الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا صفعت العالم على حين غرة

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لا يخفى على أحد أن الصراعات هي، بشكل أو بآخر، صفعة للاقتصاد لأنها ضارة دائما بالنمو، كما تؤدي في الغالب إلى ارتفاع الأسعار.
فإلى جانب المعاناة والأزمة الإنسانية التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا على حين غرة ، رمت حرب بوتين الاقتصاد العالمي في أحضان تباطؤ النمو وتسارع التضخم، وحكمت على البلدان الفقيرة إلى المزيد من التأزم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
إن تداعيات حرب بوتين على الأوكرانيين، تجلت في :
- أولاً ارتفاع أسعار السلع الأساسية ، مثل الغذاء والطاقة ، وزيادة التضخم ، مما سيؤدي إلى تآكل قيمة الدخل والتأثير على الطلب.
- ثانيًا ، ستواجه البلدان المجاورة على وجه الخصوص اضطرابًا في التجارة ومنظومات التوريد والتحويلات ، فضلاً عن زيادة غير مسبوقة في تدفقات اللاجئين.
- ثالثا ، فقدان الثقة في الأعمال التجارية وزيادة حالة عدم اليقين لدى المستثمرين مما سيؤثر مباشرة على أسعار الأصول ، وبالتالي سينتج تشديد الأوضاع المالية ووقف تدفقات رؤوس الأموال على الأسواق الناشئة.
واعتبارا لكون روسيا وأوكرانيا منتجين رئيسيين لجملة من السلع الأساسية ، تسببت تداعيات الهجوم الروسي والاضطرابات في ارتفاع الأسعار العالمية ، لاسيما بخصوص النفط والغاز الطبيعي. وهذا ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد. فالقمح مثلا ، الذي تشكل كل من أوكرانيا وروسيا 30 في المائة من الصادرات العالمية منه ، قد وصل سعره مستوى قياسيا.
إلى جانب التداعيات العالمية ، تواجه البلدان المعرضة بشكل مباشر لمخاطر تقهقر التجارة والسياحة والتداعيات المالية ضغوطًا إضافية كبلت اقتصاداتها. وشهدت الكثير من البلدان المعتمدة على واردات النفط اتساع عجزها المالي والتجاري وزيادة الضغوط التضخمية ، على الرغم من أن بعض البلدان المصدرة للنفط - الشرق الأوسط وأفريقيا - يمكن أن تستفيد من ارتفاع الأسعار. كل هذا أدى إلى الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء والوقود، وإلى مضاعفات مخاطر وقوع الاضطرابات في بعض المناطق الهاشة - مثل أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية - ومن المتوقع أن يزداد انعدام الأمن الغذائي سوءًا في أجزاء من إفريقيا والشرق الأوسط .
من الصعب القيام بقياس التأثير في مختلف جوانبه، لكن نعتقد يمكن القيام بتوقعات النمو الذي هو آلي إلى الانخفاض والتدهور بالتأكيد. وقد بدأ يظهر أن على المدى الطويل ، يمكن لحرب بوتين العدوانية إن استمرت أن تغير النظام الاقتصادي والجيوسياسي العالمي بشكل أساسي، لاسيما إن تغيرت منظومة تجارة الطاقة ، وإعادة هيكلة منظومة التصدير و الإيراد ، وتفتت شبكات الدفع وتحويل الأموال ، وإعادة فحص منظومة احتياطات العملات. كما تؤدي التوترات الجيوسياسية المتصاعدة إلى زيادة مخاطر التصدع الاقتصادي ، خاصة في مجالي التجارة والتكنولوجيا.
على صعيد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا محالة أن يولد ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والمحروقات وتشديد الأوضاع المالية العالمية آثار غير مباشرة كبيرة. كما أن تدابير السيطرة على التضخم، من قبيل زيادة الدعم الحكومي، إثقال كاهل الحسابات المالية الهشة أصلا. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن تؤدي ظروف التمويل الخارجي المتدهورة إلى شح رأس المال الاستثمار وإلى المزيد إعاقة النمو في البلدان المثقلة بالديون المرتفعة وذات الاحتياجات التمويلية الكبيرة.
كما أن ارتفاع الأسعار من شأنه خلق المزيد من توترات اجتماعية في بعض البلدان ، لا سيما تلك التي لديها شبكات أمان اجتماعي ضعيفة ، وفرص عمل قليلة ، وحيز مالي محدود ، وحكومات غير شعبية.
في العالم العربي، عموما شاءت العديد من الدول العربية إما اعتماد مواقف خجولة ضد الاحتلال الروسي الغاشم، إذ تم الاكتفاء بمعارضة الغزو في الأمم المتحدة فحسب، أو اتخاذ مواقف محايدة خجولة بغية عدم إغضاب أيٍّ من الولايات المتحدة أو روسيا، وذلك بهدف حمايةً مصالح تلك الدول السياسية . فمع تدنّي أسعار النفط بدءًا من سنة 2014، أدركت معظم الدول العربية المصدرة للنفط استحالة استدامة النمط الريعي ، إذ لم تعد عوائد النفط كافية لتغطية التوسع الهائل في الإنفاق اعتبارا لحجم القطاع العام، علاوة عن تفشي الفساد وغياب أنظمة سياسية ناضجة سوية وقوية تستطيع إقرار إصلاح فعلي. وقد بدأت الكثير من هذه الدول بإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية بعد انتظار طويل كاد أن يغتال الأمل، ومن بين هذه الإصلاحات الحدّ من توسع القطاع العام والتركيز على الإنتاجية وإدخال إصلاحات ضريبية. لكن هذه الدول أدركت أنها لا تستطيع تحقيق الإصلاحات دون الشروع أولا بعملية إصلاح سياسي فعلي تجعل المواطن شريكا حقيقيا في عملية صنع القرار، مقابل ما يطلب منه من تضحيات اقتصادية.
وفي إفريقيا جنوب الصحراء، رغم أنها ما زالت تصادف صعوبات جامة في تعافي القارة تدريجياً من الجائحة ، أضحت الأزمة، التي سببتها حرب بوتين، تعطل هذا التقدم وتوقفه. العديد من البلدان في المنطقة أضحت معرضة بشكل خاص لتداعيات هذه الحرب العدوانية ، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ، وانخفاض السياحة ، والصعوبات المحتملة في الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية. علما أن معظم بلدان المنطقة لا تتوفر على هامش للمناورة لمواجهة آثار هذه الصدمة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية ، ومواطن الضعف المتعلقة بالديون العامة ، وتعميق عواقب الجائحة .
وتشكل أسعار القمح القياسية مصدر قلق خاص للمنطقة التي تمثل وارداتها حوالي 85 في المائة من العرض ، ويأتي ثلثها من روسيا أو أوكرانيا.
في واقع الأمر إن تداعيات الحرب العدوانية الروسية أظهرت بجلاء أن العالم أضحى أكثر عرضة للصدمات مما سيقوي التكتلات أكثر من أي وقت مضى. كما أن بعض آثار هذه الحرب العدوانية قد تظل كامنة وغير ظاهرة ، لكن هناك مؤشرات قوية تشير أن تداعيات هذا العدوان سيجعل من الصعب على صانعي السياسات في بعض البلدان إيجاد توازن دقيق بين السيطرة على التضخم ودعم التعافي الاقتصادي من الجائحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت