الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن السويد وأزمة الديمقراطية في العالم الغربي

فرزند عمر
طبيب قلبية ـ ناقد أدبي ـ باحث في قضايا السلام

(Farzand Omar)

2022 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


منذ ثلاثة أيام تشهد المدن السويدية أعمال تخريب وشغب من قبل محتجين على حرق القرآن من قبل شخص يدعى Rasmus Paludan، وهو محام دينماركي من أب سويدي وأم دينماركية، حصل مؤخراً على الجنسية السويدية كي يستطيع دخول السويد دون قيود، اذ أنه تم منعه للدخول إلى الأراضي السويدية بسبب اندلاع أعمال الشغب نتيجة حرقه للقرآن قبل حوالي السنتين.
في حين يجتمع أغلب المجتمع السويدي حول عدم وجود أي تبرير لما يحدث من عنف من قبل محتجين على حرق الكتاب المقدس للمسلمين تجاه الشرطة السويدية، الشرطة السويدية التي تمثل سلطة الدولة في الشارع والتي فيما يبدو أنها أكبر الخاسرين في هذه الأعمال اللامنطقية، هذه الفوضى التي تزداد يوماً بعد يوم، فمنظر الخوذة المدماة البارحة والمكسورة لأب كان يرتب للقاء أبنائه في عيد الفصح تجعل المشهد أكثر تعقيداً وسوداوية أكثر من أي تصور موجود الآن، كذلك الشهادات التي تأتي من ساحات العنف الغير مسبوق و التي في جلها موجهة تجاه أفراد الشرطة تؤكد أن هناك شيء غير مسبوق يجتاح هذه البلاد الآمنة التي ظلت بعيدة عن الانخراط في العنف ضمن أشد الظروف تعقيداً، فما الذي حصل حتى تصل الأمور إلى هذا الحد المخيف؟
يبدو لنا أن المشهد السويدي الآن لا يمكن فصله عن المشهد العالمي المتأزم، مع فهمنا المسبق أن لكل مشهد خصوصيته و حكايته، لكن هذا التزامن بين الأحداث التي تحمل تقريباً نفس الحجج لتبرير الجريمة يدعو لكثير من التساؤلات، فجريمة الحرب الأوكرانية التي قام بها الزعيم الروسي بوتين والتي سيقت على أنها حرب ضد النازيين الأوكران، تبرير جلب معه المآسي الإنسانية الفظيعة التي ما تزال في تصاعد مخيف يهدد في أحد جوانبه تهديداً حقيقياً للحياة بأكملها على وجه هذا الكوكب نتيجة ما تمتلكه روسيا من ترسانة نووية كافية لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات، هذه الجريمة التي لا يمكن تبريرها تحت أي بند لاقت أذناً صاغية و خاصة في الشرق الأوسط، التي تعرضت و ما زالت لشتى أنواع التدمير و التهجير و التفقير رغم أنها منطقة غنية جداً بالثروات، هذه المنطقة التي الآن في هذه اللحظات تقوم فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإذلال الفلسطينيين و تهديد وجودهم تحت مسميات مكافحة الإرهاب، الإرهاب الإسلامي الذي بات حقيقة لا يمكن الطعن في مصداقيتها ضمن المنظومة الغربية الديمقراطية التي ترعى المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط على أنها بؤرة الديمقراطية الوحيدة في صحراء الشرق الأوسط الديكتاتورية.
كذلك البارحة قامت السلطات الباكستانية بقصف طالبان الإرهابية في أفغانستان، الحكومة الباكستانية الجديدة التي تشكلت على أنقاض حكومة عمران خان الذي اتهم مباشرة واشنطن بضلوعها في محاولة حجب الثقة عنه عبر تقنيات ديمقراطية لا تشوبها شائبة من حيث الشكل، لكن المضمون يظل مثار جدل وتكهنات لا يمكن التأكد منها في ظل هذا الحجب الغير مسبوق للرأي الآخر عبر تقنيات ديمقراطية تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية بذاتها لضمان حسن تنفيذ الديمقراطية كي تستطيع الفوز في معركها الوجودية مع الديكتاتورية.
ضمن هذا السياق لا يبدو لنا أن الحدث السويدي بمنفصل عن محيطه العالمي، فهي أحداث عنف موجهة للدولة من طرف مثبت على أنه يمارس الإرهاب تجاه النظام الديمقراطي، هذا النظام المهدد بشكل مباشر من النظام الديكتاتوري الذي يتزعمه بوتين مجرم الحرب على حد وصف زعيم الديمقراطية العالمية جو بايدن الذي يبدو عليه في كثير من الأحيان الاعياء والشيخوخة نتيجة تصرفاته الغير مفسرة أمام كميرات الاعلام اللا إرهابي الذي تشرف عليه الأنظمة الديمقراطية.
هذا النظام الديموقراطي الذي أعطى ل Rasmus Paludan تصريحاً رسمياً لحرق القرآن و توزيع جدول زمني يوضح فيه متى و أين سوف يقوم هذا المواطن الديمقراطي الذي لم ينتهك أي قانون سويدي إلى الآن، بل بالعكس تماماً فالصور التي يقوم الاعلام السويدي بنشرها تدل على مدى لطافة هذا الشخص و مدى حسن سلوكه، فهو مثلاً في كل مرة يشعل فيها القرآن يضع حولها الزهور ثم يشعل القرآن في مشهد ديمقراطي ينبئوك مدى اللاعنف الذي تتمتع به هذه المجتمعات الديمقراطية و مدى حرصها على مشاعر الآخرين، لكن رغم ذلك ينتفض هؤلاء المصنفين مسبقاً على أنهم ارهابيون بإشعال سيارات الشرطة و رمي الحجارة والعبث بأمن الدولة و المواطنين.
هذا النظام الديمقراطي الحريص على عدم المس بحرية الأفراد، فالسلطة السويدية تقول أننا لا نستطيع أن نمنع Rasmus Paludan لأنه طلب الأذن بذلك، و الدولة حريصة كل الحرص على توفير كل الحماية له و لما يقوله، اذ أنه خطر لأحد القساوسة المنحدرين من أصول مهاجرة دق أجراس الكنيسة للتشويش على ما يقوله Rasmus Paludan أثناء خطاباته التحريضية قبل حرق نسخته القرآنية المشتراة بماله الخاص، و التي تقول السلطات السويدية أنه لا يوجد في القانون السويدي ما يمنع حرق أحد الكتب المقتناة من قبل شخص ما، خاصة اذا كان لديه تصريح رسمي، هذا القس الآن عليه دعوى رسمية لأنه قام بانتهاك فاضح للديمقراطية التي تتيح ل Rasmus Paludanأن يقول كل ما يريده دون ازعاجه و التشويش عليه.
هو نفسه النظام الديمقراطي الذي أطاح بعمران خان، ونفسه النظام الديمقراطي المساند لإسرائيل، و هو ذاته الذي ألغى أي رأي للصحافة الروسية، و أقام الألاف من العقوبات كي تمنع الأدباء و الرياضيين و ذوي الاحتياجات الخاصة من التعبير عن نفسهم، هذا النظام الديمقراطي الذي برهن مدى قدرة المحكمة الجنائية الدولية في اتخاذ القرار و ادانة مجرم حرب في التورط بجرائم حرب في بوتشا خلال ساعات حتى قبل أن تظهر الأدلة، بينما لم يستطع أن يمنع شخص مثل Rasmus Paludan المتزعم لحزب يميني متطرف لديه سوابق في اشعال اعمال شغب في السويد سابقاً في ارتكاب ما يمكن أن يكون شرارة اندلاع لأعمال عنف غير مسبوقة في السويد، هذا المتطرف الذي أعطي اذناً لحرق القرآن الذي يمس مشاعر و وجدان أكثر من 20% من سكان السويد، ليس هذا فحسب بل استمراره لمدة ثلاثة أيام من السفر الى مدن عديدة حول السويد و تكرار المشهدية بحرفيتها، و مازال التبرير الرسمي أن هذا يندرج تحت بند الحرية الشخصية الواجب عدم مساسها.
هل الديمقراطية فعلاً وصلت إلى مرحلة تعجز فيه عن حماية المجتمع نتيجة التركيز على حماية الفرد؟ هل فعلاً الديمقراطية تقول بوجوب استثناء مجموعة بشرية كاملة واهمالهم في سبيل أن يتمتع فرد بحريته؟ أسئلة كثيرة بدأت تظهر على السطح وسط هذه الفوضى الغير مسبوقة في العالم، أسئلة يبدو أن الإجابة عليها سيكون لها الأثر الكبير في رسم حدود المستقبل، خاصة أوربا، اوربا التي بات واقعة تحت مطرقة الإجراءات البيروقراطية/الديمقراطية وسندان الواقع، أوربا التي باتت مهددة أكثر من أي لحظة سابقة بنشوب حرب أهلية حقيقية ناجمة عن تصاعد الكراهية ضمن مجتمعاتها، هذه الكراهية التي فيما يبدو لا تستطيع القوانين الديمقراطية أن تهدأ من اشتعالها وتفاقمها إلى الآن.
لا شيء يبرر الجريمة، الاعتداء على الشرطة السويدية بهذه الوحشية هي جريمة لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، هذه الجريمة لا يمكن تبريرها تحت أي بند من البنود، هو اعتداء مدان من غوغاء بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن في المقابل يبدو لنا أن هناك خلل ما على أحد المستويات في اتخاذ القرار ضمن الدولة السويدية، والا ما هو التفسير المنطقي لإعطاء متطرف اذناً بحرق أقدس كتاب لدى جماعة دينية يتعدى تعدادها في العالم المليار؟ من المستفيد لإشعال هذه الفتنة في هذا الظرف الحساس هنا في السويد؟ أتمنى من الكل أن يكون على قدر المسؤولية في هذه اللحظات الغير مسبوقة من التاريخ البشري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح