الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبتمبر الأسود

عبداللطيف هسوف

2006 / 9 / 13
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001


راح يجد السير في اتجاه محل عمل صديقه بيير ناشدا الهروب من مرارة يومه ورتابة طقسه. وجده يقرأ مقالا حول تفجيرات 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية. دعاه لتناول قهوة معه في مقهى قريبة. وهما ينصتان للأخبار عبر جهاز تلفاز مثبت في ركن من أركان المقهى، قال سعد مخاطبا بيير:
- إن المهاجرين سيعرفون تضييق خناق لم يسبق له مثيل في الولايات المتحدة الأمريكية بعد تدمير مركز التجارة العالمي بنيويورك.
أدنى بيير مقعده من مقعد سعد، ثم عقب:
- لا أظن جميع المهاجرين، فقط العرب والمسلمون. لقد سمعت أنه سيتم ترحيل ستة آلاف من أصول شرق-أوسطية بحجة تجاوز فترة إقامتهم القانونية بأمريكا، وستكون هذه هي أكبر عملية ترحيل تعرفها الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها.
لاح ظل غبن في عيني سعد. رد على بيير قائلا:
- وهل من العدل في بلد الحقوق والحرية والديمقراطية، كما يشاع، محاسبة أشخاص أبرياء بذنوب اقترفها حالمون من بني جلدتهم؟
أجاب بيير بصوت خافت يحمل نبرة استياء:
- بل قل إرهابيون، مجرمون وسفاكون للدماء.
تابع سعد مدافعا، لكن بدون قناعة العارف:
- حتى إن سلمنا بذلك، كان يجب على الرد الأمريكي أن يكون أكثر عقلانية ولا يسقط في فوضوية الانتقام من أناس أبرياء داخل أمريكا وآخرين فوق أرض أفغانستان، أو لنقل الآن أمريكستان. حتى في الانتقام يجب أن يكون هناك نظام معين، حدود لا يجب تجاوزها، خطوط حمراء يجب مراعاتها.
هز بيير رأسه، ثم قال في كبرياء وصلف وهو يضيق عينيه ويقطب حاجبيه قليلا:
- المسألة هي أن أمريكا تسعى إلى اجتثاث الشر من جذوره قبل أن تنبث له جذور في مناطق أخرى من العالم. إنها ثنائية الحب والموت. لكي تحرر أمريكا الشعوب من قبضة الإرهابيين، كان لزاما عليها الرد بقوة السلاح المدمر. إنها تقبل عن مضض بقتل جزء من الشعوب العربية والإسلامية من أجل بناء مجتمعات متمدنة لا يقتل فيه أحد أبدا، ليسود بعد ذلك السلم وتعم الحرية والرخاء كل أنحاء العالم!
خزر سعد في وجه بيير. كان يريد أن يسبه وباقي المدافعين عن مثل هذه الأفكار، لكنه عدل عن ما في نفسه في آخر لحظة، ثم تابع الحديث وهو يكبح غضبه بعزم:
- العذر أقبح من الزلة. أي منطق هذا الذي حشوا به عقولكم؟ من أين تستوحون مثل هذه الأفكار؟ كيف تقرون بمثل هذه التعليلات الواهية؟ بل يجب التسليم بأن المواجهة بين الغرب والشرق مستمرة إلى الأبد. قد تتخذ هذه المواجهة أشكالا فكرية وثقافية في بعض الأحيان، لكنها لا تفتأ تتحول إلى رفض للآخر أو حتى مواجهته بالسلاح الفتاك. إنه صراع الحضارات، شئنا أم أبينا.
سكت بيير لحظة. مد ساقيه لتتطاولا تحت الطاولة، ثم استدار ليتفرس في وجه سعد قبل أن يواصل:
- من جهة، إن في الحياة دائما طعم الدم والدموع، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. ومن جهة أخرى، لا أظن أن المواجهة تقوم اليوم على كراهية أمريكا للعرب والمسلمين، بل هو الحق في الرد على من ضربوها في عقر دارها.
- الحق الذي تتحدث عنه يوجد في الجانبين. فمن تسميهم إرهابيون، هم نتاج الجبروت الإسرائيلي فوق الأرض العربية المحتلة. ذلك الجبروت المدعم بقوة من قبل أمريكا. إنهم يدافعون عن أفكارهم وإن كانت متطرفة. أن يموتوا من أجل فكرة هو السبيل الوحيد للتأكيد على وجودهم وعلى قناعتهم الراسخة بهذه الفكرة.
قال بيير باستهجان:
- المشكلة ليست مشكلة دفاع عن أفكار متطرفة، بل إنها مشكلة تحويل هذه الأفكار إلى جرائم شنعاء.
- أينما ذهبت، فلن تستطيع تنقية أفكار الناس من كل الشوائب التي تخلق متطرفين، متزمتين ومتعصبين. يجب القضاء على المسببات وفتح الطريق أمام ديمقراطية حقيقية في بلدان عربية وإسلامية لها من المؤهلات ما سيجعلها تدخل الحداثة من بابها الواسع. يجب رفع يد إسرائيل ومن يساندها من الدول الغربية عن الأراضي العربية المحتلة...
قاطعه بيير:
- إذن فلتتحرك الجماهير العربية-الإسلامية، أم تريد أن تقوم الولايات المتحدة بذلك مكانها؟
- ليس القصد، بل يجب على الولايات المتحدة والعالم الغربي عموما أن يساعدوا القوى الحرة التي تسعى إلى ترسيخ الديمقراطية، أم يعجبهم من العولمة فقط جانبها الاقتصادي الذي يستفيدون منه وينسون الجوانب الحضارية الأخرى. يجب عولمة الحداثة، الديمقراطية، العيش الكريم... وإلا فستتم عولمة الفوضى، الإرهاب، الجهل، الظلم...
عم الصمت لحظة، ثم واصل بيير:
- لا أظن أن هذا يكفي للقضاء على الإرهاب. إن فكرة الجهاد في دينكم، كما قرأت في كتاب لأحد الفرنسيين، تجعل المسلمين دائما على استعداد لقتل الآخرين، أي من ينعتوهم بالكفار الذين لا يدينون بدين الإسلام.
فكر سعد مليا، ثم أجاب بهدوء:
- يجب التفريق بين ما جاءت به تعاليم الإسلام، وما يذهب إليه بعض المتشددين في تأويلاتهم لنصوص الدين. إن فكرة الغربيين عن الإسلام وعن مفهوم الجهاد الذي أصبح يرادف عندهم مفهوم الإرهاب خاطئة لا أساس لها من الصحة.
- هذا في تنظير شريعة دينكم، إلا أن الواقع الذي عايشناه يوم 11 سبتمبر يثبت عكس ذلك.
- إنه تهور وجهل من قبل زمرة من الشباب لم تتمثل بالقدر الكافي تعاليم دينها. اعلم أنه كلما وجدت رجلا يفكر، كلما وجدت فيه قدرا من النزاهة والتروي وتقدير الحياة للآخرين. وبالعكس، أينما انتشر الجهل والانفعال والشعور بالحيف والظلم، يسود التهور والتطرف والاستلاب.
واصل بيير في خبث واضح:
- لا يمكن للسياسة الخارجية للدول الغربية أن تكون أكثر ملكية من الملك نفسه وتهب هذه الدول الديمقراطية والحداثة والحرية والاستقلال والتحرر على طبق من ذهب.
تابع سعد وهو يستشيط غضبا:
- إذن السياسة هي ذاتها تتكرر بنفس الطريقة، إما بحد السيف كما ذهب إلى ذلك الأحمق شارل الثاني أو كما دعا إلى ذلك الحجاج الثقافي أحد الوزراء العرب التاريخيين، وإما باللجوء للنفاق والخداع كما حث على ذلك القبيح ماكيافيل.
ودع سعد بيير بعد أن تكدر صفوه أكثر من السابق. ردد في سريرته المثل العربي القائل: "ما حك جلدك مثل ظفرك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة