الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع - كويزومي-.. و استقبال - شينزو أبي-

عبدالله المدني

2006 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


نقيضا لما عرفته عوالمنا العربية و الإسلامية من ظاهرة إمساك الزعماء بالسلطة حتى آخر رمق، يترك رئيس الحكومة اليابانية " جونيتشيرو كويزومي" منصبه هذا الشهر متقاعدا عن الحياة السياسية بإرادته ومحض اختياره، هو الذي لا يزال في كامل حيويته و عطائه و لم يستهلك سوى سنة واحدة من أصل أربع سنوات فاز بها حزبه الحاكم عبر الاقتراع الشعبي الحر و المباشر في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في سبتمبر 2005 .

و على حين يترك البعض السلطة مجبرا في الدول الديمقراطية، إما اعترافا بالهزيمة أو تحملا لمسئولية التقصير في واقعة معينة أو تحت وطأة شبهة أو فضيحة ما، فان كويزومي يغادر الحكم مرفوع الرأس، بعد أن حفر اسمه في تاريخ بلاده كأكثر الزعماء شعبية و وهجا و إصلاحا وديناميكية منذ أكثر من ستة عقود. أما الدليل فنستمده من حصول الرجل على التخويل الشعبي في ثلاث انتخابات متتالية منذ عام 2001.

وفي بلد كاليابان التي عرفت بتغيير حكوماتها بمعدل حكومة كل سنة منذ العام 1885 ، شكل قدرة كويزومي على البقاء رئيسا للوزراء لمدة خمس سنوات متصلة، لوحدها ظاهرة ملفتة للنظر، و إن كان قد سبقه في ذلك عدد قليل من أسلافه في ظروف مختلفة و لأسباب ذات علاقة بجذورهم الحزبية المنيعة و انتمائهم إلى عائلات سياسية معروفة و غير ذلك مما لا نجده في سيرة كويزومي.

و منذ مجيئه إلى الحكم خلفا لأحد أقل رؤساء الحكومات اليابانية شعبية و دبلوماسية، ونقصد به " يوشيرو موري"، أقدم كويزومي على اتخاذ قرارات جريئة استهدفت تجديد شباب الحزب الديمقراطي الحر الحاكم، و تنظيف الحياة السياسية من التقليديين و الرجعيين و ضخ دماء جديدة فيها، و تخليص الاقتصاد القومي من 15 عاما من الكساد و التعثر، و إطلاق عملية تفكيك وتخصيص مؤسسة البريد العملاقة من اجل إعادة توظيف أصولها البالغة 3 تريليونات دولار من المدخرات و التأمينات في القطاعات المنتجة. هذا ناهيك عن تبنيه لسياسات داعمة لحقوق المرأة اليابانية و وقوفه شخصيا إلى جانبها، بدليل دفعه لعدد غير مسبوق من النساء للترشح على قوائم الحزب الحاكم و منحهن حقائب وزارية عديدة في حكوماته، بل إقدامه لأول مرة في تاريخ اليابان على اختيار سيدة لتولي حقيبة الخارجية الهامة. و هكذا استحق الرجل الوصف الذي أطلقته الصحافة عليه و هو " تيار الهواء المنعش".

وفي السنوات الخمس من قيادته لبلاده، تعزز التحالف العسكري و الاستراتيجي ما بين طوكيو واشنطون، و تنامى الدور العسكري السلمي لليابان خارج حدودها، و برزت سياسة خارجية يابانية جديدة من معالمها ايلاء قدر اكبر من الاهتمام بأمن و استقرار منطقة الخليج و الشرق الأوسط و بالروابط الاقتصادية و الاستراتيجية مع القطب الهندي. لكن في مقابل هذا شهدت العلاقات مع بكين و سيئول توترات على خلفية تمسك كويزومي بتقليد زيارة مقابر ضحايا الحروب الإمبريالية اليابانية في " ياسكوني"، و إقدام حكومته على تغيير نصوص كتب التاريخ المدرسية بطريقة لا تجرم ماضي البلاد الاستعماري و التوسعي بصراحة.

و يعتقد على نطاق واسع أن كبير أمناء مجلس الوزراء " شينزو أبي" (51 عاما) الذي بات من المؤكد أن يخلف كويزومي في زعامة الحزب الحاكم و رئاسة الحكومة ابتداء من 20 سبتمبر الجاري، ويصبح بالتالي الزعيم رقم 57 في تاريخ البلاد و أصغرهم سنا منذ رئيس الحكومة الأول "هيروبومي ايتو" ، سوف يواصل السياسات الخارجية و البرامج الإصلاحية لسلفه إن لم يزد فوقها أو يضفي عليها قدرا اكبر من الديناميكية بفضل ما عرف عنه من شباب وحيوية و طاقة خلاقة.

فزعيم اليابان الجديد المعروف بأناقته البالغة و حديثه الهاديء، لئن لم يشغل من قبل حقيبة وزارية هامة خلافا لكل من سبقه في رئاسة الحزب والحكومة باستثناء رئيس الوزراء الأسبق "كيزو أوبوتشي"، و بقي إلى ما قبل خمس سنوات شخصية غير معروفة خارج دوائر الحزب الحاكم، فانه عمل كساعد أيمن لكويزومي و يحمل نفس أفكار و توجهات الأخير الإصلاحية، مما جعله المرشح المفضل للزعيم المغادر من بين 3 مرشحين آخرين. كما أنه من أصلب دعاة تغيير الدستور الياباني عبر الاستفتاء الشعبي، و لاسيما المواد التي تحد من القدرات العسكرية و الأمنية للبلاد، و ذلك من اجل إضفاء لون جديد يتناسب مع ما بلغته اليابان من مكانة و ما تطمح إليه من دور في القرن الحادي و العشرين.

إلى ذلك فان أبي، الذي يصفه الليبراليون بالقومي المتعصب فيما يصفه آخرون بالتوليفة المحبكة ما بين التصلب و الكياسة، عرف بمساندته لفكرة زيارة مقابر "ياسكوني" سنويا، و لمشروع تغيير مناهج التاريخ المدرسية، و لجعل التحالف مع واشنطون ركيزة لسياسات اليابان الخارجية والأمنية. و بالنسبة لشخصية مثله تدين في شهرتها على الساحة المحلية لحملتها من اجل إطلاق المدنيين اليابانيين الذين اختطفتهم المخابرات الكورية الشمالية في الثمانينات، ثم لا حقا لتوليها قيادة المفاوضات مع بيونغ يانغ حول تحريرهم، فان ملف العلاقات مع الأخيرة و ضرورة اتخاذ موقف صلب إزاءها تحتل مكانا بارزا في أجندتها، بل كان سببا في تنامي شعبيتها على حساب منافسيها على زعامة البلاد.

و مما ترشح عن أجندة أبي أيضا، انه سيسعى إلى الاتيان بحكومة جل أعضائها من الشباب المؤهل تأهيلا عاليا و من الذين تخرجوا من اعرق الجامعات الأمريكية مثل هارفارد و ييل وجورج تاون، خاصة و انه شخصيا واصل تعليمه العالي في العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا من بعد تخرجه في عام 1977 من جامعة سايكاي اليابانية.

بقي أن نذكر أن ما يختلف فيه أبي عن سلفه، انه قادم إلى السلطة من أسرة سياسية عريقة. فخاله الأكبر " آيسوكي ساتو" الذي تولى زعامة اليابان ما بين عامي 1964 و 1972 و حصل على جائزة نوبل لجهوده في نزع الأسلحة النووية، هو أحد أطول رؤساء الحكومات اليابانية بقاء في السلطة. و جده لأمه هو رئيس الحكومة في الخمسينات " نوبوسوكي كيشي"، الذي سجن من قبل الحلفاء لدوره كوزير للتجارة في سنوات الحرب العالمية الثانية، قبل أن يطلقوا سراحه دون محاكمة في عام 1948. أما والده فهو " شينتارو أبي"، الذي تولى وزارة الخارجية في الثمانينات فكان من ألمع من تولوا هذه الحقيبة، و الذي أيضا ظل محتفظا بمقعده الانتخابي حتى وفاته في عام 1991 ، حينما تنافس ابنه على ذات المقعد و فاز به في عام 1993.

إن اليابان حتما ستفتقد خدمات كويزومي و نظرته الثاقبة و ما أضفاه على الحياة السياسية من حركة و حيوية غير مسبوقة، لكن عزاء هذه البلاد التي تشكل وضعا فريدا لجهة أحادية العرق والثقافة و اللغة و الحضارة، هو أن خليفته لا يقل عنه جاذبية و ديناميكية و اندفاعا نحو الإصلاح و التجديد، و إن وجده البعض صقرا في مسائل الأمن و الدفاع وغير مستعد للمساومة حول مصالح اليابان القومية، و بما قد يجر البلاد إلى علاقات متوترة مع جارتيها الصينية و الكورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية