الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جورج حوش، يأس نصير الرجاء

راتب شعبو

2022 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الحدث الذي شهدته مدينة اللاذقية مساء السادس من هذا الشهر (أبريل/نيسان)، والذي يقول المهتمون بتاريخ الكنيسة المشرقية إنه لم يسبق له مثيل في تاريخ الكنيسة، يوشك أن يكون المشهد الأكثر تعبيراً عن مستوى التعاسة التي بلغتها حياة السوريين. تمثل هذا الحدث في انتحار الخوري جورج حوش (66 عاماً) في كنيسته في وقت الصلاة. في المكان الذي يقصده المؤمنون لصد اليأس عن نفوسهم، يصل اليأس بالرجل الذي من وظيفته إراحة قلق الناس والتخفيف عن ضمائرهم ومساندة رجاءهم، إلى درجة الانتحار. الإحباط أو اليأس أو اسوداد العيش أو الضغوط أو التقييدات أو الدفع به إلى خيانة الضمير، أو ربما الحاجة وضيق ذات اليد أو أي شيء من هذا الكثير الوفرة في سورية اليوم، تجعل الرجل يختار الموت في المكان والتوقيت الذي يُطلب فيهما الرجاء. في هذا نوع قاس وحاد من انقطاع الأمل. لنا أن نتخيل انعكاس مثل هذا الحدث على نفوس المؤمنين، آخذين في الحسبان مكانة الرجل وما يشاع عنه من ميل إلى الوقوف بجانب الناس ومساعدتهم وإحساسه بهم.
لا يغير ما سبق من قول أن يكون الأب حوش قد انتحر فعلاً، أو أجبر على الانتحار تحت ضغوط ما، أو تعرض للقتل. في كل الحالات، فإن في هذا الحدث تعبير عن مستوى من التعاسة وانحطاط الحياة في سورية، قل أن وصل إليه مجتمع في العصر الحديث.
إذا كان الأب حوش قد انتحر فعلاً، وهو أمر حوله شكوك وتساؤلات منطقية، تتعلق، إذا صحت الأخبار، بمكان الانتحار (كاتدرائية القديس جورجيوس للروم الارثوذوكس)، وتوقيته (وقت الصلاة) أي أمام المصلين أو أمام الجوقة على الأقل، ووجود مسدس بحوزة الأب وهو يستعد لتأدية الطقوس، وإطلاق الرصاصة على الصدر وليس على الرأس كما هو شائع في حالات الانتحار المشابهة، وبقاء الأب على كرسيه دون أن يتدخل أحد من الحاضرين لمحاولة إنقاذه، والاتصال بالشرطة قبل الاتصال بالإسعاف، ووجود ورقة بحوزته مكتوبة بخط يده تؤكد انتحاره بسب ضغوطات نفسية واجتماعية، والحال إن من ينتحر بحضور الناس لا يحتاج إلى ورقة يؤكد فيها انتحاره. نقول إذا كان الأب حوش قد انتحر فعلاً، فإن في هذا ما يدل على مستوى من التعاسة واليأس قادر على جعل الخوري الذي يتلقى الاعترافات، أي الذي يشكل حليفاً خارجياً لضمائر المؤمنين الممتحنين المعذبين، ينهي حياته يأساً. أكان يأسه بفعل عجزه عن تأمين المتطلبات الأساسية لأسرته، أو بفعل عجزه أمام حالة البؤس العام التي يشهدها، ولاسيما أنه، كما يقول كثيرون عنه، من الآباء الذين يندفعون لتقديم العون للناس، ويقال إنه ساعد كثيرين على الخروج من البلد أو إنه كان يتدخل لدى السلطات، بما له من اعتبار أو من تأثير في لجنة المصالحة التي كان عضوا فيها، لحماية بعض المطلوبين من الشباب.
وسط غرابة الحدث وبرود البيان الصادر عن الأبرشية، البيان الذي عرض بتقريرية لافتة، الدافعَ على الانتحار "قد أتى هذا التصرف المستغرب، نتيجة ضغوطات نفسية واجتماعية متراكمة"، دون أن ينسب القول (دافع الانتحار) إلى الراحل الذي قالت وزارة الداخلية إنه كان قد كتب دافعه للانتحار على ورقة وجدت بحوزته تتحدث عن "ضغوطات نفسية واجتماعية"، فإن للحدث، كما يبدو، خلفيات تتجاوز حادثة انتحار، لصالح أن يكون الرجل ضحية تحالف صارم بين سلطات دينية وسلطات أمنية لا يتحمل أي خروج عليه، ولاسيما من قبل أشخاص لهم اعتبار أو وزن شعبي. كما أن تقديم التفسير من جانب الأبرشية ومن جانب وزارة الداخلية بالعبارات نفسها، إنما يشير إلى ميل مشترك للختم على الحدث واغلاق الباب علي أي تفسير آخر محتمل. ويمكن الإشارة أيضاً إلى أن تقديم التفسير، كما يفعل بيان الأبرشية، يسقط عن التصرف صفة "المستغرب" التي ألصقها به البيان الذي يبين ماهية هذه الضغوط النفسية والاجتماعية التي يصفها بـ"المتراكمة"، ما يوحي إن الأبرشية على دراية ومتابعة لهذه الضغوط وهي "تتراكم".
الحقيقة إن في هذا التشابه في التعابير بين بيان الأبرشية وبيان وزارة الداخلية ما يكاد يشير إلى السبب الأرجح لانتحار الرجل، ويدفع بالقارئ إلى تخيل "حكماً" صدر بحق الضحية التي كُلفت هي نفسها بتنفيذه بحق نفسها، كما تعرض الأفلام التي تتناول نشاط المافيات في العالم. هذا إذا أضفنا إلى القصة ما نقله البعض من أن زوجة الراحل وابنته خاطبتا فقيدهما بالقول: "ليتك خلعت الثوب الذي يريد المطران أن يجبرك على خلعه". وإذا أضفنا إليها أيضاً ما قيل من أن الراحل تلقى اتصالاً هاتفياً قبل دخوله إلى المذبح، بما يذكر بقصة انتحار أخرى جرت في 2005، كان ضحيتها وزير الداخلية حينها.
سواء أكان للتحليل السابق نصيب من حقيقة ما جرى للفقيد، أو لم يكن، وإن القصة هي انتحار عادي مستقل عن حبائل السلطات وسعيها المحموم إلى تعزيز سيطرتها وسط ظروف سياسية تفاقمت بتفاقم أزمة "الحليف الروسي" التي قد يكون للأب الراحل موقفاً مغايراً للسلطات حيالها، ووسط ظروف معاشية توفر كل سبل الاحتجاج الشعبي، فإن حقيقة الحدث بذاتها، تشكل نقطة فارقة في تاريخ انحدار مستوى الحياة في سورية من جميع نواحيها، الانحدار الذي قادته باقتدار طغمة الحكم الأسدية منذ أن رسخت سيطرتها التامة على جهاز الدولة السورية بعد أقل من عقد من انقلاب الأسد الأب واستلامه أعلى سلطة في الدولة، وتحويل السلطة إلى الغاية الأولى على حساب المجتمع وقيمه ومعيشته. وفي خط مواز ومعاكس لهذا الانحدار كانت ترتفع ظاهرة التشبيح والفساد وشتى صنوف التضييق على حياة المحكومين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله