الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من الفولكلور الكردي - اضرب اضرب، لن تنال غير ما رأيت

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2022 / 4 / 17
الادب والفن


اضرِب، اضرِب ، لن تنال غير ما رأيت
ترجمة ماجد الحيدر

يحكى أن السلطان محمود تنكر في أحد الأيام بلباس الدراويش وخرج للتجول في أسوق المدينة وأزقتها، ومر بالصدفة بمحل حداد فتوقف ليستمع لما يدور فيه فبلغه صوت رجلٍ يضرب الحديد وهو يردد بصوت عال:
- اضرب، اضرب، لن تنال غير ما رأيت!
تعجب السلطان مما سمع وأخذه الفضول فقال في نفسه:
- لا بد لي من معرفة سر هذه الكلمات.
كان الباب مسدوداً فقد تأخر الوقت وأقفلت كل الدكاكين أبوابها. طرق السلطان الباب فنادى الحداد من داخله:
- من هناك؟
- أنا عابر سبيل. هل يمكنك استضافتي هذه الليلة؟
- على الرحب والسعة. ادفع الباب وادخل.
سلّم السلطان وجلس على دكة قريبة من الحداد الذي رحب به ثانية ثم عاد الى عمله فكان يضرب على الحديد المتقد وهو يردد الكلمات نفسها.
لم يستطع السلطان أن يمنع نفسه من سؤاله:
- إذا لم يكن في الأمر وقاحة يا سيدي، ماذا تقصد بهذه الكلمات؟
- دعني وشأني يا أخي. أنا وحدي أعرف سرها.
غير أن السلطان ازداد فضولاً وصمم على سماع الحكاية فاستسلم الحداد أخيراً وقال له:
- اعلم يا أخي أن هذه الكلمات التي أقولها ليست سوى نتيجة لحلم رأيته ذات ليلة. لقد حلمت بأنني مررت بجبل ونظرت اليه فرأيته مليئاً بالثقوب التي يخرج منها الماء. كان الماء يتدفق مدراراً من بعض الثقوب لكنه كان ينزل بالكاد على شكل قطرات متباعدة من ثقوب أخرى. وفجأة برز لي رجل تحيطه هالة من نور، فجثوت على ركبتي وسألته: ما هذه الثقوب يا مولاي ولماذا هي مختلفة في الكبر ومقدار الماء النازل منها؟ فأجابني:
- اعلم يا صديقي أن هذه الثقوب هي حظوظ الناس وأرزاقهم. كل شخص في الدنيا لديه في هذا الجبل ثقب يمثل رزقه ومن كان الماء ينزل من الثقب المخصص له بوفره نال الغنى وراحة البال في حياته.
- فأين هو الثقب الذي يخصني؟ هل لك أن تدلني عليه يا سيدي؟
أمسك الرجل بذراعي وقادني إلى صخرة كان فيها صدع صغير لا يكد يرى ينز منه الماء بصعوبة بالغة.
- هذا هو حظك وقدرك !
قال الرجل النوراني واختفى وهببتُ أنا من نومي. ومن يومها أدركت أن حظي في الدنيا قليل ولن أنال الغنى أو راحة البال حتى لو واصلت العمل ليل نهار. وهذا هو السبب الذي يجلني أعيد وأكرر الكلمات التي سمعتها.
قرر السلطان محمود أن يفعل شيئا لمساعدة هذا المسكين، وبعد أن استراح عنده لبضع ساعات، ودعه وخرج عائدا الى قصره. لكنه استدعى طباخه في اليوم التالي وطلب منه أن يشوي له دجاجة كبيرة ثم أعطاه كيساً من الذهب وأمرة أن يحشو به جوف الدجاجة ويخيطه قبل شوائها. فعل الطباخ ما أمر به وعاد بعد ساعة بالدجاجة المشوية المحشوة بالذهب فقال له السلطان:
- في السوق الفلاني ثمة حداد اسمه فلان. اذهب بالدجاجة اليه وقل له إن السلطان يهديك إياها.
نفذ الخادم الأمر ووضع الدجاجة في صينية ثم غطاها بقطعة من القماش وحملها الى الحداد وقال له:
- هذه هدية أرسلها لك جناب السلطان.
دُهش الحداد وقال:
- هدية لي أنا؟ ومِن حضرة السلطان؟ ومن أين لحضرته أن يعرفني؟ على أية حال ضعها جانباً لو سمحت وأشكر لي مقامه العالي. سأكمل عملي وأتناولها فيما بعد.
لم يمض وقت طويل حتى طرق أحد المتسولين الباب طالباً صدقة أو طعاماً فقال الحداد مع نفسه:
- قد أكلت قبل قليل كسرة من الخبر وبضع تمرات. هذا الفقير الجائع أحق مني بالدجاجة.
ثم نادى على المتسول وقال:
- ليس عندي مال أهبك إياه، ولكن تفضل خذ هذه الدجاجة المشوية وكلها هنيئاً مريئاً!
حمل المتسول الدجاجة الى خرابته وفتحها فإذا بالدنانير الذهبية تتناثر من جوفها. لم يصدق عينه وفرح فرحاً عظيماً وغادر المدينة ليعيش حياة سعيدة بعيدة عن التسول.
بعد بضعة أيام استدعى السلطان محمود أحد عبيده وقال له:
- في السوق الفلاني ثمة حداد اسمه فلان. اذهب وراقبه وجئني بأخباره.
خرج العبد وفعل ما أُمِر به ثم عاد بعد ساعات وقال للسلطان:
إنه ماكث في دكانه وهو يضرب الحديد ويردد " اضرِب، اضرِب ، لن تنال غير ما رأيت"
تعجب السلطان بهذا وقرر أن يعرف الحكاية، فتنكر بثياب الدروايش وخرج عند المساء وطرق باب الحداد طالباً أن يبيت عنده كما في المرة السابقة ووجده تماماً كما وصفه العبد. شرع الاثنان بتبادل الأحاديث المعتادة عن الصحة والأحوال والأخبار ثم قال السلطان فجأة:
- اسمع يا صديقي. يتحدث الناس في السوق بأن السلطان نفسه أرسل لك دجاجه مشوية على طبق من نحاس.
- نعم، قد فعل.
- ما أسعدك! يقولون أن طعام الملوك لا نظير له في اللذة.
- لم أذقها والله. جاء متسول جائع فوهبتها له مع الصينية!
فغر السلطان فاه من العجب، ثم ضرب كفاً بكف وقال:
قد صح قول القائل: لا يصيبك إلا نصيبك ! اعلم يا صديقي أنني أنا السلطان محمود وأن الدجاجة التي أرسلتها لك كانت محشوة بذهبٍ يكفيك طوال حياتك. لقد صح حلمك يا صاحبي. اضرب إذن، اضرِب، لن تنال غير ما رأيت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجنازات في بيرو كأنها عرس... رقص وموسيقى وأجواء مليئة بالفر


.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا




.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا


.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو




.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا