الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرد حكاية شالوم في رواية قمر أورشليم

كرم خليل

2022 / 4 / 11
الادب والفن


حكاية جديدة من الحكايات المندثرة التي تعج بها المدن العربية، لكن الروائي السوري ثائر الناشف وعلى غير عادته في الكتابة الدائمة عن آلام الحرب السورية، آثر الخوض هذه المرة في روايته الجديدة الصادرة حديثا عن دار أوراق في القاهرة رواية قمر أورشليم، وتدور أحداث الرواية حول قصة الطفل السوري شالوم، وتقع في مئتي واثنتي عشرة صفحة، وهي الرواية الثالثة التي أصدرها الناشف خلال الأعوام الماضية، خاصة بعدما أصدر رواية المسغبة التي تعد واحدة من أضخم الروايات العربية المختصة في أدب الحرب.
تنتهج الرواية منذ البداية خطًّا زمنيًا يبدأ مع اللحظات الأولى لانتهاء حرب الأيام الستة 1967، وينتهي في مطلع الثمانينات، لكن الإسقاطات التاريخية التي ضمّنها الكاتب في متن الرواية اعتمادًا على سلسلة الأحلام التي قادت البطل "شالوم" إلى أن يعود بالأذهان إلى حقبة الغزو البابلي والفارسي لمدينة أورشليم- القدس، وانتقال اليهود للعيش في بابل، أي إلى ما قبل أكثر من ألفي سنة، جعل خط السرد يبدو وكأنه يسير في اتجاه واحد، وضمن خطين متوازيين أحدهما بالماضي المغرق في القدم، فيما استمر الخط الآخر بالسير في سياق الواقع الراهن الذي نشأ عليه شالوم.
كما تستعرض الرواية تاريخ بلدة تادف الواقعة في شرق مدينة حلب، وهي أقدم بلدة سورية مكث فيها اليهود أثناء عودتهم من بلاد فارس إلى أورشليم- القدس بقيادة النبي- الكاتب عزرا (العُزير) ففي هذه البلدة يكشف الكاتب عبر إحدى الشخصيات عن المكان الذي قضى فيه عزرا نحبه، رغم تضارب الأنباء والوقائع حول ما إذا كان قد توفي في مدينة البصرة العراقية، وفي الوقت عينه يقود شالوم إلى الاستغراق في دهاليز الماضي؛ مُدلّلًا بذلك على القيمة الأثرية التي لا يزال يقف عند حدودها العقل الجمعي اليهودي.
يروي النص قصة الطفل السوري الرضيع الذي فقد والديه الحقيقيين في حرب الأيام الستة، ليعثر عليه ضابط إسرائيلي في إحدى القرى الحدودية، فيعيش الطفل شالوم مع الضابط عزرا، وزوجته سارة في مدينة أورشليم كطفل يهودي، وعندما يشتد عوده، يقع فريسة للشك من خلال شقيق والدته يوسف، لا سيما عندما أخبره بحقيقة أصوله الشرقية.
ولا يلبث الشك يستولي على شالوم بصورة أشد كلما تقدّم في السن، وازداد اقترابه من المجتمع اليهودي، فيتوهم ما إذا كان ليس يهوديًا ولا إسرائيليًا، فيعيش أزمة هوية، وصراع نفسي مرير وصامت بين كونه عربيًا وإسرائيليًا في آن معًا، فلا هو قادر على التخلي عن يهوديته، ولا هو قادر على الإفصاح عن أصله الحقيقي أمام رفاقه في المدرسة، ليتطور الأمر بعد ذلك عندما يتم استدعاؤه إلى الجيش في ريعان الشباب، فيعيش الصراع مضاعفًا، وذلك أثناء التحاقه بإحدى تشكيلات الجيش الإسرائيلي، ليتذكر حيثيات المكان الذي عثر عليه فيه عزرا أول مرة، وليقع بعد ذلك في حب فتاة عربية من سكان القرى العربية في هضبة الجولان، فيصبح حينذاك بين خيارين مريرين، فإمّا أن يستمر في الجيش ليحافظ على هويته وكيانه المكتسبين بحكم الأمر الواقع، أو أن يفرّط بذلك كله في سبيل الحب.
فالقراء وشخصيات الرواية جميعهم يعرفون حقيقة شالوم الذي لا يعرفها هو نفسه، وكأن الكاتب عمد إلى هذا النوع من السرد، بغية تحفيز العواطف، ودغدغة المشاعر في وجدان القراء، ومن ثم إشراك القارئ والشخصيات في مراقبة مسار حياة البطل، ورصد حراكها وصراعها النفسي والوجودي منذ السطور الأولى، فيبدو البطل" شالوم" وكأنه مجرد سمكة صغيرة تسبح في حوض ماء محدود المساحة، فيما القارئ يراقب مستمتعًا، رغم أنه "القارئ" يعرف بعض تفاصيل القصة منذ البداية، لكنه يظل متشوقًا ومتحمسًا لمعرفة النهاية التي ستؤول إليها حياة البطل.
حرص الكاتب على عدم زج شخصيات الرواية في خضم الصراع التقليدي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن كان قد عرّج من حين لآخر إلى الحوارات المصاحبة لأجواء الحرب، لأن الرواية تميل أساسًا إلى التصالح مع الذات، وهو ما بدا واضحًا في رغبة الزوجين سارة وعزرا إلى منح ابنهما الجديد اسم شالوم ليكون رسالتهما للعرب والإسرائيليين على حد سواء.

كما تعالج الرواية فكرة أزمة الهوية لدى بطل الرواية من خلال الصراع النفسي المرير الذي يقع شالوم ضحية له، بعدما تنتابه الشكوك الكثيرة حول حقيقة أصله الشرقي، لكنه لا يلبث أن يكتشف الحقيقة التي أخفاها عزرا وسارة عنه طيلة سنوات حياته كله، فيقرر في نهاية المطاف أن الإنسان لا يستطيع البتة أن يغيّر أقداره، كما أنه لا يستطيع أن يختار اسمه، فإنه لا يستطيع كذلك أن يختار نوع الهوية والعرق الذي يطمح في الانتماء إليه، لكنه يستطيع أن يتكيف مع الواقع مثلما هو عليه، وهو ما فعله شالوم في النهاية عندما قَبِلَ استمرار العيش مع والديه المفترضين.

وكان الكاتب قد ترجم الرواية نفسها " قمر أورشليم" وأصدرها باللغة الألمانية، وقد لاقت تفاعلًا إيجابيًا من الجمهور الألماني الذي لا يزال يدأب على مراجعة الحقبة النازية السوداء من منظور الاعتذار للشعوب التي كانت ضحية للاضطهاد النازي ومن بين هؤلاء اليهود الأوروبيين الذين تطرّقت الرواية إلى مناقشة تفاصيل حياتهم الخاصة جنبا إلى جنب مع حياة اليهود الشرقيين، وفي الوقت عينه طرحت "قمر أورشليم" عدة تساؤلات حول درجة قبولهم لشالوم في مجتمعاتهم المحافظة.
ثائر الناشف كاتب وإعلامي سوري؛ حصل على إجازة جامعية في الإعلام والصحافة من جامعة دمشق عام 2005، غادر سورية في مطلع عام 2007، وأقام في مصر لمدة ثماني سنوات، وأصدر فيها أول منشوراته الأدبية والسياسية، فكتب بُعيد وصوله إليها بوقت قصير جدًا المسرحيات النصية، والمؤلفات السياسية والفكرية.
أمّا الروايات، فقد بدأ في كتاباتها ونشرها بعيد وصوله إلى النمسا، وصدر له خلال الأعوام الماضية بضع روايات منها المسغبة وقيامة الروح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا