الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكك العراق حالة موضوعية. ولكن

فالح الحمراني

2006 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ان اهم ميزة في عالم اليوم ابتعاده شيئا فشيئا عن الطوباويات وتخليه عن العقائد كاساس لانظمة الدول. ولحق مفهوم الدولة ذاته الكثير من التغيير، وهناك الكثيرون في عالم اليوم من يقف على قناعة بان حياة الانسان هي القيمة الاغلى. واذا ما كان خيار بين بقاء الدولة او الحفاظ على حياة الانسان فانهم سيختارون حتما البقاء على حياة الانسان . باعتبارها قيمة مقدسة فيما الدولة حالة متغيرة. ان التطورات المروعة في العراق تطرح ايضا مشروع تقسيم البلد للحفاظ على القيمة المقدسة. حياة الانسان العراقي.لوقف اراقة الدم وطاحونة الموت. واذا خير العراقيون بان تقسيم بلدهم سيوقف طاحونة الموت ويوفر الامن، فاي خيار سيقعون عليه ياترى؟. ان دخول مشروع التقسيم لحيز الوجود سيلحق دون شك الضرر الفادح بكافة مكونات شعب العراق والمنطقة باسرها ، ولكن قوى الشر والظلام التي لا ترى الا القتل المجاني والجماعي اليومي للعراقيين، وسيلة لتحقيق اهدافها السياسية تدفع بالبلد نحو هاوية الانقسام والتشرذم.ان كل من يمارس العنف لتحقيق هدفه السياسي سيكون المسؤول الاول، عن تشرذم ابناء العراق.
الدولة العراقية كانت دائما كيانا هشا.ويدرجها علماء السياسة بين الدول حديثة التكوين. فالمعروف انه وحتى بداية القرن العشرين لم تكن هناك دولة اسمها العراق بالفهوم القائم، بل كانت ارض العراق التاريخية ذات الحدود الهلامية. وكانت هناك ثلاث ولايات منفصلة بعضها عن البعض الاخر وهي البصرة وبغداد والموصل. ولم تكن بين هذه الولايات علاقات اقتصادية متينة ومتفاعلة، ولم يربطها جيش واحد او هيئات دولة موحدة وحكومة مركزية. وتجسد التباعد بمظاهر عديدة خاصة ظهور اللهجات المحلية السائدة في هذه الولايات ومفرداتها،فابن الموصل يتحدث بلهجة مغايرة عن ابن العمارة مثلا. وظهرت بانعكاسات انهيار الدولة العثمانية على كل منها، فالجهات الغربية تضررت اكثر لوضع حدود بينها وبين المناطق السورية التي كانت ترتبط بها بعلاقات اقتصادية وانسانية اكثر متانة مع ولايتي بغداد والبصرة. وظلت لفترة قريبة حالة من الاغتراب قائمة بين اهل المناطق العراقية. وحينما يدور الحديث عن امكانية تفكك العراق فان الذاكرة تعود مباشرة لذلك التقسيم القديم، ولكردستان العراق التي كانت لها خصوصية في زمن الدول العثمانية، وكانه الاكثر طبيعية للتقسيمة الجغرافية في العراق. وافرزت التفاهمات الدولية التي تجسدت باتفاقية سايكس بيكو التي فضحتها الثورة البلشفية بنشر نصوصها للتشهير بالامبريالية العالمية، عن ظهور الدولة العراقية التي ضمت لها ايضا منطقة الكرد وسلخت عن ولاياتها اقسام ضمت لذك الطرف او هذا وجرى الصراع حول عائدية مدينة الموصل، التي مازالت حية بذاكرة القوميين المتطرفين الاتراك.
وحينما وصل الملك فيصل الاول العراق راعه المشهد والتكوينية السكانية لهذا التشرذم والتباين في الشرائح والطبقات والطوائف والقوميات. وقال ما معناه ان هدفه سيكون صهر هذه المكونات في بوتقة واحدة لولادة شعب واحد هو شعب العراق. بيد ان المنون وبصورة غامضة طالت فيصل الاول الذي تميز بالحذاقة الدبلوماسية والاخلاص فلم يتنته من انجاز المهمة التاريخية التي نذر نفسه لها. ولم تول الحكومات المتعاقبة في العراق الجهد الكافي او قل حتى الاخلاص من اجل تحقيق ذلك الهدف النبيل، وظهرت في العراق حقا مكونات الدولة التقليدية كالجيش والاقتصاد الموحد وغيرها وغيرها، ولكن الشرخ في الكيان الاجتماعي ظل مستديما وعميقا، واخذ في كل مرحلة ياخذ اشكالا من الصراع. وظل باديا للعيان ان ثمة شرائح محددة هيمنت على السلطة واخذت بقبضتها كافة المواقع الحساسة متجاهلة مصالح المكونات الاخرى وعمدت حتى لتهمشيها، مستخدمة اجهزة الدولة السياسية لقمع تطلعاتها، وتصاعد الصراع الخفي في العراق متزامنا مع التطورات الداخلية والخارجية، وتجلى ذلك في الانقلابات والثورات والاعدامات الجماعية للزعماء السيسايين وقمع الانتفاضات والوثبات العماليةوالطربية والفلاحية وابناء الطوائف. ونهضت في خضم الصراع الشرس، قوى سياسية جديدة الى جانب القوى التقليدية المعروفة، وعلى خلفية انهيار المشروع القومي والاممي ( الشيوعي) اشتد عود التجمعات الدينية لتطرح مشروعها كبديل للمشاريع السابقة، والتفت حولها الجماهير المحبطة.ولكن الانقلاب بعد 2003 كان عميقا هذه المرة وانذر بتغيرات جذرية في الاصطفاف الاجتماعي فاكستب طابعا دمويا اريقت على في سياقة دماء مئات الالاف، لست ادري هل ستبلغ ضحاياه المليون .وغالبية العراقيين قتلوا على ايدي العراقيين والارهابيين الاغراب، وليس على يد الاحتلال. وفي هذا مؤشر واضح على طبيعة الصراع وخلفياته واسبابه. وعادت مع انهيار النظام الدكتاتوري الموضوعة القديمة/ الجديدة تحويل العراق الى دولة عصرية حقا. وكان المشروع الديمقراطي هو الخيار الوحيد لتحقيق ذلك الهدف النبيل. ولكن القوى التي ادرك انها الخاسرة في العملية الديمقراطية، القوى التي كانت تهيمن على السلطة والمال والنفوذ وتسيير العراق وفق مصالحها، تخوفت من اشاعة الديمقراطية، لان عقليتها بقيت عقلية ضيقة، لم تر الا اسلوبا واحد في الصراع، ورفضت لتحويله الى صراع سياسي طويل الامد لتاكيد حقوقها وحضورها وجر قوى وشرائح الى جانبها بالاقناع وليس بالسلاح. انها جرت لجانبها فقط الارهابيين الاغراب الذين جاءوا العراق لتحقيق هدفهم الطوباوي باقامة دولة الخلافة الاسلامية. ودون شك فان التحالف بين هذه القوى هو تحالف مؤقت، وسينفرط او هو اخذ بالانفراط في ظروف معينة.
ان القوى التي تواصل اعمال الارهاب والقتل الجماعي، الذي يلوح وكانه عملية ابادة جماعية لشعب العراق، هي التي ستكون مسؤولة عن تفكيك العراق، هي التي سوف تحي في الذاكرة التاريخية ان العراق كان متالف من ثلاث ولايات ويمكن بعث هذا المشروع للحياة لوقف طاحونة الدم. فهناك الكثير من يفكر ان الحفاظ على حياة الانسان اكثر قدسية من الحفاظ على وحدة الدولة. وحقا فهناك وعلى مدى التاريخ الالاف من الدول التي قامت ومن ثم غربت، واغلبها بغباء قيادتها والقوى المتصارعة فيها. وليس من المستبعد ان يدفع " بلهاء" العراق اليوم بلدهم للتفكيك، لاسيما وان الممهدات والاسباب قائمة.هناك مجال واسع للتمعن والالتفات الى البدائل الاخرى لتحقيق الاهداف السياسية وليس بالقتل وحده، حينها ستواصل القوى الجديد تحقيق حلم الملك فيصل الاول بتكوين شعب اسمه شعب العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حجاج بيت الله الحرام يواصلون رمي الجمرات وسط تحذيرات من ارتف


.. حملة انتخابية خاطفة في فرنسا.. وأقصى اليمين في موقع قوة




.. استمرار جهود وحملات الإعمار في الموصل بعد 7 سنوات من القضاء


.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد مع لبنان




.. أطفال غزة يحتفلون بثاني أيام العيد مستذكرين شهداءهم