الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدريس جماع؛ حياته وشعره؛ تصويب وتوضيح

بدر الدين العتاق

2022 / 4 / 17
الادب والفن


درج كثير من الناس على تفخيم بعض المواقف ونسبتها إلى المشاهير من الأوساط الأدبية والفكرية والعلمية وغيرهم وهم بريئون منها براءة الذئب من دم بن يعقوب؛ بقصد أو بدون قصد؛ وكنت قبل فترة ليست بالبعيدة نبَّهت إلى تلك السَقَطَات غير المقصودة في جملتها لاعتقادنا حسن الظن فيمن كَتَبَ ونقلَ ونسبَ ما لا يُنسب إلى بعض المؤثِّرين فكرياً ووجدانياً في السواد الأعظم من الناس؛ مثال موقف الدكتور المرحوم / عبد الله الطيب المجذوب ( ١٩٢١ - ٢٠٠٣ ) ؛ فيما دار وشاع بمجمع الملك فؤاد الأول للغة العربية بالقاهرة ( ١٩٥٧ ) مع الدكتور طه حسين ( ١٨٨٩ - ١٩٧٣ ) ؛ ونبَّهت إليه أكثر من مرة في أكثر من موضع فليراجع في موضعه إن شاء الله من التنبيه .
ولم يزل البعض يكتب ويُفَخِّم ولا يمل من الكتابة أو نقل المعلومة الخطأ دون تحقيقها وبسطها في وسائل التواصل الاجتماعي محل تفشي الشائعات بالذات والإعلام المقابل له؛ ولا يكلفون أنفسهم جهد البحث والتقصي والتحقيق فيما يشيعونه حباً أو كراهةً فيما يُكتب عنهم الناس وهذا لعمري أكبر خطأ في العصر الحديث حيث تشيع الشائعة في الثقافة الركيكة / الميديا بالتحديد / شيوع النار في الحطب فيذرها هشيماً تذروها الميديا ذرى الرياح للرماد في اليوم العاصف وتلوكها الألسن بلا وعي ولا إدراك حيث يكمن الخلل والخطأ .

هذا ! شاع عن شاعر الرومانسية الحزينة الأستاذ / إدريس محمد جمَّاع ( ١٩٢٢ - ١٩٨٠ ) ؛ رحمه الله ؛ كما شاع عن غيره؛ ونسبوه له كما قرأت ووصلني بطريق مطروق؛ فأنا أشك جداً في نسبة تلك المواقف له وأنَّها مختلقة فيه اختلاقاً ومفترية عليه افتراء؛ مثل ذهابه إلى لندن مستشفياً ( ١٩٦٧ - ١٩٦٩ ) وقوله البيت :

السيف في غمده لا تخشى مضاربه * وسيف عينيك في الحالتين بتَّار

في فتاة ممرضة بإحدى مشافي انكلترا؛ ثم لا هم يكملون البيت إلى آخر القصيدة ولا هم يثبتونها له؛ وفي الحالتين لا يحق صحة النسب إليه ولا صحة مناسبة بيت الشعر ( السيف في غمده لا تخشى بواتره) كذلك .

لأنَّ مطلع هذه القصيدة أو ذاك البيت/ إن وُجِدَا أصلاً / ؛ من السِّنْخِ العربي القديم؛ والذي لا يتفق مع أسلوب جمَّاع في صياغة الشعر المعاصر ولا يظهر هذا السِّنْخُ في ديوانه عَرَضَاً ولا غَرَضَاً.
وكذلك مناسبة قصيدة أو أبيات من قصيدة مطلعها :

إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
فلما استعصى عليهم قال اتركوه
قلت كيف من يشقيه ربي تسعدوه

أنَّه قالها في مشفى التجاني الماحي للطب النفساني بأم درمان؛ إلى غيرها من الشائعات المنسوجة بخيال محبوك ومذاع مشاع؛ وذلك لعُدَّة أسباب منها :
كنت أنا شخصياً مع الدكتور الراحل/ عبد القادر شيخ إدريس أبو هاله ( ١٩٢٤ - ٢٠١١ ) ؛ رحمه الله ؛ وحدَّثني عن الشاعر جمَّاع وأن رسالته للماجستير كانت بعنوان : " إدريس جمَّاع؛ حياته وشعره" والتي نالها في أوائل الثمانينيات / على وجه الدِّقة إن لم تخني الذاكرة وجدت طبعة رسالته تلك في كتاب مؤرخ سنة ١٩٨٣ م بمكتبة الباعة الفرِّيِشة بالخرطوم بحري قبل خمسة عشر سنة تقريباً / ولم يتطرق لتلك المواقف في جملة ما حكاه لي عنه شخصياً - ليس بالضرورة طبعاً ذلك لكن المتأمل في ديوانه "لحظات باقية" لن يجد إلى ما كُتِبَ عنه سبيلاً - لأنَّ من جملة ما حكاه لي لعدد من الشعراء الذين عاصرهم لم يتطرق لمثل هذه المواقف عنه ولا عنهم ؛ وكان ذلك بين عامي : ( ١٩٩٥ - ١٩٩٦ )؛ لسنتين كاملتين بمنزله في حلفاية الملوك؛ الخرطوم بحري - ثم هو جاره في الحي؛ فأنا شاهد على أبي هاله فيما قاله عنهم كلهم .

ثم الذي شاع عن جمَّاع المقولة المشهورة ( عبقري أو مجنون ) حين قرأ له :
أنت السماء بدت لنا * واستعصمت بالبعد عنَّا
أنَّه عباس محمود العقاد ( ١٨٨٩ - ١٩٦٤ ) ؛ رحمه الله؛ وهذا خطأ! والصواب هو الشاعر والدبلوماسي السعودي / غازي عبد الرحمن القصيبي ( ١٩٤٠ - ٢٠١٠ ) ؛ ذكر هذا الأمر الأستاذ الشاعر المرحوم / سيف الدين الدسوقي ( ١٩٣٦ - ٢٠١٨ ) ؛ رحمه الله ؛ في معرض تقديمه لرسالة الأستاذ أبي هاله آنفة الذكر والتي صارت من بعد كتاباً قَدَّمَ له الدسوقي بقلمه ؛ ويمكنكم مراجعة النص بالكامل هناك؛ والتي دَبَّجَها آخر غلاف كتاب أبي هاله تعريفاً بهما - أي : أبو هاله وجمَّاع - وأذكر في كتابي "قبضة من أثر الأديب" ؛ أن جاء ذلك الخبر عنهم جميعاً فليراجع في موضعه إن شاء الله.

هذا ! واستبعد جداً كون جمَّاع قد ذهب إلى لندن مستشفياً لظرفه المادي ووضعه الصحي في تلك الفترة ( ١٩٦٧ - ١٩٦٩ ) / موضع الشائعة هنا / لأنَّه كان معلماً في مدارس شندي وبخت الرضا وغيرهما في هذه الفترة؛ ولم يظهر عليه المرض آنذاك ؛ وكان يتردد ما بين مصر والسودان؛ يرافقه الشاعر والناقد الفحل / محمد محمد علي ( ١٩٢٢ - ١٩٧٠ ) ؛ وهو أخوه بن خالته؛ رحمهما الله ؛ لطبيعة دراسته في القاهرة ( ١٩٤٧ - ١٩٥٢ ) وبعد عودته من مصر حاصلاً على درجة ليسانس التدريس في اللغة العربية من كلية دار العلوم ( الدراعمة ) والتي درس فيها أيضاً الأستاذ الكبير الشاعر المجيد / علي الجارم ( ١٨٨١ - ١٩٤٩ ) ؛ رحمهم الله أجمعين؛ عمل في حقل التدريس متنقلاً بالمدارس السودانية؛ ثم لم يكن مرضه النفساني مزمناً حتى يذهب إلى لندن مستشفياً ( ١٩٦٧ - ١٩٦٩ ) ناهيك عن المدة الزمنية بين هذه وتلك فهي بعيدة كما ترى .

وبهذه المناسبة؛ قابلت البروفيسور / عبد القادر شيخ إدريس أبو هاله؛ أكثر من مرة؛ وهو من أجازني في الآداب وإن كنت قد أخذت العربية وآدابها من إمامها النحرير / عبد الله الطيب المجذوب؛ فلم يتكلم بمثل ما شيع عنه اليوم؛ رحمهم الله أجمعين.

أرجو من المهتمين بالفكر الإنساني بعامة التدقيق والتأكيد في المعلومات التي يكتبونها قبل النشر فهذا من الذكاء والصدق بمكان ؛ قال المتنبي :

بيننا لو رعيتم ذاك معرفة *فإن المعارف في أهل النهى ذمم

وهذا ما لزم توضيحه وتصويبه إن شاء الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد