الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -معراج- أطول إجابة في التاريخ على سؤال: من ربك؟!

الغربي عمران

2022 / 4 / 22
الادب والفن


الفن الروائي يوما بعد آخر يعمق الحوار الذاتي للشخصيات، تساؤلات وجدل يحتدم ليغطي أجزاء واسعة من العمل، مثيرا لتساؤلات وجودية، وأفكار متنافرة، هدم قيم يظنها القارئ مسلمات، وبناء قيم بديلة. بالأمس أكملت قراءة رواية "شبابة السبع" لمحمد الحطوار. واليوم هذه رواية معراج لشروح، وقبل فترة كنت الكاتبة المصرية عزة ذياب ورواية "حارسة المقابر"، وكذلك مع الروائي الإماراتي فتحية النمر وروايتها "فيروزة". وغيرها من الروايات التي تعتمد على الجدل، حوار داخلي للشخصيات، تساؤلات مع الذات، تلك التساؤلات التي تحتمل أكثر من اجابة، وكأن سمة الجدل الذاتي خصيصة من خصائص الرواية الحديثة.
شروح ينتهي في آخر سطر من روايته بسؤال: "من ربك؟" ليبدأ بسرد إجابته لهذا السؤال، والذي غطى صفحات الرواية كاملة ،ومن العروف أن ذلك السؤال يوجه للميت بعد لحظات من دفنه حسب الموروث. لذلك سرد "ابراهيم" شخصية الرواية الرئيسي إجابته على ذلك السؤال، بداية ببواكير وعي لطفل في الخامسة ، يعيش في كنف أسرة ريفية متدينة، شارحا براءة الفهم الأول لما يحيطه، حين جعل من السحاب الهاً: "أمي لماذا الله اليوم ممزق هكذا؟!"، يسألم أمه ناظرا إلى السماء لتحتضنه ضاحكة، ثم شارحة أن تلك السحب ليست الله، وأنه... ثم يسأل جدته، ليواجه نفس الإجابة أن الله فوق كل شيء يرى ولا ي. لكنه لم يستوعب، ثم ينبهر بألوان وعلو قوس قزح، ليتخذه الهاً بديلا عن السحب التي تتلاشى، وهكذا يظل ابراهيم باحثا عن إله يخصه، اله يراه ويحس بوجوده، غير مستوعب ما يردده من حوله حول اله لا يرى ولا يُرى. ولذلك ظل ابراهيم يسرد إجابته في ما يقارب الثلاث مائة صفحة. في صياغة مستخدما خصائص الرواية السيرية، مرددا بين فينة وأخرى "أظن أن من المناسب أن أطلعك على أمرٍ..."، وفي صفحة أخرى "هنا علي أن أخبرك بأن النجوم..."، و "لا أظنني بحاجة لأخبرك بأن طفولتي..."،و "انتشيت بانتصاراتي، وكما بميسورك أن تخمن..." الى أخر تلك الجمل التي توحي بأنه يحاول شرح ما عاشه وكابده لكي يعرف أي اله أمن به. إلا أن المستمع لشرحه لا يرد، لنستنتج أنه يحكي مناجيا لشخصٍ ما، حتى السطر الأخر من الرواية يستنتج القارئ بأنه كان يجيب على ذلك السؤال الذي من المفترض أنه موجه من ملاك لميت، وبذلك أستمر ابراهيم يسرد قصة حياته، موضحا معاناته في بحثه عن إلهه. وكم أسهب ليشرح نوازع نفسه، وتساؤلاتها، وكأن تلك الإجابة ظلت تتراكم في أعماقه طيلة سنين حياته وقد أتت اللحظات ليفرج عنها.
قد تكون تلك الإجابة، أطول اجابة في التاريخ، نقل الميت خلالها تساؤلاته مع ذاته، وحواراته مع امه، وبينه وبين جدته التي "شرغت" من وطأة ضحكة مباغته على أحد أسئلته، لتلاقي ربها فجأة. والده الذي كان شديدا معه على الدوام، لا يتقبل أسئلته، فقط يريده على الدوام أن يكون مؤمنا بالله، مجتهدا في دارسة كُتاب المسج، حتى يكون أماماً المستقبل لطائفته، لكن إبراهيم لم يكن يستوعب أحاديث الكبار، وعلى وجه الخصوص ما يثرثر به والده، ولا دروس فقيه المسجد. ما عكر ذلك علاقته بوالده الذي كان يتهمه بالمروق واصفا له بالكافر الصغير.
ينتقل ابراهيم في إجابته من براءة الطفولة إلى حياته في شرخ الشباب، ساردا اكتشاف بلوغه سن الرجولة، حين داهمته أحلام الرغبة بفتاة تزوره ليلاً، لتتصاعد غلمته، وأنه أصبح من عداد الرجال، يحلم ليل نهار بلقيا فتاة يطارحها الغرام، إلى أن تلفت انتباهه جارتهم الأرملة أم "عائشة"، التي تجذبه إلى فراشها. بداية لم يفطن إلى أن تلك الجارة كان لها ثأر مع والده أبو جبل، حتى حكت له ذات ليلة، بأن والده قد هام بها يوما، إلا أنه تركها وتزوج بوالدته ذات الحسب والنسب. ليخمن أنها من خلاله قد ثأرت لنفسها. في إحدى الليالي فوجئ ابراهيم ورهط من رجال القرية ينتظرون خروجه أمام باب أم عائشة، ثار والده معلنا طرده من القرية بل وتبرأ منه. يهيم بعدها على وجهه، متجها لله "لم أعد التذ لشيء، قدر تلبيتي نداء المؤذن . أخف إلى المسجد مغتبطا، وما ان اقف لأصلي حتى انعم بنوع من الشعور بالامتلاء، بالكلية، وبالامتداد، اللّا نهائي".
هذا الجدل الدائر مع نفسه، عكس ما كان يعيشه ساقبا، إذ أنه كان في صراع بين رضى الناس عنه، ورضى نفسه عن نفسه، وأعتبر عبادة الله نوع من أنواع رضا من حوله، ولذلك رفض التمظهر بالإيمان، لكن شعورة بالذنب بعد عدة محطات، منها محاولة علاء صديقة التحرش به، ثم جذب أم عائشة له إلى فراشها، دفعه كل ذلك إلى أن يتجه لله بعد نجاته من محاول انتحار.
لم تكن حياة إبراهيم إلا سلسلة من الكبوات والانتصارات، وخلالها كانت تبرز تلك التساؤلات حول ما يخص الأنا، وما على الأنا تجاه نفسها وتجاه من يحيطون به من أهل وأصدقاء ومعاريف.
عالجت الرواية قضية الخيانات، وكذلك العار من خلال قتل أبو جبل لزوجته وقد خرجت عارية بعد سماعها مقتل وليدها الحسن والحسين، وقتل عائشة ليلة عرسها بعد أن أكتشف عريسها أنها ليست عذراء. مقتل يزيد صديق ابراهيم بعد محاولته التحرش بفتاة. أيضا أفسح الكاتب مساحة لدور الطائفية في اذكاء الحروب، تلك الحروب التي تنشب بين فينة وأخرى بين الأخوة، ليقتاد الصغار وقوداً لها. في اشارة للحرب الدائرة في اليمن.
ناقشت الرواية عدد من الأحداث ذات الصلة بالإجابة على السؤال "من ربك"، داعمة لفكرة الجدل المحتدم بين إبراهم ونفسه. ذلك الجدل الذي طغى ليغطي مساحات واسعة على حساب تصاعد الحدث. بهدف البحث عن أجوبة كثيرا ما اعتملت في ذهنه، خاصة وطرفي الحرب في اليمن يحاربون جميعهم باسم الله. من خلال ذلك يدين أمراء الحرب، من يكذبون على الناس باسم الله، بينما هم يديرون بالحرب مصالحهم، تلك المصالح المرتبطة بمن يمولهم، ويتحكم بهم من خارج البلاد. "ان الجميع فيها يقتل صادحا باسم الله، وان اغلب تفاصيلها مضت تخبر عن كونها مجرد سلسة من الثارات المجنونة، لا اكثر. الله اكبر كانت صرخة كل الاطراف ، كل المتقاتلين ... الكل يقول إن الحق له كل الحق وان الاخر محض مغتد اثم...".
اضافة إلى أن الرواية تعرضت لعدة قضايا أخرى منها: الخيانة، الانتقام، البراءة، الدعارة، أثر عقدة الذنب، وغيرها.
لتنتهي الرواية بمشهد مأسوي: "واحسيناه، واحسيناه. إنها أمي، هناك عارية كلياً على سطح بيتنا، ترسل صرخاتها في كل اتجاه، كاشطة باظافرها لحم وجهها الذي بات عجينة مدماة.
لوهلة بقيت اراقب هذه الفنتازيا كما لو لا تعنيني في شيء، اتلقى مثل جميع الموجودين تلك الصرخات الجحيمية واسمع حوقلاتهم بين صرخة وثانية..." ذلك المشهد نتيجة لسماعها خبر مقتل أبنيها الحسن والحسين في جبهة القتال. وكنوع من الغيرة صوب الزوج مسدسة، ليرديها قتيلة، ويرى ابراهيم أمه تهوي جثة هامدة. لحظته وجه رصاصه ليقتل والده، ومن ثم التف مرافقي والده وقتلوه.
بهذا المشهد تنتهي الرواية، لتحمل جثث الأم والأب والابن مرافقة لجثث الحسن والحسين إلى مقبرة القرية. في دلالة إلى أن الجميع خاسر، نساء وأباء وأبناء، وأن الجميع يدمر وطنه ويقتل نفسه باسم الوطن ودفاعا عن الله. وكأن الكاتب أراد إيصال مقولة "أن الدين معضلة".
"معراج" صادرة بإخراج جميل/ عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة أواخر العام2021. وهي الرواية الثانية لشروح بعد"سوار النبي" رواية جريئة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي