الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسخة الفرنسية للديمقراطية الغربية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2022 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


د. جاسم الصفار
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون، لكن زعيمة "التجمع الوطني" مارين لوبان تمكنت من جذب مئات الآلاف من الأصوات الجديدة، ولم تتخلف عن الرئيس الحالي الا بفارق ضئيل. الجولة الثانية ستكون معركة حامية بين الطرفين، قد يواجه خلالها ماكرون مفاجآت غير سارة.
لوبان نجحت في تقديم نفسها كسياسي مقرب من الناس العاديين. رأت في وقت مبكر الفرص التي تتيحها الأجور المنخفضة والأسعار المرتفعة. اكتسبت ميزة انتخابية بعد غزو أوكرانيا من خلال ربط العقوبات الروسية، التي لا توافق عليها، بارتفاع تكاليف المعيشة.
نتائج الانتخابات الفرنسية اصابت الولايات المتحدة الامريكية والغرب بالذعر. وبدأت صحيفة بوليتيكو الأمريكية تدق ناقوس الخطر محذرة من أن فوز لوبان في الانتخابات الرئاسية "قد يزعزع استقرار التحالف الغربي ضد موسكو". وكتبت الصحيفة: "من وجهة نظر واشنطن، قد تؤدي نتيجة الانتخابات هذه إلى تشكيك بعض قادة الناتو في الحاجة إلى أن يكونوا جزءًا من الحلف". وبحسب كاتب المقال، فإن وصول لوبان إلى السلطة قد يكون "أكبر انتصار لروسيا في مجال السياسة الخارجية منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا".
كتبت صحيفة "فيما"، وهي واحدة من كبريات الصحف اليونانية: "دعونا لا نعتبر رئاسة لوبان من قبيل الخيال العلمي". مضيفة، أن ليحتفظ الجميع "في ركن من أركان أذهانهم" بفكرة أن هذا الامر قد يتحقق ليكون عند اذٍ "بمثابة زلزال سيغير كل شيء في فرنسا وأوروبا."
رافق فرز الأصوات في فرنسا أعمال شغب وإحراق ونهب. بذلك أوضح مواطنو الجمهورية الخامسة أنهم لا يريدون رؤية أي من المرشحين الذين وصلوا إلى الدور النهائي كرئيس للدولة. لذا يرى المراقبون أن المهزوم الأول في هذه الانتخابات هو الدولة العميقة، أو محرك الدمى.
كل النشاطات السياسية التي سبقت الانتخابات لم تكن سوى حملات اعلامية بأداء ممل خال من الاثارة المعتادة للنسخة الفرنسية من "الديمقراطية الغربية". لم يتحمس المتنافسون في الانتخابات، هذه المرة، للدخول في حوارات تلفزيونية مباشرة. وقد يفسر الحماس الخافت للحملة الانتخابية من قبل الجماهير الفرنسية والمرشحين اليها الى توفر قناعة، وفقا لجميع التوقعات، بأن إيمانويل ماكرون لديه فرص أكثر من المرشحين الآخرين ليصبح رئيسًا لفرنسا مرة أخرى.
علما، بأن ما كان لإيمانويل ماكرون أن يكون رئيسا لفرنسا لولا ارادات ودعم قويين. ولا بأس في أن نتذكر أن من بين من مهدوا الطريق لصعود نجم ماكرون، هو جاك أتتالى، أحد أكثر الاقتصاديين والسياسيين الفرنسيين نفوذاً، وواحد من صناع القرار في السلطة الخفية في فرنسا. أتتالى هو الذي اكتشف ذات مرة الشاب النشط ماكرون فساعده في الحصول على وظيفة في بنك روتشيلد.
يُعرف أتتالى على نطاق واسع بأنه فيلسوف عولمي، وهو كاتب يوتوبيا مبهرجة حول كيفية اختفاء جميع الدول والقوميات من على وجه الأرض أثناء النزاعات الدموية، واتحاد الجزء الباقي من البشرية تحت راية الديمقراطية وتحت إدارة حكومة عالمية موحدة. في الوقت نفسه، كان أتتالى ضيفا دائما في قصر الإليزيه لسنوات عديدة وهو أحد المستشارين الأكثر نفوذاً لجيل كامل من الرؤساء الفرنسيين من فرانسوا ميتران إلى فرانسوا هولاند. وبحسب المراقبين، فإن أتتالى، أحد أعضاء نادي بيلدربيرغ، وهو الذي يقوم بالربط بين رموز اصحاب رأس المال المالي والنخبة السياسية الحاكمة في فرنسا.
لم تكن علاقة إيمانويل ماكرون بروتشيلد سراً بالنسبة للفرنسيين. فقبل فترة وجيزة من انتخابه كرئيس لفرنسا، عرضت القناة التلفزيونية الفرنسية المركزية فلماً مخصصًا لسلالة المصرفيين الشهيرة، حيث ظهر في الفلم موظفهم السابق ماكرون، كما لو كان بالصدفة.
بالعودة إلى أوائل الستينيات، حيث تكشفَ عن تدخل عائلة روتشيلد في شؤون البلاد. بحلول ذلك الوقت، كان الرئيس الفرنسي السابق جورج بومبيدو قد غادر بالفعل بنك روتشيلد، الذي عمل فيه مرتين في 1954-1958 وفي 1959-1962. بعد ذلك، كان نيكولا ساركوزي، صديق إدوارد روتشيلد. وخلال فترة رئاسته، امتلأ قصر الاليزيه بأشخاص من خريجي مؤسسة روتشيلد. على وجه الخصوص، أصبح موظف البنك فرانسوا بيرول نائب رئيس الإدارة الرئاسية.
بعد العمل في أحد البنوك لدى عائلة روتشيلد، حقق ماكرون مسيرة مهنية مذهلة، حيث انتقل من مدير إلى شريك في البنك. لفت ديفيد روتشيلد الانتباه إلى ماكرون. نتيجة لذلك، أصبح الشاب الواعد وزيراً للاقتصاد. في هذا المنصب، سدد ماكرون دينه لعائلة روتشيلد بالكامل مقابل الرعاية التي حظي بها واوصلته الى ذلك المنصب.
في عام 2015، تم اعتماد قانون "نمو النشاط الاقتصادي" - ونتيجة لذلك، أصبح بنك روتشيلد، المتخصص في عمليات الدمج والاستحواذ، في قائمة أكبر خمسة بنوك استثمارية في العالم. باختصار، عندما تعلق الأمر بضرورة استبدال فرانسوا هولاند، الذي تدنت شعبيته الى حد خطير يهدد بفوز مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية في فرنسا، ولوبان، وقتها، كانت متحمسة للخروج من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وللتقارب مع روسيا، تم، حينها، وضع الرهان، تحديدا، على إيمانويل ماكرون.
بناء على ذلك تقرر إطلاق العديد من الفعاليات في حملة واسعة للتهيئة للانتخابات، منها حملة قوية للترويج لماكرون في وسائل الإعلام التابعة للأوليغارشية، وتم الإعلان، من العدم، عن حركة جماهيرية-سياسية لإسناد ماكرون، أطلق عليها "الى الأمام". ولم تكن الولايات المتحدة الامريكية بعيدة عن كل تلك الأنشطة. قال الكاتب والصحفي الفرنسي الشهير آلان سورال ذات مرة: "ماكرون هو نتاج سياسي للسلطة الهرمية الأوليغارشية الفرنسية، وليس الفرنسية فقط".
في مقابلة مع صحيفة ريبوبليكا الإيطالية، أوضح أتتالى في ذلك الوقت بصراحة لماذا راهنت النخبة السياسية والاقتصادية على ماكرون. "في هذا السياق الجيوسياسي المتوتر بشكل متزايد، هل سيتمكن ماكرون من مواجهة ترامب وبوتين؟" سأله مراسل الصحيفة. "أعتقد أنني من بين أولئك الذين يعرفونه أفضل"، أجاب أتتالى، وتابع "بالطبع، إيمانويل ماكرون يبلغ من العمر 39 عامًا فقط. ولكن هناك أشخاص في الستين من العمر لا يفعلون شيئًا سوى التراجع والانتظار. كان العديد من الفاتحين العظماء في الماضي في الثلاثينيات من العمر ".
حسنًا، الآن، نظرًا لأن ماكرون، في فترة رئاسته الأولى لفرنسا، الذي اختارته لها رموز الدولة العميقة المتعولمة، قام بجميع المهام الموكلة إليه بشكل مرضي، فمن الواضح أنهم قرروا مرة أخرى "إعادة انتخابه". وعلى الأرجح، هذا بالضبط ما سيحدث في الدور الثاني المرتقب، في أبريل / نيسان، لما يعرف بالانتخابات الرئاسية، حسب النسخة الفرنسية لـ "الديموقراطية الغربية".
كتبت الجارديان: "ارتكب ماكرون الكثير من الأخطاء". لكن في رأيها، "لديه انجازات يتباهى بها". فقد خفض معدل البطالة في فرنسا إلى 7.4٪، وهو أدنى مستوى منذ 13 عامًا. نجت فرنسا من كوفيد بشكل أفضل من العديد من البلدان المماثلة الأخرى بفضل الدعم الحكومي الهائل للأفراد والشركات. أعادت أفكاره وطاقته إحياء الاتحاد الأوروبي كقوة يحسب لها الحساب في السياسة العالمية، وليس ككتلة جيوسياسية قائمة بذاتها. لذا، بحسب الجارديان، لا يزال بإمكانه الفوز في الانتخابات. لكن الصحيفة الإنجليزية حذرت من أن نتيجة الانتخابات قد تكون مروعة لكل من يهتم برفاهية فرنسا أو أوروبا.
تبعا لذلك، فإن إيمانويل ماكرون، الموظف السابق في بنك روتشيلد، شغل منصب الرئاسة بدعم من قبل النخبة العالمية بقيادة الولايات المتحدة، وأن لا خيار اخر امام نفس النخبة لدعمه من جديد، على أن الهيمنة الأمريكية في العالم بدأت بالتفكك والضعف، وهو ما ينعكس على الميزان الحالي للقوى السياسية في فرنسا. نعم، لقد نجحت آلة المعلومات والدعاية القوية للعولمة، التي تم إطلاقها لدعم ماكرون، حتى الآن في كسب عدد كبير من الفرنسيين، لكن هذه المرة سيكون الصراع في الانتخابات النهائية في فرنسا أكثر حدة من ذي قبل. وليس مستبعداً أن يحدث "زلزال سياسي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل