الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسكو لـ بكين: الصديق عند الضيق

ضيا اسكندر

2022 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لم يخطئ الرئيس بوتين عندما قال: «أمريكا مستعدة لمحاربة روسيا حتى آخر جندي أوكراني».
كل الوقائع تشير إلى أن نذر إطالة الحرب في أوكرانيا باتت جليّة لكل متابع للأحداث. ولا نبالغ إذا قلنا إن الحرب التي تدور رحاها حالياً بين أوكرانيا وروسيا، هي حرب بين الأخيرة وحلف الناتو مجتمِعاً. فدول الناتو تمدُّ أوكرانيا بمختلف صنوف الأسلحة النوعية المتطورة. فضلاً عن استنزافها لروسيا بسلاسل من العقوبات الاقتصادية والمالية والدبلوماسية هي الأقسى على الإطلاق في التاريخ. وجذبت إليها ما استطاعت من حلفاء وتابعين، لمنع روسيا من تحقيق النصر العسكري المأمول، وبالتالي الإقرار بالعالم الجديد؛ عالم متعدد القطبية. ولم تألُ أمريكا جهداً في سعيها البراغماتي إلى مواجهة روسيا من خلال محاولاتها التقرّب حتى من أشدّ خصومها وخطب ودّها (فنزويلا مثلاً)، لجرّها إلى جانبها في ساحة الصراع. وجنّدت كل إمكاناتها لاستقطاب كافة الهيئات والمؤسسات الدولية لهذا الغرض. وهذا ما جعل روسيا أيضاً تسعى إلى حشد أكبر عدد من حلفائها وأصدقائها لزجّهم في الميدان، وليس بالضرورة إلى الحرب؛ بل فقط لاستخدام السلاح الاقتصادي. السلاح الأمضى في عالم اليوم. من أجل ليّ ذراع الغرب مالياً واقتصادياً، وبالتالي عسكرياً. وفي الواقع لم تحقق المرتجى من مساعيها بالشكل الذي تتمناه حتى الآن. وليس خافياً على أحد من أنها تستند بالدرجة الأولى إلى أعظم حلفائها الاستراتيجيين في العالم، الصين. وما لم تهرع الأخيرة للوقوف إلى جانبها ومؤازرتها اقتصادياً؛ كأن تحذو حذو موسكو وتعلن عزمها على بيع صادراتها فقط بعملتها المحلية (اليوان) وبالذهب، بغية ضعضعة الدولار (عصب قوة أمريكا) وإرغامه على الهبوط عن عرش العملات الصعبة.. فإن إشراق العالم الجديد قد يتأخر، ووضع روسيا سيبقى قلقاً وبعيداً عن حسم المعركة.
كلنا يعلم أن الصين من عادتها تاريخياً حمل العصا من منتصفها في الأحداث الساخنة، ولا تقحم نفسها في خضمّ الحروب، ولا تتدخّل في المعارك السياسية إلا فيما يعني مصالحها الوطنية الخاصة جداً. وهذا ما تجلّى مؤخراً في الأزمة الأوكرانية، حيث امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن بإدانة روسيا لعمليتها العسكرية، ورفضت تطبيق العقوبات عليها. وفي الوقت ذاته أبقت على علاقتها الجيدة مع أوكرانيا. وقد يتساءل الكثيرون لماذا لا ينخرط التنين الصيني في الحرب إلى جانب الدبّ الروسي؟ لا سيما أن قادة الصين يعلمون أنها مستهدفة أولاً وأخيراً من قبل الإدارة الأمريكية، باعتبارها المنافس الأخطر لاقتصادها، وأن دورها آتٍ لا محالة بعد روسيا.
نجهل الحسابات الصينية فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وهي أدرى بمصالحها. ويبدو أنها غير مستعجلة في تبوّؤ المكانة التي تستحقها على المسرح الدولي إلا بعد أن تضمن نجاحها المؤكد في ذلك. متمسّكةً بحكمة زعيمها الراحل «دينغ شياو بينغ 1904 - 1997» مهندس الإصلاح الصيني وباني نهضتها الحديثة، والذي قال يوماً: «أخفِ قوتك حتى يأتي زمنك».
من هنا نرجّح أن تبقى الصين على الحياد في هذا النزاع، وأن تلعب دور الوسيط بدلاً من الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك.
وأما فيما يخص موسكو، فإن زعيمها المعروف بصلابته وشراسته في القضايا الحساسة، لا سيما الحروب منها، والتي لم يخسر أياً منها خلال العقدين الماضيين من حكمه (الشيشان – جورجيا – القرم – سوريا..) فإنه لن يتراجع عن أهدافه التي أعلنها منذ 24 شباط، تاريخ بدء عمليته العسكرية في أوكرانيا، ولو اضطرّ إلى توسيع رقعة الحرب لتشمل دول الجوار المنضوية في حلف الناتو، مستخدماً أنواعاً جديدة من السلاح الفتّاك لم يفصح عنها حتى الآن، قد تفاجئ وتصدم الجميع، ولكن بخسائر تطال الجميع أيضاً.
أخيراً، من الواضح أن طرفي الصراع قد جهّزا كل قدراتهما، ومنذ أمدٍ ليس بالقصير من أجل خوض هذه المعركة المفصلية. ويبدو أن كليهما مصمّم وبإصرار على سماع آهات التوجّع الأولى من الطرف الآخر. ومن المؤكد أن من يتحلّى كل منهما بالصبر، معتمداً على شعبه وعلى حلفائه، وقد حصّن نفسه اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً.. فإن بيارق النصر سترفرف خفاقةً في سمائه، إلا أنه وفي هذه الحرب، من الصعوبة بمكان معرفة كيف ومتى وأين سينتهي الصراع ولمن ستكون الغلبة.. فما زال التنبؤ بالنتائج غامضاً إلى حدٍّ كبير.
إننا بالفعل أمام مفترق طرق سيحدد مصير البشرية، وربما لآجالٍ طويلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك