الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية روسيا لتوسيع نفوذها في إفريقيا

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 4 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تُعد إفريقيا هدفًا جذابًا لاستراتيجية روسيا لإنشاء نظام دولي ما بعد ليبرالي ، حيث تعمل التكتيكات غير التقليدية على تقويض الحكم الديمقراطي وتوسيع نفوذ موسكو العالمي. ويبدو أن موسكو تسبح ضد التيار العام السائد الآن عالميا، وهي مفارقة غريبة جدا باعتبار أن الخلفية الأيديولوجية التاريخية لم تكن لتسمح أي تحالف أو تقارب مع أنظمة غير شعبية.
لقد وسعت روسيا نفوذها في إفريقيا في السنوات الأخيرة، أكثر من أي جهة أخرى في العالم. من تدخلها العسكري في ليبيا وتعزيز العلاقات مع مصر والجزائر في شمال إفريقيا إلى دعمها للحكومات العسكرية في مالي والسودان ، وحل محل فرنسا كشريك دولي رئيسي في جمهورية إفريقيا الوسطى) ، والتواصل العدواني عبر الجنوب. فالظاهرأن روسيا تعمل على تغيير مشهد الحكم والأمن في القارة. كما تسعى لتوسيع نفوذها في إفريقيا ولم يقدم إلا أقل من 1٪ فقط من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا.

أهداف روسيا الاستراتيجية

في أعقاب ضمها لشبه جزيرة القرم وغاراتها على شرق أوكرانيا ، بدأت الصورة تتضح، وقد اعتبر البعض أن اهتمام موسكو بأفريقيا عمومًا هدف انتهازي فحسب ، تسعى من ورائه إلى التهرب، أو على الأقل التخفيف، من العزلة الدولية وضع يدها على الموارد الطبيعية لأفريقيا. وقد يكون هذا التوصيف يغفل الأبعاد الاستراتيجية لاهتمام روسيا بالقارة السوداء.
فمن خلال ترسيخ مكانتها كوسيط قوي في ليبيا ، في الجانب الجنوبي لحلف الناتو ، اكتسبت روسيا منفذا بحريًا إلى الموانئ الرئيسية و القرب من احتياطيات الهيدروكربونية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وهذا سيوفر نفوذًا لروسيا بخصوص الخناق البحري في قناة السويس ومضيق باب المندب الذي تستأثر بما نسبته 30٪ من حركية الحاويات العالمية. وإن تم ذلك، فسوف يساهم في تعزيز صورة روسيا كقوة عظمى يجب أن تؤخذ مصالحها في الاعتبار في منطقة لم يكن لها تاريخياً وجود كبير فيها.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أضحى واضحًا بشأن رغبته في إحلال نظام دولي جديد، نظام - ما بعد ليبرالي - يقر بنماذج الحكم الأخرى غير الديمقراطية. وتمثل أفريقيا ، بممثليها البالغ عددهم 54 في الأمم المتحدة ، هدفًا جذابًا لجهد روسيا لبلوغ مسعاها : الابتعاد عن النظام الدولي القائم على استمداد الشرعية من المواطنين دعم احترام حقوق الإنسان ، و بطبيعة الحال ، هذا ما يخدم مصلحة روسيا.

الاعتماد على التكتيكات غير التقليدية

تعتمد موسكو على وسائل غير تقليدية، وتسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
فقد وظفت روسيا مرتزقة في 10 دول إفريقية على الأقل ونظمت حملات تضليل ومخططات للتدخل في الانتخابات وأبرمت صفقات أسلحة مقابل موارد طبيعية في دول أخرى لتعزيز طموحاتها. وتقوم روسيا بتوسيع نفوذها، من خلال هذه التكتيكات "غير الرسمية" وغير القانونية في العرف الدولي في كثير من الأحيان، بدل الطرق المتعارف عليها بين دول العالم، كالعلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الأمنية التقليدية.

وكثيرًا ما تُستخدم هذه الأدوات كجزء رئيسي من استراتيجية تعاون موسكو مع النخبة مقابل اكتساب روسيا النفوذ من خلال توفير الدعم الأمني والسياسي للقادة الأفارقة المعزولين شعبيا أو الأنظمة الضعيفة.
وهذا ما حدث بالضبط مع الرئيس "فوستين أرشانج تواديرا" ، الذي فتح أبواب بلاده للمدربين العسكريين الروس في سنة 2018 للمساعدة في استقرار جمهورية إفريقيا الوسطى والتصدي للمتمردة الذين سيطروا على أجزاء من البلاد. وأرسلت روسيا 400 من المرتزقة مع مجموعة "فاغنر" ،سيئة السمعة، أثناء التفاوض على التنازل عن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. ثم جلبت روسيا أسلحة لدعم قوات الأمن في جمهورية إفريقيا الوسطى أثناء تأمين مناجم الذهب والماس الرئيسية في الشمال ، والتي يقال إن عائداتها تذهب إلى "فاغنر". وعندما كان "تواديرا" يسعى لإعادة انتخابه في ديسمبر 2020 ، لعبت روسيا دورًا مهما في تأمين نتيجة إيجابية ، مدعومة بحملة إعلامية قوية مؤيدة للرئيس و لروسيا. لا يزال ما يقدر بنحو 2300 من مرتزقة "فاغنر" يدعمون الرئيس، وهم الذين اتهموا بارتكاب عمليات قتل خارج القانون والاغتصاب والتعذيب والاحتجاز التعسفي.
وهناك أكثر من 10 زعيم إفريقي آخر مدينون بالفضل لـ "بوتين" في تعزيز قبضتهم على السلطة و الاستناد دعم راعي دولي رئيسي. من هذه الدول، غينيا ومالي ومدغشقر والسودان وجمهورية الكونغو.

مفارقات استراتيجية "بوتين"
تدخل روسيا في إفريقيا مبني أيضًا على تناقض صارخ

إن انخراط روسيا في إفريقيا جدير بالملاحظة بسبب مفارقاته. بينما تسعى موسكو جاهدة لأن يُنظر إليها على أنها قوة عظمى ، فإنها تكتسب الكثير من نفوذها من خلال أدوات غير رسمية وغير متكافئة. هذا النهج أقل تكلفة بكثير ويتجنب الحاجة إلى بناء شراكات دبلوماسية واقتصادية وأمنية طويلة الأمد.
ومن المفارقات الأخرى أن روسيا تستخدم العمليات الديمقراطية، مثل الانتخابات ومنصات الاتصالات العامة ووسائل الإعلام ، لتقويض الديمقراطية. من خلال تدخلها الانتخابي والمعلومات المضللة ، التي تهدف غالبًا إلى الديمقراطية وإظهار سلبياتها وعدم فعاليتها، تقوم روسيا بالمساومة على السيادة الأفريقية لهندسة نتائج أفضل، وذلك عن بعد، من "الكرملين". ويُنظر إلى المرشحين الذين وصلوا إلى السلطة من خلال قشرة العمليات الانتخابية الديمقراطية بدورهم على أنهم شرعيون.
إن تدخل روسيا في إفريقيا مبني أيضًا على تناقض صارخ: إن "الصادرات" الروسية الرئيسية التي يتعين على موسكو تقديمها هي "المرتزقة والمعلومات المضللة والأسلحة " مقابل الموارد الطبيعية والقادة غير المسنودين شعبيا وغير الخاضعين للمساءلة. وهذه كلها، عوامل تزعزع الاستقرار في القارة بطبيعتها. ويبدو هذا وكأنه احتمال خاسر على الأمد الطويل. ومع ذلك ، إذا أخذ المرء في الاعتبار أهداف "بوتين" الاستراتيجية - توسيع النفوذ ، الموقف الجيوستراتيجي ، تعزيز نظام دولي ما بعد ليبرالي – فقد تبدو موسكو رابحة. وهذا بكل بساطة، لأن عدم الاستقرار الأفريقي هو المرغوب فيه من طرف "الكرملين" أحد العوامل الخارجية لتمكين روسيا من المشاركة في لعبة القوة على الصعيد الدولي كلاعب أساسي لا غنى عنه.
لقد تمكنت روسيا من توسيع نفوذها بسرعة في إفريقيا لأنها تشكل بيئة متساهلة، إذ أن جملة القادة الأفارقة يرحبون، بكل أريحية، بالتدخلات غير التقليدية لموسكو ، حتى لو كانت تلك التدخلات وخيمة على السكان بشكل عام.
ومن المتوقع أن تواصل روسيا هذه الاستراتيجية لأن موسكو لا تتحمل تكاليف سياسية أو اقتصادية على أفعالها . وبالتالي ، سيتطلب كبح نشاط روسيا المزعزع للاستقرار في إفريقيا فرض عقوبات أكثر صرامة على الجهات الروسية المشاركة وكذلك على الشبكات المالية التي تدعمها. يجب أيضا فضح القادة الأفارقة المتواطئون الذين يدوسون على الصالح العام لبلدانهم وحقوق المواطنين من أجل مصلحتهم الشخصية والسياسية.
ويمكن للفاعلين الديمقراطيين الدوليين تضخيم التكاليف على موسكو والمستنجدين بها من قادة أفارقة من خلال تحفيز الشرعية وإقامة شراكات دبلوماسية واقتصادية وأمنية أعمق وباستمرار مع البلدان المحترمة للشرعية ومعاقبة أولئك الذين يتلاعبون بالعمليات الديمقراطية للقيام بذلك. وهذا يعني أيضًا تعزيز الجهات الفاعلة في المجتمع المدني الأفريقي ومساندتها دوليا، حتى يتمكن الشعب من مساءلة قادته بشكل أفضل. وعندما يحتج الأفارقة على الانتخابات المسروقة أو المزيفة، والمساحة الديمقراطية المحدودة، والافتقار إلى الشفافية في تعامل قادتهم مع القوى الأجنبية، وجب على الفاعلين الديمقراطيين الدوليين دعمهم دبلوماسياً وغير ذلك من سبل الدعم.
لسحب البساط من تحت أقدام بوتين في إفريقيا، يبدو أن أحسن السبل يكمن حاليا في تعزيز النظام الدولي القائم على قواعد القانون الدولي ودعم الديمقراطية والمساءلة و احترام حقوق الإنسان. وهذ ميدان لا يمكن لروسيا المنافسة فيها على الصعيد العالمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت