة نفسها إلى كراسي السلطة. تعمل على ذلك على حساب ما يدفعه اللبنانيون من صحتهم ولقمة عيشهم ومستقبل أولادهم، وجنى عمرهم، وكرامتهم.
بعد أن أوصلت الأحزاب الطائفية السياسية لبنان إلى متاهات الإفلاس في كل شيء، وعلى شتى الصعد، افتتحت البازار الانتخابي بإعادة ترشيح من أثبت إتقانه فن اللصوصية، وأتقن فن تغليف تلك الجريمة بشعارات شعبوية تُعتِّم على اللصوص منهم بشكل وقح وفجّ، وكاذب.
بين هذه الساحة أو تلك، تعمل أحزاب السلطة على شدِّ تلك الجماهير وجذبها بشعارات تعبِّر عن الأهداف التي تنشدها جماهير الشعب اللبناني قاطبة من جهة. ومن جهة أخرى يستخدمون من أجل استقطابها شتى الوسائل المادية والنفسية.
ولأننا نعيش في القلب من تلك الجماهير، سواءٌ أكانوا من أنصار تلك الأحزاب أم كانوا من رافضيها. وقياساً على المشاهدات العيانية، سنلقي نظرة على ما تقوله تلك الجماهير قبل الاستحقاق النيابي خاصة بعد وصول لبنان إلى مزالق الجوع والفقر والمرض،.
إن هذا الاستفتاء الذي خبرناه من التجربة الطويلة، ومنذ عقود، سوف يكون المعيار الذي نستند إليه في تحليل ملاحظاتنا الميدانية. وهذا المعيار يستند إلى أن ما يجذب اهتمام الجماهير الشعبية بالأحزاب الطائفية عاملان أساسيان وهما:
-العامل الطائفي الذي يسبق عندهم العامل الوطني جرَّاء تربية الحقن والتعصب التي بلغت من العمر قرناً ونصف القرن تقريباً. شاخ فيها الفقراء من القواعد الشعبية، وتجدَّد فيها شباب أمراء الطوائف.
-العامل المادي، وهو ما تغدقه أحزاب الطائفية السياسية، في المرحلة الراهنة، بشكل رواتب ومساعدات مادية تقدمها إلى أنصارها. وتعمَّق هذا العامل جراء البطالة والعجز عن تحصيل لقمة العيش.
أينما يممت وجهك، ستسمع صرخة الجوع والإذلال. صرخة تتعالى أصداؤها في كل منطقة، وفي كل طائفة. ولكننا نفتقدها في أوساط ممتلئي الكروش والجيوب، خوفاً من ميليشيات الرعب التي تهدد سلامة كل من يقترب من أصنامها بكلمة رافضة أو متَّهمة، أو هتاف يكشف عورة الزعيم، أو القائد الملهم، أو حامي الطائفة. وهؤلاء هم من الذين يقتاتون من فتات الأمراء وأولي الأمر، فيبيعون ضمائرهم بما لا يملأ بطونهم الخاوية، خاصة وهم أبناء الجياع والمحتاجين.
وإذا ابتعدت أكثر، تسمع صرخة الملتحقين بأمراء الطائفية مدوية أمام من يطمئنون إليهم، من أمثالهم من الجائعين. ومن كثرة ما تسمع، تكاد تخرج بنتيجة واحدة أن زمن سقوط الأمراء قد حان أوانه. ولأن أحزاب السلطة يدرون أن الحصار الشعبي بدأ يغزو حصونهم، فلجأوا إلى استخدام السلاح النفسي في مواجهة الثورة الصامتة لتلك الأوساط الشعبية. ومن مواصفات هذا السلاح، ما يلي:
-تكثيف الخطاب السياسي واستخدام منابر المؤسسات الدينية وأحياناً الرسمية، لإعادة شحن نفوس من أخذت تنضب تأثيراتها لديهم.
-تكرار معزوفة الحماية من خطر الطوائف الأخرى. وتبرئة أمراء طوائفهم من المشاركة في الفساد على الرغم من مشاركتهم في سلطة أوصلت لبنان إلى درجة الإفلاس. وتصنيف لبنان في الدرجة الثانية بعد أفغانستان في التخلف.
-تكثيف تقديم المساعدات العينية لأنصارها من محاصيل التسول التي تأتي من دول الخارج لهذه الطائفة وتلك.
-وعلى الرغم من تشاركهم بالفساد والسرقة والنهب، ربطوا جميعهم القضاء على الفساد بالتزام صف هذا المحور الخارجي أو ذاك.
-تقديم الرشاوى لأنصار هذا الحزب الطائفي أو ذاك، بصفة رواتب أو مساعدات شهرية. وهي رشاوى انتخابية جارية طالما مزاريب الخارج تصب في جيوب أمراء الطوائف، ولكنها سوف تنضب بعد أن تحقق الخارج أهدافها. وغير ذلك، فليعلن من يقدموها منذ سنين طويلة عن مصادر تمويل تلك الرواتب والمساعدات، والتي يبلغ حجمها عند البعض منهم ما يفوق عشرات الآلاف. هذا ناهيك عن كميات الأسلحة الفردية وذخائرها. أو ليعلن هذا الحزب الطائفي أو ذاك، لماذا يحرمون أبناء طوائفهم الذين لا يلتزمون بخطهم الحزبي. لو كانوا يعملون من أجل الطائفة لكانوا وزَّعوا المساعدات على الجميع. وهذا لن يحصل لأن شعارات حماية الطائفة، هي شعارات تجارية.
واستناداً إلى تلك العوامل يبني كل حزب طائفي قاعدته الانتخابية من المنتفعين، ضارباً عرض الحائط مزاعمه بأنه يعمل تارة لـ(مصلحة أبناء طائفته)، وتارة أخرى أنه يعمل لـ(مصلحة اللبنانيين) كل اللبنانيين.
أيها الناخبون
لا تطمئنوا إلى ملامح الأمل الجديدة التي تلوح في الأفق، خاصة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبعد عودة سفارات بعض الدول المانحة خاصة الخليجية منها. إن أحزاب السلطة الحاكمة في هذه المرحلة، أخذ كل منها يزعم أن تلك الإيجابيات تحققت بفعل جهودهم، لكن لا تنسوا أن أحزاب السلطة رضخت للعصا التي رُفعت فوق رؤوسهم، وهي ليست بمحض اختيارهم. وهذا لا يخرج عن نهج العبيد الخاضعين للخارج. وهل للبناني حر أن يتجرأ على انتخاب عبيد يطأطئون الرؤوس أمام أسياد الخارج؟
أيها الناخبون
إن أمراء الطوائف، الذين تعودوا على الخضوع للسفارات وتلقي الأوامر منها، لن يجرؤ أحد منهم أن يتحلل من وعوده وعهوده لتلك السفارات، بل سيبقى خاضعاً لها لترابط مصالحهما.
إنهم جميعاً رهنوا لبنان للاحتلالات المتعددة الجنسيات. حيث جلب البعض من الأمراء احتلالاً شرقياً، والبعض الآخر احتلالاً غربياً. فعلوها تحت عناوين احتلال إيديولوجي ديني، أو تحت عناوين وسطاء تجاريين، أو تحت غطاء سياسي عولمي، فتعددت الاحتلالات بينما الاحتلال واحد.
ولأن لكل واحد ما تعودا فعادة أمراء الطوائف الارتهان للعدا. وإذا جددتم لهم، فكأنكم أيها الناخبون، تجددون للاحتلالات من جديد.
أيها الناخبون
إذا جددتم لهم فكأنكم تجددون لوطن مرتهن للمال السياسي الآتي من الخارج إلى جيوب هؤلاء الأمراء وأزلامهم وحواشيهم وحراسهم. بل عليكم أن تأتوا بمن سيبني لبنان المنتج الذي يأكل مما تنتجه زنود أبنائه.
وهنا، تبدأ محاولتنا في تحليل الخطاب الانتخابي للأحزاب الطائفية قبل فترة وجيزة من بدء الاستحقاق الانتخابي. والهدف من كل ذلك تحذير الجماهير الشعبية من مطبات ومخاطر ذلك الخطاب على إرادتهم في الاختيار الصحيح.
تنتشر في الأوساط الشعبية الناقمة مصطلحات تيئيسية، وتلك المصطلحات من صناعة نفسية وضعتها أحزاب السلطة، خاصة منها التي تقدم رشاوى بعشرات الآلاف، تقول: صوتوا لمن تريدون ولكن الفوز سيكون من نصيب تلك الأحزاب. وكان من تأثيرات هذا السلاح النفسي جملة من المواقف الشعبية، ومنها:
-عدم المشاركة بالتصويت يأساً.
-إسقاط ورقة بيضاء، تعبيراً عن الاحتجاج.
-جهل الجماهير الشعبية بهويات مرشحي الحراك المدني.
فات الأصوات الشعبية الناقمة، أنه لأول مرة في تاريخ لبنان تختلط فيه الأوراق بعد انطلاقة ثورة الشباب المنتفض ضد الطائفية والمناطقية والمحسوبية واللصوصية. تلك الثورة التي واجهها الإقطاع الطائفي بالترهيب والبلطجة والاستخفاف وعملوا على إسقاطها لخطورتها علىهم من دون استثناء. ولذلك يستخدمون وسائل الحرب النفسية لتئييس الشعب من التغيير.
إذا كانت الثورة الشعبية قد زرعت الخوف في نفوس الأمراء من هتافاتها في الشارع، فكيف بهذه الهتافات إذا دخلت البرلمان؟ إنها من دون شك ستكون صوت الشعب. وستكون العين التي تراقب الفساد. وإنكم باختيارهم ستكون الضمانة لانتقال الانتفاضة إلى داخل البرلمان.
لقد أبعدكم تحصيل قوتكم عن النزول إلى الشارع، وكنتم تتمنون المشاركة بالتظاهرات والاعتصامات. وأما في دخول مرشحي الحراك المدني إلى البرلمان سيتيح لكم الفرصة للمشاركة بواسطتهم حيث ستكون عيونهم عيوناً لكم، وصرخاتهم صرخات لكم.
أيها الناخبون
إذا كنتم تشككون بمرشحي الحراك المدني لأنكم تجهلون سيرهم الشخصية، فكونوا على ثقة أن أبناءكم وإخوانكم وجيرانكم ممن نزلوا إلى الشارع، فإنما اختاروا مرشحين ممن يمثلون مصالحكم أفضل تمثيل. لذلك لا تقفوا كثيراً أمام التفتيش عن محاسن مرشحي المجتمع المدني، في الوقت الذي خبرتم فيه جرائم أحزاب السلطة، ولا تنسوا من أوصلكم إلى ما دون خط الفقر والجوع والتخلف، والموت أمام المستشفيات، والوقوف أمام طوابير الذل على شتى أشكالها وآخرها طوابير استجداء حصتكم من عائدات المحسنين في العالم قاطبة.
فقبل أي شيء آخر. لا يجوز بشتى المقاييس أن تعيدوا انتخاب من تأكدتم أنهم أوصلوا لبنان إلى الهاوية. فقد عرفتموهم معرفة حقيقة. ومن الغفلة أن تعيدوا تجربة من تمت تجربته.
إن الموقف السلبي بالامتناع عن التصويت، أو إسقاط الورقة البيضاء، يشكل خدمة للمرشحين الفاسدين. لا بل أعطوا أصواتكم لكل جديد من المرشحين، لأنهم نزلوا إلى الشارع للدفاع عن حقوقكم، وسوف يدخلون البرلمان من أجل تلك الحقوق.
ولكي لا تُخدعوا للمرة الألف؛ ولكي لا يستغفلونكم، بوعودهم ووعيدهم، لأنهم أعطوكم فتات ما جنوه من رشاوى الدول الخارجية، وكدَّسوا المليارات. وسرقوا مثلها من أموال الدولة. وسلبوا منكم كل شيء، حتى لم يبق منها ما تأسفون عليه.
وأخيراً،
لا نشك بأنهم عجزوا عن سلب الضمير فيكم. فحكِّموا ضمائركم، ولا تقعوا أسرى حروبهم النفسية على أعتاب صناديق الاقتراع، فهم ضعاف أكثر مما تتصورون، فهم بحاجة إلى أصواتكم وأنتم لستم بحاجة إليهم لأن اختياركم لنظام عادل خالٍ من الفساد، هو الوسيلة الوحيدة الذي من واجبه أن يضمن مستقبلكم ومستقبل أولادكم. ولا تنسوا أن أجمل الناخبين هو من شهر صوته في وجه فاسد. ولن ينتخب فاسداً إلاَّ فاسد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا