الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تجربة المستنسخات الشعرية بالمغرب ... عبد الغني فوزي

محمد نور الدين بن خديجة

2022 / 4 / 17
الادب والفن


الكراريس الشعرية في المغرب... المراهنة بالبياض على بياض ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الغني فوزي
ا
ـــ هذا المقال كتبه الشاعر عبد الغني فوزي عن تجربة المستنسخات الشعرية التي انتشرت بالمغرب أواخر التسعينات وبداية الالفية الثانية كظاهرة أدبية تحتاج للمراجعة والدرس والتوقف عند دلالاتها التاريخية فمن خلالها برزت أسماء وتجارب شعرية جديدة فرضت نفسها على الديل الدي ترسم وتماسس .. تجربة فرضت نفسها بروح المقاومة والاعتماد على الذات نشرا وتوزيعا ::: فكان منها تجربة الغارة الشعرية مع عدنان ياسين وسعد سرحان وتيزي للتداول الشعري مع كل من عبد الصمد الكباص ومحمد نور الدين بن خديجة وهدي العلوي وجميل عبد العاطي ومكائد شعرية والصعاليك الجدد ودبوس ومرافيء وغيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ظهرت الكراريس الشعرية المغربية في العقد الأخير من القرن الأخير، ملبّيةً حاجات شعرية وثقافية، انطلاقاً من احتضان إنتاجات الشعراء المتناثرين، إلى محاولة تثبيت انطباعات وآراء حول الشعر والشعراء. فهذه المخطوطات المستنسخة، على بساطة تقنيتها في الإيصال، استطاع سهمُها النفاذ إلى قلوب خلص وعيون تراهن بالبياض على بياض. لكن، حين تلتفت إلى المشهد الثقافي - ما بدا منه وما خفي - تتزايد الأسئلة من قبيل: ما طبيعة العلاقة بين المبدع والمؤسسة في المغرب؟ هل نتوفّر على إعلام ثقافي كقناة للإيصال والتداول؟ أين تنتهي مهمة المبدع: عند الكتابة، أم عند البحث عن قناة، إن لم نقل خلقها؟ أغلب الظنّ أن الإجابات، مهما ادّعت الموضوعية، لا يمكن أن تحيط بتحوّلات وتفاعلات مرحلة تاريخية تنطوي على الكثير من الاختلالات والالتباسات والتراكمات العقيمة. هذا كلّه، بإمكانه أن يدفع إلى خلق قنوات إيصال للشعر، بسيطة في شكلها، لكنها عميقة في معناها؛ إنها رهانات (وليست حاجات عرضيّة) تمخّضت عن دواعٍ وسياقات.
سؤال الشعر والقارئ
المتتبع لمسيرة الشعر المغربي المعاصر، سيلاحظ بالعين المجرّدة الوتيرة المتصارعة في الإنتاج الشعري في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، إذ ظهرت مجموعات شعرية متعدّدة النبرة والبصمة على سند جهود فردية في الغالب. وبعد ظهور هذا المجمل (وفي) تبدأ سلسلة البحث الطويلة عن سند في غياب قنوات إيصال مستقلّة ومنفتحة، فيضطرّ أصحابها إلى تحمّل أعباء توزيعها، وكذا السعي وراء جمعيات وأصدقاء ليدفعوا بمائها كي يسري قليلاً على الساحة الشبيهة بسوق مهجورة. في هذا السياق، كثيرة هي الأسئلة والملاحظات التي تبقى عالقة: لمَ تضيق صدور النقّاد بتحمّل هذا الفيض الجميل وإنصافه؟ لمَ تصاب عيون بالعماء، وفي المجال نفسه تتشدّق بعض الأفواه بكلام يقبر التجارب في مهدها؟ وبإصرار، نرى المقبلين من اليوميّ ومنعرجاته ومن ذوات كمصائر لا تنهض على أي مشترك أو إجماع ما، عدا سماء الشعر التي يرفعونها بأياديهم سماء ثانية.
سؤال الأجيال
سعت بعض الدراسات في المغرب ("بنية الشهادة والاستشهاد" للشاعر عبد الله راجع، و"ظاهرة الشعر المعاصر" للشاعر محمد بنّيس...) إلى ضبط خصوصيات جيليّة في الكتابة الشعرية المغربية المعاصرة، فشعراء الستينيات أثبتوا رياديتهم، لكن شعرهم ظلّ محكوماً ببنية السقوط والانتظار، في حين تفاعل شعراء السبعينيات مع المرحلة، بنَفَس حارق، فكان شعرهم "استشهادياً". إنها خصوصيات موجّهة بما هو إيديولوجي نظراً إلى طغيان الوظيفة السياسية في كلّ شيء آنذاك. واستمرّ البعض في ما بعد على الطرح الأجياليّ نفسه لمسيرة الشعر المعاصر، وهو ما أُثير معه الكثير من المفاهيم المشحونة بما هو نفسيّ أكثر كالأب الشعري، الشعراء الكبار... فغلب النفي القاطع، والإثبات الحادّ، كأن الشعراء فِرَقٌ ينتصر بعضها لبعض؛ الأمر الذي حوّل الشعر المغربي المعاصر إلى جزر وأرخبيلات، فالكلّ يحرس بيته وحرثه ونسله... ضمن هذا الجو المشحون ظهرت مخطوطات شعرية ("الغارة الشعرية"، "كراريس تبزي"، "دبوس"، "مكائد شعرية"... إلخ) تدافع عن أصواتها المغبونة، وتدفع مساحاتها الصغيرة إلى الأقصى في الحياة والتجربة. أن تستدير هذه الجماعات ليس صدفةً تاريخيةً، بل إفراز لمرحلة متعدّدة المركبات والتابوهات والالتباسات. لكن في ما يبدو الآن، أن حمّى الدوائر فترت، وبعض الأحضان انفتحت للتفاعل والسعي إلى تأسيس ثقافة النقد والإبداع، وبالتالي المراكمة والتجذّر في التاريخ والمجتمع، وبالأخصّ الأدب كمُعطى له آلياته الخاصة وأفق احتماله.
سؤال الإعلام الثقافي
كلّما أثير هذا السؤال - الإشكال، تعدّدت الأسئلة الحارقة التي تقتضي ردوداً إجرائية من قبيل: ما هي مساحة الثقافيّ في الصحافة الوطنية والإعلام السمعي والبصري؟ وهل ثمة جدل فكري دون ديماغوجية حول علاقة الثقافي بالسياسي؛ وبالضبط منه الحزبي؟ ففي ظلّ غياب الدور الفعليّ للمؤسسة الثقافية في علاقتها بالمبدع، في معنى وجود مساحة من الالتباس بين الكتّاب والمؤسسة الثقافية، فضلاً عن عدم حضور إعلام ثقافيّ متخصّص ومستقلّ، تبقى الجهات تحرس مساحة الثقافيّ وتهندسه، وأحياناً عن هوى، دون نفي طبعاً للمجهودات الفردية في خلق (واستمرار) الصفحات الثقافية والملاحق كمكاسب. ولست أدري هل تعبّر هذه الملاحق عن رهانات، وبأي طريقة؟
تنطلق بحماسة - تنتهي بفتور
بالطبع، تحديدنا ثلاثة دواعٍ على شكل ثلاثة أسئلة (الشعر والأجيال والإعلام) هو فعل إجرائيّ فقط، لأن الأمر في آخر المطاف يتعلّق بسياقات ولحظات تاريخية ساهمت بشكل أو آخر في ظهور مخطوطات شعرية تسعى إلى ردم بعض الهوة - أحياناً - من خلال اعتمادها صيغاً جديدة في التداول، والانتصار لنبرات شعرية لها جمالياتها الخاصة في سبيل الانتصار للوظيفة الأدبية.
لكن ثمة ملاحظة أساسية تتعلّق بكون هذه المخطوطات تنطلق بحماسة، وسرعان ما تنتهي بفتور ملحوظ: هل يتعلّق الأمر بقلّة الإمكانات؟ وبالنظر إلى متن هذه المخطوطات، يبدو كأن الأمر متعلّق - فقط - بنشر قصائد متعدّدة النبرات من دون دراسات وكلمات معبّرة عن رؤية المخطوط. والملاحظ أن هذه الكراريس انطلقت من ضغط متأتٍّ من الإقصاء بأشكاله المختلفة، فتمّ شحن الألسنة، دون الأفئدة، لمواجهة خصم مؤسسيّ، لكن سرعان ما يتحوّل هذا الأخير إلى شبح يطارد أهل الخيال في الخيال دون موجب واقع.
عن سؤال حماسة الانطلاقة وسرعة الفتور، يقول الشاعر إبراهيم فازو ("المركب الشعري" في مراكش): "نحن الآن في الإبحار الثاني لكرّاسنا، وبالتالي فإن ذلك قد لا يسمح لي بالحديث عن صمت أو فتور تجربتنا؛ الحديث الذي يبقى مؤجّلاً حتى نحسّ بدنو الغرق. في ما يتعلّق بانتهاء منابر مماثلة، فربما ذلك راجع إلى أسباب يتقاطع فيها الذاتي بالموضوعي، لكن أظنّ أن إجابات الأصدقاء في تلك التجارب ستكون صريحة".
ومن هذه "الإجابات الصريحة" ما لخّصه الشاعر حميد علام ("دبوس" في الخميسيات) بالآتي: الأنانية والحسابات والشعور باللاجدوى، "ما أدّى إلى تحوّل الحديث من القوالب الشعرية إلى القوالب السلوكية".
ديوان من لا ديوان له
الباحث في هذه الكراريس لتلمّس طريقة كلّ مخطوط ورؤيته، لا يجد إضافة تفرض طرحها وموقعها في مسيرة الشعر المعاصر: هل يسعى الكرّاس إلى رؤية ما، أم إلى إيصال الشعر إلى الآخر فقط؟
عن هذا السؤال يجيب الشاعر عبد الله المتقي ("مكائد شعرية" في الفقيه بن صالح): "لم تكن "مكائد شعرية" سوى محاولة تحريك للقارئ، وتجريب في الكتابة، ومن ثمّ تداول القصيدة لتكون ديوان من لا ديوان له. تلك استراتيجيتنا: تداول القصيدة عوض الاستسلام لهذا التاريخ المكسور مثل بندول ساعة عتيقة، ومواجهة مَن حوّلوا سيّد الكلام إلى حسابات لا تتجاوز أرنبة أنوفهم، كما أن كرّاسنا كان أيضاً احتجاجاً، بإيقاع الخبب، على نخبوية تداول القصيدة في الإعلام الثقافي".
الشاعر محمد نور الدين بن خديجة ("كراريس تبزي" في مراكش) يرى أن تجربة الكراس أو المخطوط أو المستنسخ ظاهرة مغربية تسعينية، ولظهورها الخاص في المشهد الشعري المغربي أسباب، بالرغم من وجود بعض الحركات الشعرية التي ارتضت هذا الخيار، لأسباب قد تختلف عن أسباب خصوصية الظاهرة المغربية، "أشير هنا إلى ظاهرة مخطوط "آلميني" في العراق أثناء فترة الحصار، حيث تأثّر قطاع الطباعة والنشر، ما أدّى إلى ظهور مخطوطات شعرية صغيرة الحجم. إذاً، الأسباب هناك كانت في أعمّها اقتصادية، وليست رؤية شعرية فحسب، وقد كانت كذلك بعيدة، ومبعدة، عن النظام السابق. كما لا تفوتني الإشارة هنا إلى رؤية راديكالية لشاعر عراقي مهمّ، هو ناجي الحزب، وإن كان مهمّشاً على مستوى الذاكرة الشعرية العراقية الحديثة، والذي اختار عبر مسار طويل من المنافي خيار الكرّاس. وبالعودة إلى المغرب أسأل: هل من شرعية لهذا العمل، أم هو مجرّد نزوة جمعت بعض الأفراد؟ أتساءل مجدّداً لمَ لمْ تبرز هذه النزوة قبل التسعينيات؟ هل المسألة إذاً مرتبطة بتحوّلات خاصة ببلادنا، مسّت الحقل الثقافي، والشعري خصوصاً؟ الإشارة الواضحة هنا كانت لبعض بيانات (وافتتاحيات) "الغارة الشعرية" التي أطلقها ياسين عدنان وسعد سرحان وسواهم، حيث ركّزت على مفهوم قتل الأب، وحاولت من خلال قصيدة النثر إبراز ذلك".
يلخّص بن خديجة أسباب إطلاق هذه المبادرات كالآتي:
- الإحساس أن مسألة النشر على مستوى الشعر بدأت تضيق وتتراجع.
- الهرب من التراتبية في التعامل الإبداعي عبر الملاحق الثقافية مع الأسماء.
- محاولة جمع شتات هذه الفئات، وتداول نصوصها.
- التغلّب على مصاعب النشر (طباعة الديوان وتداوله)، خصوصاً أن هذه الفئة من المبدعين جاءت في وضع عام يُعرف ببطالة خرّيجي الجامعة المغربية، فكان المخطوط السلاح الوحيد لبعض صعاليك الشعر.
أربعة ذئاب وخروف
كردّ فعل تجاه مؤسسات وأفراد، انطلقت هذه الكراريس، لكن هل ثمة تصوّر، من داخل المخطوط، للمؤسسة في المغرب بتلويناتها المختلفة؟
عن هذا السؤال يجيب بن خديجة: "مفهوم المؤسسة في ذاته يبقى وهمياً، حتى تتأسس على هامشه حركات أو مدارس وغيرها، لأن المشروع الثقافي والحداثي، والإبداعي خصوصاً، تأسس على أكتاف مثقفين ومبدعين انحازوا إلى صفوف المعارضة التقدّمية ابتداء من الستينيات. في حين أن الدولة كانت تملك مكاتب؛ دوراً لوزارة الثقافة. وقد حاولت وتحاول هذه الفئة، الانحياز إلى الصف الوطني بأن تؤسس لمفهوم مؤسسة ثقافية حداثية، ابتداء بما يسمى حكومة التناوب".
إبراهيم فازو يجيب أخيراً: "علاقتنا بالمؤسسة، التي لها علاقة بالتداول الثقافي، والتي تؤمن بالاختلاف وتشتغل بشفافية وديمقراطية، هي علاقة واضحة. أما تلك التي تقوم على الصداقات الملغومة، والفكر الاختزالي العشائري الأرثوذكسي، فإنها تبدو لي مثل أربعة ذئاب وخروف يتحدّثون عمّا يمكن أن يتناولوه للعشاء هذا المساء"!





نشرت بمجلة الغاوون العدد الأول ماي 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?