الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل- الحرب على الإرهاب *

عبدالوهاب حميد رشيد

2006 / 9 / 12
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001


"عندما نقول كذبة- كبيرة فعلاً- ونستمر في تكرارها، فالناس سوف يصدقونها أخيراً. يمكن حفظ الكذبة لوقت تريد الحكومة من خلالها حجب الحقيقة عن الناس، متمثلة في النتائج السياسية والاقتصادية و/ أو العسكرية. وهنا من المهم جداً أن تستخدم الحكومة كافة سلطاتها لقمع المعارضين.. لأن الحقيقة عدو قاتل للكذب. وهكذا مع اتساع نطاق الكذبة، تصبح الحقيقة عدواً قاتلاً للحكومة." جوزيف غوبلز
شكّلت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية أكبر حدث في السياسة المعاصرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وحسب كلمات جورج دبليو بوش إنها " غيَّرت كل شيء". وفي أعقاب الحدث أُعلن "الحرب على الإرهاب"، رغم أن العدو المنظور تمثل في جماعات إرهابية، وتم تعريفها من قبل الحكومة الأمريكية بـ (الجماعات المعادية للولايات المتحدة) والحكومات المؤيدة للمنظمات الإرهابية (مثل الحكومات الإسلامية غير "المؤيدة" لأمريكا). تتطلب وقائع وفعاليات "الحرب على الإرهاب" دراسة فاحصة لبيان (حقيقتها) ومدى نجاحها وإخفاقها وفق التقدير الحالي.
أولاً- أن زعيم المنظمة التي اُتهمت بهذا الفعل- القاعدة، لم يتم إلقاء القبض عليه، أي ما زال طليقاً لغاية الوقت الحاضر، رغم الإصرار المعلن منذ الحدث من قبل الولايات المتحدة بالقبض عليه "حياً أو ميتاً". تدعي وكالات المخابرات الغربية أن منظمة القاعدة قد تلقت ضربات قاسية، لكنها تعترف أيضاً أنها لا زالت قادرة على ممارسة نشاطاتها، كما أنها أصبحت مصدر حفز وإلهام لمنظمات أخرى تشاركها نفس أهدافها.
وهذه المنظمات لها موقف مُعاد لإسرائيل ولوجود قواعد عسكرية أمريكية في "الشرق الأوسط" وانتشار "الديمقراطية" بدعم من الولايات المتحدة لـ "الأنظمة الصديقة". وبدلاً من إلقاء القبض على أي ممن يتهمونهم تنظيم تلك الأحداث، فإن القاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا- غوانتانامو- استخدمت لاعتقال وتعذيب، بل وحتى قتل المشتبه بهم.
كذلك اعترف بوش حديثاً بوجود قواعد أمريكية سرية في دول أخرى، يُعتقل فيها المشتبه بهم. وفي حالات عديدة تعرضوا للتعذيب. ولقد سبق ولوحظ مشاهد تُعتبر أقل عدائية، بالمقارنة، في سجن أبو غريب في العراق. ولم يتطلب هذا الفعل الكثير من التفكير لمعرفة لماذا أُعتقل هؤلاء الناس وما هي تهمتهم.
يظهر أن عمليات الاعتقال هذه وممارسات التعذيب ضد المعتقلين والمحرَّمة وفق القانون الدولي، لم تُزعج إدارة البيت الأبيض. وصف المدعي العام هذه الممارسات بالعلاقة مع معاهدة جنيف بأنها حكم غير مألوف (غريب). لا أحد من هؤلاء الذين وضعتهم الولايات المتحدة في معسكرات الاعتقال وًجِّهتْ له أية تهمة. ما كشفته معتقلات التعذيب هذه هي البرهنة على أن الولايات المتحدة- كما هي حال القاعدة افتراضاً- لا تحترم حقوق الإنسان أو القانون الدولي- والفرق بينهما أن الولايات المتحدة مثبت ضدها الخروج على القوانين الدولية وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية- من هنا لا يحق لها طلب منح جنودها ومدنييها الحماية في ظل تلك القوانين والمعاهدات الدولية.
ثانياً- نُظر إلى غزو/ احتلال أفغانستان على أنها كسب مُبكر وهام لـ "الحرب على الإرهاب" لصالح بوش. جاءت الخطوة الأولى بالطلب من نظام طالبان تسليم زعيم القاعدة في موعد أقصاه 20 سبتمبر 2001. ولم يكن غريباً أن تسأل حكومة طالبان عن برهان لتهمة تورط القاعدة في تلك الأحداث. عومل هذا الطلب من قبل الولايات المتحدة بالازدراء. وبدون إعلان رسمي للحرب بدأت في السابع من تشرين أول/ أكتوبر قصفاً جوياً عنيفاً على أفغانستان. ووفق القانون الدولي، لم تكن هذه الحرب شرعية. إن منطق هذا المبدأ الأمريكي يمكن أن يبرر للملكة المتحدة قصف الولايات المتحدة على أساس أن بعض أعضاء منظمة إيرا كانت تعيش في الولايات المتحدة خلال الثمانينات أو أن تبرر لإسبانيا قصف فرنسا تحت مبرر أن بعض أعضاء منظمة إيتا- الباسك الانفصالية كانوا هناك. راقب العالم بصمت حالة واحدة من أفقر دول العالم وأكثرها تعرضاً للحروب المدمّرة تتعرض للقصف بأسلحة متطورة ومنها محرَّمة دولياً (كيميائية ويورانيوم منضب). الأفغان الذين لم يسمعوا أبداً بالقاعدة، قُتلوا جراء القصف أو أصبحوا مشوهين و/أو مقعدين، وكل ذلك بسبب أمر هم بعيدون وغير مسؤولين عنه.
أظهرت الأحداث الأخيرة في أفغانستان كم أن نجاح الولايات المتحدة في حربها كان سطحياً، وكم أنها لم تعِ قدرة الأفغان وتمرُّسهم على شن حرب عصابات طويلة وناجحة. اعترف القائد العسكري لـ: ناتو- أن أربعة أخماس البلد خارج سيطرتهم وأن قوة طالبان في نمو متزايد ومستمر. عينت الولايات المتحدة حامد كرزاي رئيساً للبلاد، لكنه أصبح محل سخرية الأفغان لأنه لا وجود له خارج العاصمة، فسموه "محافظ كابل". بل أن أحداث الأسبوع الأخير داخل كابول تبين حتى هذه التسمية أكبر منه. أما من يحميه، فهم مرتزقة أمريكان لعدم ثقته بالأفغان. في حين نقل عائلته إلى خارج البلاد لضمان سلامتها!
الفعل الثالث الرئيس في "الحرب على الإرهاب" هو غزو/ احتلال العراق 2003. كان واضحاً عام 2002 أن إدارة بوش عاقدة العزم على إيجاد ذرائع لبدء تحركها نحو العراق. كانت مشكلتها في إيجاد أسباب تُبرر فعلها أمام الرأي العام الأمريكي والعالم. بدأت زعمها بوجود رابط بين القيادة السياسية العراقية وبين قيادة القاعدة- أحداث 11 سبتمبر- وإلحاقها بزعم آخر هو أن العراق يُطور أسلحة الدمار الشامل (كيميائية وبيولوجية). عليه وجب إسقاط النظام العراقي أو منعها من تسليم مثل هذه الأسلحة إلى القاعدة. المفارقة هنا لم تقتصر على كذب هذه المزاعم، بل أن الحكومة الأمريكية كانت على علم بأنها كاذبة.
أثبتت الوقائع التالية عدم وجود أية علاقة للنظام العراقي مع القاعدة، وأكد هذه الحقيقة مرة أخيرة، تقرير الكونغرس الأمريكي في 8 سبتمبر 2006. أما أسلحة الدمار الشامل فقد التزم العراق بقرار مجلس الأمن 1441: السماح لمفتشي الأمم المتحدة بحرية الوصول وتفتيش أي مكان دون حدود أو قيود. وفي ديسمبر 2002 أرسل العراق 12 ألف طن من الوثائق إلى مجلس الأمن حسب طلب المجلس بموجب قراره المذكور. سيطرت الولايات المتحدة على هذه الوثائق- النسخة الكاملة الوحيدة- بينما زودت بقية أعضاء مجلس الأمن بنسخ محررة موجزة (تتحمل الحذف والإضافة). زعم السفير الأمريكي في الأمم المتحدة نيغروبوتي أن الولايات المتحدة قدّمت "خدمة تقنية" لبقية أعضاء مجلس الأمن. وعندما رفض الوفد السوري قبول النسخة المحررة وطلب صورة كاملة من النسخة الأصلية، لم تستجب الولايات المتحدة لهذا الطلب أبداً!
مع اتضاح توجه مفتشي الأمم المتحدة لإصدار تقرير في منتصف عام 2003 يوضحون فيه خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، أُصيبت حكومة الولايات المتحدة بالرعب.. أخذت تزعم أن رأس النظام العراقي يُناور من أجل كسب الوقت.. وبالمقابل تجهّزت لاتخاذ فعل سريع- غزو/ احتلال العراق- قبل أن يكون الوقت متأخراً بصدور القرار المُرتقب لمفتشي الأمم المتحدة. ولم يكن متوقعاً أن يتمكن الجيش العراقي- الخاضع للحصار على مدى أكثر من عقد- أن يكون قادراً على مواجهة جيش مجهز بأكثر الأسلحة الحديثة المتطورة. لكن "العصيان"- المقاومة- أثبتت أنه حتى القوة العظمى لها قدر محدود من الفعل، وبفعل ما سببته المقاومة وتسببه لجيش الاحتلال من خسارة بشرية ومادية يومية- تقريباً- فقد دمَّرت أسطورة "القوة العسكرية الأمريكية التي لا تُقهر".
منذ غزو/ احتلال العراق، ورغم أن بوش أنشأ فريق تفتيش للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وبرئاسة صديق قديم له. وبعد حوالي ستة أشهر من التفتيش في كافة أنحاء العراق، حتى هذا الفريق استنتج في تقريره بتاريخ 30 سبتمبر 2004 خلوا البلاد من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية قبل الغزو/ الاحتلال ولم تكن هناك أية خطة لتطوير أي منها.
في غياب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يسمح بأي فعل عسكري، وكذا البراهين اللاحقة على أن تلك الادعاءات ضد العراق قبل الاحتلال كانت ذرائع مزيفة كاذبة، عندئذ ليس غريباً أن يُشكل العالم رأيه بأن إدارة بوش تصرفت على نحو غير قانوني.
أما الحصيلة فكانت قتل وجرح مئات الألوف من العراقيين الأبرياء، تدمير البنية التحتية، انهيار القانون والنظام العام في ظل الاحتلال، وهجرة آلاف العلماء والأساتذة ممن لم يستطيعوا الحياة في وطنهم أو لم يرغبوا العيش في ظل هذا الاحتلال الوحشي..
كيف يمكن تعويض العراق نتيجة فعل الولايات المتحدة الأمريكية.. مسألة يصعب حسابها حتى وفق الأرقام المالية. إذا كانت مقدمات (ادعاءات) الغزو/ الاحتلال بالكامل خاطئة باطلة- وهو كذلك وبوضوح- أي أنها لا مشروعة ولا قانونية، عندئذ فإن أية حكومة عراقية مستقلة في المستقل لها حق الطلب من الأمم المتحدة إصدار قرار باعتبار الغزو/ الاحتلال جريمة حرب وتطلب تعويضاً كاملاً.
الخبر الطيب لبقية العالم هو أن أغلبية الأمريكيين أدركوا حالياً أن بوش وإدارته من المحافظين الجدد قد كذبوا وأن أكثر من 60% من الأمريكيين يقولون أن غزو/ احتلال العراق كان خطئاً وأنهم قد خُدعوا من قبل حكومتهم.
بعد مرور خمس سنوات على "الحرب على الإرهاب"، يظهر أنها نجحت في خلق أعداد جديدة ومتنوعة من الأعداء للولايات المتحدة. كما أنها سمحت أيضاً وفتحت الطريق أمام بلدان أخرى مثل إسرائيل التصرف بوحشية ضد الفلسطينيين ورفض الانتقادات الموجهة إليها بدعوى أنها تُقاتل الجزء الخاص بها من "الحرب على الإرهاب"!
أن الأمر ليحتاج إلى شخص شجاع جداً أو أحمق جداً حتى يدعي أن "الحرب على الإرهاب" حققت نجاحاً وفق أي مفهوم (عدا مفهوم إمبراطورية الإمبريالية الأمريكية).. ليس هناك أكثر مثل يبين التغيير المزاجي أو الخلقي من الحقيقة التالية: قبل خمس سنوات كتبت صحيفة فرنسية: "نحن جميعاً أمريكيون الآن".. وقبل ثلاثة أسابيع وفي تجمع حاشد بلندن، ظهر شعارات/ بوسترات كُتب عليها: "نحن جميعاً مع حزب الله الآن"!
لن تنتهي "الحرب على الإرهاب" طالما بقي المحافظون الجدد يحكمون الولايات المتحدة الأمريكية. لكن حقيقة دوافع ممارساتها وأكاذيبها أصبحت الآن مفضوحة..
ممممممممممممممممممممـ
* Dr. Steven Harris, The failing “War on Terror”, Aljazeera.com-10 Septembdr,2006.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة