الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام - الحزب القائد - .. !! .. إلى متى .. ؟

بدر الدين شنن

2006 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يكاد أن يكون من المسلم به الاعتقاد ، أنه لايمكن لأي باحث مهتم بالشأن السوري ، يريد إجراء مقاربة شاملة لخلفيات النظام السوري ولسياساته وممارساته ، نحو أربعين عاماً ، أن ينجح بمفرده بتحقيق ذلك . كل ما يمكنه إنجازه فردياً يبقى مجرد خطوات ا ستدلالية باتجاه معرفة المزيد .. والمزيد . ولن يبلغ هذا الجهد غايته إلاً بتكامله مع مبادرات ومشاركات أخرى سياسية وأكاديمية وشعبية ، فالنظام السوري " والحق يقال " قد أبدع في صناعة الدكتاتورية إلى درجة فاقت ما سبقها من ديكتاتوريات شرقية وغربية ، حتى صارت أنموذجاً يستحق بجدارة الدراسة من قبل المهتمين في الجامعات الكبرى . ذلك أنه أقام حكم الحزب الواحد " الحزب القائد " العقائدي بدون عقيدة ، وا ستولد الاستبداد من الدستور ، وطبق " الحرية " بالأحكام العرفية
وعلى سبيل التنوير للباحث الذي يتنطح للقيام بهذه المغامرة " المقاربة " ، عليه بالأخذ بنصيحة السياسيين السوريين المخضرمين ، بالبدء بدراسة الحالة النفسية لأهل النظام ، حتى تفتح أمامه الدروب ، على مستوى " الدولة والمجتمع " . وهذه البداية لاتحتاج إلى كبير جهد ، إنها تحتاج فقط إلى مراقبة أ ساليب إدارة المسؤولين للدولة ، ودراسة قراراتهم وخططهم وشعاراتهم ، والتدقيق بمدى إلتزامهم بمقاييس المصداقية في القول والفعل ، ومراقبة مدارات السياسة والمصالح .. وحركة توزيع وإعادة توزيع الأدوار في مراكز القرار والسلطة

وإذ يقوم الباحث بهذه الخطوة يكتشف ، أن أهل النظام بمجرد ا ستحوازهم على مراكز المسؤولية في الحزب والدولة ، ينقلبون إلى أناس آخرين .. وكأنهم أناس من نوع خاص حبتهم قدرة خارقة دون غيرهم من عباد الله ، لتبوأ المراكز والنفوذ والأمارة ، وهذا ما يشعرهم بامتلاكهم قدرات مضاعفة .. خارقة .. خاصة في الشأنين المالي والأمني .. قدرات لم تكن معرفتها متوفرة من قبلهم هم قبل غيرهم . ما يفضي إلى إكتشاف خلفية نظرتهم الدونية للناس العاديين ، خارج السلطتين الحزبية والحكومية ، واعتبارهم أقل منهم شأناً ومقاماً ، وأدنى منهم مقدرة ومعرفة . الأمر الذي يفسر معاملتهم الناس دون احترام لمشاعرهم وإراداتهم ، خدمة للمصالح العليا المتمحورة حول ذواتهم المتميزة

وربما إبتداء من هنا يجد الباحث الجاد ، في خطوته الثانية ، لماذا تموضع في الدستور النص الذي يكلف هؤلاء السادة ب " قيادة الدولة والمجتمع " تلك المهمة الفائقة الثقل والإعجاز !! ، التي تبدو لهم ، أنه لايمكن لسواهم من أبناء الشعب أن يلم حتى بحدودها الدنيا ، فكيف إذا كانت الأمور معقدة وتحتاج إلى عبقريات نادرة ، غير متوفرة لدى العامة ، الذين يجرون لاهثين ، كل وقتهم في حالة اليقظة ، بحثاً عما يملأون به بطونهم وبطون عائلاتهم وتأمين حوائجهم الحياتية البسيطة

وبهذا يتاح للباحث أن يجد ، أن هذا الإحساس بالتفوق الممتاز المسوّغ دستورياً ، هو مفتاح فهم " الأخلاقي " المحايث للصراع لإكتساب وا ستدامة المستوى اللائق من الثراء السلطوي والطبقي والمالي . ومن ثم يأتي الجواب تلقائياً على السؤال لماذا هذا الغطاء السياسي و " الأيديولوجي " والإعلامي ، الذي ا ستدعى بالضرورة آليات الاستبداد والقمع واغتيال السياسة ، والسطو على المال العام والحق العام والحريات العامة . وا ستطراداً ، لاغنى للباحث عن إجراء قراءة متأنية للملامح الأساسية لسيرورة النظام التاريخية . وما أن يبدأ بالوقائع والصفحات الأولى حتى يجد ، أنه كلما تقدم النظام عمراً كلما كبرت القناعة لديه بعدم أهلية الشعب ، في مستقبل قريب ، لبلوغه سن الرشد السياسي . وكلما عظم النظام قوة وبطشاً كلما عظم لدى أهله الثراء والفساد . وكلما طال زمن الاستحواز على المراكز المسؤولة في الحزب والدولة ، كلما ابتعد أهل النظام عن العقلانية وعن الإلتزام بالقوانين التي أصدروها هم ، وتصبح العلاقة فيما بينهم علاقة تآمرية ، حيث يتآمر الأعلى على الأدنى وبالعكس ، لحماية الفرص الثمينة القائمة أو لإعادة توزيعها ، على حساب الإنسان العادي ، الذي يخضع في نظرهم جميعاً لمفهوم القيمة التبادلية الخادمة لمصالحهم مثل أية سلعة أخرى متداولة في سوق السياسة والنخاسة . ويتحول الصراع ،حول المكاسب فيما بين الأعلى والأدنى وبالعكس ، إلى آلية فساد مركب .. إلى آلية عجز وشل لفعاليات " الدولة " على مختلف المستويات

إلاّ أن أهم ما سيجده الباحث ، عند ملاحظة إكتمال النظام وانتشاره الشمولي ، هو تحول كل تلك الأعراض والممارسات والسياسات إلى ثوابت ، تحكمها قوة وشروط البنية الكلية الواحدة ، وهذا ما أفضى إلى أن ينغرس بالقوة الشمولية ، هذا النمط من " الدولة " في العقول .. في العادات اليومية .. في المطالبات والحاجات والسجالات حول مختلف الأمور .. حتى في الدواخل .. في العمق .. في الضمائر .. وكرس النظام كطرف أوحد في البلاد ، له الملك .. وله الحق في تقرير كل ما يشاء . ففي أية قضية .. وأية مشكلة .. أية مناقشة .. ينبغي ، دون أي تردد ، التوسل إليه لا ليؤخذ منه .. لا ليتذكر .. واجباً من واجباته .. وإنما للتمني عليه ، أن يمنح ويعطي ، حيث تستقر كل مآلات الرجاء تحت سقف عطاءاته ورأفته ، إن شاء ، أو تذهب إلى سلال المهملات ، إن شاء ، وإذا تكرر التوسل أو زاد عن حد التمني ، خاصة في مسائل الحرية وحقوق الإنسان ، يصبح السؤال مؤامرة ، وعلى السائل أن يتحمل تبعات مسؤولية فعله التآمري أمام المحاكم العسكرية وأمن الدولة

وبكلام آخر ، تتكثف هذه الأنا المستبدة المريضة ، بشكل يفكر فيه سادة النظام أنهم يملكون عن " حق مقدس " إمتياز التعاطي مع الناس في مسائل وجودية بطريقة مقلوبة دون أي إحراج . فهم يسلبون المواطن حريته في ممارسة حقوقه الإنسانية والوطنية ، ثم يتكرمون عليه بحرية الخضوع لهم ، يسلبون إرادته السياسية ، ثم يطلبون منه أن يستفتي على إختيارهم سادة فوق رأسه وإيثارهم عليه ، يسجنونه دون أي سند إتهامي قانوني ، ثم بعد إعدام مايرغبون من عمره خلف القضبان ، يتكرمون عليه بالإفراج عنه إفراجاً مشروطاً غالباً بحرمانه من حقوقه السياسية والمدنية ، ينفونه أو يرغمونه على النفي ، ثم يتنّون عليه بوعد مثقوب ، ليفتحوا له ، ذات يوم ، بوابة في جدار المنفى .. لعله في آخر العمر ، أن يعود إلى بيته وأهله .. وأن يدفن بجوار ذويه وأجداده

أما ما لا يمكن أن يحققه الباحث الآن ، في مغامرة المقاربة لهذا النظام .. هو ، كيف يمكن أن يطرح أولوا الأمر في النظام ، مشاريع إصلاح فساد هم أنفسهم الذين صنعوه .. وبآليات الفساد ذاته .. ؟
وإلى متى يستطيع " الحزب القائد " ونظامه السائد ا ستمرار التحكم بالبلاد ، على الرغم من أن نمطية مثل هذه الأحزاب قد فشلت ونسقت لدى أمم أخرى .. وعلى الرغم من أنه غدا ببنيته الانتهازية وأسلوبه الاستبدادي ، إن على مستواه الذاتي ك " حزب سياسي " أو على مستوى الحياة السياسية السورية ، غدا من أكبر المعوقات لأي إصلاح ، وغير قادر على الاستجابة لأي من ا ستحقاقات السياسة والاقتصاد والتطور الاجتماعي .. ؟

ربما ، يمكن للباحث أن يكمل مقاربته بالإجابة على مثل هذا السؤال .. لاحقاً .. في مرحلة ما بعد هذا النظام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة كبيرة في إقبال الناخبين بالجولة الثانية من الانتخابات


.. جوردان بارديلا ينتقد -تحالف العار- الذي حرم الفرنسيين من -حك




.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت


.. إسرائيل منقسمة.. ونتنياهو: لن أنهيَ الحرب! | #التاسعة




.. ممثل سعودي يتحدث عن ظروف تصوير مسلسل رشاش | #الصباح_مع_مها