الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على عتبات الايليزيه 1

فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)

2022 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


دون الوقوف طويلا على ظروف الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية 2022 التي كانت من أقصر وأشرس الحملات التي شهدتها منذ وصولي إلى فرنسا والتي حفت بها جملة من المعطيات، بعضها داخلي وبعضها خارجي، يجدر التذكير بأن الفترة الرئاسية المنقضية لايمانويل ماكرون لم تكن بالسهولة التي يمكن تصورها.
لقد كانت فترة حافلة بالصراع الذي بدأ منذ الجولة الأولى سنة 2017، حيث كان التنافس في الجولة الثانية بينه وبين مارين لوبان وريثة الجبهة الوطنية، التي تحولت إلى التجمع القومي، بعد صراعات سياسية وأسرية بين الوريثة وأبيها، وكذلك بعد إدراك الوريثة لحملة الرفض الموجهة ضد أبيها وحزبه، والذي خاض هو نفسه تصفيات الجولة الثانية أمام الجمهوري جاك شيراك في 2002، وعلى إثر كل ذلك قررت هي تغيير اسم الحزب.
الخماسية التي يخرج منها الشعب الفرنسي ورئيس فرنسا في العاشر من أفريل الجاري لم تكن سهلة بالمرة. ذلك أنها كانت موسومة بالانتفاضة الشعبية للسترات الصفراء منذ 2018 ثم وباء الكوفيد-19 منذ 2020 إضافة إلى الحرب الروسية الاوكرانية الحالية وما بين هذه الأحداث من اهتزازات في العالم غربا وشرقا. هذه الاهتزازات شهدت عودة قوية للأحزاب اليمينية المتطرفة غذتها الأحداث العالمية منذ حوادث سبتمبر 2001 حيث تنامى الشعور بالخوف والسقوط في شرك نظرية المؤانرة القائلةبحركة التعويض الكبير le grand remplacement, ثم جملة الحوادث الارهابية التي هزت باريس ومدن فرنسية واوروبية وعربية أخرى، إضافة إلى الهجرات القسرية والاختيارية التي تضاعفت منذ الثورات العربية وبعد حروب الإبادة الافريقية، والآن الحرب الروسية الاوكراتية وتبعاتها . هذا طبعا إلى جانب الانهيارات الاقتصادية التي هزت العالم وفرنسا بالتحديد منذ بدايات الألفية الثالثة.
لا يمكن بحال من الأحوال التغافل عن دور هذه الأحداث الارهابية في تغذية الشعور بالخوف خاصة من التطرف الديني باسم الاسلام الذي تحول الى اسلاموفوبيا تطال حتى المدافعين من غير المسلمين عن المسلمين في فرنسا.
أما داخليا فإن حالة التراجع الاقتصادي الذي طال المقدرة الشرائية للفرنسيين متوسطي الدخل، وانهيار المقظرة الشرائية للفقراء وتنامي الشعور بالخطر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا دفع نسبة من الفرنسيين إلى اعتناق فكرة يمينية تقوم على كون فرنسا للفرنسيين أولا وبالتالي ايقاف الهجرة واستعادة الأموال الممنوحة للعائلات المهاجرة التي تورط أفرادها في أعمتل تخريبية أو إجرامية. وبالتالي سادت موجة من الرفض المتبادل بين المدافعين عن القومية الفرنسية وبين المدافعين عن فرنسا الجامعة غير أن السقوط في شرك الحرب الهوياتية الوهمية لم يستثن حتى بعض الأحزاب التي كانت تسمي نفسها يمينية وسطية حيث قامت بأداء سياسة يمينية صرفة مما أدى إلى سقوطها والحزب الجمهوري تحت حكم ساركوزي خير مثال على ذلك.
باختصار شديد فإن الخارطة السياسية الفرنسية ظلت وفية لنفسها في صراع اليمينيات طيلة العشرين سنة الأخيرة حيث سجل حزب الجبهة الشعبية سابقا، التجمع القومي لاحقا حضورا لا يمكن إغفاله بل لا يمكن على الإطلاق العودة إلى القول بأنه مجرد ورقة ضغط يلوحها الناخبون في وجه الرئيس المنقضية فترة رئاسته. اتضح جليا أن فرنسا العلمانية والحقوقية والمتمدنة تراقص نيران حرب الهويات والمحافظة من جهة وحرب الليبرالية المتوحشة من جهة أخرى.
ليس المهم أن يظل ماكرون عالقا بالمشهد السياسي الفرنسي رغم كل الاضطرابات والهزات والرفض الشعبي لسياسته التي لم تترك ميدانا إلا ونالت منه ولم تترك اهتزازا عاطفيا إلا واستثمرته ولا المهم أن يستمر حضور اليمين المتطرف في المشهد السياسي للإنتخابات الفرنسية للمرة الرابعة على التوالي ولا غرابة أن تكون مارين لوبان خليفة ماكرون بعد أسبوعين من الآن، بل المهم هو هذا المؤشر الخطير على سقوط الديمقراطيات وتفتتها من الداخل وسقوط أقنعة الدفاع عن حقوق الإنسان والعلمانية والكونية التي كانت فرنسا تحاول أن تكون خير سفيرة لها...
ما يدعو للتساؤل اليوم هو كيف يمكن لرئيس واحدة من أعتى الديمقراطيات أن ينقذ نفسه ويقنع ناخبا من ثلاثة توجه بصوته نحو اليمين المتطرف بين زيمور بحصة صغيرة وأخرى أكبر لمارين لوبان؟
الخروج اليوم بعد العاشر من أفريل 2022 إلى الشارع والنظر في وجوه الفرنسيين بعضهم البعض لم يعد يشبه مطلقا ذات الفعل بالأمس وقبله. الريبة التي تفضحها الوجوه والتساؤل كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال وكيف تغلغل اليمين في مفاصل السياسة بل حتى في البيوت والقلوب والوعي...
الجار الذي كان بالامس جارا أصبح اليوم محط ريبة وتساؤل والهوية التي كانت بالأمس فرنسية أصبحت اليوم فرنسية وفرنسية من اصول أجنبية ومهاجرين ولاجئين نظاميين ومهاجرين غير نظاميين ... أصبح الجميع يرى الآخر على أنه الآخر، الجحيم على قول سارتر أو المتطرف أو الأجنبي على قول زيمور ولوبان.
كل ذلك يجعل التساؤل يبحث له عن إجابة داخل عمليات الحروب الهوياتية التي تقوم على تقسيم الشعوب إلى مجموعات صغرى متقاتلة. والمستفيد الوحيد من هذا التقاتل هو التقاتل نفسه وإشباع غريزة الدم في البشر حتى وإن كانت الحرب رمزية أسلحتها الهوية في حد ذاتها.
السؤال الذي تطرحه الانتخابات الفرنسية الحالية اليوم هو : ما معنى أن تكون فرنسيا؟ من هو الفرنسي؟ وما الشعب الفرنسي؟ ومعنى أن تكون رئيسا لفرنسا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تبدو كالقطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أدهشت


.. أصوات من غزة| سكان مخيم جباليا يعانون بسبب تكرار النزوح إلى




.. يحيى سريع: نجحنا حتى الآن في إسقاط 5 مسيرات أمريكية من نوع ط


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني في مدينة تبريز عاصمة محافظة




.. تحذير من حقن التخسيس لأصحاب هذا المرض