الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعركة ضد الاستعمار الأمريكي والمعركة ضد الأصولية الدينية الإرهابية معركة واحدة

سالم جبران

2006 / 9 / 13
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001


بعد سقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وبقية دول أوروبا الشرقية تحوَّل النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نظام أوحد, وتحوّل العالم إلى نظام القطب الواحد. كان ذلك انتصاراً هائلاً للرأسمالية العالمية, ومع كل العفن الداخلي في النظام الاشتراكي البيروقراطي, فقد كان هذا الانهيار خسارة كبرى للشعوب, وغياباً لقطب سياسي عالمي وقف في وجه الإمبريالية الأمريكية.
الولايات المتحدة بدأت تسعى, مع هذا التغيير إلى إعادة رسم خارطة العالم بما يتفق مع المصالح الاستراتيجية, الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة, وللغرب عموماً.
وكما حدث عندما كانت أوروبا, في القرن التاسع عشر, مهيمنة بشكل مطلق, فقد صاغت أيديولوجية المركزية الأوروبية , فإن الولايات المتحدة تصوغ الآن "المركزية الأمريكية" الولايات المتحدة ليست الأقوى عسكرياً واقتصادياً, فقط, الآن, بل هي تسعى إلى رسم الأيديولوجية المهيمنة في العالم. وتقوم الولايات المتحدة بالإقناع أن أيديولوجيتها هي الأيديولوجية الأكثر رقياً وحضارة, بينما الأيديولوجيات المعارضة للرأسمالية المتوحشة, المعارضة للأيديولوجيا الأمريكية عموماً, هي معادية للحضارة, بل وخارج الحضارة, أيضاً.
إن الامبريالية الأمريكية, في الحقبة الراهنة ليست قاطع الطرق العالمي, فقط, ليست القرصان العالمي فقط, بل هي الشرطي والقاضي, أيضاً. السياسة تخدم الاقتصاد والاقتصاد يخدم السياسة, العسكرية المتفوقة تخدم المصالح الاقتصادية والمصالح الاقتصادية تخدم العسكرية. وكما نلاحظ, فكلما عززت الامبريالية الأمريكية سيطرتها أكثر, زادت شهوة السيطرة بشكل وحشي, زادت الغريزة المتوحشة للسيطرة على العالم.
ولأن الامبريالية الأمريكية أو أية قوة موجودة عاجزة عن وقْف حركة التطور, عاجزة عن وقف عملية الصراع, فإننا نلاحظ تعاظم التناقض الاقتصادي والسياسي والايديولوجي بين الهيمنة الأمريكية, وبين المصالح الأساسية لأكثرية شعوب العالم, فها هي أمريكا اللاتينية تنتفض ببسالة ضد الهيمنة الأمريكية وتتحداها, وها هي بوادر المعارضة في كل أوروبا (ما عدا بريطانيا) للسياسة الأمريكية. ويجب أن لا ننسى للحظة العملاق الشرقي العظيم, الصين, الذي يتقدم بخطى هائلة, فقد زاد انتاج الصين خلال ال25 سنة من 17 بالمائة من الانتاج الأمريكي إلى أكثر من 57 بالمائة من الانتاج الأمريكي. كذلك تعيد روسيا مكانتها السياسية (والاقتصادية جزئياً) المستقلة.
إن العالم أصبح يدرك تماماً أن نظام القطب الواحد مهلك عالمياً, ولكن إلى الآن لم تُبْنَ القوة (أو القوى) التي تقف أمام الامبراطورية الأمريكية وقفة الند للند. ولكن سنة بعد أُخرى يتعمق الوعي بأن الهيمنة الأمريكية خطر على الحضارة الإنسانية وخطر على السلام.
في هذا المعترك يبدو أن العالم الثالث, وأكثره إسلامي, هو الحلقة الضعيفة في النضال ضد الامبراطورية الأمريكية. من ناحية هناك خيرات هائلة تأخذها الولايات المتحدة بأرخص الأثمان, ومن ناحية ثانية هناك أنظمة أكثريتها الساحقة تابعة تماماً للولايات المتحدة.
وقد رأت الولايات المتحدة أن تصور الإسلام بعبعاً رهيباً, معادياً للحضارة, أو لِنَقُلل هو نقيض الحضارة. هناك تصور عنصري أمريكي بأن الإسلام هو دين الكراهية والعنف, هو دين الإرهاب, هو دين رفض الآخر. وتقوم القوى المحافظة الجديدة في الولايات المتحدة بتصوير الإسلام والمسلمين خطراً بيئياً مدمراً يهدد الحضارة الغربية. إن العنصرية في هذا الموقف الأمريكي (والغربي عموماً) تشكل تهديداً ليس فقط لملايين المسلمين في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة, وأستراليا), بل تشكل تهديداً للمسلمين في كل مكان. ومنذ سنوات تخطط الولايات المتحدة وأعوانها للسيطرة مثلاً على الشرق الأوسط كله لفرض "الحضارة" (مقابل "البربرية" المزعومة) وطبعاً لسرقة خيرات الشرق الأوسط.
التراجيدي حقاً هو ظهور "الإسلام الأُصولي" الذي يتميز بالكراهية العنيفة لكل ما هو غير إسلامي من ناحية, ولممارسة الإرهاب المسلح في يد عصابات تزعم أنها تدافع عن "دار الإسلام". في هذا الإطار نضع عملية التفجيرات في نيو يورك وفي هذا الإطار نضع عمليات الإرهاب الدموي في الدول العربية والإسلامية, بما في ذلك الإرهاب ضد ملايين السياح الذين يجيئون لزيارة الشرق الأوسط. وفوق ذلك, فأن الإرهاب الأُصولي يشكل خطراً حقيقياً على المجتمعات العربية والإسلامية ومعوِّقاً للعمليات الديمقراطية والإصلاحية والعصرية في المجتمعات الشرقية.
إن العالم العربي, وكل العالم الإسلامي, لديه مصلحة مصيرية حقيقية, في مقاومة الأُصولية الإسلامية وتحرير الإسلام, الدين الوسطي والسمح والمفعم بالقيم الإنسانية, من براثن الأُصولية الإرهابية. الديمقراطية ليست بِدْعة "غريبة "تماماً كما الإسلام الذي تحمله الأُصولية الدنيئة لا صلة له مع الإسلام الحقيقي التاريخي والحضاري.الإسلام في عصور الازدهار, في العصر الأُموي والعباسي وفي الأندلس, كان بيئة ممتازة للإبداع المنوع وللنشاط الثقافي وللحرية الدينية ولتآخي الديانات, الإسلام والمسيحية واليهودية, في ظل الحكم الإسلامي.
إن العصابات الأصولية المتطرفة من أمثال "القاعدة" والمنظمات التي على شاكلتها تُسّهِّل على الولايات المتحدة تشويه الإسلام والعالم الإسلامي, ونشر الأكاذيب العنصرية ضد الإسلام والمسلمين.
وهناك أُكذوبة يجب نسفها تماماً, وهي الزعم بأن الديمقراطية هي تقليعة أمريكية أو غربية وكل من يسعى إلى الديمقراطية يخدم بشكل مباشر أو غير مباشر "حرب أمريكا ضد العالم الإسلامي" .
هل هناك كذبة أكثر هزالاً من هذه؟ هل إذا أسقطنا الديكتاتورية الدموية الإرهابية(مثل نظام صدام حسين المخلوع أو نظام مُشَرَف في باكستان ) وأقمنا نظاماً ديمقراطياً يخدم حقوق الإنسان ويحترم التعددية السياسية والثقافية والدينية نكون قد خدمنا أمريكا؟ أم أن غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان هو ما يحطم شعوبنا ويمنعها من التحرر والإبداع من ناحية ويُمَكِّن أمريكا من شراء الأنظمة الديكتاتورية المفسودة الخائنة لشعوبها ؟
إن المعركة ضد الولايات المتحدة تظل ناقصة إذا لم ترتبط بنضال داخلي محلي ضد الديكتاتورية المحلية. كما أن النضال ضد الديكتاتورية المحلية يظل ناقصاً وربما عاجزاً عن الانتصار إذا لم يرتبط بالحركة النضالية العالمية, الديمقراطية والسياسية والاقتصادية لشعوب العالم الثالث ولشعوب أوروبا وأمريكا اللاتينية الطامحة إلى التخلص من النير الاستعماري الأمريكي.
مع النضال لفضح وإسقاط السياسة الاستعمارية ذات الملامح العنصرية المتطرفة للسياسة الأمريكية, "تجاه العالم الإسلامي", يجب النضال المحلي للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي, في مجتمعاتنا لصالح شعوبنا ومستقبلها. بالإضافة لذلك, هناك اليوم حاجة تاريخية لبناء جبهة عالمية تضم أوروبا وأمريكا اللاتينية والعالم الثالث كله (بما فيه العالم الإسلامي) وتضم بطبيعة الحال الصين, عملاق الشرق الصاعد, وروسيا لبناء تحالف عالمي يقف في وجه الوحدانية الأمريكية, ويقف سدّاً أمام المطامع الغير المحدودة لنهب ثروات الشعوب.
الولايات المتحدة تستغل أبشع استغلال عملية تفجير العمارتين التوأمين في نيو يورك. وهذه جريمة مرفوضة بكل المقاييس. ولكن أمريكا تستغل الجريمة لنشر العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين, بينما الحقيقة أن السياسة الأمريكية الإستعمارية التي تمارس الجرائم ضد شعوب الشرق هي مسؤولة إلى حد بعيد, أيضاً عن جرائم "القاعدة" وغيرها من التنظيمات الإرهابية.
نقول ببساطة منطقية أن الولايات المتحدة تعطي الحجج والذرائع لنشاط "الأصولية الإسلامية", كما أن الأصولية الإسلامية تعطي الذرائع للولايات المتحدة. والمصلحة الوطنية والتاريخية والمسؤولية الحضارية العالمية للعالم العربي والعالم الإسلامي عموماً هي بالنضال ضد الأصولية الدينية المتطرفة والإرهابية, وفي الوقت نفسه ضد السياسة الاستعمارية الأمريكية المغتصِبة لخيرات الشعوب ولإرادة الشعوب.وذلك لإقامة علاقات دولية جديدة وعالم جديد يسوده السلم والأمان والتعاون والتعددية والتسامح الديني وكافة حقوق الإنسان.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة