الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تنجح النمسا دور الوسيط الموثوق مع روسيا

كريم المظفر

2022 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


أهمية الزيارة التي قام بها المستشار النمساوي الى موسكو، تكمن في أن كارل نيهامر ، هو أول مسئول كبير في الاتحاد الأوروبي يزور روسيا منذ بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في 24 فبراير ، وان كان نيهامر ، الذي سبق وان زار العاصمة الروسية عندما كان وزيرا للداخلية النمساوي ، والذي حل محل سيباستيان كورتس كمستشار اتحادي بعد فضيحة فساد أواخر العام الماضي فقط ، لكنه زيارته هذه التي سبقتها زيارة الى العاصمة الأوكرانية ولقاءه بالرئيس فلاديمير وزيلينسكي ، هي تعد الأولى الى موسكو في منصبه الجديد.
بيان الكريملين لم يتضمن أي معلومات عن مضامين المباحثات التي اجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع المستشار الألماني ، واكتفى ببيان مقتضب عن انتهاء هذه المحادثات التي جرت في مقر إقامة Novo-Ogaryovo في حوالي الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الاثنين ، الا ان المصادر الإعلامية النمساوية ومنها Kronen Zeitung ، كشفت بعض من التفاصيل التي أشارت الى ان بوتين ونيهامر ، قد التقيا على انفراد ، في اجتماع أستمر 75 دقيقة فقط ، دون مستشارين ومترجمين ، كما أن المحادثة بين الزعيمين جرت هذه المرة بشكل مغلق تماما ، وبدون التصوير البروتوكولي ، وكما جرت العادة في مثل هكذا مناسبات ، او التصريحات لوسائل الإعلام من خلال عقد مؤتمر صحفي مشترك ، وان مثل هذا القرار ، وفقًا للسكرتير الصحفي للرئيس الروسي ، تم اتخاذه بمبادرة من الجانب النمساوي ، ومع ذلك ، فإن كارل نيهامر ، عقب نتائج المفاوضات ، كشف مع ذلك عن بعض التفاصيل ، ولكن فقط لوسائل الإعلام التي تحدث اليها في السفارة النمساوية في موسكو.
وحاول النمساويين الدفاع عن مخزى هذا اللقاء ، تحاشيا منهم من التعرض للانتقادات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ، بشأن لقاءاته مع الرئيس الروسي ومكالمته الهاتفية معه ، وأكدوا ان قرار كارل نيهامر بالاجتماع شخصيًا مع الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو ، لا يتعارض مع سياسة الاتحاد الأوروبي ، الذي أعلن مؤخرًا الجولة الخامسة من العقوبات المناهضة لروسيا ، وعشية المحادثات ، أكد السياسي النمساوي بدوره ، أن رحلته تمت بالتنسيق مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والمستشار الألماني أولاف شولتز ، في الوقت نفسه ، فإن الغرض الرئيسي من زيارة المستشار النمساوي هو تعزيز الحوار الروسي الأوكراني ، وكتب كارل نهامر على تويتر: "نحتاج إلى ممرات إنسانية ، ووقف إطلاق نار ، وتحقيق كامل في جرائم الحرب".
وقلنا ان ما تردد في الانباء جاء من طرف واحد ، وهو وسائل الاعلام النمساوية ، وعلى ما يبدو أن الكريملين لم يبد أي إهتمام بالزيارة ، فحسب صحيفة " كورير" ، فإنه عقب الاجتماع ، أكد المستشار النمساوي ، أن أهم رسالته إلى فلاديمير بوتين كانت أن العملية الخاصة في أوكرانيا يجب أن تنتهي ، لأن هناك خاسرين على الجانبين فيما يحدث ، ونقلا عن نيهامر ، فإن المحادثة مع الرئيس الروسي كانت مباشرة ومفتوحة للغاية ، وفي نفس الوقت كانت صعبة ، وقال نهامر: "لم تكن زيارة ودية" وأنه أثار أيضًا موضوع "جرائم الحرب في بوشا" ، مشيرًا إلى ضرورة إجراء تحقيق دولي.
ويرى الخبراء والمحللون الروس ان كارل نيهامر ، كان على عكس سيباستيان كورتس ، فهو برأيهم شخصية فنية ، وديمقراطي رمادي ، ويؤكد فاديم تروخاتشيف ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإقليمية الخارجية والسياسة الخارجية في الجامعة الإنسانية الحكومية الروسية ، إنه على الرغم من ذلك ، فهو المتحدث باسم السياسة الخارجية النمساوية ، ولم تتصرف النمسا أبدًا بحدة في العقود الأخيرة ، وان النمساويين لديهم نهج أكثر توازناً حتى من الألمان ، ويحاولون الاستفادة من دور الوسيط العالمي ومنصة التفاوض ، ولهذا السبب رفضوا إمداد أوكرانيا بالسلاح ، بصفتها عضوًا في الاتحاد الأوروبي ، على الرغم من حقيقة أن الائتلاف الحاكم في البلاد لديه الآن حزب الخضر المناهض للغاية لروسيا ، فإن الثبات في السياسة النمساوية مستمر ، وبطريقة أو بأخرى ، وصف نيهامر هذه المفاوضات بالواجبة ، وشدد المستشار النمساوي على أنه "لا بديل عن البحث عن حوار مباشر مع روسيا رغم كل الخلافات" ، بالإضافة إلى ذلك ، أشار إلى أهمية دعم عملية التفاوض بين كييف وموسكو في اسطنبول.
وبالتأكيد فإن مثل هكذا زيارة وعلى هذا المستوى ، تثير العديد من الاهتمام لدى المراقبين ، ومنهم يشيد بأهمية الدور النمساوي ، وآخرون يقلل من هكذا دور ، خصوصا وإنه ليس لهذه البلاد أي وزن سياسي في العالم ، كونها بعيدة كل البعد عن كل القضايا ، فمثلا يعرب الخبراء الروس عن قناعتهم ، بأن النمسا هذه المرة قادرة على لعب دور إيجابي كوسيط ، لأنها دولة محايدة ، وبحسبهم فإن قيادة هذا البلد أكدت مرارا أنها خارج الكتل وتعارض حل المشاكل بالوسائل العسكرية ، وعلى الرغم من أنهم بالطبع يتبعون خطاً معيّناً من الإتحاد الأوروبي ، و الآن دور النمسا مهم للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي ، لأنه إذا حضر ممثل دولة عضو ليست عضوًا في الناتو إلى روسيا ، فإن هذا لا يعقد مناقشة المشاكل .
كما اعتبر آخرون ومنهم فلاديمير شفايتسر ، رئيس قسم البحث الاجتماعي والسياسي في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية ، أن زيارة المستشار النمساوي مهمة أيضا من وجهة نظره ، لأنها تمنع المزيد من تصعيد التوتر في العلاقات بين الاتحاد الروسي ودول الاتحاد الأوروبي ، وبالأخص بعد كلمات رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل ، الذي أكد رغبة بروكسل في السعي الى تسوية النزاع في أوكرانيا بالقوة ، وفي هذا السياق ، دعا إلى زيادة توسيع المساعدة العسكرية لكييف ، وفي روسيا ، تم استقبال هذا البيان بقلق ، ووفقًا لوزير الخارجية سيرغي لافروف ، فإن هذا النهج يغير بشكل كبير قواعد اللعبة ، لأن الاتحاد الأوروبي لم يتصرف أبدًا كمنظمة عسكرية حتى الآن.
وتجدر الإشارة هنا ، إلى أن روسيا لا تزال مستعدة للتفاوض مع أوكرانيا ، والتي بدأت في 28 فبراير ، وبحسب الوزير لافروف ، في الوقت الحالي لا يوجد سبب يمنعهم من الاستمرار ، على الرغم من أن كلا الطرفين لم يتمكنا حتى الآن من الاتفاق على إمكانية عقد اجتماع قمة ، وقال ميخائيل بودولاك ، مستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا ، أن المفاوضات بين فلاديمير بوتين وفلاديمير زيلينسكي لن تتم إلا بعد معركة دونباس ، لذلك فانه من وجهة نظر دينيس دينيسوف ، المدير معهد مبادرات حفظ السلام والصراعات ، أن النمسا يمكنها الآن أن تلعب دور دولة أوروبية مسؤولة ، تدرك جيدًا أن الإغلاق التام لروسيا وأوروبا من بعضهما البعض لن يؤثر بشكل إيجابي على الملامح الاقتصادية أو السياسية أو الجيوسياسية للعالم الحديث ، على الرغم من أنه أشار إلى أن هناك دولًا أخرى أقرب بكثير إلى روسيا ومستعدة لأن تصبح نوعًا من الجسر بين موسكو وبروكسل ، وهي على وجه الخصوص ، صربيا وتركيا والمجر.
أما في الطرف المقابل ، أي المراقبين النمساويين ، فانهم يؤكدون ، بانه من السذاجة الاعتقاد بأن النمسا يمكن أن تصبح وسيطًا حقيقيًا ، لأن العلاقات بين موسكو وفيينا متوترة حاليًا ، والنمسا نفسها ليس لها وزن سياسي عالمي ، وأشار عالم السياسة النمساوي غيرهارد مانجوت ، الى ان نيهامر لديه بالتأكيد نوايا صادقة ، لكن هذا "وهم" برأيه ، ورغم حقيقة أن تصريحات الزعيم النمساوي لم تتطرق إلى موضوع إمدادات الغاز من روسيا الاتحادية ، فإن المحللين السياسيين على يقين من أنه تم تخصيص مكان خاص لها في المفاوضات ، بالإضافة إلى ذلك ، لم يستبعد ديمتري بيسكوف إمكانية مناقشة هذا الموضوع حتى قبل الاجتماع.
كما أن فيينا تظهر تضامنها مع الاتحاد الأوروبي بشأن قضية العقوبات ضد روسيا ، وتؤكد أنها ستبقى سارية ، وسيتم تشديدها حتى توقف روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا ، وقد أكد المستشار النمساوي أيضًا بهذا عقب نتائج المفاوضات مع فلاديمير بوتين في موسكو في 11 أبريل ، لكنها في الوقت نفسه ، تعارض النمسا حظر النفط والغاز على موسكو ، وبالمناسبة ، عند إعداد حزمة العقوبات الخامسة ، أصرت دول البلطيق على حظر النفط الروسي ، وحذرت ألمانيا والنمسا من قرارات سريعة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة ، وقالت وزارة الخارجية الليتوانية إن دول الاتحاد الأوروبي بدأت الآن بالفعل الاستعدادات للحزمة السادسة من العقوبات مع "خيار النفط".
أذن أكثر ما يهم النمساويين الان هو توريدات الغاز لبلادهم التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الاتحاد الروسي من حيث موارد الطاقة (حيث تعتبر ثاني مشتر للغاز الروسي بعد برلين، نظرًا لعدم وجود محطات طاقة نووية في النمسا، فإنهم يستخدمون الغاز الروسي في إنتاجهم بشكل أكثر نشاطًا من ألمانيا. تعتمد فيينا أيضًا على إمدادات النفط من روسيا) ، وكانت النمسا داعمًا كبيرًا لـ Nord Stream 2 ، و الآن يؤكدون باستمرار أنه على الرغم من حقيقة أنهم يدعمون عقوبات الاتحاد الأوروبي ، فلا ينبغي انتهاك مصالحهم الوطنية ، وتشمل هذه المصالح أيضًا إمدادات الغاز الروسي ، لذلك بالنسبة لنيهامر ، هذه هي القضية رقم واحد في المفاوضات التي اجراها مع الرئيس الروسي .
كما ودعت النمسا وعلى لسان وزير خارجيتها ألكسندر شالنبرغ ، دول الاتحاد الأوروبي على ضرورة أن تكون واقعية بشأن ما يحدث ، والتشديد على أن عددًا من الدول الأوروبية ببساطة "لا يمكنها استبدال واردات الغاز الروسي بين عشية وضحاها" ، وكذلك وزارة البيئة والطاقة النمساوية شككت هي الأخرى في هذه القضية ، ووفقا لوزيرها ليونورا جوسلر ، فإن النمسا تعتمد بشكل غير متناسب على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي - بنسبة 80٪ ، علاوة على ذلك ، فإن حصة اعتماد فيينا في مجال الطاقة على موسكو في الماضي القريب ، على الرغم من "المبادرات الخضراء" ، لم تنخفض ، بل زادت.
ان الاجتماع بين الرئيس بوتين والمستشار النمساوي ، لا يتعدى عن كونه محاولة نمساوية لتبديد مخاوفهم من إمكانية وقف توريدات الغاز الروسي لها ، وبالتأكيد فإنه مثل هكذا اجتماع لا يمكن الاستغناء عن مناقشة أمر فلاديمير بوتين الأخير بتزويد الغاز إلى الدول غير الصديقة (تشمل هذه القائمة جميع دول الاتحاد الأوروبي فقط) مقابل الروبل ، والتي أدخلت النمسا ردا على ذلك ، مثلها مثل ألمانيا ، نظام إنذار مبكر للطوارئ ، بالإضافة إلى ذلك ، وبسبب المخاوف من أن موسكو قد توقف الإمدادات ، شددت الدولة سيطرتها على إمدادات الغاز ، خصوصا وان وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لم يتخذوا بعد قرارات بشأن فرض عقوبات على النفط والغاز الروسيين ، لكنهم يؤكدون إن مناقشة هذه القضية ستستمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الشرق الأوسط لدفع مساعي الهدنة وإسرائيل تواصل عملي


.. إيران تعلن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الم




.. واشنطن والرياض.. معاهدة أمنية والعين على التطبيع | #ملف_اليو


.. الحكومة الإسرائيلية تضطر لدفع فوائد أعلى على أدوات الديون بس




.. صور أقمار صناعية.. اتساع مساحة الدمار وتوغل آليات الاحتلال ف