الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل توفر مبدأ سبق الفصل في دعوى الطعن بقرار تغيير سعر صرف الدولار الأمريكي؟ قراءة فقهية في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 32/اتحادية/2022 في 4/4/2022

سالم روضان الموسوي

2022 / 4 / 21
دراسات وابحاث قانونية


هل توفر مبدأ سبق الفصل في دعوى الطعن بقرار تغيير سعر صرف الدولار الأمريكي؟

قراءة فقهية في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 32/اتحادية/2022 في 4/4/2022

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرار الحكم أعلاه وقضت فيه برد دعوى المدعي لسبق الفصل في الدعوى بموجب قرارها العدد 102/اتحادية/2021 في 24/11/2021 ، ولغرض الوقوف على مفهوم مبدأ سبق الفصل ومدى توفره في الدعوى أعلاه، وهل يعتبر قرار المحكمة الاتحادية العليا مكتسب حجية الأمر المقضي فيه في ضوء تطبيقاتها القضائية؟، وما على استقر عليه فقه قانون الأثبات تجاه مبدأ سبق الفصل في الدعوى اعرض الاتي:

أولاً: موضوع الدعوى العدد 32/اتحادية/2022: أقام عدد من السادة المحامين الافاضل الدعوى أعلاه أمام المحكمة الاتحادية العليا ضد المدعى عليهم كل من (1- رئيس مجلس الوزراء / إضافة لوظيفته 2- وزير المالية / إضافة لوظيفته 3- محافظ البنك المركزي / إضافة لوظيفته) ويطلبون فيه الاتي (الحكم بإلزامهم إعادة سعر صرف الدولار الأمريكي بمعدل 120 الف دينار عراقي لكل 100 دولار أمريكي أو اقل من ذلك وكلاً حسب مسؤوليتهم) وعلى وفق الأسباب التي أوردها المدعي في عريضة الدعوى.

ثانياً: الفقرة الحكمية: وبعد المرافعة في الدعوى أعلاه أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها العدد 102/اتحادية/2022 في 4/4/2022 الذي قضت فيه برد دعوى المدعين لسبق الفصل في موضوعها بموجب الدعوى العدد 102/اتحادية/2021 في 24/11/2021، وأشارت في حيثيات قرار الحكم أعلاه إلى نص المادة (105) من قانون إثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل باعتباره النص الذي تستند اليها في رد الدعوى .

ثالثاً: ماهية سبق الفصل في الدعوى: ان المحكمة قد أسست قرارها برد الدعوى لسبق الفصل في موضوعها، وهذا المبدأ الشائع في التطبيقات القضائية ومصدره في القانون العراقي هو نص المادة (105) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها الاتي (للأحكام الصادرة من المحاكم العراقية التي حازت درجة البتات تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق اذا اتحد اطراف الدعوى ولم تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بذات الحق محلا وسببا)، وهذا النص القانوني قد ورد في الفصل الخامس من الباب الثاني في قانون الإثبات والمتعلق بطرق الإثبات، وجاء في الفصل الخامس المتعلق بالقرائن وحجية الأحكام، ويقصد بهذا المبدأ بان الحكم الذي تصدره المحاكم بموجب ولايتها القضائية اذا ما اكتسب الدرجة القطعية واصبح باتاً، فيكون حجة على الكافة ولا يجوز نقض هذه الحجية باي شكل من الإشكال وتعتبر هذه الحجية قرينة على عدم جواز النظر مرة أخرى في موضوع الدعوى التي فصل بها ولا يجوز قبول التقاضي[1]، وبموجب توفر عناصر حددتها المادة (105) أثبات والتي سوف اعرض لها لاحقاً، ويشير احد شراح قانون الإثبات بان معنى حجية الشيء المحكوم به أو قوة الأمر المقضي به وهو ما يماثل مفهوم (سبق الفصل) ، فانه يعني بان الحكم القضائي متى ما اصبح نهائياً يعتبر قرينة قانونية قاطعة على صحة ما تم الفصل فيه ولا يقبل إثبات ما ينقضه[2]، لكن هذا الأمر مشروط بتوفر ثلاثة عناصر باجمعها، بمعنى اذا تخلف عنصر أو عنصرين فلا يكون لهذه القرينة حضور ولا يصبح لمبدأ سبق الفصل وجود[3]، وهذه العناصر قد تضمنتها المادة (105) من قانون الإثبات وعلى وفق الاتي (1- اتحاد الخصوم 2- ـ اتحاد موضوع الدعوى 3- اتحاد السبب) وسأعرض لتلك العناصر بشكل موجز لتوضيح غاية القراءة الفقهية لقرار الحكم محل البحث وعلى وفق الاتي :

1. اتحاد الخصوم : ويقصد به ان يكون الحكم السابق قد صدر في دعوى يكون المدعي والمدعى عليه والشخص الثالث ان وجد، هم أنفسهم في الدعوى الجديدة، أما اذا اختلف احدهم أو كلهم سواء من جهة المدعي أو المدعى عليه في الدعوى الجديدة، فان مبدأ سبق الفصل يتلاشى ولا يكون له حضور[4].

2. اتحاد موضوع الدعوى: وموضوع الدعوى هو محلها وهو الحق المطالب به في عريضة الدعوى والتي يسعى المدعي إلى تحقيقه او حمايته، لذلك يشترط للتمسك بسبق الفصل في موضوع الدعوى ان يكون موضوع الدعوى الجديدة هو ذاته موضوع الدعوى السابقة، بمعنى ان موضوع الدعوى الجديدة التي هي ذاتها موضوع الدعوى السابق وان يكون الحكم قد صدر بشكل نهائي، أي قد فصل فيها موضوعاً وليس بسبب ردها من الناحية الشكلية، لذلك لا يجوز الدفع بحجية الحكم وسبق الفصل، إلا اذا كان موضوع الدعوى الثانية هو عين ما سبق الفصل فيه في الدعوى الأولى[5]

3. اتحاد السبب: ويقصد به الأساس القانوني أو المصدر الذي يبنى عليه الحق أو ما نتج عنه الحق أو تولد منه ويرتب اثر قانوني، وفق الدعاوى التي ينظرها القضاء الاعتيادي يتمثل السبب إما بتصرف قانوني مثل العقد و الكسب دون سبب او يكون واقعة مادية مثل الضرر او الولادة او الوفاة[6]، وبمقتضى هذا العنصر لا يجوز للخصم ان يدفع بنفس الدفع في الدعوى الثانية الذي قد رفضته المحكمة في الدعوى السابقة ، وبذلك لا يكفي توفر العنصرين السابقين وانما لابد من ان يكون سبب الدعوى هو ذاته السبب في الدعوى السابقة[7]

رابعاً: هل سبق الفصل متوفر في الدعوى محل البحث؟: بعد عرض ماهية سبق الفصل لابد من مطابقة ذلك المبدأ مع وقائع الدعوى وعلى وفق الاتي:

1. هل يتوفر عنصر اتحاد الخصوم: ان الخصوم في الدعوى السابقة بالعدد 102/اتحادية/2021 كان المدعي فيها (المحامي احمد عاصي إبراهيم) والمدعى عليهم كل من (1- رئيس الجمهورية/ إضافة لوظيفته 2- رئيس مجلس النواب/ إضافة لوظيفته 3- رئيس مجلس الوزراء/ إضافة لوظيفته 4- وزير المالية / إضافة لوظيفته 5- محافظ البنك المركزي/ إضافة لوظيفته) بينما الخصوم في الدعوى الجديدة العدد 32/ اتحادية/ 2022 المدعون فيها هم ( 1- المحامي عقيل عوكي موحي – زيدون عبدالكريم محمد) وهم غير المدعين في الدعوى السابقة ، اما المدعى عليهم فهم كل من (1- رئيس مجلس الوزراء/ إضافة لوظيفته 2- وزير المالية / إضافة لوظيفته 3- محافظ البنك المركزي/ إضافة لوظيفته) وهؤلاء ليس كل الخصوم في الدعوى السابقة، وبذلك وعلى وفق نص المادة (105) إثبات فان عنصر اتحاد الخصوم قد تخلف في الدعوى الجديدة (32/اتحادية/2022).

2. هل يتوفر عنصر اتحاد الموضوع: ان موضوع الدعوى السابقة العدد 102/اتحادية/2021 يتمثل بطلب الحكم بعدم دستورية العبارة (على أساس سعر صرف (1450)ا الف وأربعمائة وخمسين ديناراً لكل دولار) الواردة في المادة (1/أولاً/ب) من قانون الموازنة رقم 23 لسنة 2021) ، بينما موضوع الدعوى الجديدة العدد 32/اتحادية/2022 يتمثل بطلب ( الحكم بالزام المدعى عليهم بإعادة سعر صرف الدولار الأمريكي الى سابقه بمقدار 120 الف دينار عراقي لكل 100 دولار أمريكي او اقل من ذلك كلا حسب مسؤوليته عن ذلك)، وهذا الموضوع يختلف شكلاً ومضموناً، لان الطلب الأول هو الحكم بعدم دستورية نص في قانون الموازنة وهذا الطلب ليس فيه الزام للخصوم، وإنما يكون بالإعلان عن عدم الدستورية من قبل المحكمة اذا وجدت انه غير دستوري فقط، بينما في الدعوى الجديدة الموضوع اختلف لان الطلب في الزام للخصوم بإداء عمل معين وهو إعادة سعر الصرف إلى سابق عهده وهذا لا علاقة له بعدم دستورية نص في قانون الموازنة، وبذلك لا توجد وحدة او اتحاد الموضوع بين الدعويين، ويكون عنصر اتحاد الموضوع او المحل قد تخلف عن تطبيق مبدأ سبق الفصل في الدعوى.

3. هل يتوفر اتحاد السبب؟: مثلما توضح لنا في ما تقدم ذكره عن اتحاد السبب بين الدعويين السابقة والجديدة، فان السبب الذي استند اليه المدعي في الدعوى السابقة العدد 102/ اتحادية/2021 كان يتعلق بعدم دستورية العبارة الواردة في المادة (1/أولاً/ب) من قانون الموازنة رقم 23 لسنة 2021، ويستند في طلبه إلى مخالفة هذا النص للمواد (31 و32) من الدستور من حيث الموضوع، مثلما يستند الى نص الفقرة (أولاً) من المادة (93) من الدستور الذي منح صلاحية الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة الى المحكمة الاتحادية العليا وهو ذاته الوارد في نص الفقرة (أولاً) من المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بالأمر 30 لسنة 2005 المعدل، بينما في الدعوى 32/اتحادية/2022 فان المدعين يطلبون الحكم بالزام المدعى عليهم بأداء عمل يتمثل بإعادة سعر صرف الدولار ويستندون في طلبهم إلى مخالفة نصوص المواد (25 و111) من الدستور من حيث الموضوع ، أما من حيث السند الإجرائي فانه يقع ضمن منطوق الفقرة (3) من المادة (93) من الدستور التي منحت المحكمة الاتحادية صلاحية النظر في (الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة وكذلك نص( والوارد كذلك في نص الفقرة (ثالثاً) من المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بالأمر 30 لسنة 2005 المعدل، وهذا جعل من اتحاد السبب غير متوفر لا من الناحية الموضوعية في الاستناد إلى نصوص الدستور، ولا من حيث الأسباب الإجرائية في صلاحية المحكمة حيث في الدعوى السابقة كان السند الإجرائي الفقرة (أولاً) من المادة (93) من الدستور بينما في الدعوى الجديدة السند الإجرائي الفقرة (ثالثا) من تلك المادة.

خامساً: هل قرار الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية بات ونهائي: ان من أسباب العمل بمبدأ سبق الفصل في الدعوى ان يكون الحكم قد اكتسب الدرجة القطعية واصبح باتاً ونهائياً حتى يكتسب حجية الأمر المقضي فيه، ولا يجوز قبول أي دليل ينقض حجيته وعلى وفق ما ورد في المادة (106) من قانون الإثبات التي جاء فيها الاتي (لا يجوز قبول دليل بنقض حجية الأحكام الباتة) ويقصد بذلك ان الحكم الصادر من المحكمة يكون حجة فيما بين المتخاصمين في ذات الحق محلاً وسبباً، وتبقى حجته قائمة ولا يجوز رفع دعوى جديدة تنقض ما تم الفصل فيه سابقاً[8]، و قرارات المحكمة الاتحادية تكون باتة ونهائية وعلى وفق ما ورد في المادة (94) من الدستور التي جاء فيها الاتي (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتّة وملزمة للسلطات كافة)، إلا إننا وجدنا ان المحكمة الاتحادية العليا قد نقضت حجية بعض قراراتها التي أصدرتها في دعاوى سابقة عندما رجعت عن الأحكام التي أصدرتها بعنوان العدول عن أحكامها السابقة، وفي الدعوى العدد 112/اتحادية/2021 في 9/11/2021 قضت بعدم دستورية الفقرة (الثانية عشر) من المادة (5) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 وأشارت إلى إنها عدلت عن قرارها السابق بالعدد 43/اتحادية/2017 في 20/6/2017 الذ كانت قد قضت فيه بدستورية تلك الفقرة على اعتبار إنها من خيارات المشرع، ، واعتقد ان هذا لا يعد عدولاً لأنه يتقاطع مع مبدأ حجية أحكام المحكمة الاتحادية العليا كونها باتة وملزمة للسلطات كافة بما فيها المحكمة الاتحادية العليا، وإنما العدول يكون عن مبدأ كانت قد استقرت عليه في دعوى أخرى ضد نص قانوني اخر[9]، وهذا يدل على ان قرارات المحكمة الاتحادية غير ذات حجة وليس لها قوة الأمر المقضي فيه لأنها هي من نقضت حجيتها حتى لو كانت بعنوان العدول عنها، وبذلك انتفى حضور مبدأ سبق الفصل في الدعوى لانتفاء حجية الأمر المقضي فيه بموجب قرارات المحكمة ذاتها، يرى جانب من الفقه الدستوري بان عدم قابلية الطعن باحكام القضاء الدستوري بسبب النص الدستوري على انه بات ونهائي ، يجعل حجيتها نسبية، بمعنى ان الحكم الصادر بدستورية نص تشريعي من الممكن ان ترجع عنه المحكمة لاحقاً اذا ما توفرت أسباب العدول التي حصرها الفقه بحالات محدودة وعلى وفق الاتي (1- تعديل الدستور فيأتي بمبدأ مغاير لما كان عليه وقت صدور الحكم من المحكمة الدستورية 2- تغير الظروف التي يمر بها المجتمع بعد صدور التشريع وضرورة التجاوب مع الحاجات المستحدثة والمتطورة للمجتمع) اما الحكم بعدم دستورية نص قانوني فان حجيته مطلقة ولا يجوز الرجوع عنه[10]

سادساً: هل ترتبط المصلحة في إقامة الدعوى بمبدأ سبق الفصل: ورد في حيثيات القرار العدد 32/اتحادية/2022 في 4/4/2022 عبارة ورد فيها الاتي (ولما كان سبق الفصل في دستورية نص ينفي المصلحة عند إقامة الدعوى مجدداً للطعن بعدم الدستورية، لذا فان مصلحة المدعين عند إقامة الدعوى منتفية) وعلى وفق ما ورد في الصفحة (11) من القرار أعلاه، وشرط المصلحة التي يجب ان يتوفر عليها المدعي ورد في المادة (6) من نظام المحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2005 شرط يتعلق بتوفر المصلحة للمدعي في الدعوى على وفق النص الآتي (أن تكون للمدعي في موضوع الدعوى مصلحة حالّة ومباشـرة ومؤثرة في مركزه القانوني أو المالي أو الاجتماعي) وهذا النص مستل من نص المادة (6) من قانون المرافعات المدنية[11]، ويقصد بالمصلحة بشكل عام الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى لان لا يمكن تصور وجود دعوى دون أن تكون لرافعها مصلحة في ذلك وتعد المصلحة مناط الدعوى فإذا انتفت أصبحت الدعوى غير ذات جدوى وفي الدعوى الدستورية يكون معناها اكثر اتساعاً من فكرة المصلحة في الدعاوى المدنية التي ينظرها القضاء الاعتيادي وذلك بسبب طبيعة الدعوى الدستورية التي يرتب حكمها بعدم الدستورية أما إلى إلغاء النص الدستوري او تعطيله بما يشبه تماما الإلغاء وبذلك أحيانا لا يشترط لتحقق المصلحة ان تكون ذاتية للمدعي وإنما من الممكن أن تتحقق المصلحة إذا مس القانون المطعون فيه حالة قانونية خاصة به تؤدي إلى توفر المصلحة الذاتية[12]، والمحكمة الاتحادية العليا أكدت هذا الاتجاه في ما يتعلق بتوفر شرط المصلحة في المدعي في الدعوى العدد 11/اتحادية/2016 التي صدر فيه الحكم بتاريخ في 23/8/2016 عندما قبلت من الناحية الشكلية تلك الدعوى التي أقامها احد المحامين للطعن بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 180 لسنة 1977 الذي قضى بجواز إعادة انتخاب نقيب المحامين او الرئيس في النقابات والاتحادات المهنية لعدة مرات متتالية واعتبرت المحكمة الاتحادية العليا إن المصلحة متوفرة في المدعي وان كان القرار المطعون فيه لم يصيب المدعي بضرر مباشر وإنما من الممكن إن يودي إلى إلحاق الضرر به لأنه يمنح نقيب المحامين فرصة للترشح لأكثر من دورة مما يعدم فرصه ترشح المدعي مستقبلاً إلى منصب النقيب[13] ، ولم اجد أي رأي لأي فقيه في القانون يربط المصلحة بسبق الفصل لان المصلحة من أسباب صحة الادعاء التي وردت في قانون المرافعات بمعنى إنها من الشروط الإجرائية الواجبة لقبول الدعوى، بينما مبدأ سبق الفصل في الدعوى يتعلق بطرق الإثبات وقد ورد في الفرع الخامس من الباب الثاني في المواد (105 و 106) من قانون الإثبات وكلاهما له نطاق يختلف عن الآخر، ولا يوجد بينمها ربط، بينما المدعين لهم مصلحة مباشرة باعتبارهم من المواطنين الذين سرت عليهم أثار قرار رفع سعر صرف الدولار، كما ان حيثيات القرار ورد فيها بان المدعين يعبرون عن أراء شخصية، بينما طلباتهم تمثل ادعاء تم رفعه إلى القضاء وهو يمثل دعوى قضائية لأنها موجهة إلى القضاء وينسجم تماما مع نص المادة (2) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الاتي (الدعوى – طلب شخص حقه من اخر أمام القضاء) وهذا الطلب عندما يوجه إلى القضاء ينتقل من مجرد أراء او أماني يتمناها الشخص إلى مواجهة قضائية مع الخصوم عبر القضاء، وتسمى هذه الخطوة بالدعوى، وليست أراء شخصية، وإنما طلبات قضائية.

الرأي : ومن خلال ما تقدم أرى بان عناصر سبق الفصل الذي استندت اليه المحكمة في رد الدعوى 32/اتحادية/2022 غير متوفر، ولا يمكن الركون اليه وكان المقتضى ان تنظر المحكمة في الادعاء من الناحية الموضوعية وتبحث فيما اذا كان القرار المتخذ من المدعى عليهم برفع سعر الصرف ينسجم وحكم الدستور باعتبار ان النزاع ناشئ عن الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية ومن ثم تقضي بالحكم اما برد الدعوى من الناحية الموضوعية باعتبار تصرف المدعى عليهم والقرار المتخذ فيه دستورياً، أو تقضي بقبول الدعوى وتحكم بعدم دستوريته ان وجدت فيه مخالفة دستوري.

ملاحظة: ان ما تم عرضه لا يعني عدولنا عن رأينا بان المحكمة الاتحادية العليا قد تمددت الى اختصاصات غير التي منحت لها بموجب الدستور، لان القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية ما هي إلا قرارات ذات صبغة إدارية والاختصاص للطعن فيها ينعقد إلى محكمة القضاء الإداري، إلا ان نفاذ الحكم الصادر وإلزاميته يحتم البحث فيه من حيث الشكل والمضمون لان القراءة الفقهية له تكون على مجمل ما ورد فيه.

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد


الهوامش==========================

[1] المحامي محمد علي الصوري ـ التعليق على مواد قانون الإثبات ـ ج3 ـ منشورات المكتبة القانونية ـ الطبعة الثانية عام 2011 ـ ص954

[2] الدكتور احمد نشأت ـ رسالة في الإثبات ـ ج2 ـ طبعة عام 2008 ـ ص 203

[3] المحامي محمد علي الصوري ـ مرجع سابق ـ ص970

[4] للمزيد انظر المحامي محمد علي الصوري ـ مرجع سابق ـ ص972 و المستشار عزالدين الدناصوري وحامد عكاز ـ النتعليق على قانون الاثبات المصري ـ ج3 ـ منشورات دار المطبوعات الجامعية عام 2015 ـ ص883، واحمد نشأت ـ مرجع سابق ـ ص 307

[5] للمزيد انظر المحامي محمد علي الصوري ـ مرجع سابق ـ ص977 و المستشار عزالدين الدناصوري وحامد عكاز ـ النتعليق على قانون الاثبات المصري ـ ج3 ـ منشورات دار المطبوعات الجامعية عام 2015 ـ ص887، واحمد نشأت ـ مرجع سابق ـ ص 260

[6] للمزيد انظر المحامي محمد علي الصوري ـ مرجع سابق ـ ص982 واحمد نشأت ـ مرجع سابق ـ ص 281

[7] القاضي والمحامي المرحوم حسين المؤمن ـ نظرية الإثبات ـ الشهادة مدنياً وجزائياً شرعاً وقانوناً وموضوعاً وعلماً وعملا ـ الجزء 4 ـ منشورات شركة العرفان لتقنيات الاستنساخ الحديثة ـ طبعة بغداد الثانية محدودة ومنقحة عام 2018 ـ ص205

[8] القاضي والمحامي المرحوم حسين المؤمن ـ مرجع سابق ـ ص130

[9] للمزيد انظر القاضي سالم روضان الموسوي ـعدم دستورية القوانين بين الانحراف التشريعي والمخالفة الدستورية وأثره في الأحكام القضائية ـ منشورات مكتبة صباح القانونية ـ طبعة بغداد الاولى عام 2020 ـ ص329

[10] الدكتور المستشار محمد علي سويلم ـ القضاء الدستوري دراسة مقارنة ـ توزيع الدار المصرية للنشر والتوزيع ـ الطبعة الأولى عام 2019 ـ ص 844

[11] نص المادة (6) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل (يشترط في الدعوى ان يكون المدعى به مصلحة معلومة وحالة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو الى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن ويجوز كذلك الادعاء بحق مؤجل على ان يراعى الأجل عند الحكم به وفي هذه الحالة يتحمل المدعي مصاريف الدعوى)

[12] للمزيد انظر الدكتور محمد رفعت عبدالوهاب ـ القضاء الإداري الكتاب الثاني ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ الطبعة الأولى عام 2005 ـ ص 39

[13] للمزيد انظر القاضي سالم روضان الموسوي حجية أحكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق وأثرها الملزم دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة صباح في بغداد ـ ط 1 عام 2017ـ ص 167








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..