الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف سمح الجمهور بالتطاول على فنانيه

سلوى فاروق رمضان

2022 / 4 / 11
الادب والفن


كيف سمح الجمهور بشتائم فنانيهم

بدأ غوغائي الدعوة الأزهري" عبد الحميد كشك" الخطابة في مسجد "عين الحياة" بشارع مصروالسودان في حدائق القبة عام ١٩٦٢، وظل يسب ويقذف ويشوه الفنانيين والأدباء ،وتم سجنه بسبب معارضته للرئيس السادات ووصفه له بخيانة الإسلام بعد توقيع الأخير علي إتفاقية كامب ديفيد ، الدولة رأت الخطر عندما أهان الرئيس ولكن إهانته لقوتنا الناعمة تسلية وحرية رأي ، العجيب أن الجمهور الراقي المتذوق للموسيقى الذي كنا نشاهده في حفلات أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم ، وقف متفرج وضاحك لهذا الغوغائي الذي يقذف الفنانين الذين أمتعوه وإرتقوا به، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، بل الجمهور الذي وجدناه يجلس بحريته قبل الهوس بالفتنة ، والمرأة تجلس بجانب الرجل بأدب ولم يجرح أحدهم الأخر ، هم أنفسهم الجمهور من إقتنع بعد ذلك أن المرأة عورة وفتنة وأن الإختلاط هو كل الشرور ، ونفس الجمهور الراقي الذي ترتدي النساء منهن أجمل الفساتين ليحضرن به الحفلة، هو هو من إقتنع أن الغلاء سينتهي إذا تحجبت النساء ، وهؤلاء هن حفيدات المنتقبات والمحجبات اللاتي إقتنعن إنهن عورات أو أجبروا علي هذا ، ونفس الإعلامي الفني الذي إكتسب شهرته من حواراته التي أجراها مع الفنانين ويبدوا لهم إحترامآ كبيرآ هو من يبدي إحترامآ كبيرآ أيضآ للشيخ الغوغائي الشاتم لهم ، أو ممثل في عمل فني يدين الإرهابيين ولكنه هو نفسه يتحدث عن ذكري مقتل المفكر فرج فودة ويقول عليه نفق ، فكل هذه التناقضات لم يردعها العصر الذهبي للفن لعدة أسباب من ضمنهما .

أولاً : غياب التنظير

لم أتذكر أي حركة في التاريخ نجحت ولم يسبقها التنظير ، حتي الحركات الإرهابية لم تتمكن من نشاطها قبل التنظير ، فقبل تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي كان يوجد تنظير سيد قطب ومن علي شاكلته ، ولإستمرار العبودية جاء التنظير من الفلاسفة ، سقراط وأفلاطون وأرسطو ليروجوا أن نفسية العبد مختلفة عن نفسية الحر ، وفي القرن الثامن عشر قبل دخول عصر التنوير وفصل السياسة عن الدين كان يوجد تنظير من مفكريين وفلاسفة أوروبا كفولتير وجان جاك روسو وديفيد هيوم .
أهمية التنظير تكمن في إنها تجعل المقبلين علي أي خطوة مقتنعين بها وليس منفعليين مع الحالة والأمر الواقع ، بل يعلمون أهمية الموضوع المنظر له وأخذوا فرصة أن يروا إيجابياتها وسلبياته وعواقبه وأهميته .
عندما نرجع للعصر الذهبي للفن ، لا نرى منظريين من مفكريين وفلاسفة يأسسوا في أذهاننا أهمية الفن وكيف يرقى بنا ونلمس هذا الرقي علي أرض الواقع ، وأنه ليس من الرفاهيات التي ممكن الإستغناء عنها، ولم نر الإعلام يبروز لنا مفكريين يوعوا الجماهير لدور الفن إن وجدوا ، بل وجدنا أن الفنانيين العباقرة هم من الأساس جاؤوا في بيئة معادية للفن ، فهذه فنانة قاطعها أهلها وهذا الفنان الذي وقف أهله في طريقه وهكذا بل كان يطلق على الفنانين مشخصاتية ولم يقبل منهم شهادة أمام المحكمة .
علي الرغم أن مصر بلد الفنون كما هي حضارة الطب والهندسة والقانون ، وعلي الرغم تشربنا للفن وكل مناسبة لنا كشعب الفن حاضر في وجداننا ، نفرح نغني ونرقص ،ننجح نغني ، نستقبل شهر رمضان بأغاني خاصة به وأصبح شهر لإستقبال الأعمال الفنية ، وفي إستقبال العائدين من الحج نغني لهم ونرسم جرافيتي الكعبة علي الحائط ولكن مع غياب التنظير يصبح التنظير المضاد هو المؤثر ، فإذا لم تثقل رأيك ورؤيتك لأمر ما من السهل أن من له رأي مضاد يكتسح ، لذا مهما ظهر أمامنا جمهور متحضر أو شعب عاشق للفن، ليس ضمانة أن التحضر سيربح في النهاية ، فالأخر يمتلك تنظير مؤسس ومدعم بالخوف من العذاب والطمع في الجنة وإدعائهم إنهم يتكلمون بإسم الله .
ثانيآ هوس الإحساس بالذنب

في الخطاب السلفي الوهابي يركزون علي إشعار الناس بالتقصير لدرجة نري من الكلام المتداول عند الناس الذي له دلالة ( إحنا كدا كدا داخلين النار ) من كثرة صعوبة إرضاء الله كما صورها لهم السلفيين ، فالله في كلامهم يريدنا مجاهدين نقتل ونقاتل في سبيله ، وهذا أمر مستحيل لمعظم المسالمين المسلمين ، ويتقولون علي الله إنه يريدنا أن تقبل النساء أن تكون إحدى الحريم للرجل والله لم يخلقنا مؤهلين للدياثة ، يتقولون على الله إنه يريد أن نكتم أنفسنا ونلبس ملبس ليس له علاقة بطبيعة المناخ ولا الحياة التي نعيشها ،أوالتحريض علي كراهية الأخر المختلف وهذا صعب على النفسية السوية ،وهذا علي سبيل المثال من خطابهم وليس الحصر، فهم يتكلمون عن طبائع وطقوس غير مناسبة للبشر أن يتماشوا معها ، والأكثر غرابة من هذا خطابات التحريم التي تشوه جماليات حياتنا ،التي لا يستطيع الناس الأكثر مزايدة علي غيرهم أن يتماشوا مع التحريم ، لذا يشعر الناس أن الطريق إلى إرضاء الله وعر ، فتظهر ظاهرة الفنانين المزايدين علي زملائهم أو في مظاهر التدين حتي لو هم أنفسهم غير ملتزمين بها، كمذيعة بحريتها تزايد علي أخلاق الغير محجبات وتقول أتمنى من الله أن يهديني وأرتديه وكأنها تتعرض للإضطهاد مثلا أو أن غير المحجبة غير مهديه ، فمع متطلبات غير إنسانية يقولون عنها الشيوخ إنها لطاعة الله ومع متطلبات إنسانية نريد أن نعيشها ، تحدث عقدة الذنب التي تستوجب الإسقاط النفسي علي الغير ، فيضطهد الفنان زميله الفنان بإعتباره بذلك يتطهر أو أن يلجأون إلي طريقة أخري لحمايتهم من الجمهور صاحب المزاج السلفي في إنهم يستميلونه عن طريق تبرأهم من الفن وإعلانهم إما إنهم تائبين أو يريدون التوبة، فإحساس الذنب يخلق الإزدواجية، فالناس تستمتع بالفن ويريحون أعصابهم من متاعب الحياة من خلاله ثم يستغفرون الله علي إعتبار إنهم يفعلون إثم ويشعرون بالتقصير أمام الله ، هذا التقصير يظهر كعدوانية علي الأخر الذي يضيع وقتهم المفترض أن يخصص للعبادة في نظرهم فيصبح دور الفنان مجرد لهو ، وهو ذاته الإحساس الذي يجعل فنانة عظيمة كشادية تقول للشيخ الشعراوي في أول مقابلة معه إدعيلي ربنا يغفر لي !

ثالثآ دور الدولة
تقف موقف المتفرج منذ إشتداد التمدد السلفي، فليشتم من يشتم طالما لا يتحدث في السياسة ، فليحرض من يحرض على أهل الفن ، وليحرضوا السلفيين والإخوان علي من ترتدي ملابس مخالفة للزي الموحد الذي إعتمدوه زي للعفة، وبالتالي ينعكس هذا على نظرة الناس للفنانات المتحررات من هذا الزي ، والدولة محايدة تمامآ ، ومن جانب أخر نرى حالة فنانين كثر غير مأمنين معاشهم ولا نقابتهم ولا الدولة تساندهم بقوة ، اللهم إلا مؤخرآ زادت مساعدة الدولة لبعض الفنانيين الذين إحتاجوا المساندة لعلاجهم ، ولكن عند إهمال الدولة والنقابة جعلهم صيدآ سهلآ للتنكيل بالفن .
ففي حوار للإعلامي محمود فوزي يسئل الشيخ الشعراوي كيف أقنع الفنانات علي الإعتزال فقال كان يخوفهم من مصيرهن في الشيخوخة وإنصراف الأضواء عنهن ، وضرب لهم مثلأ بالفنانة فاطمة رشدي ( بطلة فيلم العزيمة) لإنها في أخر حياتها كانت فقيرة ولم تملك شقة تأويها .

رابعاً الفنان والإسقاط النفسي

الفنان كشخص مشهور هو مرآة لكل مشاكل المجتمع ، فمثلاً لو المجتمع زاد فيه آفة معينة فأول ما تظهر ستظهر على المشاهير ، فمثلاً لو نسبة الطلاق متفشية ستظهر عالفنانين ويكون من السهل التشهير بهم ، أن الوسط الفني غير آمن وحياتهم بطبيعتها غير مستقرة وكأنهم هم من أنتجوا هذه الظاهرة وليست هي موجودة في المجتمع ككل ، وفي طفولتي أتذكر تشفي السلفيين في أمراض المشاهير عندما يمرض أحد منهم ويشيعون علي الناس أن هذه الفئة تعاقب من الله ولا يموتوا بشكل طبيعي لإن الله غير راض عنهم .
كانت هذه أسباب الإزدواجية بين عشق الناس للفن وتطاولهم على مبدعيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟