الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور متخيلة لا تتحقق

فاتن نور

2022 / 4 / 12
كتابات ساخرة


لأن الحوزات العلمية إسم على مسمى، لصيقة بالعلوم؛ تعرف تمام المعرفة أن الامتناع عن شرب الماء لا يمكن أن يمثل حالة ‏صحيّة. ولا جدال في هذه الحقيقة، مهما حاولت البروباغاندا الرمضانية إظهار الأمر بشكل مختلف. وقد أخذت على عاتقها ‏بالإجماع، تصحيح اللبس الحاصل، بإطلاق فتوى علمية تتيح شرب الماء، لكونه عنصر أساسي وضروري لأداء الوظائف الحيوية ‏بشكل صحيح. ولا ينبغي في أي حال الامتناع عنه وقت الصيام‎.‎

وأوضحت بأن مفهوم الامتناع عن "الشرب" يخص السوائل التي تزوّد الجسم بسعرات حرارية، لكونها تحتوي على كربوهيدرات/ ‏دهون/ بروتينات/ سكريات. أما الماء فيخلو من السعرات الحرارية تماماً لخلوّه من هذه المواد بشكله الطبيعي. لذا تشجّع أنظمة ‏الحميّات الغذائية في العالم على شرب الماء. وليس الماء فحسب، بل مختلف أنواع السوائل الخالية من السعرات الحرارية والمفيدة ‏للصحة. لأنها حميّات مدروسة ومبنية على أسس علمية. كهذه الفتوى، المتخيّلة، التي تنطوي على رد ضمني على شبهة تعارض ‏العلم مع الدين، فيما يخص الصيام‎.‎

يبقى رمضان مدرسة كبيرة بالنسبة للمسلمين وإن المسلم خلال شهره الفضيل يكون على أهبّة الاستعداد النفسي والإيماني، للتعامل ‏مع محيطه الاجتماعي بأفضل ما اكتسبه من أخلاقيات إنسانية رفيعة، ووعي ديني يشحذ ويوجه سلوكياته وتعاملاته مع الآخر‎.‎
‎ ‎فالمسلم سبّاق دوماً لمراعاة مشاعر الآخرين، سواء كانوا مسلمين تاركين للفرائض أو غير مسلمين، وبعقل مستنير يرفض التماهي ‏والتظاهر ولا يعتبرهما فرض عين‎.‎
هذا لأن المسلم لا ينطلق من الخاص إلى العام أو من الجزئي إلى الكلي، في أموره الدينية وأمور دنياه. فلا يوظف هذا المنطق ‏الاستقرائي بفوقانية عقائدية. فهو لا يرى معتقده أفضل معتقد ظهر للوجود، ولا يرى شريعته أفضل شرائع الأرض والسماء ‏قاطبة. لأنه يدرك طبيعة انتقال المعتقدات في العالم من جيل إلى جيل بتلقائية وراثية، واختلافها باختلاف المواقع الجغرافية. ‏ومثلما ورث هو الإيمان بمعتقده واعتزّ به، ورث الآخرون بالمقابل إيمانهم بمعتقداتهم واعتزوا بها‎.‎
لذلك يحرص المسلم على عدم إرباك الساعة البيولوجية عند الآخرين بتغيير إيقاع الحياة العامة وممارساتها اليومية، فقط لأن ‏فريضته تحتم عليه تغيير إيقاع حياته وممارساته، وتزحيف أنشطته الغذائية إلى الغسق وحتى ظهور الخيط الأبيض من الأسود‎. ‎

يتبع المسلم حمية غذائية متوازنة تجعل صيامه منجزاً صحيّاً عظيماً، فليس من عاداته إنهاك جسمه بتناول الكربوهيدرات ‏والسكريات والدهون المشبّعة. ولا من أخلاقياته الإسراف في التنوع على مائدة الإفطار لسد اشتهاءاته النهارية. فالمسلم لا يعرف ‏التقتير ولا التبذير لأن الأثنين تطرف أخلاقي. والتطرف ليس من سمات المسلم‎.‎

ويحبّذ المسلم التنافس الحميد مع أخيه المسلم في المسائل الإيمانية والأعمال الصالحة. ويغيظه أن تكون طاقته الإيمانية في بلده ‏الإسلامي أقل من طاقة المسلم المغترب في بلدان الغرب الكافر، فهذا الأخير يصوم شهره بنفس الطاقة الإنتاجية في مجال عمله ‏فلا تسكّع ولا إهمال. وبقدرة إيمانية عالية تمكنه من مجابهة النهار بزخمه الطبيعي الحافل بالأطعمة والمشروبات والحركة والعمل ‏والترفيه والكفر‎.‎
لذلك يحرص المسلم في بلده على اكتساب طاقة إيمانية وقدرة مماثلة. فلا يلجأ إلى هدر نهاره الرمضاني بسلسلة من التثاؤبات ‏والقيلولات المتتالية. هكذا ترتفع معدلات الإنتاج العام في البلدان الإسلامية ارتفاعاً ملحوظاً خلال الشهر. المبارك بالتفاني ‏والإخلاص، والقدرة الاستثنائية في مجال العمل‎.‎

بعد أربعة عشر قرناً من الصيام جيلاّ بعد جيل، رسخ في ضمير المسلم واجب مساعدة الفقراء والمحتاجين، حتى صار هذا الخلق ‏النبيل روتيناً يومياً في حياة المسلم وعلى مدار العام. فمن يكفّ يده عن المساعدة أحد عشر شهراً ويبسطها في شهر، يزهق روح ‏الفريضة وعمقها الإنساني، بتقدير المسلم‎.‎
هكذا حطمّت الأمة الإسلامية، بمدادها الزمني الطويل، الرقم القياسي في مسح خط الفقر مسحاً مباركاً عن خرائط وجودها. حتى ‏نكاد لا نرى اليوم فقيراً أو محتاجاً أو متسوّلاً، ولا أطفال شوارع يكابدون التشرّد والضياع‎.‎

يبقى مبدأ المواطنة فوق كل اعتبار في العقلية الإسلامية، لأنه من أساسيات الدين الرافض للطائفية والمناطقية والشعوبية ‏والعنصرية، وغيرها من المفاهيم العقيمة المدمرّة لأي حضارة، أو معجلّة لفرج انحطاطها وسقوطها. والأمة المؤمنة كما نعلم، ‏تستخلص عادة من دروس التاريخ وعبره، كل ما ينير طريقها، فهي أمة حصيفة لا تُلدَغ من جحرٍ مرتين‎.‎
ولأن المسلم، من منطلق حرصه على هذا المبدأ العظيم، لا يهدر حق الأخرين في عيش نهارات طبيعية حافلة بالأرزاق؛ وتراه ‏يطالب أولياء الأمر بفرض قوانين رمضانية صارمة تحفظ حقوق غير المسلمين وغير الصائمين من المسلمين. وتحترم حرياتهم ‏وأساليب عيشهم. وتعاقب من تسوّل له نفسه المساس بها، بما يكفل مرور الشهر عليهم كبقية أشهر العام، بلا منغصّات إضافية أو ‏عراقيل مبتدعة‎.‎

هذا هو المسلم، منشرح الأسارير رغم مشاق الفرائض، لا يطاله حبق ولا عبس، هائم في عوالم الإيثار المبهرة، متوهج بالتراويح ‏الرمضانية والتسابيح والاستغفار، وغيرها من الفعاليات الإيمانية المنشطة للعقل والقلب والضمير‎. ‎
وهذه هي الروح الإسلامية المثابرة البنّاءة. تعيش اليوم عصرها الذهبي تحت ظلال حكوماتها الرشيدة، عصر الازدهار الحضاري ‏والارتقاء الفكري، وعلى أعتاب عصرها الماسي إن شاء الله، ستشهد الكثير من علامات النبوغ بين العصرين‎.‎








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي