الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لليسار إرث عميق في معارضة الحرب

مارسيلو موستو

2022 / 4 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في وقت دعمت أغلب أحزاب الأممية الثانية الحرب العالمية الأولى، كانت روزا لوكسمبورغ من بين القادة الاشتراكيين/ات الذين عارضوا الحرب. (آشتون إيمانويل- فليكر)


نشر المقال في موقع جاكوبين بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2022



لليسار تقليد عريق وغني في معارضة العسكرة يعود تاريخه إلى الحرب العالمية الأولى. وهذا التاريخ هو مصدر ممتاز لفهم أسباب الحرب في ظل الرأسمالية ولمساعدة اليساريين على الحفاظ على موقف واضح في معارضتها.

في وقت تبحث العلوم السياسية عن الدوافع الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية وحتى النفسية وراء نشوب الحرب، قدمت النظرية الاشتراكية مساهمة فريدة من خلال توضيح العلاقة بين تطور الرأسمالية والحرب. لطالما نظّر اليسار ضد الحرب، كما توفر المواقف الأساسية للمنظّرين الاشتراكيين والمنظمات الاشتراكية طوال 150 سنة الماضية مورداً مفيداً لمعارضة العدوان الروسي على أوكرانيا، وفي الوقت عينه لمعارضة حلف شمال الأطلسي.

نادراً ما تكون للحروب- يجب عدم الخلط بينها وبين الثورات- أثراً ديموقرطياً الذي أمِلَ به منظرو الاشتراكية. في الواقع، لقد أُثبت في كثير من الأوقات أن الحروب هي أسوأ طريقة للقيام بالثورة، سواء بسبب التكلفة البشرية أو بسبب تدمير قوى الانتاج التي تتضمنها. إذا كان هذا الأمر صحيحاً في الماضي، فهو بات أكثر وضوحاً اليوم حيث تنتشر أسلحة الدمار الشامل على نطاق واسع.

الإعلانات

الإبلاغ عن هذا الإعلانالخصوصية

الأسباب الاقتصادية للحرب

ضمن مناقشات الأممية الأولى، صاغ سيزار دو بايب، أحد قادتها الأساسيين، ما بات يعرف بالموقف الكلاسيكي للحركة العمالية حيال مسألة الحرب: أي، أن الحروب لا مهرب منها في ظل نظام الانتاج الرأسمالي. في المجتمع المعاصر، لا تنشأ الحروب بسبب طموحات الملوك أو الأفراد الآخرين إنما من النموذج الاقتصادي والاجتماعي المهيمن. جاء الدرس المستفاد من الحركة العمالية أن أي حرب يجب اعتبارها “حرباً أهلية”، [بمعنى تحويلها إلى] صدام شرس بين العمال وبين من حرمهم من الوسائل الضرورية للبقاء على قيد الحياة.

لم يطور ماركس على الإطلاق أي موقف ثابت أو منهجي بشأن الحرب في كتاباته. في كتاب رأس المال، الجزء الأول منه، حاجج أن العنف هو قوة اقتصادية، “قابلة كل مجتمع قديم حامل بمجتمع جديد”. لكنه لم يفكر بالحرب باعتبارها طريقاً مختصراً للتحويل الثوري للمجتمع، كان الهدف الأساسي لنضاله السياسي هو أن يلتزم العمال بمبدأ التضامن الأممي.

إلا أن الحرب كانت سؤالاً مهماً بالنسبة لفريدريك إنغلز لدرجة أنه خصص واحدة من كتاباته الأخيرة [1893]. في كتيبه المعنون: “هل يمكن نزع سلاح أوروبا؟” لاحظ أن السنوات الـ 25 الماضية، حاولت كل قوة عظمى التفوق على منافسيها لناحية الاستعدادات العسكرية للحرب. وقد شمل ذلك مستويات غير مسبوقة من إنتاج الأسلحة ما دفع بالقارة العجوز إلى أن تكون أقرب “إلى حرب تدميرية لم يشهدها العالم من قبل”.

وبحسب ما قاله إنغلز: “لقد جرى تطبيق نظام الجيوش الدائمة إلى أقصى الحدود في كل أنحاء أوروبا بحيث سيؤدي إما إلى خراب اقتصادي للشعوب بسبب كلفته الاقتصادية، أو أن يتحول إلى حرب إبادة شاملة”. وقد شدد على أنه يجري الحفاظ على نظام الجيوش الدائمة لأسباب تتعلق بالسياسات الداخلية وفي نفس الوقت لأسباب عسكرية خارجية. وأضاف إنغلز أن الهدف من هذه الجيوش “هو توفير الحماية ليس ضد العدو الخارجي بقدر ما هو حماية [الأنظمة] من العدو الداخلي”، وذلك من خلال تقوية القوى القمعية للبروليتاريا والنضالات العمالية. ولأن الطبقات الشعبية دفعت أكثر من أي فئة أخرى تكاليف الحرب، سواء من خلال الضرائب أو عبر تزويد القوى العسكرية بالمحاربين، على الحركة العمالية النضال من أجل “التخفيض التدريجي لمصطلح الخدمة [العسكرية] بموجب معاهدة دولية” ومن أجل نزع السلاح كسبيل وحيد وفعال لـ”ضمان السلام”.

الاختبارات والانهيارات

لم يمر وقت طويل قبل أن يتحول الجدال النظري في زمن السلم إلى أهم قضية سياسية في العصر. بداية، عارض ممثلو الحركة العمالية أي دعم للحرب حين اندلع النزاع الفرنسي البروسي (الصراع الذي سبق كومونة باريس) عام 1870. وأدان نائبا الحزب الاشتراكي الديمقراطي ويلهلم ليبكنخت وأوغوست بيبل أهداف ألمانيا البسماركية التوسعية وصوتا ضد اعتمادات الحرب. وكان قرارهما “رفض مشروع القانون للحصول على تمويل إضافي لمتابعة الحرب” وقد أدى موقفهما هذا إلى سجنهما لمدة عامين بتهمة الخيانة العظمى، إلا أنهما ساعدا في إظهار للطبقة العاملة طريقة بديلة للبناء على الأزمة.

الإعلانات

الإبلاغ عن هذا الإعلانالخصوصية

وفي وقت استمرت القوى الأوروبية العظمى بتوسعها الامبريالي، اكتسب الجدال حول الحرب وزناً كبيراً في مناقشات الأممية الثانية. فجاء القرار الذي تبناه المؤتمر التأسيسي ليكرس السلام كـ”شرط مسبق لا غنى عنه لأي تحرر عمالي”.

ولأن السياسة العدوانية للإمبراطورية الألمانية (Weltpolitik) قد غيرت الوضع الجيوسياسي، غرست في الوقت عينه المبادئ المناهضة للعسكرة جذوراً عميقة في الحركة العمالية وأثرت على المناقشات حول النزاعات المسلحة. لم يعد ينظر إلى الحرب بكونها مجرد تسريع لانهيار النظام (فكرة يسارية تعود إلى أيام شعار ماكسيميليان روبسبيير: “لا ثورة من دون ثورة”). إنما بات ينظر إليها كخطر له نتائج كارثية على البروليتاريا، مثل الفقر والجوع والبطالة.

لخص القرار حول “العسكرة والصراعات الدولية”، الذي تبناه مؤتمر الأممية الثانية في شتوتغارت عام 1907، كل النقاط الأساسي التي باتت تراثاً للحركة العمالية. من بينها التصويت ضد اعتمادات الحرب التي تزيد الإنفاق العسكري، رفض الجيوش الدائمة، وتفضيل نظام الميليشيات الشعبية.

مع مرور السنوات، ومع تراجع التزام الأممية الثانية بالسلام، ومع حلول زمن الحرب العالمية الأولى، صوتت غالبية الأحزاب الاشتراكية لدعمها- هذا المسار كان له نتائج بالغة السوء. بحجة أن “فوائد التقدم” لا ينبغي أن يحتكرها الرأسماليون، جاءت الحركة العمالية حتى تشارك في الأهداف التوسعية للطبقات الحاكمة وأغرقت بالأيديولوجيا القومية. بهذا المعنى، أثبتت الأممية الثانية أنها عاجزة عن مواجهة الحرب، وتخلت عن هدفها في الحفاظ على السلام.

ضد هذا المشهد، كانت روزا لوكسمبورغ وفلاديمير لينين من أكثر المعارضين للحرب. بوضوح ومبدئية، أظهرت لوكسمبورغ كيف أن العسكرة هي العامود الفقري للدولة وناضلت حتى يصبح شعار “الحرب على الحرب” الشعار “الأساسي لسياسات الطبقة العاملة”. وكما كتبت في كتاب أزمة الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا، فإن الأممية الثانية قد انقسمت لأنها فشلت في “تحقيق تكتيك ونضال مشترك للبروليتاريا في كل الدول”. مذاك، أصبح “الهدف الأساسي” للبروليتاريا هو “محاربة الامبريالية وتجنب الحروب، خلال فترات السلام كما في الحرب”.

في كتيبه الاشتراكية والحرب– واحد من كتاباته خلال الحرب العالمية الأولى- كان للينين الفضل العظيم في إظهار مسألتين أساسيتين. الأولى متعلقة بـ”التزوير التاريخي” حيث مهما حاولت البرجوازية أن تعطي لما كان يحصل “معنى تقدمي للتحرر الوطني” في حين كانت في الواقع حروباً لـ”النهب”.

الثانية، كانت إخفاء التناقضات من قبل الاشتراكيين الإصلاحيين الذين استبدلوا الصراع الطبقي بادعاءات تتعلق “بفتات الفوائد التي تجنيها بواسطة البرجوازيات الوطنية خلال نهب الدول الأخرى”. أشهر أطروحة في كتيبه- أنه على الثوار رفع شعار “تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب أهلية”- تفرض على الذين يريدون تحقيق “سلام ديمقراطي دائم” أن يناضلوا من أجل شن “حرب أهلية ضد حكوماتهم والبرجوازية”. كان لينين مقتنعاً بما أثبت التاريخ عدم دقته: أن أي صراع طبقي خلال الحرب سيؤدي “من دون شك” إلى خلق روح ثورية بين الجماهير.

الإعلانات

الإبلاغ عن هذا الإعلانالخصوصية

خطوط التماس

لم تنتج الحرب العالمية الأولى انقسامات فقط ضمن الأممية الثانية إنما أيضاً وسط الحركة الأناركية. ففي مقال كتبه بعد نشوب النزاع، كتب بيتر كروبوتكين أن “مهمة أي شخص تعنيه فكرة التطور الإنساني هو أن يسحق الاجتياح الألماني لغربي أوروبا”.

في رده على كروبوتكين، حاجج الأناركي إريكو مالاتيستا أنه، وعلى الرغم من عدم كونه سلامياً وعلى الرغم من كامل المشروعية بحمل السلاح في حرب تحريرية، ليست الحرب العالمية- كما كانت تشدد البرجوازية- صراعاً من “أجل الصالح العالم ضد العدو المشترك” للديمقراطية إنما هي مثال إضافي لقمع الطبقة الحاكمة للجماهير العمالية. كان مدركاً أن “النصر الألماني سيؤدي من دون شك إلى انتصار العسكرة، ولكن كذلك انتصار الحلفاء يعني هيمنة روسية-بريطانية على أوروبا وآسيا”.

في بيان الـ 16، أيد كروبوتكين الحاجة إلى “مقاومة المعتدي عندما يشكل دماراً لكل آمالنا في التحرر”. فانتصار الوفاق الثلاثي ضد ألمانيا سيكون أهون الشرين ولن يسبب أي شيء لتقويض الحريات الموجودة. من جهة ثانية، أعلن مالاتيستا ورفاقه الموقعون على المانيفستو الأناركي الأممي المناهض للحرب: “لا يمكن التمييز بين الحروب الهجومية وتلك الدفاعية”. أكثر من ذلك، أضافوا: “أنه لا يحق لأي من المتحاربين الادعاء بالمطالبة بالحضارة، كما لا يحق لأي منهم التحجج بالدفاع المشروع عن النفس”. بالنسبة إلى مالاتيستا، وإيما غولدمان، وفريديناند نيوينهويس، والأغلبية العظمى من الحركة الأناركية، كانت الحرب العالمية الأولى حلقة أخرى في الصراع بين الرأسماليين من مختلف القوى الامبريالية، والتي كانت تحصل على حساب الطبقة العاملة. من دون “لكن” أو “إنما” أصروا على الشعار التالي: “لا أحد ولا قرش للجيش”، ورفضوا بشدة أي دعم، حتى غير مباشر، لاستمرار الحرب.

كما أثارت المواقف تجاه الحرب جدالاً داخل الحركة النسوية. شجعت حاجة النساء للحلول مكان الرجال المجندين في الوظائف- بأجور قليلة وظروف عمل استغلالية للغاية- لدعم الحرب من جزء كبير من الحركة المؤيدة لحق النساء بالاقتراع الحديثة الولادة. بعض القائدات ذهبن بعيداً بحيث رفعن العرائض المطالبة بتعديل القوانين بحيث يتاح للنساء التطوع في الجيش. رغم ذلك، استمرت العناصر الأكثر راديكالية في مناهضة الحرب. عملت النسويات الشيوعيات على فضح الحكومات المخادعة، والتي كانت تستغل الحرب للتراجع عن الإصلاحات الاجتماعية الأساسية.

كانت كلارا زيتكين وألكسندرا كولونتاي وسيلفيا بانكهورست، وطبعا روزا لوكسمبورغ من بين الأوائل اللواتي انطلقن بشكل واضح وشجاع على الطريق الذي سيظهر للأجيال الآتية كيف أن النضال ضد العسكرة كان أساسياً في النضال ضد البطريركية. لاحقاً، أصبح رفض الحرب عنصراً مميزاً من يوم المرأة العالمي، وظهرت معارضة موازنات الحرب عند اندلاع أي نزاع جديد بشكل بارز ضمن العديد من منصات الحركة النسائية العالمية.

الإعلانات

الإبلاغ عن هذا الإعلانالخصوصية

مع صعود الفاشية واندلاع الحرب العالمية الثانية، تصاعد العنف بشكل أكبر. بعد أن هاجمت قوات أدولف هتلر الاتحاد السوفياتي عام 1941، أصبحت الحرب الوطنية الكبرى التي انتهت بهزيمة النازية عنصراً أساسياً في تشكل الوحدة الوطنية الروسية التي نجت بعد سقوط جدار برلين واستمرت حتى اليوم.

مع انقسام العالم إلى كتلتين، أدرك جوزف ستالين أن المهمة الأساسية للحركة الشيوعية العالمية كانت حماية الاتحاد السوفياتي. فجاء إنشاء منطقة عازلة من 8 دول من أوروبا الشرقية ركيزة أساسية لهذه السياسة. منذ عام 1961، وتحت قيادة نيكيتا خروتشيف، بدأ الاتحاد السوفياتي مساراً سياسياً جديداً بات معروفاً باسم “التعايش السلمي”. ورغم ذلك، إن هذه المحاولة في التعاون البنّاء كانت متجهة نحو الولايات المتحدة فقط، وليس إلى الدول “الاشتراكية القائمة فعليا”.

كان الاتحاد السوفياتي قد سحق الثورة المجرية بوحشية عام 1956. كما قام بالأمر عينه في تشيكوسلوفاكيا. فبمواجهة مطالب الدمقرطة خلال “ربيع براغ” قرر المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي بالإجماع إرسال نصف مليون جندي وآلاف الدبابات. أوضح ليونيد بريجنيف القرار بالإشارة إلى ما سماه “السيادة المحدودة” لدول تحالف وارسو: “عندما تحاول القوى المعادية للاشتراكية تحويل تطور بعض الدول الاشتراكية نحو الرأسمالية، فإنها لا تصبح مشكلة للبلد المعني فحسب، إنما هي مشكلة مشتركة تعني كل الدول الاشتراكية”. وبحسب المنطق المعادي للديمقراطية، فإن تعريف ما كان وما لم يكن “اشتراكياً” يرجع بطبيعة الحال إلى القرار التعسفي للقادة السوفيات.

مع اجتياح أفغانستان عام 1979، بات الجيش الأحمر من جديد أداة أساسية لسياسة موسكو الخارجية، والتي استمرت بالمطالبة بالحق بالتدخل فيما وصفته بـ”المنطقة الأمنية الخاصة بها. لم تؤدِ هذه التدخلات العسكرية إلى تخفيض عام للتسلح فحسب إنما كذلك شوهت سمعة الاشتراكية وأضعفتها عالمياً. كان ينظر على نحو متزايد إلى الاتحاد السوفياتي على أنه قوة امبريالية تتصرف بطرق لا تختلف عن تلك التي تقوم بها الولايات المتحدة، والتي، دعمت سراً إلى هذا الحد أو ذاك الانقلابات وساعدت في الإطاحة بالحكومات المنتخبة ديمقراطياً في أكثر من 20 دولة في العالم.

أن تكون يسارياً يعني أن تكون ضد الحرب

مع نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية، يواجه اليسار من جديد مسألة كيفية اتخاذ موقف حين تتعرض سيادة دولة للهجوم. من الخطأ أن ترفض حكومات مثل فنزويلا إدانة الاجتياح. وهذا ما سيجعل إدانة أعمال عدوانية مستقبلية ومحتملة تشنها الولايات المتحدة يبدو أقل مصداقية. يمكن تذكر كلمات لينين في الثورة الاشتراكية وحق الشعوب في تقرير مصيرها:

“إن حقيقة أن النضال من أجل التحرر الوطني ضد قوة امبريالية، يمكن أن تستعمله، في ظل ظروف معينة، قوة “عظمى” أخرى خدمة لمصالحها الامبريالية، يجب ألا يؤدي إلى حث الاشتراكية الديمقراطية على التخلي عن اعترافها بحق الشعوب بتقرير مصيرها”.

لقد أيد اليسار تاريخياً مبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها ودافع عن حق الدول في رسم حدودها انطلاقاً من الإرادة الصريحة لشعبها. وفي إشارة مباشرة إلى أوكرانيا، وفي نتائج المناقشة حول الحق بتقرير المصير، حاجج لينين:

“إذا انتصرت الثورة الاشتراكية في بتروغراد وبرلين ووارسو، فإن الحكومة الاشتراكية البولندية كالحكومتين الاشتراكيتين الروسية والألمانية، ستتخلى عن “الاحتفاظ القسري” للأوكرانيين، على سبيل المثال، داخل حدود الدولة البولندية”.

لماذا نقترح، إذاً، التنازل عن أي شيء مختلف للحكومة القومية بقيادة فلاديمير بوتين؟

من ناحية أخرى، استسلم الكثير من اليساريين لإغراء أن يكونوا- سواء مباشرة أو غير مباشرة، مشجعين على التحارب ومغذين لقيام “الوحدة الوطنية”. مثل هذا الموقف اليوم يزيل الفروق بين الأطلسية والسلامية. يظهر التاريخ أنه عندما لا تعارض الحرب، تفقد بذلك القوى التقدمية جزءاً أساسياً من سبب وجودها وينتهي بها الأمر إلى ابتلاع أيديولوجية المعسكر التي تناهضه. يحدث ذلك عندما تجعل الأحزاب اليسارية من وجوده افي الحكومة الدافع الأساسي لعملها السياسي- كما فعل الشيوعيون الإيطاليون في دعم تدخلات الناتو في كوسوفو وأفغانستان، أو كما يفعل الكثيرون اليوم مثل أونيداس بوديموس الذي انضم إلى الجوقة في البرلمان الاسباني المؤيدة لإرسال أسلحة إلى الجيش الأوكراني.

البونابرتية ليست الديمقراطية

خلال تحليله للحرب بالقرم، عام 1854، عارض ماركس الديمقراطيين الليبراليين الذين أيدوا التحالف المناهض لروسيا:

“من الخطأ وصف الحرب ضد روسيا بأنها حرب بين الحرية والاضطهاد. بغض النظر عن واقع أنه إذا كان الأمر هو كذلك، إن الحرية ستكون للغير الذين يمثلهم بونابرت، إن الهدف المعلن للحرب هو الحفاظ… على معاهدة فيينا- المعاهدة التي هي نفسها تلغي حرية واستقلال الأمم”.

إذا استبدلنا بونابرت بالولايات المتحدة ومعاهدات فيينا بالناتو، ستبدو هذه الملاحظات كما لو أنها كتبت اليوم.

في الخطاب المهيمن الحالي، غالباً ما يتهم أولئك الذين يعارضون القومية الروسية والأوكرانية، إضافة إلى معارضتها[ي] لتوسع الناتو، بالتردد السياسي أو بالسذاجة. ولكن هذا ليس هو واقع الحال. إن موقف أولئك الداعين إلى سياسة عدم الانحياز هو الطريقة الأكثر فعالية لإنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن وضمان عدم سقوط المزيد من الضحايا. من الضروري مواصلة النشاط الديبلوماسي انطلاقاً من نقطتين أساسيتين: وقف التصعيد العسكري وحياد أوكرانيا المستقلة.

أكثر من ذلك، على الرغم من تزايد الدعم للناتو في كل أنحاء أوروبا منذ بدء اجتياح روسيا لأوكرانيا، فمن الضروري العمل بجدية أكبر للتأكد من أن الرأي العام لا يرى في أكبر آلة حرب وأكثرها عدوانية في العالم- أي الناتو- كحل لمشاكل الأمن العالمي. يجب التأكيد على أنها منظمة خطيرة وغير فعالة، بحيث تعمل، في سعيها إلى التوسع والسيطرة الأحادية، على زيادة التوترات المفضية إلى الحروب في العالم.

بالنسبة لليسار، لا يمكن أن تكون الحرب “استمراراً للسياسة بوسائل أخرى”، إذا استعدنا قول كارل فون كلاوزفيتز الشهير. في الواقع، إنها تدل فقط على فشل السياسة. إذا كان اليسار يرغب بأن يصبح مهيمناً وأن يظهر على أنه قادر على استعمال تاريخه لمهام الحاضر، عليه أن يكتب على راياته شعارات مثل “ضد العسكرة” و”لا للحرب!”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي


.. بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ




.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ