الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت جاحدةٌ وناكرةٌ للجميل أيتها الشعوب

بسام العيسمي

2006 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الكل يتكلم باسمك... والكل يدعّي وجوده لأجلك

الطغاةُ يتكلمون باسمك، ويدعّون الحرص على حقوقك، وإعلاء كلمتك، والمصلحين كذلك. فأنت وقودٌ للخير والشر، للعدالة والظلم، للقوة والضعف، للحرب والسلم، للاعتدال والتطرّف، للحق والباطل، للانتقام والتسامح.
فأنت الدافعُ والمبرِّر الذي يدّعيه كل حاكم أو شخص، أو جماعة، أو حزب للوصول إلى ما يطمح إليه ليصل إلى مآربه في الحكم والسلطة. إلى النفوذ والقوة.
الحروب القذرة تُشنُّ باسمك، والصلحُ يُعقد لأجلك، والأنظمة الاستبدادية والتسلطية تدعّي أنها تُمثّل نبضك، وتصون كرامتك، وتدافع عن حقوقك والمعارضات لهذه النظم أيضاً تدعّي أنها ولدت من رحم آلامك وأحلامك، ونذرت نفسها لرفع الظلم عنك، وتأمين العيش الكريم لك وتوفير الأمن وصيانة حقوقك من العسف والاستبداد.
مسكينة أيتها الشعوب.. أين أنت من كلِّ هذا؟؟
ليس بالأمر الصعب على أي نظام من إيجاد قاعدة واسعة من المدّاحين والنّواحين والانتهازيين والمُنتهزين الصغار الذين يبررون سياساته، وزلاّته، وتجاوزاته، وأخطائه، محاولين إعطائه دوراً استثنائياً وصائياً لا يخطئ أبداً، وبالتالي فهو فوق مستوى النقد لكل ما يقوم به من أعمال وإجراءات وتصرفّات وسياسات. فإذا نام فبنومه حكمة، وإذا سكت فبسكوته حكمة..، وإذ التفت يميناً أم شمالاً أو وقف في الوسط فبكلِّ هذا حكمة!! بكل موقف.. بكلِّ كلمة.. بكلِّ نظرة.. بكلِّ زفره يوجد حكمة فهو القادر وحده من خلال دوره التاريخي والاستثنائي حفظ الكرامة والحقوق والأرض والعرض، والوطن والشعب... لولا العناية الإلهية التي ساقته لتبوء الحكم والسلطة.. (وأيضاً هذا فيه حكمة).. لضاع كل شيء.
لهذا الدور الاستثنائي، ولهذه الحكمة التي تجعل قدرته تفوق قدرة البشر مما يعطيه الحق في امتلاك الصلاحيات الواسعة نيابة عن الشعب للتصرف بحقوقه وأحلامه، ورسم آماله وآلامه، وتقرير ما يجب قوله وفعله، ما يصحّ أو لا يصحّ، بمعنى آخر إن قدرته وحكمته وصوابية رأيه وسلامة تصرفاته وجهده لخدمة شعبه وتأمين مصالحه لابد من مكافأته ورسوخ حقه في السيطرة على الثروة والسلطة والإعلام والسياسة وكل النشاطات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية لضبط إيقاعها لمصلحة الشعب والوطن. وليس في هذا غرابة لأن الشعوب لا تدرك مصالحها ويشوب تصرفاتها وأقوالها وأفكارها القصور وعدم النضج لأنها لم تبلغ بعد مرحلة الرشد وبالتالي فهي غير آهل لتسلم زمام أمورها.
لكنّ المسؤولية الوجدانية والأخلاقية للوصي أو للنظم الوصائية تفرض عليها أن تمنَّ على هذه الشعوب ببعض من كرمها وشهامتها، وتجيز لها بعض التصرفات والجزء اليسير من حقوقها كمنةٍ من هذه السلطات الكريمة والرحيمة فأجور العاملين منّةً... وبناء مدرسة منّةً... وتعبيد وتزفيت شارع منّةً (أي حتى الزفت منّةً)؟؟؟... ورخص الأسعار منّةً... وغلائها منّةً... والنوم والصحو منّةً.. والتعبير عن الرأي منّةً مؤجلةَ الاستحقاق ليس لبلوغ سن الرشد حسب القانون؛ بل قررت الأنظمة أن تُمكّن الشعوب منها بمجرد بلوغها سن التمييز فقط!!.. فهذه مكرمةٌ وعطاءٌ وتسامح يُسجّل لها ويدحض كل الافتراءات المغرضة التي تقف ورائها وتغذيها الإمبريالية العالمية والصهيونية وأعداء الشعوب في العالم أجمع للنيل من هذه الأنظمة؛ فالسلطات وحدها وبفراستها وحكمتها استشعرت أن الشعوب لازالت تحت سن التمييز والإدراك وهي غير مؤهلة لممارسة حقوقها وكل من يقول عكس ذلك لابد وأن يكون مرتبطاً بدولة أجنبية ويحمل أفكاراً هدامة تُضعف الشعور الوطني وتُفككُّ لُحمة الشعب الصوانية وتنشر الفوضى بين صفوفه وبذلك يصبح المنع والقمع والتضييق على حرية الرأي وإرادة الفكر، ومصادرة الحريات المدنية والسياسية للشعوب عملاً مبرراً، لا بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية كبيرة، تقعُ على عاتق السلطات للضرب بيدٍ من حديد ضد أولئك المارقين الذين يتصرّفون ويتكلمّون، ويعلنون عن ذاتهم رأياً وفكراً وعقيدةً دون حياء؟؟! ودون إذن الوصي (طبعاً هكذا يقول القانون.. أليس كذلك) هو واجب قوميٌّ ووطني وإنساني وأخلاقي لا يرتقي إلى مصافِّه أي شيء.
فلا يتصوّر أحدٌ أبداً أن الأنظمة الشمولية تحتكر السلطة لغاية احتكارها أو لشهوة السلطة كما يظن بعض الأغبياء، فالسلطة هي مسؤولية وليست امتيازاً.. هكذا نسمع!!! وهي عبءٌ ثقيل مُلقى على عاتقها، تتمنّى لو أن الشعب قادرٌ على ممارستها، لكن حظها العاثر بوجودها في سدة الحكم لشعب قاصر غير قادر على ممارسة حقوقه أثقل كاهلها بعبء كبير لا تسعَ إليه وإنّما تحتكره كُرهاً لا لشيء وإنمّا للحفاظ على مصالح الشعوب، ومحركها في ذلك شعورها العالي بالمسؤولية الوجدانية والأخلاقية التي تطوّق عنّقها اتجاه هذه الشعوب المسكينة.
أما الثروة التي تقع على عاتق الأنظمة صيانتها، ورعايتها، والتمتع بها، والتنعّم بخيراتها وتبديدها على ملذاتها ليس هدفاً بحد ذاته.
وإنّما الإطباق عليها واحتكارها، وحكر التصرف المطلق بها من قبلها هو مسؤولية وطنية وأخلاقية أيضاً اتجاه الشعوب.
فكيف لشعب لم يدرك مرحلة التمييز بعد أن يتسلم أمواله ؟ ؟ ليعبث بها ويبذرها على أمور تافهة مثل تحسين شروط حياته أو لإشباع الحد الأدنى من حاجاته ؟؟؟؛ إنه بهذا يسيء التصرف بهذه الثروة فيهدرها بغير الموقع التي يجب أن تُصرف فيه، وبذلك أذية للشعب نفسه وللوطن وتبديداً للثروة الوطنية!!!
كما أن الشعوب (لا يعجبها العجب) دائماً ناكرة للجميل فالمسؤولية الكبيرة اللامتناهية الحدود للأنظمة في حفظ الأرض والعرض والوطن والشعب، وحفظ الكرامة والحقوق وفي تقرير السياسات، وتوجبه النشاطات، وتغييّب الحريات، وعد الأنفاس، وإحصاء نبضات القلب، ومراقبة الكلمات.
كل هذا.. أليس من حقها التمتع بالثروة مقابل ذلك العمل العظيم والجليل الذي تقوم به؟...
لا بل إن كل كلام الإعجاب والإطناب وما تجود به ألسنة المداحين والنواحيّن والانتهازيين من إبداعات لفظية وكلامية لتجميل هذه السلطات وتمجيدها والقَسَم بحياتها والتغّني بعطاءاتها الأسطورية وقدراتها الخرافية. لا يفِ هذه السلطات حقها.
فلم يستطع هؤلاء المنمّقون حتى الآن مثلاً من إثبات نجاعة ربط الثروة بالسلطة؟؟ رغم أن هذا الحق من أبسط حقوق الأنظمة؟؟ كما أسلفنا، فالأجدر للشعوب أن تتنازل عن حقّها فيها طواعية.. وحباً، وتقديراً وتعظيماً ووفاءً لدور هذه السلطات ومهامها الواسعة فائقة التصوّر.... الفعل غير الكلام (فدرهم عمل وفعل أوضح وأجّل من قنطار كتب ومجلدات وموسوعات تُكتب لمدحها)..
لازال حق الأنظمة مهضوم لا يلقَ العناية أو الوفاء. وبذلك نعود لما بدأنا به (أليست الشعوب جاحدة وناكرة للجميل؟؟؟).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ